جريمة نشر محتوى إرهابي عبر الإنترنت
محتوى المقال
جريمة نشر محتوى إرهابي عبر الإنترنت: دليلك القانوني الشامل
كيف تواجه هذه الجريمة وما هي الإجراءات القانونية المتاحة؟
أصبح الفضاء الإلكتروني ساحة مفتوحة لنشر الأفكار والمعلومات، ولكن للأسف، استغلته الجماعات المتطرفة لنشر محتوى إرهابي يهدف إلى زعزعة الاستقرار وتجنيد عناصر جديدة. يمثل هذا المحتوى خطرًا حقيقيًا على أمن المجتمعات والأفراد. في هذا المقال، نقدم لك دليلاً عملياً متكاملاً يتناول الأبعاد القانونية لهذه الجريمة في مصر، ونوضح لك بالخطوات الدقيقة كيفية التعامل مع هذا المحتوى والإبلاغ عنه بفاعلية لحماية نفسك ومجتمعك.
الإطار القانوني لمكافحة المحتوى الإرهابي في مصر
يتعامل المشرع المصري بحزم شديد مع الجرائم المتعلقة بالإرهاب، خاصة تلك التي تستغل التقنيات الحديثة للترويج لأفكار هدامة. الأساس القانوني لهذه المواجهة يرتكز على قانونين رئيسيين يكمل كل منهما الآخر لتغطية كافة جوانب الجريمة، سواء كانت على أرض الواقع أو في الفضاء الرقمي، مما يوفر غطاءً تشريعياً قوياً لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة.
قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015
يعد هذا القانون الركيزة الأساسية في التجريم والعقاب. تنص المادة 28 من القانون على عقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعاً على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية أو التأثير على سير العدالة. هذا النص يعالج بشكل مباشر فعل النشر والترويج عبر الإنترنت.
توضح العقوبة المشددة مدى خطورة الجريمة في نظر المشرع. لا يقتصر التجريم على النشر فقط، بل يمتد ليشمل توفير المعلومات حول كيفية تصنيع الأسلحة أو المتفجرات أو أي أدوات تستخدم في الأعمال الإرهابية. القانون يغطي بذلك كافة أشكال الدعم الإلكتروني للجماعات المتطرفة، بدءًا من الترويج الفكري وانتهاءً بالدعم اللوجستي والمعلوماتي عبر الشبكة العنكبوتية.
قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018
جاء هذا القانون ليكمل المنظومة التشريعية ويتخصص في الجرائم التي تقع عبر الإنترنت. المادة 29 من هذا القانون تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا. وعندما يتعلق الأمر بجريمة إرهابية، يتم تطبيق العقوبة الأشد المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب.
هذا القانون يوفر الأدوات الإجرائية اللازمة للجهات الأمنية لتتبع هذه الجرائم، حيث يمنح السلطات صلاحيات واسعة في حجب المواقع والحسابات التي تبث هذا المحتوى الضار. التكامل بين القانونين يضمن عدم وجود ثغرات قانونية يمكن للمجرمين استغلالها، ويؤكد على أن الفضاء الرقمي ليس بمنأى عن سيادة القانون ورقابته.
خطوات عملية للإبلاغ عن المحتوى الإرهابي
عندما تصادف محتوى إرهابياً أو متطرفاً على الإنترنت، فإن رد فعلك السريع والصحيح يلعب دوراً محورياً في مكافحته. الإبلاغ الفوري يساهم في إزالة المحتوى وحماية الآخرين من التعرض له، كما يساعد الجهات المختصة في تتبع مصادره. هناك مساران رئيسيان وفعالان يمكنك اتباعهما، وكلاهما مهم لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
الطريقة الأولى: الإبلاغ المباشر لمنصات التواصل الاجتماعي
تضع معظم المنصات العالمية مثل فيسبوك، إكس (تويتر سابقاً)، يوتيوب، وإنستغرام سياسات صارمة تمنع نشر المحتوى الذي يمجد الإرهاب أو يروج له. توفر هذه المنصات أدوات إبلاغ سهلة الاستخدام. عادةً، تجد خيار الإبلاغ بجوار المنشور أو الفيديو أو الحساب نفسه. عند النقر عليه، اختر السبب الأكثر دقة، مثل “محتوى عنيف” أو “إرهاب” أو “خطاب كراهية”. هذا الإجراء يؤدي إلى مراجعة المحتوى من قبل فرق متخصصة وقد يتم حذفه خلال ساعات قليلة.
