الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون المصريالملكية الفكريةجرائم الانترنت

القانون المصري في مواجهة جرائم القرصنة الأكاديمية

القانون المصري في مواجهة جرائم القرصنة الأكاديمية

دليلك العملي لحماية حقوقك الفكرية والإبلاغ عن السرقات العلمية

تعتبر القرصنة الأكاديمية والسرقة العلمية من أخطر الظواهر التي تهدد نزاهة البحث العلمي وتقوض جهود الباحثين والمؤلفين. في ظل التطور الرقمي، أصبح من السهل نسخ المحتوى وإعادة نشره دون إذن أو إشارة للمصدر الأصلي، مما يضيع الحقوق الأدبية والمادية لأصحابها. يتناول هذا المقال الإطار القانوني المصري لمكافحة هذه الجرائم، ويقدم خطوات عملية وواضحة يمكن لأي باحث أو أكاديمي اتباعها لحماية أعماله ومواجهة أي تعدٍ عليها، وصولًا إلى الحصول على حقوقه كاملة عبر القنوات الرسمية.

فهم الإطار القانوني الحاكم لجرائم القرصنة الأكاديمية

قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002

يمثل هذا القانون حجر الزاوية في حماية المصنفات الأدبية والفنية والعلمية في مصر. يعتبر أي بحث علمي أو رسالة ماجستير أو دكتوراه أو مقال أكاديمي “مصنفًا” يتمتع بالحماية بمجرد إبداعه، دون الحاجة إلى أي إجراء شكلي. يمنح القانون للمؤلف حقوقًا أدبية أبدية، مثل الحق في نسبة المصنف إليه، وحقوقًا مالية تتيح له استغلال عمله. أي نسخ أو نشر أو تعديل للعمل دون الحصول على إذن كتابي مسبق من المؤلف يعد انتهاكًا صريحًا لأحكام هذا القانون ويعرض مرتكبه للمساءلة القانونية الجنائية والمدنية.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018

جاء هذا القانون ليتعامل مع الجرائم التي ترتكب في الفضاء الرقمي، وهو ما ينطبق بشكل مباشر على معظم صور القرصنة الأكاديمية الحديثة. يوفر القانون الحماية للبيانات والمعلومات والمواقع الإلكترونية. فإذا تم نشر بحثك المسروق على موقع إلكتروني أو مدونة أو حتى عبر مجموعات مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا القانون يوفر الأدوات اللازمة لتتبع الجاني وملاحقته. تجرم مواده الاعتداء على أي من الحقوق الفكرية عبر شبكة الإنترنت، مما يضيف طبقة حماية إضافية للباحثين في العصر الرقمي.

العقوبات المقررة قانونًا على مرتكبي القرصنة

تتنوع العقوبات التي يفرضها القانون المصري على مرتكبي جرائم القرصنة الأكاديمية. جنائيًا، يمكن أن تصل العقوبات إلى الحبس والغرامة المالية، وتتضاعف العقوبة في حالة العود. أما من الناحية المدنية، فيحق لصاحب الحق المعتدى عليه رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المختصة، وهي المحاكم الاقتصادية، للمطالبة بوقف الاعتداء فورًا، وسحب المصنفات المقلدة من التداول، والحصول على تعويض مادي وجبر الأضرار الأدبية التي لحقت به نتيجة لهذا الاعتداء على جهده الفكري وسمعته الأكاديمية.

خطوات عملية لمواجهة واقعة سرقة أكاديمية

الخطوة الأولى: جمع الأدلة وتوثيق الواقعة بدقة

قبل اتخاذ أي إجراء، يجب أن تمتلك دليلاً قاطعًا لا يقبل الشك على واقعة السرقة. قم بأخذ لقطات شاشة (Screenshots) للصفحات الإلكترونية التي تم نشر عملك عليها مع إظهار تاريخ وتوقيت اللقطة ورابط الصفحة. إذا كان العمل منشورًا في ملف، قم بتنزيل نسخة منه. احتفظ بنسخ من عملك الأصلي مع ما يثبت تاريخ إنجازه، مثل رسائل البريد الإلكتروني المرسلة للمشرفين أو مسودات العمل المؤرخة. كلما كانت أدلتك قوية ومنظمة، زادت قوة موقفك القانوني.

الخطوة الثانية: التواصل المباشر مع الطرف المعتدي

في بعض الحالات، قد يكون الاعتداء ناتجًا عن جهل بالقانون وليس عن نية إجرامية. يمكنك البدء بإرسال إشعار رسمي عبر البريد الإلكتروني أو أي وسيلة موثقة للطرف الذي قام بنشر عملك. يجب أن يتضمن الإشعار تحديدًا دقيقًا لعملك المسروق، وإرفاق الأدلة التي تثبت ملكيتك له، ومطالبة واضحة بإزالة المحتوى فورًا خلال مدة زمنية محددة. هذه الخطوة قد تحل المشكلة وديًا وتوفر عليك عناء الإجراءات القانونية، كما أنها تعتبر إثباتًا على حسن نيتك ومحاولتك حل الأمر قبل التصعيد.

