التحكيم في المنازعات العقارية
محتوى المقال
التحكيم في المنازعات العقارية: حلول عملية وخطوات دقيقة
التحكيم كبديل فعال للقضاء في تسوية الخلافات العقارية
تُعد المنازعات العقارية من أكثر أنواع النزاعات تعقيدًا وحساسية، نظرًا لارتباطها بحقوق الملكية وقيمتها الاقتصادية العالية. غالبًا ما تستغرق القضايا المنظورة أمام المحاكم سنوات طويلة، مما يثقل كاهل الأطراف المعنية ويؤخر تحقيق العدالة. في هذا السياق، يبرز التحكيم كآلية بديلة وفعالة لتسوية هذه المنازعات، مقدمًا حلولًا أسرع وأكثر مرونة وتخصصًا. يتناول هذا المقال التحكيم في المنازعات العقارية من كافة جوانبه، مستعرضًا مفهومه ومزاياه، ومقدمًا خطوات عملية دقيقة لإتمامه بنجاح، بالإضافة إلى نصائح وإرشادات لضمان فعاليته وتحقيق النتائج المرجوة. نهدف إلى تقديم دليل شامل يساعد الأفراد والشركات على فهم هذه الآلية والاستفادة منها في حل خلافاتهم العقارية.
مفهوم التحكيم العقاري ومزاياه الرئيسية
ما هو التحكيم في المنازعات العقارية؟
التحكيم في المنازعات العقارية هو نظام قانوني يتم بموجبه الاتفاق بين أطراف النزاع العقاري على عرض خلافهم على محكم أو هيئة تحكيم خاصة، بدلًا من اللجوء إلى المحاكم القضائية المختصة. يلتزم الأطراف بالخضوع لقرار المحكم أو هيئة التحكيم، والذي يكون له قوة الأحكام القضائية بعد صدوره وتذييله بالصيغة التنفيذية. يتميز هذا النظام بالسرعة والفعالية في حل النزاعات التي تنشأ عن عقود البيع، الإيجار، التشييد، أو أي تعاملات أخرى متعلقة بالعقارات.
يتطلب التحكيم وجود اتفاق مكتوب وصريح بين الأطراف يسمى “اتفاق التحكيم”، والذي يحدد بوضوح النزاع المراد حله، وقواعد الإجراءات، وكيفية اختيار المحكمين. يمكن أن يكون هذا الاتفاق شرطًا تحكيميًا ضمن العقد الأصلي أو اتفاقًا مستقلًا يتم إبرامه بعد نشوء النزاع. يهدف التحكيم إلى توفير حلول قضائية خارج إطار المحاكم التقليدية، مع الحفاظ على سرية الإجراءات وتخصص المحكمين في المجال العقاري.
مزايا اللجوء إلى التحكيم العقاري
يقدم التحكيم العديد من المزايا التي تجعله خيارًا مفضلًا في المنازعات العقارية. أولًا، السرعة في الفصل في النزاع، حيث تستغرق إجراءات التحكيم عادة وقتًا أقل بكثير مقارنة بالتقاضي أمام المحاكم، مما يوفر الوقت والجهد والتكاليف على الأطراف. ثانيًا، التخصصية، إذ يمكن للأطراف اختيار محكمين لديهم خبرة واسعة في القانون العقاري والهندسة أو التقييم العقاري، مما يضمن فهمًا أعمق للنزاع واتخاذ قرارات مستنيرة. هذا التخصص يؤدي إلى حلول أكثر عدلًا وإنصافًا.
ثالثًا، السرية، فإجراءات التحكيم عادة ما تكون سرية، على عكس جلسات المحاكم العلنية، مما يحافظ على سمعة الأطراف وعدم الكشف عن تفاصيل حساسة تتعلق بالاستثمارات العقارية. رابعًا، مرونة الإجراءات، حيث يمكن للأطراف الاتفاق على القواعد الإجرائية التي تناسبهم، بما في ذلك مكان التحكيم واللغة المعتمدة، وهو ما يوفر بيئة أكثر ملاءمة للتسوية. خامسًا، سهولة تنفيذ أحكام التحكيم، فمعظم التشريعات الحديثة تمنح أحكام التحكيم قوة تنفيذية مشابهة للأحكام القضائية بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، مثل تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية.
