عقوبة الرشوة في القانون الجنائي المصري
محتوى المقال
عقوبة الرشوة في القانون الجنائي المصري
دليل شامل حول أركان جريمة الرشوة والعقوبات المقررة للمرتشي والراشي والوسيط
تعتبر جريمة الرشوة من أخطر جرائم الفساد التي تهدد نزاهة الوظيفة العامة وتقوض ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. ونظراً لخطورتها، فقد أفرد لها المشرع المصري نصوصاً عقابية صارمة في قانون العقوبات بهدف ردع كل من تسول له نفسه الإتجار بوظيفته أو التأثير على نزاهة الموظف العام. في هذا المقال، نقدم دليلاً عملياً ومفصلاً حول جريمة الرشوة، بدءاً من أركانها القانونية، وصولاً إلى العقوبات المحددة لكل طرف فيها، مع توضيح الخطوات العملية للإبلاغ عنها والاستفادة من حالات الإعفاء القانوني.
تعريف جريمة الرشوة وأركانها الأساسية
لكي تكتمل جريمة الرشوة من منظور القانون، يجب توافر مجموعة من الأركان المحددة التي تشكل بنيانها القانوني. غياب أي ركن من هذه الأركان يؤدي إلى انتفاء وصف الجريمة. وتتنوع هذه الأركان بين ما هو مادي ملموس يتمثل في فعل الأخذ أو الطلب، وما هو معنوي يتعلق بنية الجاني وقصده، بالإضافة إلى شرط أساسي يتعلق بصفة مرتكب الجريمة وهو الموظف العام ومن في حكمه.
الركن المادي للجريمة
يتمثل الركن المادي في السلوك الإجرامي الصادر عن الموظف العام. يتحقق هذا الركن بمجرد قيام الموظف بطلب أو قبول أو أخذ وعد أو عطية لنفسه أو لغيره، وذلك مقابل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن القيام به أو الإخلال بواجباته. لا يشترط أن يتم تسليم المقابل فعلياً، فمجرد الطلب أو قبول الوعد يكفي لقيام الجريمة. ويشمل المقابل كل فائدة يمكن الحصول عليها سواء كانت مادية كالنقود أو عينية كالهدايا، أو حتى غير مادية.
الركن المعنوي (القصد الجنائي)
لا يكفي وقوع الفعل المادي لقيام الجريمة، بل يجب أن يتوافر القصد الجنائي لدى كل من الموظف المرتشي وصاحب المصلحة (الراشي). بالنسبة للموظف، يجب أن يكون عالماً بأن ما يطلبه أو يأخذه هو مقابل غير مشروع لعمل يتعلق بوظيفته، وأن تتجه إرادته إلى الإتجار بهذه الوظيفة. أما بالنسبة للراشي، فيجب أن تتجه نيته وإرادته إلى التأثير على الموظف ودفعه للإخلال بواجباته الوظيفية عبر تقديم المقابل، أي أنه يقصد شراء ذمة الموظف.
صفة الجاني (الموظف العام)
هذا الركن هو جوهر جريمة الرشوة، حيث يشترط القانون أن يكون مرتكب الجريمة “موظفاً عاماً”. وقد حدد قانون العقوبات المصري في المادة 111 المقصود بالموظف العام في سياق جرائم الرشوة ليشمل نطاقاً واسعاً لا يقتصر فقط على العاملين بالجهاز الإداري للدولة، بل يمتد ليشمل أعضاء المجالس النيابية والمحلية، والمحكمين والخبراء، وموظفي الشركات والمؤسسات التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما.
عقوبة الموظف العام المرتشي
نظر المشرع المصري إلى الموظف المرتشي باعتباره الطرف الأخطر في هذه الجريمة، كونه يخون الأمانة التي أوكلت إليه. لذلك، وضع عقوبات مشددة ورادعة تهدف إلى حماية الوظيفة العامة وضمان سير المرافق العامة بانتظام ونزاهة، وتتنوع هذه العقوبات بين الأصلية والتكميلية لضمان تحقيق الردع الكامل.
العقوبة الأصلية
نصت المادة 103 من قانون العقوبات على أن كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره، أو قبل، أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به. وإذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه حقاً، تكون العقوبة السجن المشدد. وتصل العقوبة إلى الإعدام في حالات محددة إذا كانت الجريمة تهدف للمساس بأمن الدولة.
العقوبات التكميلية
إلى جانب عقوبة السجن والغرامة، أوجب القانون تطبيق عقوبات تكميلية تزيد من وطأة الجزاء. تتمثل العقوبة الأولى في المصادرة الوجوبية، حيث يحكم بمصادرة كل ما حصل عليه المرتشي من أموال أو منافع نتيجة لجريمته لصالح خزينة الدولة. أما العقوبة الثانية فهي العزل من الوظيفة العامة، وهي عقوبة تهدف إلى تطهير الجهاز الإداري من العناصر الفاسدة ومنع المرتشي من العودة إلى استغلال منصبه مرة أخرى.