الطريقة الثانية: الإبلاغ للجهات الرسمية المصرية
يعتبر هذا المسار أكثر رسمية وله أثر قانوني مباشر. يمكنك تقديم بلاغ رسمي لإدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات التابعة لوزارة الداخلية، والمعروفة إعلاميًا باسم “مباحث الإنترنت”. يمكنك القيام بذلك عبر زيارة أقرب قسم شرطة وتقديم بلاغ رسمي، أو من خلال المنصات الإلكترونية المخصصة التي تطلقها وزارة الداخلية. عند تقديم البلاغ، من الضروري تزويد السلطات بأكبر قدر من المعلومات، مثل روابط الصفحات والحسابات، ولقطات شاشة (سكرين شوت) واضحة للمحتوى، وأي معلومات أخرى قد تساعد في تحديد هوية الناشر.
كذلك، يمكنك التوجه إلى أقرب نيابة عامة وتقديم بلاغ (عريضة) مباشرة. سيتم التحقيق في البلاغ واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المسؤولين عن نشر هذا المحتوى. هذا الإجراء يضمن بدء مسار قضائي رسمي ضد المتورطين، مما يؤدي إلى ملاحقتهم وتقديمهم للمحاكمة وفقًا للقوانين السارية.
الحلول الوقائية ودور المجتمع في المكافحة
لا تقتصر مواجهة المحتوى الإرهابي على الإجراءات القانونية والأمنية فقط، بل تتطلب تضافر جهود المجتمع بأسره لخلق بيئة رقمية آمنة. تلعب الوقاية والتوعية دوراً حاسماً في تحصين الأفراد، خاصة الشباب، ضد الأفكار المتطرفة التي تنتشر بسرعة عبر الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة الفورية.
دور الأفراد في التوعية والمراقبة
يقع على عاتق كل فرد في المجتمع مسؤولية كبيرة. تبدأ هذه المسؤولية من التوعية بمخاطر هذا المحتوى وعدم إعادة نشره تحت أي ظرف، حتى لو كان بهدف التحذير منه، لأن ذلك يساهم في انتشاره. يجب على الأسر مراقبة استخدام أبنائهم للإنترنت وتوجيههم نحو المحتوى الإيجابي والبناء، مع فتح قنوات حوار مستمرة لمناقشة أي أفكار غريبة قد يتعرضون لها. إن تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الشباب يساعدهم على تمييز الدعاية المضللة ورفضها.
مسؤولية الشركات ومقدمي الخدمات
شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية ضخمة. يجب عليها تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي باستمرار لتكون قادرة على اكتشاف المحتوى المتطرف وحذفه بشكل استباقي قبل أن يصل إلى عدد كبير من المستخدمين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تستثمر في فرق المراجعة البشرية التي تفهم السياقات الثقافية واللغوية المختلفة، لضمان دقة قرارات الحذف والاستجابة السريعة للبلاغات المقدمة من المستخدمين والجهات الحكومية.
نصائح إضافية لحماية نفسك ومجتمعك
إلى جانب الإبلاغ والوقاية، هناك خطوات إضافية يمكنك اتخاذها لتعزيز دورك في هذه المواجهة الرقمية، ولحماية بياناتك الشخصية من الاستغلال. هذه الإجراءات البسيطة ترفع من مستوى الأمان الرقمي العام وتجعل من الصعب على المتطرفين تحقيق أهدافهم.
كيفية توثيق الأدلة بشكل صحيح
عندما تقرر تقديم بلاغ رسمي، فإن قوة الأدلة التي تقدمها هي مفتاح نجاح الإجراء القانوني. لا تكتفِ بالرابط فقط، بل قم بأخذ لقطة شاشة (Screenshot) كاملة وواضحة للمنشور أو الحساب. تأكد من أن لقطة الشاشة تظهر المحتوى المخالف، اسم الحساب أو الصفحة، بالإضافة إلى التاريخ والوقت الظاهرين على شاشة جهازك. الأفضل من ذلك هو حفظ الصفحة بالكامل كملف PDF أو استخدام أدوات أرشفة الويب. هذه الأدلة الموثقة تكون حاسمة في التحقيقات.
ماذا تفعل إذا تم استهدافك أو تهديدك؟
إذا تلقيت رسائل تهديد مباشرة أو وجدت نفسك مستهدفًا من قبل حسابات تروج للعنف، فإن أول وأهم قاعدة هي عدم التفاعل أو الدخول في جدال مع هذه الحسابات. أي تفاعل قد يؤدي إلى تصعيد الموقف. الخطوة التالية هي توثيق التهديدات فوراً بأخذ لقطات شاشة واضحة. بعد ذلك، قم بحظر الحساب المبلغ عنه مباشرة. وأخيرًا، توجه فورًا إلى السلطات المختصة لتقديم بلاغ رسمي بالواقعة، مزودًا إياهم بكل الأدلة التي وثقتها. حمايتك الشخصية هي الأولوية القصوى.