الخطوات العملية لإجراء التحكيم في المنازعات العقارية
الموافقة على التحكيم وصياغة اتفاق التحكيم
تعتبر الخطوة الأولى والأساسية في أي عملية تحكيم هي وجود اتفاق كتابي بين الأطراف المتنازعة على اللجوء إلى التحكيم. هذا الاتفاق يمكن أن يكون شرطًا تحكيميًا مدرجًا ضمن العقد الأصلي الذي نشأ عنه النزاع العقاري، مثل عقد بيع عقار أو عقد إيجار أو عقد مقاولة. كما يمكن أن يكون هذا الاتفاق عقد تحكيم مستقل يُبرم بعد نشوء النزاع إذا لم يكن هناك شرط تحكيمي مسبق. يجب أن يكون اتفاق التحكيم واضحًا وصريحًا، ويحدد النزاعات التي يشملها التحكيم، والقانون الواجب التطبيق، وأي تفاصيل إجرائية أخرى يتفق عليها الأطراف.
من الضروري صياغة اتفاق التحكيم بدقة متناهية لتجنب أي ثغرات قد تؤدي إلى بطلان التحكيم لاحقًا. يجب أن يشمل الاتفاق تحديد موضوع النزاع بوضوح، وبيان رغبة الأطراف الصريحة في اللجوء للتحكيم. ينصح دائمًا بالاستعانة بمحامٍ متخصص في القانون العقاري والتحكيم لضمان صحة وسلامة الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم، بما يتوافق مع القوانين المحلية والدولية المنظمة للتحكيم، مثل قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994. هذا يضمن أن الاتفاق ملزم وقابل للتنفيذ.
اختيار المحكمين وتشكيل هيئة التحكيم
تعد عملية اختيار المحكمين من أهم مراحل التحكيم، حيث تتوقف عليها جودة وفعالية القرار التحكيمي. يجب أن يتمتع المحكمون بالحياد والاستقلال والخبرة الكافية في المجال العقاري والقانوني. يمكن للأطراف الاتفاق على محكم فرد أو على هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين عادة. في حالة المحكم الفرد، يتفق الأطراف على اسمه مباشرة. أما في حالة هيئة التحكيم، فعادة ما يختار كل طرف محكمًا، ثم يتفق المحكمان المختاران على اختيار المحكم الثالث، الذي يكون رئيسًا لهيئة التحكيم.
يجب أن يتضمن اتفاق التحكيم طريقة اختيار المحكمين في حال عدم اتفاق الأطراف، لضمان استمرار العملية وعدم تعطلها. يمكن أن يتم اللجوء إلى مؤسسة تحكيمية معينة لتسمية المحكمين في حالة عدم الاتفاق، أو يتم اللجوء إلى المحكمة المختصة لتعيينهم. من الضروري التأكد من قبول المحكمين للمهمة وتوفرهم على المؤهلات المطلوبة وعدم وجود أي أسباب للتنحي أو الرد. يُنصح باختيار محكمين لديهم سجل حافل في التعامل مع القضايا العقارية ولديهم معرفة عميقة بالقوانين واللوائح ذات الصلة، لضمان أعلى مستوى من الكفاءة.
إجراءات التحكيم وسير الجلسات
تبدأ إجراءات التحكيم بتقديم طلب التحكيم من أحد الأطراف إلى الطرف الآخر وإلى هيئة التحكيم، مرفقًا به اتفاق التحكيم ومذكرات الدعوى والمستندات المؤيدة. بعد ذلك، تقوم هيئة التحكيم بتحديد الإطار الزمني للإجراءات وجدول الجلسات. تتميز إجراءات التحكيم بالمرونة، حيث يمكن للأطراف وهيئة التحكيم الاتفاق على القواعد الإجرائية التي تناسب طبيعة النزاع، طالما أنها لا تخالف النظام العام. يتيح هذا للأطراف فرصة لعرض حججهم وأدلتهم بشكل منظم وفعال.
خلال الجلسات، يتم الاستماع إلى أقوال الأطراف وشهودهم، وتقديم المستندات والخبرات الفنية إذا لزم الأمر، خاصة في المنازعات العقارية التي قد تتطلب خبرة هندسية أو تقييمية. تقوم هيئة التحكيم بإدارة الجلسات بطريقة تضمن الحياد وتكافؤ الفرص بين الأطراف. يتم تدوين محاضر الجلسات وتوثيق جميع الإجراءات. يحق للأطراف تقديم مذكرات دفاعية وجوابية، ويتم تحديد مواعيد محددة لتبادل هذه المذكرات. تهدف هذه الإجراءات إلى الوصول إلى فهم كامل للنزاع وجمع كافة المعلومات الضرورية لاتخاذ قرار تحكيمي مستنير وعادل، مع الالتزام بالسرية المطلوبة.
صدور حكم التحكيم وتنفيذه
بعد انتهاء مرحلة تبادل المذكرات وتقديم الأدلة والاستماع إلى الأطراف، تقوم هيئة التحكيم بالمداولة وإصدار حكمها التحكيمي. يجب أن يكون حكم التحكيم مكتوبًا ومسببًا، وأن يتضمن تاريخ صدوره ومكان التحكيم وأسماء الأطراف والمحكمين وملخصًا للنزاع وأسباب الحكم والمنطوق النهائي. يتم تسليم نسخة من الحكم إلى كل طرف من أطراف النزاع. يمثل حكم التحكيم نهاية عملية التحكيم ويكون ملزمًا للأطراف.
لتنفيذ حكم التحكيم، يجب على الطرف الراغب في التنفيذ أن يتقدم بطلب إلى المحكمة المختصة لتذييل الحكم بالصيغة التنفيذية. هذا الإجراء ضروري لمنح حكم التحكيم نفس القوة التنفيذية للأحكام القضائية. تتأكد المحكمة من عدم وجود أي عوارض تتعلق بالنظام العام أو إجراءات التحكيم قبل منح الصيغة التنفيذية. بمجرد تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية، يمكن تنفيذه جبريًا من خلال الجهات التنفيذية المختصة، مثل المحضرين، تمامًا كأي حكم قضائي صادر عن المحاكم. هذا يؤكد على فعالية التحكيم كآلية لتسوية المنازعات.
أنواع المنازعات العقارية التي يمكن حلها بالتحكيم
منازعات عقود البيع والشراء العقاري
تُعد عقود البيع والشراء العقاري مصدرًا رئيسيًا للعديد من النزاعات، ويمكن للتحكيم أن يوفر حلولًا فعالة لهذه الخلافات. من أبرز هذه المنازعات ما يتعلق بعدم تسليم العقار في الموعد المتفق عليه، أو وجود عيوب خفية في العقار لم يتم الإفصاح عنها وقت البيع. تشمل هذه النزاعات أيضًا الخلافات حول سداد الثمن المتفق عليه، أو عدم الالتزام بالشروط التعاقدية الأخرى كالتسجيل ونقل الملكية. يلجأ الأطراف في هذه الحالات إلى التحكيم لتحديد المسؤوليات والتعويضات المستحقة، أو لإجبار أحد الطرفين على تنفيذ التزاماته التعاقدية.
قد تنشأ نزاعات أخرى حول تفسير بنود العقد، أو مدى مطابقة العقار للمواصفات المتفق عليها. في هذه الحالات، يمكن للمحكمين المتخصصين في القانون العقاري والهندسة المعمارية تقديم آراء فنية وقانونية دقيقة تساعد في حسم النزاع. يضمن التحكيم معالجة هذه المسائل بسرعة ومرونة، متجنبًا التأخيرات التي قد تنشأ في المحاكم القضائية، ويوفر بيئة أكثر تخصصًا لتقييم الحجج والأدلة المتعلقة بتفاصيل العقارات المعقدة.
منازعات عقود الإيجار والانتفاع
تنشأ العديد من الخلافات بين المالك والمستأجر، أو بين الأطراف في عقود الانتفاع، ويمكن للتحكيم أن يكون وسيلة مثلى لحلها. من أمثلة هذه المنازعات، الخلافات حول قيمة الإيجار أو الزيادات الإيجارية، أو عدم التزام المستأجر بسداد الإيجار في المواعيد المحددة. كما تشمل هذه النزاعات الخلافات حول ترميم وصيانة العقار، أو الإخلاء بسبب مخالفة شروط العقد، أو انتهاء مدة الإيجار وعدم تسليم العقار. يمكن أن تتضمن أيضًا منازعات حول الأضرار التي لحقت بالعقار أثناء فترة الإيجار.
يساعد التحكيم في تقديم حلول عملية لهذه القضايا، حيث يمكن للمحكمين تقييم الأدلة المتعلقة بحالة العقار، وتطبيق القوانين المنظمة للعلاقة الإيجارية في مصر. يوفر التحكيم بيئة سرية للحفاظ على خصوصية العلاقة بين المالك والمستأجر، ويسمح بالوصول إلى تسويات مرضية للطرفين دون الحاجة إلى إجراءات قضائية مطولة. كما يمكن لهيئة التحكيم تحديد التعويضات المستحقة عن الأضرار أو عدم الالتزام بالبنود التعاقدية، مما يضمن استعادة الحقوق بشكل عادل وسريع.
منازعات التطوير العقاري والمقاولات
قطاع التطوير العقاري والمقاولات يشهد بطبيعته العديد من النزاعات المعقدة نظرًا لكبر حجم المشاريع وتعدد الأطراف والالتزامات. تشمل هذه النزاعات الخلافات بين المطور والشركة المنفذة (المقاول) حول جودة التنفيذ، أو التأخير في مواعيد التسليم، أو الزيادات غير المتفق عليها في التكاليف. كما يمكن أن تنشأ نزاعات بين المطور والمشترين الوحدات حول المواصفات النهائية أو جداول التسليم أو عيوب البناء التي تظهر بعد الاستلام. التحكيم هنا يوفر منصة متخصصة لحل هذه القضايا الفنية المعقدة.
يمكن للمحكمين ذوي الخبرة الهندسية والقانونية في مجال المقاولات والبناء تقييم التقارير الفنية وتقدير الأضرار وتحديد المسؤوليات بدقة. هذا التخصص يضمن فهمًا شاملًا للجوانب الفنية والقانونية للنزاع، مما يؤدي إلى قرارات أكثر فعالية وإنصافًا. التحكيم يوفر أيضًا مرونة في جدولة الجلسات، مما يسمح للأطراف بالاستمرار في عملهم قدر الإمكان دون تعطيل تام بسبب النزاع. كما يمكن للتحكيم أن يشمل نزاعات حول المستخلصات المالية، والتغيرات في نطاق العمل، أو المطالبات الإضافية الناتجة عن ظروف غير متوقعة في المشروع.
منازعات الملكية المشتركة والفرز والتجنيب
تنشأ منازعات الملكية المشتركة عادة في العقارات التي يمتلكها أكثر من شخص، مثل الشقق أو الأراضي الموروثة. يمكن أن تشمل هذه الخلافات عدم الاتفاق على طريقة إدارة العقار المشترك، أو توزيع المصروفات والإيرادات، أو الرغبة في قسمة العقار (فرز وتجنيب). كما قد تحدث نزاعات حول استخدام أحد الشركاء لجزء من العقار بشكل يضر بحقوق الآخرين، أو عدم الاتفاق على بيع العقار أو إجراء تعديلات عليه. يمكن أن يكون التحكيم أداة فعالة لحل هذه النزاعات المعقدة بين الشركاء.
يمكن للمحكمين المساعدة في التوصل إلى حلول توافقية بشأن إدارة العقار المشترك، أو تحديد أفضل طريقة للقسمة إذا رغب الأطراف في ذلك، سواء بالقسمة العينية أو عن طريق البيع بالمزاد. كما يمكنهم تقدير قيمة الأنصبة وتحديد التعويضات اللازمة في حال وجود اختلافات. التحكيم هنا يقدم حلًا مرنًا يسمح للأطراف بالحفاظ على علاقاتهم الشخصية أو العائلية، والتي قد تتأثر سلبًا بالتقاضي المطول في المحاكم. يوفر المحكمون حلولًا عملية ودقيقة تأخذ في الاعتبار خصوصية الملكية المشتركة.
نصائح وإرشادات لضمان تحكيم عقاري ناجح
أهمية الاستشارة القانونية المتخصصة
قبل الشروع في أي إجراءات تحكيمية، من الضروري الحصول على استشارة قانونية متخصصة من محامٍ ذي خبرة في القانون العقاري وقانون التحكيم. يقوم المحامي بتقييم مدى ملاءمة التحكيم لحالة النزاع، وصياغة اتفاق التحكيم بشكل دقيق يحمي حقوق الموكل، وشرح كافة الإجراءات القانونية المترتبة على التحكيم. هذا يضمن أن الأطراف على دراية كاملة بحقوقهم وواجباتهم والمسار الذي سيسلكه النزاع. كما يساعد المحامي في اختيار المحكمين المناسبين الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة اللازمة للفصل في النزاع العقاري المحدد.
تتضمن الاستشارة القانونية أيضًا تقديم النصح بشأن جمع المستندات والأدلة اللازمة لدعم موقف الموكل، وتحضير المذكرات القانونية والدفاعية. يُعد دور المحامي حيويًا في تمثيل الأطراف أمام هيئة التحكيم، وتقديم الحجج القانونية والفنية بشكل مقنع. كما يمكن للمحامي المساعدة في التفاوض مع الطرف الآخر قبل أو أثناء عملية التحكيم للوصول إلى تسوية ودية، مما يوفر الوقت والتكاليف. الاستشارة المتخصصة تزيد بشكل كبير من فرص نجاح التحكيم وتضمن تحقيق أفضل النتائج الممكنة.
وضوح بنود اتفاق التحكيم
يُعد اتفاق التحكيم هو الأساس الذي تقوم عليه عملية التحكيم بأكملها، ولضمان نجاح التحكيم العقاري، يجب أن تكون بنود هذا الاتفاق واضحة، دقيقة، وشاملة. يجب أن يحدد الاتفاق بوضوح النزاعات التي سيتم إحالتها إلى التحكيم، والقانون الواجب التطبيق على النزاع وعلى إجراءات التحكيم نفسها. كما يجب أن يحدد عدد المحكمين، وكيفية اختيارهم، ومكان التحكيم، واللغة التي ستُستخدم في الإجراءات. أي غموض في هذه البنود قد يؤدي إلى نزاعات جانبية حول صلاحية التحكيم أو إعاقة سير الإجراءات.
من المهم أيضًا تحديد مهلة زمنية لإصدار حكم التحكيم، وكيفية تحمل تكاليف التحكيم. يجب أن يتناول الاتفاق مسألة سرية الإجراءات وتبادل المستندات، إن كانت هذه من أولويات الأطراف. صياغة اتفاق تحكيم محكم يقلل من احتمالية الطعن في حكم التحكيم لاحقًا، ويضمن سير العملية بسلاسة. الاستعانة بالخبراء القانونيين في صياغة هذا الاتفاق أمر بالغ الأهمية لتجنب أي ثغرات قد تستغلها الأطراف لاحقًا للطعن في صحة التحكيم أو حكمه، و لضمان قدرة الأطراف على تنفيذ الحكم الصادر.
التوثيق الجيد والمستندات الداعمة
لضمان نجاح التحكيم في أي نزاع عقاري، يجب على الأطراف إعداد وتوثيق جميع المستندات ذات الصلة بالنزاع بشكل جيد ومنظم. تشمل هذه المستندات عقود البيع والإيجار والمقاولات، صور رسمية من سندات الملكية، الرسومات الهندسية، محاضر التسليم والاستلام، المراسلات بين الأطراف، الفواتير، وسجلات الدفع. كل وثيقة من هذه الوثائق قد تكون دليلًا حاسمًا في دعم موقف أحد الأطراف أو دحض ادعاءات الطرف الآخر. يجب أن تكون جميع المستندات أصلية أو صورًا طبق الأصل وموثقة بشكل صحيح.
كما يُنصح بتجميع أي تقارير فنية أو معاينات أو صور فوتوغرافية للعقار المتنازع عليه إذا كانت ذات صلة بالنزاع، مثل تقارير معاينة العيوب أو الأضرار. يساعد التوثيق الجيد هيئة التحكيم على فهم تفاصيل النزاع بدقة واتخاذ قرار مستنير بناءً على أدلة مادية وقوية. الترتيب والتنظيم الجيد للمستندات يسهل على المحكمين مراجعتها وتحليلها، ويوفر الوقت في سير الإجراءات. نقص التوثيق أو ضعف الأدلة قد يضر بموقف الطرف حتى لو كان محقًا، لذا يُعد هذا الجانب حيويًا لضمان عدالة ونجاح التحكيم.
المرونة والتعاون بين الأطراف
رغم أن التحكيم هو عملية فض نزاع، إلا أن روح التعاون والمرونة بين الأطراف يمكن أن تسهم بشكل كبير في نجاحه وتحقيق تسوية مرضية للجميع. يختلف التحكيم عن التقاضي في المحاكم بأنه يوفر مساحة أكبر للتفاوض والوصول إلى حلول توافقية خلال سير الإجراءات. يجب على الأطراف أن يكونوا مستعدين للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى والنظر في خيارات التسوية الممكنة، بدلًا من التمسك بمواقفهم المتصلبة. هذا يقلل من حدة النزاع ويزيد من فرص الوصول إلى حلول عملية ومستدامة.
يمكن أن تظهر الحاجة إلى المرونة في تحديد جداول الجلسات، أو في تقديم مستندات إضافية، أو في تعديل الطلبات بناءً على ما يظهر من أدلة. المحكمون غالبًا ما يشجعون الأطراف على استكشاف سبل التسوية الودية، وقد يلعبون دور الوسيط في بعض الأحيان. الهدف النهائي من التحكيم ليس فقط إصدار حكم، بل حل النزاع بطريقة تحافظ قدر الإمكان على العلاقات المستقبلية بين الأطراف، خاصة في المنازعات العقارية التي قد تربط الأطراف بعلاقات طويلة الأمد. التعاون يضمن سير إجراءات التحكيم بفعالية أكبر وبكلفة أقل.
مستقبل التحكيم في القطاع العقاري المصري
التوجهات الحديثة ودعم الدولة
يشهد القطاع العقاري المصري نموًا وتوسعًا ملحوظًا، مما يزيد من حجم الاستثمارات وبالتالي احتمالية نشوء المنازعات. في هذا السياق، تتجه الدولة المصرية بشكل متزايد نحو دعم آليات فض المنازعات البديلة، بما في ذلك التحكيم، لتخفيف العبء عن المحاكم وتشجيع الاستثمار. تعكف الجهات التشريعية على تحديث القوانين المتعلقة بالتحكيم وتطوير البيئة القانونية لجعله أكثر جاذبية وفعالية. هذا الدعم يشمل إنشاء مراكز تحكيم متخصصة وتدريب الكوادر القانونية على مهارات التحكيم.
كما أن هناك توجهًا لتعزيز الثقة في التحكيم كآلية عادلة وسريعة، خاصة لدى المستثمرين الأجانب الذين يفضلون اللجوء إليه لما يتميز به من سرية ومرونة وتخصصية. تسعى مصر إلى ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للتحكيم، وذلك من خلال مواكبة أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال. هذه التوجهات الحديثة تعد مؤشرًا إيجابيًا على أن التحكيم سيلعب دورًا محوريًا ومتزايد الأهمية في تسوية المنازعات المتعلقة بالقطاع العقاري في المستقبل القريب، ويوفر بيئة أكثر جاذبية للاستثمار.
تحديات وفرص التوسع
على الرغم من المزايا والدعم الحكومي، يواجه التحكيم في المنازعات العقارية بعض التحديات. من أبرز هذه التحديات، قلة الوعي الكافي بآلية التحكيم ومزاياها لدى بعض الأفراد والشركات الصغيرة، مما يجعلهم يفضلون اللجوء إلى القضاء التقليدي. كما أن تكلفة التحكيم قد تكون مرتفعة في بعض الأحيان مقارنة بالرسوم القضائية، مما يشكل عائقًا أمام بعض الأطراف. إضافة إلى ذلك، قد يواجه تنفيذ أحكام التحكيم تحديات إجرائية في بعض الحالات، تتطلب يقظة قانونية دقيقة.
ومع ذلك، توجد فرص هائلة لتوسع استخدام التحكيم في القطاع العقاري. يمكن زيادة الوعي من خلال حملات توعية مكثفة وبرامج تدريبية موجهة. تطوير آليات لخفض تكاليف التحكيم، مثل توفير قوائم محكمين بأسعار تنافسية أو تقديم خدمات تحكيم مبسطة للمنازعات ذات القيمة الصغيرة، يمكن أن يوسع قاعدة المستفيدين. كما أن التوسع في التحكيم الإلكتروني يفتح آفاقًا جديدة لحل النزاعات بسرعة أكبر وبتكاليف أقل. هذه الفرص، إذا تم استغلالها بشكل فعال، ستعزز دور التحكيم كركيزة أساسية لتسوية المنازعات العقارية في مصر، وتدعم نمو وازدهار القطاع العقاري.