عقوبة الراشي والوسيط في جريمة الرشوة
لم يغفل القانون عن معاقبة الأطراف الأخرى التي تساهم في وقوع الجريمة. فالراشي الذي يقدم العطية، والوسيط الذي يتوسط بين الطرفين، يعتبران شريكين أصليين في الجريمة ويواجهان عقوبات مماثلة لعقوبة الموظف المرتشي، وذلك بهدف تجفيف منابع الفساد من كل جوانبه وعدم إفلات أي طرف من العقاب.
مسؤولية الراشي القانونية
يعتبر الراشي (صاحب الحاجة) شريكاً أصيلاً في الجريمة، فهو الذي يبادر بعرض الرشوة أو يستجيب لطلب الموظف. وقد ساوى المشرع في العقوبة بين الراشي والمرتشي، حيث تنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على أن الراشي ومن توسط في الرشوة يعاقبان بذات العقوبة المقررة للمرتشي. الهدف من هذه المساواة هو التأكيد على أن إفساد الموظف العام لا يقل خطورة عن قبول الموظف للفساد.
دور الوسيط وعقوبته
الوسيط هو الشخص الذي يقوم بدور حلقة الوصل بين الموظف المرتشي والراشي، سواء بنقل عرض الرشوة أو طلبها أو بتسهيل عملية التسليم والتسلم. دوره محوري في إتمام العديد من هذه الجرائم، ولذلك يعامله القانون بنفس صرامة التعامل مع الأطراف الرئيسية. يخضع الوسيط لنفس العقوبة المقررة للمرتشي والراشي، وهي السجن المؤبد أو المشدد والغرامة، لأنه يساهم بشكل مباشر في إتمام الاتفاق الإجرامي.
حالات الإعفاء من العقوبة والظروف المخففة
في خطوة ذكية تهدف إلى كشف جرائم الرشوة التي تقع في الخفاء عادة، فتح المشرع باباً للخروج الآمن أمام الراشي والوسيط. يهدف هذا الإعفاء إلى تشجيع المتورطين على الإبلاغ عن الجريمة وتسهيل مهمة أجهزة الرقابة في ضبط الموظفين الفاسدين متلبسين، وهو ما يعد حلاً عملياً وفعالاً لمكافحة هذا النوع من الجرائم.
الإعفاء الوجوبي للراشي أو الوسيط
تقدم المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات حلاً للخروج من المأزق القانوني للراشي والوسيط. حيث تنص على إعفاء كل من الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا بادر أحدهما بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بالجريمة أو اعترف بها قبل اكتشافها. هذا الإعفاء وجوبي، أي أن القاضي ملزم بتطبيقه متى توافرت شروطه. ويعتبر هذا النص أداة فعالة لمساعدة أجهزة مثل هيئة الرقابة الإدارية في ضبط الجرائم.
خطوات عملية للإبلاغ عن جريمة الرشوة
إذا تعرضت لطلب رشوة أو علمت بوقوعها، فإن التحرك السريع والإيجابي هو الحل الأمثل. القانون المصري يوفر الحماية الكاملة للمبلغين ويشجع على كشف الفساد. الإبلاغ لا يساهم فقط في محاسبة الفاسدين، بل يحمي حقوقك وقد يؤدي إلى إعفائك من العقوبة إذا كنت طرفاً في الواقعة. معرفة الجهات المختصة وكيفية تقديم البلاغ هي أولى خطوات الحل.
الجهات المختصة بتلقي البلاغات
الجهة الأولى والأكثر تخصصاً في مكافحة جرائم الرشوة والفساد في مصر هي هيئة الرقابة الإدارية، ولها فروع في كافة المحافظات ويمكن التواصل معها عبر خطها الساخن. كذلك، يمكنك التوجه مباشرة إلى النيابة العامة وتقديم بلاغ رسمي، أو إلى أقرب قسم شرطة لعمل محضر بالواقعة. كل هذه الجهات تتعامل مع البلاغات بجدية وسرية تامة لحماية المبلغ.
كيفية تقديم البلاغ وتوثيقه
عند التوجه للجهة المختصة، قم بتقديم شرح تفصيلي ودقيق للواقعة، مع ذكر اسم الموظف المتهم ومنصبه والإدارة التي يعمل بها. إذا كان لديك أي دليل مادي، مثل تسجيل صوتي للطلب أو رسائل أو مستندات، فقم بتقديمه لدعم بلاغك. من المهم جداً أن تتعاون بشكل كامل مع المحققين وتتبع تعليماتهم، خاصة إذا طُلب منك مجاراة الموظف لتسجيل الواقعة بالصوت والصورة، فهذا يضمن ضبطه متلبساً ويوفر دليلاً قاطعاً أمام المحكمة.