إجراءات التبني في القانون المصري
محتوى المقال
إجراءات التبني في القانون المصري: دليلك الشامل لنظام الكفالة
فهم الفروقات الجوهرية بين التبني والكفالة والخطوات العملية لاحتضان طفل في مصر
يختلط مفهوم التبني بمفهوم الكفالة لدى الكثيرين عند الرغبة في رعاية طفل. في الواقع، لا يعترف القانون المصري بمصطلح “التبني” للمواطنين المسلمين استنادًا إلى أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تحرم تغيير نسب الطفل. وبدلًا من ذلك، وضع المشرع نظامًا بديلاً متكاملاً يُعرف بنظام “الكفالة” أو “الأسر البديلة”، وهو ما ينظم عملية احتضان ورعاية الأطفال مجهولي النسب أو المحرومين من الرعاية الأسرية. هذا المقال يقدم دليلاً عمليًا ومفصلاً حول كيفية كفالة طفل في مصر، موضحًا الشروط والإجراءات القانونية اللازمة من الألف إلى الياء.
ما هو نظام الكفالة (الأسر البديلة) في القانون المصري؟
نظام الكفالة هو الإجراء القانوني والشرعي المعتمد في مصر لرعاية الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية. يهدف هذا النظام إلى توفير بيئة أسرية مستقرة وآمنة للطفل تضمن له الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية السليمة. تستند الكفالة إلى قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، والذي وضع الإطار التنظيمي الكامل لهذا النظام. تقوم وزارة التضامن الاجتماعي بالإشراف على تطبيق هذه الإجراءات من خلال لجان متخصصة لضمان مصلحة الطفل الفضلى.
الفرق الأساسي بين التبني والكفالة
يكمن الفارق الجوهري بين النظامين في مسألة النسب. في التبني (المحظور شرعًا وقانونًا للمسلمين)، يُنسب الطفل إلى الأسرة التي تبنته ويحمل اسمها ويرث منها كوريث شرعي. أما في نظام الكفالة، فيحتفظ الطفل بنسبه الأصلي إن كان معروفًا، أو يظل باسمه الذي تم إطلاقه عليه في شهادة الميلاد. لا يترتب على الكفالة حق الميراث، ولكن يمكن للأسرة الكافلة أن تمنح الطفل ما تشاء من ممتلكاتها عن طريق الهبة أو الوصية بما لا يتجاوز ثلث التركة.
السند القانوني لنظام الكفالة
الإطار القانوني الرئيسي الذي يحكم نظام الأسر البديلة هو قانون الطفل المصري ولائحته التنفيذية. تحدد هذه النصوص التشريعية الشروط الواجب توافرها في كل من الأسرة المتقدمة بطلب الكفالة والطفل المراد كفالته. كما توضح بالتفصيل الإجراءات الإدارية والقانونية، بدءًا من تقديم الطلب ومرورًا بالبحث الاجتماعي وتقييم الأهلية، وصولًا إلى قرار اللجنة المختصة والمتابعة الدورية للأسرة والطفل بعد إتمام عملية الكفالة لضمان استمرار توفير الرعاية المناسبة له.
شروط كفالة طفل في مصر
وضع القانون المصري مجموعة من الشروط الدقيقة التي يجب أن تستوفيها الأسرة الراغبة في كفالة طفل، وذلك لضمان توفير بيئة مناسبة لنموه. هذه الشروط لا تقتصر على الجانب المادي فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية والصحية للأسرة، مما يعكس حرص المشرع على حماية مصلحة الطفل بالدرجة الأولى.
شروط خاصة بالأسرة الكافلة
يجب أن تكون الأسرة المتقدمة مسلمة الديانة إذا كان الطفل مسلمًا، وأن يكون الزوجان مصريين. يُشترط ألا يقل سن كل منهما عن خمسة وعشرين عامًا وألا يتجاوز الستين. يجب أن يثبت البحث الاجتماعي صلاحية الأسرة من النواحي الأخلاقية والاجتماعية وقدرتها على إعالة الطفل ماديًا. كما يجب أن تكون الأسرة خالية من الأمراض المعدية أو النفسية التي قد تعيق رعاية الطفل بشكل سليم. تمنح الأولوية للأسر التي ليس لديها أطفال أو التي لديها طفل واحد.
شروط خاصة بالطفل المكفول
يجب أن يكون الطفل المراد كفالته من الأطفال الذين لم يتم ستة أشهر على إيداعهم في إحدى دور الرعاية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي. يجب أن يكون الطفل إما يتيم الأبوين أو مجهول النسب. تهدف هذه الشروط إلى إتاحة الفرصة للأطفال في سن مبكرة للاندماج في بيئة أسرية طبيعية في أسرع وقت ممكن، مما يساعد على نموهم النفسي والعاطفي بشكل صحي وسليم.
الخطوات العملية لإجراءات الكفالة
تتضمن عملية الكفالة سلسلة من الخطوات المنظمة التي تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي لضمان الدقة والشفافية. تبدأ هذه الرحلة بتقديم طلب رسمي وتنتهي بقرار من اللجنة العليا للأسر البديلة. كل خطوة مصممة لتقييم مدى أهلية الأسرة وقدرتها على توفير مستقبل آمن ومستقر للطفل.
الخطوة الأولى: تقديم الطلب والمستندات المطلوبة
تبدأ الإجراءات بتقديم طلب إلى إدارة الأسرة والطفولة في مديرية التضامن الاجتماعي التابع لها محل إقامة الأسرة. يجب إرفاق مجموعة من المستندات الأساسية، وتشمل: صور بطاقات الرقم القومي للزوجين، صورة من وثيقة الزواج، شهادات المؤهل الدراسي، صحيفة الحالة الجنائية لكل منهما، شهادات صحية تثبت خلوهما من الأمراض، وبيان بمفردات الدخل الشهري للأسرة لإثبات القدرة المالية على رعاية الطفل.
الخطوة الثانية: البحث الاجتماعي والتقييم
بعد استلام الطلب والمستندات، تقوم إدارة الأسرة والطفولة بإجراء بحث اجتماعي شامل عن الأسرة. يتضمن هذا البحث زيارة منزلية يقوم بها أخصائي اجتماعي لتقييم المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، والتأكد من ملاءمة المسكن، وتقييم الديناميكيات والعلاقات الأسرية. يهدف هذا البحث إلى تكوين صورة كاملة عن البيئة التي سينشأ فيها الطفل والتأكد من أنها توفر له الدعم والاستقرار المطلوبين.
الخطوة الثالثة: قرار اللجنة العليا للأسر البديلة
يتم رفع تقرير البحث الاجتماعي مع كامل ملف الأسرة إلى اللجنة المحلية للأسر البديلة في كل محافظة، والتي بدورها ترفعه إلى اللجنة العليا للأسر البديلة بوزارة التضامن الاجتماعي. هذه اللجنة هي المسؤولة عن اتخاذ القرار النهائي بالموافقة على طلب الكفالة أو رفضه بناءً على تقييم شامل لجميع الجوانب. في حالة الموافقة، يتم إخطار الأسرة للبدء في إجراءات تسلم الطفل.
الخطوة الرابعة: استلام الطفل والمتابعة الدورية
بعد صدور الموافقة، تتعاقد الأسرة مع مديرية التضامن الاجتماعي وتتسلم الطفل. لا تنتهي مسؤولية الوزارة عند هذا الحد، بل تقوم بإجراء متابعات دورية للأسرة والطفل من خلال زيارات منزلية يقوم بها الأخصائيون الاجتماعيون. تهدف هذه المتابعات إلى التأكد من حسن رعاية الطفل واندماجه في الأسرة وتقديم الدعم والإرشاد اللازمين للأسرة لضمان نجاح تجربة الكفالة.
الآثار القانونية المترتبة على الكفالة
يترتب على عقد الكفالة مجموعة من الالتزامات والحقوق التي تهدف في مجملها إلى حماية الطفل وتوفير حياة كريمة له. هذه الآثار تحدد طبيعة العلاقة بين الأسرة الكافلة والطفل المكفول من الناحية القانونية والاجتماعية، وتوضح واجبات كل طرف لضمان استقرار هذه العلاقة واستمرارها.
واجبات الأسرة الكافلة
تلتزم الأسرة الكافلة برعاية الطفل رعاية كاملة تشمل الإنفاق عليه وتوفير احتياجاته من مأكل وملبس ومسكن. كما تلتزم بتعليمه وتأديبه وتنمية شخصيته دينيًا واجتماعيًا. يجب على الأسرة أيضًا الحفاظ على صحة الطفل وتقديم الرعاية الطبية اللازمة له. من أهم الالتزامات إخطار إدارة الأسرة والطفولة بأي تغيير يطرأ على حالتها الاجتماعية أو محل إقامتها.
حقوق الطفل المكفول
أهم حق للطفل المكفول هو حقه في معرفة نسبه الحقيقي إن كان معروفًا، ويجب على الأسرة الكافلة عدم إخفاء هذه الحقيقة عنه. يحتفظ الطفل باسمه الأصلي ولا ينسب للأسرة الكافلة. وفيما يتعلق بالجانب المالي، لا يرث الطفل من الأسرة الكافلة، ولكن يمكن للأسرة أن توصي له بجزء من أموالها في حدود ثلث التركة، أو أن تهب له ما تشاء من ممتلكاتها في حياتها بعقود رسمية.
حلول وبدائل: التبني لغير المسلمين
على عكس الوضع بالنسبة للمسلمين، فإن القانون المصري يقر بحق المواطنين غير المسلمين في اتباع شرائعهم الدينية الخاصة في مسائل الأحوال الشخصية، ومن ضمنها التبني. هذا الاستثناء يأتي تطبيقًا لمبدأ احترام حرية العقيدة والشريعة الخاصة بكل ديانة، مما يوفر إطارًا قانونيًا مختلفًا لهذه الفئة من المواطنين.
الإطار القانوني الخاص
بالنسبة للمسيحيين على سبيل المثال، تسمح لائحة الأقباط الأرثوذكس بالتبني وفقًا لشروط وإجراءات محددة تتم من خلال الكنيسة والمحاكم المختصة. في هذه الحالة، يمكن أن ينسب الطفل إلى الأسرة المتبنية ويحمل اسمها، كما يترتب على هذا التبني كافة الآثار القانونية بما في ذلك الحق في الميراث. يجب على الأسر غير المسلمة الراغبة في التبني مراجعة السلطات الدينية التابعة لها والمحاكم المختصة لمعرفة الإجراءات الدقيقة المطلوبة.