مدى إلزامية العقود الشفهية بين المؤسسات
محتوى المقال
مدى إلزامية العقود الشفهية بين المؤسسات
دليل شامل حول الإثبات والتنفيذ وفقًا للقانون المصري
في عالم الأعمال سريع الخطى، تتم العديد من الاتفاقات بين المؤسسات والشركات بشكل شفهي بناءً على الثقة المتبادلة أو لسرعة إنجاز المعاملات. لكن يثور التساؤل حول القيمة القانونية لهذه الاتفاقات عند حدوث خلاف. هل العقد الشفهي ملزم قانونًا بين الكيانات الاعتبارية؟ يقدم هذا المقال إجابات وحلولًا عملية حول كيفية التعامل مع العقود الشفهية، وخطوات إثباتها، وحماية حقوق مؤسستك وفقًا لأحكام القانون المصري، مما يمنحك رؤية واضحة لتأمين معاملاتك التجارية.
المبدأ العام: الرضائية كأساس للعقود
مفهوم العقد الرضائي في القانون المصري
يقوم القانون المدني المصري على مبدأ “رضائية العقود”، ويعني هذا أن العقد ينعقد بمجرد تطابق إرادتين، أي وجود إيجاب من طرف وقبول من الطرف الآخر، دون الحاجة إلى شكل معين مثل الكتابة. فالكلمة المنطوقة أو الاتفاق الشفهي يمكن أن ينشئ التزامًا قانونيًا صحيحًا وملزمًا تمامًا كالعقد المكتوب. هذا المبدأ ينطبق على المعاملات التجارية بين المؤسسات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. بالتالي، فإن الاتفاق الشفهي على توريد بضاعة أو تقديم خدمة بين شركتين هو عقد صحيح من حيث المبدأ.
الاستثناءات: العقود الشكلية والعيْنية
على الرغم من أن الرضائية هي الأصل، إلا أن القانون استثنى بعض أنواع العقود واشترط لانعقادها شكلًا معينًا، وهي ما تسمى “العقود الشكلية”. من أبرز الأمثلة على ذلك عقد بيع العقارات الذي يتطلب التسجيل، وعقد الشركة الذي يجب أن يكون مكتوبًا ومشهرًا. كذلك، هناك “العقود العيْنية” التي لا تنعقد إلا بتسليم محل العقد، مثل عقد الوديعة أو عارية الاستعمال. في هذه الحالات المحددة قانونًا، لا يكفي التراضي الشفهي وحده لإنشاء العقد، ويعتبر الاتفاق باطلًا إذا لم يستوفِ الشكل المطلوب.
خطوات عملية لإثبات العقد الشفهي أمام القضاء
الخطوة الأولى: جمع الأدلة الكتابية غير المباشرة
أهم خطوة عند نشوء نزاع حول عقد شفهي هي البدء فورًا في جمع أي مستندات أو سجلات تدعم وجود الاتفاق. لا يشترط أن تكون هذه الأدلة عقدًا متكاملًا، بل يمكن أن تكون “مبدأ ثبوت بالكتابة”. تشمل هذه الأدلة رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة، والمحادثات عبر تطبيقات المراسلة مثل واتساب، والفواتير الصادرة أو المستلمة، وإيصالات الدفع أو التحويلات البنكية التي تشير إلى المعاملة، ومذكرات التسليم، ومحاضر الاجتماعات. هذه المستندات تجعل من وجود الاتفاق أمرًا مرجحًا وتسمح للقاضي بالانتقال إلى وسائل إثبات أخرى.
الخطوة الثانية: الاستعانة بشهادة الشهود
تعتبر شهادة الشهود من أقوى وسائل الإثبات في المنازعات المتعلقة بالعقود الشفهية، خاصة في المواد التجارية حيث يقرر القانون حرية الإثبات. يمكنك الاستعانة بشهادة الموظفين الذين حضروا المفاوضات أو الاتفاق، أو الوسطاء، أو حتى ممثلي شركات أخرى كانوا على علم بالتعامل. يجب أن يكون الشاهد على دراية مباشرة بواقعة الاتفاق وتفاصيله وليس مجرد ناقل للكلام. وتقوم المحكمة بتقدير قيمة الشهادة ومدى مصداقيتها، ويمكن أن تكون حاسمة في إثبات وجود الالتزام وتفاصيله.
الخطوة الثالثة: توجيه اليمين الحاسمة والإقرار
إذا كانت الأدلة المتوفرة لديك ضعيفة، يمكنك اللجوء إلى حل أخير وهو توجيه “اليمين الحاسمة” للطرف الآخر. في هذه الحالة، أنت تحتكم إلى ذمة خصمك أمام المحكمة. فإذا حلف اليمين بأنه لا يوجد اتفاق، تخسر الدعوى. أما إذا نكل عن حلف اليمين (أي رفض)، فإن المحكمة ترد اليمين إليك، فإذا حلفتها أنت، كسبت الدعوى. كذلك، قد يقع الخصم في خطأ ويعترف بوجود الاتفاق صراحة أو ضمنًا أثناء سير إجراءات التقاضي، وهو ما يعرف بـ “الإقرار القضائي”، ويعتبر حجة قاطعة عليه.
حلول إضافية لتأمين معاملاتك التجارية
التوثيق البسيط للاتفاقات
لتجنب صعوبات الإثبات مستقبلًا، اجعل من توثيق الاتفاقات سياسة ثابتة في مؤسستك. ليس من الضروري دائمًا صياغة عقود قانونية معقدة لكل معاملة بسيطة. يمكن أن يكون التوثيق في صورة بريد إلكتروني موجز يتم إرساله للطرف الآخر بعد الاتفاق الشفهي، يلخص أهم النقاط المتفق عليها مثل: طبيعة الخدمة أو البضاعة، الكمية، السعر، وموعد التسليم أو التنفيذ. طلب تأكيد بسيط على هذا البريد الإلكتروني يوفر لك دليلًا كتابيًا قويًا يصعب إنكاره لاحقًا.
استخدام أوامر الشراء والفواتير المبدئية
تعتبر أوامر الشراء (Purchase Orders) والفواتير المبدئية (Proforma Invoices) أدوات تجارية فعالة تعمل كدليل قوي على وجود اتفاق. عندما ترسل مؤسستك أمر شراء رسميًا ويقبله الطرف الآخر (حتى لو بالبدء في التنفيذ)، فإن ذلك يشكل قبولًا واضحًا للشروط الواردة فيه. هذه المستندات لا توثق الاتفاق فحسب، بل تحدد بدقة التزامات كل طرف، مما يقلل من احتمالات سوء الفهم أو النزاع حول التفاصيل الجوهرية للعقد ويجعل عملية الإثبات في غاية السهولة.