الإجراءات القانونيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنايات

مفهوم الجريمة الشروع: الفرق عن الجريمة التامة

مفهوم الجريمة الشروع: الفرق الجوهري عن الجريمة التامة

تحليل معمق للأركان والعواقب القانونية

يُعد التمييز بين الجريمة الشروع والجريمة التامة من أبرز التحديات التي تواجه العاملين في الحقل القانوني، ويمثل نقطة محورية في تطبيق العدالة الجنائية. فهم هذه الفروقات ليس مجرد تفصيل نظري، بل هو أساس لتحديد المسؤولية الجنائية والعقوبة المناسبة. يتطلب هذا الفهم إدراكًا دقيقًا لأركان كل جريمة، والعوامل التي تحول الفعل الإجرامي من مجرد شروع إلى جريمة مكتملة، أو العكس.
سوف نتناول في هذا المقال الجوانب المختلفة لكلا المفهومين، مع التركيز على الأركان القانونية لكل منهما، وتقديم حلول عملية لتحديد طبيعة الفعل الإجرامي في سياقات مختلفة. الهدف هو توضيح هذه المفاهيم بشكل يخدم المتخصصين والمهتمين بالقانون الجنائي، ويساعد في التمييز بين الحالتين بوضوح ودقة، وذلك من خلال تناول أمثلة واقعية ومناقشة الآثار القانونية المترتبة على كل تصنيف.

الجريمة التامة: الأركان والعناصر

تعريف الجريمة التامة

مفهوم الجريمة الشروع: الفرق عن الجريمة التامةالجريمة التامة هي الفعل الإجرامي الذي تتحقق فيه كافة الأركان والعناصر القانونية التي نص عليها المشرع. يكتمل هذا النوع من الجرائم بتحقق النتيجة الإجرامية المرجوة من الفاعل، أو التي ترتبت على فعله، دون وجود أي عائق يحول دون إتمامها. يتميز بتحقيق الهدف الذي سعى إليه الجاني أو تحقق الضرر الذي توقعه القانون، مما يستدعي تطبيق العقوبة المقررة له بشكل كامل، وفقًا لمواد القانون الجنائي المصري.

الركن المادي (النشاط الإجرامي، النتيجة، علاقة السببية)

يشكل الركن المادي جوهر الجريمة التامة، ويتكون من ثلاثة عناصر أساسية. أولها هو النشاط الإجرامي، والذي يتمثل في السلوك البشري الإيجابي أو السلبي الذي يقوم به الجاني، مثل الضرب أو السرقة أو الامتناع عن تقديم مساعدة واجبة. ثانيها هو النتيجة الإجرامية، وهي الأثر المترتب على النشاط الإجرامي، كوفاة المجني عليه في جريمة القتل، أو ضياع المال المسروق. ثالثها والأكثر أهمية هو علاقة السببية بين النشاط والنتيجة، أي أن تكون النتيجة قد حدثت بفضل هذا النشاط الإجرامي تحديدًا. تتطلب هذه العلاقة إثبات أن فعل الجاني كان السبب المباشر والحاسم في تحقق النتيجة الضارة، وهي أساس في تحديد المسؤولية الجنائية.

الركن المعنوي (القصد الجنائي)

يتمثل الركن المعنوي في القصد الجنائي، وهو العنصر النفسي أو العقلي للجريمة التامة. يعبر القصد الجنائي عن اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل المكون للركن المادي وإحداث النتيجة الإجرامية، مع علمه بكافة عناصر الجريمة. ينقسم القصد الجنائي إلى نوعين رئيسيين: القصد الجنائي المباشر، حيث يسعى الجاني لإحداث النتيجة بشكل مباشر، والقصد الجنائي الاحتمالي، حيث يتوقع الجاني النتيجة ويقبلها رغم عدم سعيه المباشر لها. غياب القصد الجنائي يحول الجريمة غالبًا إلى صورة أخف أو يزيل الصفة الجنائية عنها تمامًا في بعض الحالات.

الجريمة الشروع: مفهومها القانوني

تعريف الشروع في الجريمة

الشروع في الجريمة هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة، إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها. الشروع لا يكتمل فيه تحقق النتيجة الإجرامية، ولكنه يصل إلى مرحلة متقدمة من التنفيذ تدل على نية الجاني الجادة في إتمام الجريمة. يُعاقب على الشروع في الجنايات دائمًا، بينما لا يُعاقب عليه في الجنح إلا بنص خاص من القانون. يتميز الشروع بأن الفعل الإجرامي لم يصل إلى مرحلته النهائية، ولكن الجاني قد قطع شوطًا في طريق إتمام الجريمة.