الخطوة الثالثة: التصعيد عبر القنوات الرسمية (الجامعة أو جهة النشر)

إذا كان السارق طالبًا أو عضو هيئة تدريس في مؤسسة أكاديمية، أو إذا تم نشر العمل في مجلة علمية، فيمكنك تقديم شكوى رسمية لإدارة هذه المؤسسة. الجامعات والمجلات المرموقة لديها لجان أخلاقيات بحث علمي تأخذ هذه الشكاوى على محمل الجد. قم بتقديم شكوى مدعومة بكافة الأدلة التي جمعتها. غالبًا ما تتخذ هذه الجهات إجراءات حاسمة قد تصل إلى فصل الطالب أو سحب البحث المنشور ومعاقبة المسؤول، وهو ما يحقق لك ردعًا سريعًا ويحفظ حقك الأدبي.

الإجراءات القانونية الرسمية والمتقدمة

تقديم بلاغ لإدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات

إذا فشلت الحلول الودية وكان الاعتداء واقعًا عبر الإنترنت، فإن الخطوة التالية هي اللجوء إلى السلطات المختصة. يمكنك التوجه إلى الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، والمعروفة إعلاميًا بـ “مباحث الإنترنت”، وتقديم بلاغ رسمي. ستحتاج إلى تقديم كافة الأدلة الرقمية التي قمت بجمعها، مثل الروابط ولقطات الشاشة. يقوم رجال المباحث بإجراء التحريات الفنية اللازمة لتحديد هوية الجاني واتخاذ الإجراءات القانونية الأولية وإعداد تقرير فني بالواقعة.

تحرير محضر رسمي في قسم الشرطة

بالتوازي مع بلاغ مباحث الإنترنت أو كخطوة مستقلة، يمكنك التوجه إلى قسم الشرطة الذي يقع في دائرته محل إقامتك أو محل وقوع الجريمة الرقمية، وتحرير محضر إثبات حالة بالواقعة. قم بإرفاق نسخة مطبوعة من كافة الأدلة التي بحوزتك. هذا المحضر الرسمي هو الأساس الذي تبنى عليه الدعوى الجنائية لاحقًا، حيث يتم إحالته إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق في الواقعة واستدعاء المشكو في حقه لسماع أقواله.

رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاقتصادية

المحاكم الاقتصادية هي الجهة القضائية المختصة بنظر الدعاوى المتعلقة بجرائم الملكية الفكرية وجرائم تقنية المعلومات. بعد تحرير المحضر وبدء تحقيقات النيابة، يمكنك من خلال محامٍ متخصص رفع دعوى قضائية أمام هذه المحكمة. تنقسم الدعوى إلى شق جنائي لمعاقبة المتهم، وشق مدني للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابتك. يقدم المحامي كافة المستندات والأدلة وتقارير الفحص الفني لدعم موقفك أمام هيئة المحكمة.

نصائح استباقية لحماية إنتاجك الفكري

تسجيل المصنفات لدى الجهات المختصة

على الرغم من أن القانون يحمي عملك بمجرد إبداعه، إلا أن تسجيله وإيداعه لدى الجهات الرسمية يمنحك حجة قوية وتاريخًا ثابتًا لا يمكن دحضه لإثبات ملكيتك للعمل. يمكنك إيداع نسخة من أبحاثك ورسائلك العلمية في المكتب المخصص لذلك بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية. الحصول على رقم إيداع يعد بمثابة شهادة ميلاد رسمية لعملك الفكري، ويقطع الطريق على أي محاولة لنسبه للغير في المستقبل.

استخدام الأدوات الرقمية للحماية

عند مشاركة نسخ أولية من عملك عبر الإنترنت، فكر في استخدام أدوات الحماية الرقمية. يمكنك وضع علامات مائية (Watermarks) شفافة تحمل اسمك أو شعارك على صفحات المستند. كما يمكنك حماية ملفات البي دي إف بكلمة مرور أو تقييد خاصية النسخ واللصق منها. هذه الإجراءات قد لا تمنع القرصنة بشكل كامل، لكنها تجعلها أكثر صعوبة وتثبت أن أي نسخ تم هو فعل مقصود وليس مجرد مصادفة، مما يعزز موقفك عند اتخاذ إجراء قانوني.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock