الدفع بعدم الاعتداد بشهادة المجني عليه الوحيد
محتوى المقال
الدفع بعدم الاعتداد بشهادة المجني عليه الوحيد
دليلك الشامل لطرق الطعن في شهادة الشاهد الأوحد وحلولها العملية
يُعد الدفع بعدم الاعتداد بشهادة المجني عليه الوحيد من أهم الدفوع الجنائية التي يمكن للمتهم أو محاميه إثارتها في القضايا التي تعتمد فيها النيابة العامة أو المحكمة بشكل أساسي على أقوال المجني عليه كدليل وحيد للإدانة. هذا الدفع يستهدف زعزعة الثقة في صحة هذه الشهادة أو مصداقيتها، ويفتح المجال لإثبات وجود شكوك جدية حول الواقعة محل الاتهام. يهدف هذا المقال إلى تقديم حلول عملية وخطوات دقيقة لمساعدة القائمين على الدفاع في كيفية تقديم هذا الدفع بفعالية وتعزيز فرصه في القبول.
المفهوم القانوني للدفع بعدم الاعتداد بشهادة المجني عليه الوحيد
ماهية الدفع وأساسه القانوني
الدفع بعدم الاعتداد بشهادة المجني عليه الوحيد هو طلب يقدمه الدفاع للمحكمة يرمي إلى عدم الأخذ بأقوال المجني عليه كدليل وحيد وحاسم للإدانة، وذلك لغياب أي أدلة أخرى مساندة تعضد من هذه الشهادة. يستند هذا الدفع إلى مبدأ هام في القانون الجنائي المصري، وهو مبدأ “البينة على من ادعى”، وضرورة أن يكون الدليل قويًا ومتعددًا لتثبيت الإدانة، وأن الشك يفسر لصالح المتهم.
ليس هناك نص صريح في القانون المصري يمنع الأخذ بشهادة المجني عليه الوحيد، إلا أن المحاكم درجت على عدم الاكتفاء بهذه الشهادة وحدها كدليل وحيد للإدانة، لا سيما إذا شابها شك أو تناقض أو كان هناك ما يثير الريبة في صحتها. تتطلب الإدانة اليقين القضائي الذي لا يتأتى غالبًا من شهادة فرد واحد دون دعم.
متى يكون الدفع ذا أهمية قصوى؟
تزداد أهمية هذا الدفع في القضايا التي تفتقر إلى الأدلة المادية أو الفنية الأخرى، مثل بصمات الأصابع أو تقارير الخبرة أو شهادات الشهود الآخرين. ففي هذه الحالات، تصبح شهادة المجني عليه حجر الزاوية في بناء الاتهام، وأي طعن في مصداقيتها يمكن أن يؤدي إلى انهيار القضية برمتها وإثبات براءة المتهم. يتطلب الأمر هنا ذكاءً قانونيًا وخبرة لتقديم الحجج المقنعة.
الحالات التي يُثار فيها الدفع بفاعلية
عدم وجود أدلة أخرى مساندة
تُعد هذه هي الحالة الأبرز التي يتم فيها إثارة الدفع. إذا كانت الأوراق خالية من أي دليل مادي، أو شهادة لشهود آخرين، أو تقارير فنية تدعم أقوال المجني عليه، فإن شهادته تصبح وحدها هي قوام الاتهام. هنا، يركز الدفاع على إبراز هذا النقص في الأدلة وتقديم حجج منطقية تدعو المحكمة إلى عدم الاكتفاء بشهادة المجني عليه كدليل وحيد وحاسم للإدانة.
تناقضات في أقوال المجني عليه
يمكن استغلال أي تناقضات في أقوال المجني عليه، سواء كانت بين أقواله في محضر جمع الاستدلالات، أو في تحقيقات النيابة العامة، أو أمام المحكمة. تُعتبر هذه التناقضات دليلًا قويًا على عدم ثبات روايته أو عدم مصداقيتها. يجب على الدفاع رصد هذه التناقضات بدقة وتوثيقها وتقديمها للمحكمة بشكل منظم وواضح، مع بيان أثرها على مصداقية الشهادة.
وجود دوافع شخصية أو كيدية
إذا كان هناك دليل على وجود عداوة سابقة، أو خلافات شخصية، أو دوافع كيدية بين المجني عليه والمتهم، يمكن للدفاع أن يدفع بأن شهادة المجني عليه جاءت مدفوعة بهذه الدوافع وليس لبيان الحقيقة. يجب إثبات هذه الدوافع بقرائن أو شهود أو مستندات تدعم هذا الزعم، لإقناع المحكمة بأن أقوال المجني عليه قد تكون مجرد انتقام أو تشهير.
عدم قدرة المجني عليه على الرؤية أو التمييز
في بعض الحالات، قد يكون المجني عليه في وضع لا يسمح له بالرؤية الواضحة أو التمييز الدقيق للواقعة أو لشخص الجاني، مثل ظروف الإضاءة السيئة، أو التعرض لصدمة نفسية قوية، أو وجود عيب في الإدراك. يجب على الدفاع إبراز هذه الظروف والتساؤل عن مدى قدرة المجني عليه على تقديم شهادة دقيقة وموثوقة بناءً على هذه المعطيات. يمكن أن يشمل ذلك ظروف الزمان والمكان للواقعة.
الخطوات العملية لإثبات الدفع بعدم الاعتداد
1. جمع الأدلة المضادة وتحليلها
تُعد هذه الخطوة أساسية. يجب على الدفاع البحث عن أي دليل ينقض شهادة المجني عليه أو يقلل من مصداقيتها. يمكن أن يشمل ذلك أقوال شهود نفي، أو مستندات تثبت وجود المتهم في مكان آخر (أليبي)، أو تقارير فنية تنفي إمكانية وقوع الواقعة بالشكل الذي رواه المجني عليه. يجب تحليل هذه الأدلة بعناية فائقة وتحديد نقاط القوة فيها.
قد يتطلب الأمر تحليل دقيق لتفاصيل أقوال المجني عليه، ومقارنتها بالظروف الموضوعية للواقعة، مثل التوقيت الزمني، أو المسافة، أو طبيعة الإصابات إن وجدت. أي تضارب بين الأقوال والوقائع المادية يمكن استخدامه كدليل مضاد قوي.
2. استدعاء الشهود وإعادة استجواب المجني عليه
طلب استدعاء الشهود الذين يمكن أن يدعموا رواية الدفاع أو يشككوا في أقوال المجني عليه أمر بالغ الأهمية. كما يجب طلب إعادة استجواب المجني عليه بدقة، مع التركيز على نقاط التناقض أو الغموض في أقواله السابقة. يجب أن يكون المحامي مستعدًا بأسئلة محددة وموجهة لكشف نقاط الضعف في شهادته، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة.
يجب على المحامي التركيز على استنطاق المجني عليه حول الكيفية التي استطاع بها رؤية أو سماع أو إدراك الواقعة، والظروف المحيطة بها، ومدى دقة ذاكرته لهذه التفاصيل. يمكن أن تكشف هذه الأسئلة عن نقاط ضعف في روايته أو عدم قدرته على تذكر تفاصيل جوهرية، مما يثير الشك في شهادته برمتها.
3. المرافعة الشفوية والكتابية
تقديم الدفع بشكل شفوي وكتابي، مع تسليط الضوء على كافة النقاط التي تثير الشك في شهادة المجني عليه. يجب أن تكون المرافعة منطقية ومترابطة، وتستعرض الأدلة التي جمعها الدفاع بشكل منظم. يجب أن تركز المرافعة على أن عدم وجود أدلة أخرى مساندة يجعل شهادة المجني عليه وحدها غير كافية لتحقيق اليقين القضائي المطلوب للإدانة.
يجب على المحامي أن يقدم حججًا قانونية قوية، مستشهدًا بأحكام محكمة النقض التي تؤكد على ضرورة تعضيد شهادة المجني عليه بأدلة أخرى إذا كانت هي الدليل الوحيد. كما يجب التأكيد على مبدأ قرينة البراءة وأن الشك يفسر لصالح المتهم، وأن القضاء لا يجوز أن يبني أحكامه على مجرد الشك أو الظن.
طرق تعزيز الدفع بأكثر من أسلوب
1. طلب الخبرة الفنية
في بعض الحالات، يمكن طلب ندب خبير فني (مثل الطب الشرعي أو خبراء المعمل الجنائي) لإثبات عدم إمكانية وقوع الواقعة بالشكل الذي رواه المجني عليه، أو لإثبات عدم تناسق الإصابات (إن وجدت) مع ما ذكره المجني عليه. يمكن لتقارير الخبرة أن تدعم موقف الدفاع بشكل كبير وتلقي بظلال الشك على أقوال المجني عليه.
2. البينة المعاكسة
تقديم بينة معاكسة لأقوال المجني عليه. على سبيل المثال، إذا ادعى المجني عليه أن الواقعة حدثت في مكان معين، يمكن تقديم شهود أو أدلة تثبت أن المتهم كان في مكان آخر وقت وقوع الحادثة المزعومة. هذه البينة المعاكسة تُعد من أقوى الأدلة التي يمكن أن تضعف شهادة المجني عليه الوحيد.
3. استغلال التناقضات الداخلية والخارجية
لا يقتصر الأمر على التناقضات بين أقوال المجني عليه نفسه، بل يمكن استغلال التناقضات بين أقوال المجني عليه وأقوال الشهود الآخرين (حتى لو كانوا شهود إثبات)، أو بين أقواله والتقارير الفنية أو الأدلة المادية الأخرى. كل تناقض يُعد نقطة ضعف في بنية الاتهام، ويجب على الدفاع استغلالها ببراعة.
عناصر إضافية لتوفير حلول منطقية وبسيطة
1. التركيز على مبدأ الشك يفسر لصالح المتهم
يجب على الدفاع التأكيد المستمر على هذا المبدأ القانوني الراسخ. فإذا كانت شهادة المجني عليه الوحيد لا تبعث على الاطمئنان الكامل في نفس المحكمة، وخلقت لديها أي قدر من الشك، فيجب عليها أن تقضي ببراءة المتهم. هذه ليست مجرد قاعدة إجرائية، بل هي ضمانة دستورية لحرية الأفراد.
2. دور الدفاع النشط في كشف الحقائق
لا يقتصر دور الدفاع على تقديم الدفوع فحسب، بل يتعداه إلى البحث النشط عن الحقيقة وتقديم كل ما من شأنه أن يظهر براءة المتهم. يجب على المحامي أن يكون محققًا مساعدًا، يبحث عن الأدلة، ويستجوب الشهود، ويحلل الوقائع، ليقدم صورة كاملة ومقنعة للمحكمة تثير الشك في الاتهام.
3. الاستعانة بالسوابق القضائية
تقديم سوابق قضائية وأحكام لمحكمة النقض المصرية التي أخذت بهذا الدفع وقضت ببراءة متهمين اعتمدت إدانتهم على شهادة المجني عليه الوحيد دون سند آخر. هذه السوابق تُعد مرجعًا قانونيًا قويًا يدعم موقف الدفاع ويظهر للمحكمة أن هذا الدفع له أساس قانوني ومعمول به قضائيًا.