متى يعتبر الفعل شروعًا؟ (البدء في التنفيذ)

لتحقق الشروع، يشترط أن يبدأ الجاني في تنفيذ الجريمة فعليًا. هذا يعني تجاوز مرحلة الأعمال التحضيرية التي لا يُعاقب عليها القانون عادةً. البدء في التنفيذ هو القيام بعمل أو أفعال تدل بوضوح على أن الجاني قد شرع في تحقيق النتيجة الإجرامية، وأن هذه الأفعال تمثل خطوة أولى نحو إتمام الجريمة. على سبيل المثال، إطلاق النار بقصد القتل يعتبر شروعًا حتى لو أخطأ الهدف، بينما شراء السلاح وحده قد يُعتبر عملًا تحضيريًا. يحدد القاضي في كل حالة مدى اعتبار الفعل بدءًا في التنفيذ بناءً على الظروف المحيطة وتقديره للنية الإجرامية.

القصد الجنائي في الشروع

القصد الجنائي في الشروع لا يختلف عن القصد الجنائي في الجريمة التامة؛ يجب أن يتجه قصد الجاني إلى إحداث النتيجة الإجرامية التي يعاقب عليها القانون. بمعنى آخر، كان هدف الجاني هو إتمام الجريمة لو لم تحُل دونه ظروف خارجية أو قوى قاهرة. فالشروع يتطلب نفس النية الإجرامية المطلوبة للجريمة الكاملة، ولكن ما يفرق بينهما هو عدم تحقق النتيجة لأسباب خارجة عن إرادته. إذا انتفى القصد الجنائي، فلا يمكن الحديث عن شروع في الجريمة من الأساس.

موانع إتمام الجريمة (العدول الاختياري، القوة القاهرة، الظروف الخارجية)

تتعدد الأسباب التي تمنع الجريمة من أن تتم، بعضها يعفي الجاني من العقاب أو يخففه، وبعضها الآخر لا يؤثر في مسؤوليته عن الشروع. العدول الاختياري هو تراجع الجاني عن إتمام الجريمة بمحض إرادته، مما قد يؤدي إلى إعفائه من عقوبة الشروع. أما القوة القاهرة أو الظروف الخارجية، مثل تدخل طرف ثالث، أو عطل في أداة الجريمة، أو يقظة المجني عليه، فجميعها أسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها، وتؤدي إلى عدم إتمام الجريمة. في هذه الحالات، يُعاقب الجاني على الشروع لأنه لم يكمل الجريمة لأسباب خارجة عن إرادته.

الفرق بين الجريمة الشروع والجريمة التامة: مقارنة شاملة

أوجه الشبه والاختلاف الرئيسية

تتشابه الجريمة الشروع والجريمة التامة في وجود القصد الجنائي، فكلاهما يتطلب نية ارتكاب الجريمة وإحداث نتيجتها. كذلك يشتركان في البدء في التنفيذ أو تجاوز مرحلة الأعمال التحضيرية. أما أوجه الاختلاف فهي جوهرية وتتمثل في عدم تحقق النتيجة الإجرامية في الشروع لأسباب خارجة عن إرادة الجاني، بينما تتحقق النتيجة في الجريمة التامة. هذا الاختلاف يؤثر بشكل مباشر على العقوبة المقررة، حيث تكون عقوبة الشروع أخف عادةً من عقوبة الجريمة التامة، وهذا ما يميز التشريع الجنائي الحديث في نظرته لكل منهما.

الأركان المادية والمعنوية (مقارنة)

في الجريمة التامة، تكتمل جميع عناصر الركن المادي والمعنوي؛ فالنشاط الإجرامي يؤدي إلى نتيجة مجرمة، وهناك علاقة سببية مباشرة بينهما، مع وجود قصد جنائي واضح. أما في الشروع، فنجد أن الركن المعنوي (القصد الجنائي) متوافر بالكامل، إذ إن إرادة الجاني تتجه نحو إحداث النتيجة. لكن الركن المادي لا يكتمل، حيث تبدأ الجريمة في التنفيذ ولكن النتيجة الإجرامية لا تتحقق لأي سبب غير إرادي. هذا التمييز في اكتمال الركن المادي هو الفارق الأساسي الذي يعكس الاختلاف في درجة الخطورة الإجرامية ودرجة الضرر الواقع.

العقوبة القانونية (التخفيف في الشروع)

يُعد التخفيف في العقوبة من أبرز الفروق القانونية بين الشروع والجريمة التامة. في القانون المصري، تُعاقب الجريمة التامة بالعقوبة الأصلية المقررة لها. أما الشروع في الجنايات، فنصت المادة 46 من قانون العقوبات على أن يُعاقب عليه بالعقوبات المقررة للجريمة التامة، ولكن يلاحظ أن معظم الجنايات تحدد عقوبة مخففة للشروع فيها، مثل السجن المؤبد بدلاً من الإعدام. وفي الجنح، لا يعاقب على الشروع إلا بنص خاص يحدده القانون، وهذا يعكس تفهماً بأن الضرر لم يقع بشكل كامل، وبالتالي فالتخفيف مناسب لدرجة الخطورة.

الأمثلة التوضيحية (سيناريوهات عملية)

لتوضيح الفروق، لنأخذ أمثلة عملية. إذا أطلق شخص النار على آخر بقصد قتله وأصابه بالفعل وتوفي المجني عليه، فهذه جريمة قتل تامة. أما إذا أطلق النار عليه بقصد قتله ولكنه أخطأ الهدف، أو أصابه بجروح غير مميتة ولم يمت، فهذا شروع في قتل. مثال آخر: إذا سرق شخص مالًا وأخذه وهرب به، فهذه سرقة تامة. أما إذا حاول كسر الخزنة لسرقة المال، لكنه ضبط قبل أن يأخذ شيئًا، فهذا شروع في سرقة. هذه الأمثلة توضح كيف أن اكتمال النتيجة هو المعيار الحاسم للتمييز.

عناصر إضافية: حالات خاصة واعتبارات عملية

الشروع المستحيل

الشروع المستحيل هو محاولة ارتكاب جريمة لكنها لا يمكن أن تتحقق بسبب استحالة مادية أو قانونية، كإطلاق النار على جثة يعتقد الجاني أنها حية، أو محاولة سرقة مال غير موجود. ينقسم الشروع المستحيل إلى قسمين: استحالة مادية مطلقة (مثل محاولة قتل شخص ميت) واستحالة مادية نسبية (مثل محاولة سرقة خزنة فارغة). في القانون المصري، يُعاقب على الشروع المستحيل إذا كانت الاستحالة نسبية ولا تنفي القصد الجنائي، ولكن لا يُعاقب على الاستحالة المطلقة التي تجعل الجريمة مستحيلة بطبيعتها، وذلك لعدم وجود خطر حقيقي على المجتمع.

الشروع الناقص والشروع التام (الخائب)

يفرق الفقه الجنائي بين نوعين من الشروع: الشروع الناقص (غير التام) والشروع التام (الخائب). الشروع الناقص هو قيام الجاني ببعض الأفعال المكونة للركن المادي، ثم توقف عن إتمامها لأسباب خارجة عن إرادته، كأن يشرع في سرقة منزل ويضبطه الأمن قبل أن يدخل. أما الشروع التام أو الخائب، فيكون قد قام بكل الأفعال التي كان ينوي القيام بها لإتمام الجريمة، لكن النتيجة لم تتحقق لأسباب خارجة عن إرادته أيضًا، كأن يطلق النار بقصد القتل لكن الضحية تنجو بأعجوبة. كلاهما يعاقب عليه القانون كشروع.

العدول الاختياري وأثره

العدول الاختياري هو تراجع الجاني عن إتمام الجريمة بمحض إرادته ودون أي مؤثر خارجي يجبره على ذلك. إذا عدل الجاني عدولًا اختياريًا عن إتمام الجريمة، فإنه يعفى من العقوبة على الشروع. يشترط في هذا العدول أن يكون اختياريًا لا إجباريًا، وأن يكون كليًا (ترك الجريمة تمامًا)، وأن يتم قبل اكتمال النتيجة الإجرامية. هذه السياسة التشريعية تهدف إلى تشجيع الجناة على التراجع عن أفعالهم الإجرامية قبل إتمامها، مما يحد من وقوع الضرر ويساهم في تحقيق العدالة الوقائية في المجتمع.

أهمية التكييف القانوني الصحيح

يعد التكييف القانوني الصحيح للفعل الإجرامي، سواء كان شروعًا أو جريمة تامة، أمرًا بالغ الأهمية في العملية القضائية. فالتكييف الدقيق يضمن تطبيق النص القانوني الملائم، وتحديد العقوبة الصحيحة، ومن ثم تحقيق العدالة. يعتمد هذا التكييف على الفهم العميق لأركان الجريمة، والظروف المحيطة بالفعل، ومدى تحقق النتيجة. خطأ في التكييف قد يؤدي إلى تطبيق عقوبة غير مناسبة أو حتى الإفلات من العقاب، مما يمس بمبدأ سيادة القانون وثقة المجتمع في النظام القضائي.

نصائح عملية للمختصين القانونيين (كيفية التمييز في الواقع)

للمختصين القانونيين، يتطلب التمييز بين الشروع والجريمة التامة تحليلًا دقيقًا لكل حالة. يجب التركيز على مدى اكتمال الركن المادي، وهل تحققت النتيجة الإجرامية المرجوة. ينبغي فحص القصد الجنائي للفاعل، وهل كان يسعى بجدية لإتمام الجريمة. كما يجب النظر في الظروف التي حالت دون إتمام الجريمة، وهل كانت لأسباب خارجة عن إرادة الجاني أم نتيجة لعدول اختياري منه. توثيق الأدلة وشهادات الشهود وتقارير الخبراء يساعد في بناء صورة واضحة وموضوعية للواقعة، مما يمكن من التكييف القانوني السليم.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock