الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المصريقانون الأحوال الشخصيةمحكمة الأسرة

دعوى رؤية الصغير

دعوى رؤية الصغير

دليلك الشامل لفهم وإقامة دعوى رؤية الصغير في القانون المصري

تعد دعوى رؤية الصغير من أهم الدعاوى القضائية في محكمة الأسرة، فهي تضمن للوالد غير الحاضن حقه في رؤية أبنائه بشكل دوري ومنتظم، وهو حق أساسي للطفل قبل أن يكون للوالدين. تهدف هذه الدعوى إلى تنظيم العلاقة بين الطفل والوالد غير الحاضن بما يخدم مصلحة الصغير الفضلى. يقدم هذا المقال دليلاً شاملاً يوضح كافة الجوانب المتعلقة بهذه الدعوى، بدءًا من مفهومها وشروطها، وصولاً إلى إجراءات رفعها والحلول العملية المتاحة.

مفهوم وأهمية دعوى رؤية الصغير

تعريف دعوى رؤية الصغير

دعوى رؤية الصغيردعوى رؤية الصغير هي إجراء قانوني يرفعها الوالد غير الحاضن أمام محكمة الأسرة، بهدف الحصول على حكم قضائي يحدد مواعيد وأماكن رؤية أبنائه المحضونين لدى الطرف الآخر. يضمن هذا الحق استمرارية العلاقة الأبوية أو الأمومية، ويساهم في النمو النفسي والعاطفي السليم للطفل. القانون المصري يقر بهذا الحق كجزء لا يتجزأ من مصلحة الصغير الفضلى، ويهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق الوالدين وواجباتهم تجاه أبنائهم.

أهمية حق الرؤية للطفل والوالدين

لا يقتصر حق الرؤية على الوالد غير الحاضن فحسب، بل هو حق أصيل للطفل في الأساس، يضمن له التفاعل مع كلا الوالدين والحفاظ على الروابط الأسرية. يسهم ذلك في بناء شخصية متوازنة للطفل ويقلل من الآثار السلبية للانفصال. للوالدين، تمثل الرؤية فرصة للاستمرار في أداء دورهم التربوي والعاطفي، ومتابعة تطور أبنائهم، مما يعزز الاستقرار الأسري رغم الانفصال.

الشروط القانونية لرفع دعوى رؤية الصغير

توافر الصفة والمصلحة

يشترط لرفع دعوى رؤية الصغير أن يكون رافع الدعوى هو أحد الأبوين أو أجداد الصغير (في حالات معينة يحددها القانون) أو من له مصلحة مشروعة في الرؤية، وأن تكون له مصلحة حقيقية وقانونية في رؤية الطفل. تكتسب الصفة والمصلحة بمجرد كون المدعي هو الأب أو الأم غير الحاضنة، أو الجد أو الجدة في حال وفاة الأب أو الأم، أو غيرهما ممن لهم الحق في ذلك.

وجود صغار لا يزالون تحت سن الحضانة

تتعلق دعوى الرؤية بالأطفال الذين لا يزالون في سن الحضانة القانونية، والتي تنتهي ببلوغ الصغير سناً معيناً (عادةً 15 عامًا للولد و الزواج للفتاة في القانون المصري، مع إمكانية استمرار الحضانة حتى 18 عامًا في حالات معينة). إذا بلغ الطفل السن القانوني الذي يسمح له باختيار من يقيم معه، فقد تتغير طبيعة الإجراءات أو الدعوى.

عدم الاتفاق الودي على تنظيم الرؤية

عادةً ما ترفع دعوى الرؤية بعد تعذر التوصل إلى اتفاق ودي بين الأطراف لتنظيم مواعيد وأماكن الرؤية. إذا كان هناك اتفاق مسبق، سواء كان شفهياً أو مكتوباً، وتم الإخلال به، فإن الدعوى تكون ضرورية لتنظيم هذا الحق قضائياً. تسعى المحكمة دائماً إلى تشجيع الحلول الودية قبل فرض الحلول القضائية.

إجراءات رفع دعوى رؤية الصغير خطوة بخطوة

التقدم بطلب تسوية المنازعات الأسرية

قبل رفع الدعوى القضائية، يتوجب على المدعي التوجه إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية التابع للمحكمة المختصة. يهدف هذا المكتب إلى محاولة التوفيق بين الأطراف وإيجاد حلول ودية للمشكلة. تعتبر هذه الخطوة إجبارية في القانون المصري قبل اللجوء للقضاء. يتم تقديم طلب التسوية مرفقاً بالمستندات الأساسية.

تحضير المستندات المطلوبة

تشمل المستندات المطلوبة عادةً: صورة من وثيقة الزواج أو الطلاق، شهادات ميلاد الأطفال، صور بطاقات الرقم القومي للوالدين، ما يثبت القرابة بالصغير في حال الجد أو الجدة. يجب التأكد من اكتمال كافة الأوراق لتجنب تأخير الإجراءات. ينصح باستشارة محامٍ لتحديد جميع المستندات اللازمة والتأكد من صحتها.

رفع صحيفة الدعوى أمام محكمة الأسرة

بعد فشل التسوية الودية، يتم إعداد صحيفة دعوى رؤية الصغير من قبل محامٍ مختص، وتقديمها لقلم كتاب محكمة الأسرة المختصة. يجب أن تتضمن الصحيفة بيانات الأطراف، أسماء الأطفال، سبب الدعوى (تعنت الطرف الآخر في الرؤية)، والطلبات النهائية (تحديد مكان ومواعيد الرؤية). يتم قيد الدعوى وتحديد جلسة لنظرها.

حضور جلسات المحكمة وإثبات الحق

يحضر الأطراف جلسات المحكمة، وتقدم الأوراق والمذكرات التي تدعم موقف كل طرف. قد تستعين المحكمة بالتحريات الاجتماعية أو النفسية لتقدير مصلحة الصغير. يهدف القاضي إلى التأكد من أن طلب الرؤية يصب في مصلحة الطفل الفضلى، وأن الظروف المحيطة تسمح بتنفيذ الحكم بشكل آمن ومناسب للطفل. قد يتم الاستماع إلى أقوال الأطفال الأكبر سنًا.

صدور الحكم وتطبيقه

بعد الانتهاء من سماع الأطراف وتقديم الأدلة، تصدر المحكمة حكمها بتحديد مواعيد وأماكن الرؤية. غالباً ما تحدد المحكمة الرؤية في الأماكن المخصصة لذلك مثل مراكز رؤية الأطفال التابعة لوزارة العدل أو الأندية أو أماكن عامة آمنة. يجب الالتزام بالحكم الصادر، وفي حال تعنت الطرف الحاضن، يمكن اتخاذ إجراءات قانونية لتنفيذ الحكم قسراً أو طلب التعويض.

تحديد مكان ووقت الرؤية: حلول عملية

مراكز رؤية الأطفال التابعة لوزارة العدل

توفر وزارة العدل مراكز متخصصة لرؤية الأطفال، وهي أماكن آمنة ومجهزة نفسياً واجتماعياً لضمان سير عملية الرؤية بشكل سلس ومريح للطفل. تتميز هذه المراكز بوجود إشراف وأخصائيين اجتماعيين لتقديم الدعم اللازم والتدخل عند الحاجة. يعتبر اللجوء إلى هذه المراكز حلاً آمناً وفعالاً لتنفيذ أحكام الرؤية، خاصة في حالات الخلافات الشديدة بين الوالدين.

الاتفاق على أماكن بديلة وآمنة

يمكن للوالدين الاتفاق على أماكن رؤية بديلة ومناسبة خارج المراكز الحكومية، مثل منزل أحد الأجداد، أو نادي رياضي، أو حديقة عامة، بشرط أن تكون هذه الأماكن آمنة ومناسبة للطفل ولا تسبب له أي ضرر نفسي. يجب أن يتم هذا الاتفاق بالتراضي التام وأن يكون في مصلحة الصغير الفضلى. يمكن توثيق هذا الاتفاق أمام المحكمة ليصبح له قوة السند التنفيذي.

تحديد مواعيد مرنة ومناسبة

تسعى المحكمة لتحديد مواعيد رؤية مرنة تتناسب مع ظروف الطفل والوالدين قدر الإمكان، مع مراعاة مصلحة الصغير أولاً. عادةً ما تكون الرؤية في أيام العطلات الأسبوعية أو الإجازات الرسمية لبضع ساعات. يمكن للوالدين الاتفاق على تفاصيل أكثر مرونة خارج أوقات الرؤية المقررة قضائياً، مثل التواصل الهاتفي أو عبر الفيديو، لتعزيز العلاقة الأبوية بشكل مستمر.

التحديات الشائعة وكيفية التعامل معها

رفض الحاضن تمكين الرؤية

في حال رفض الحاضن تمكين الوالد الآخر من الرؤية وفقاً للحكم القضائي، يمكن للوالد غير الحاضن اتخاذ عدة إجراءات. أولاً، يتم تحرير محضر إثبات حالة بالامتناع عن تمكين الرؤية في قسم الشرطة أو المركز المختص. ثانياً، يمكن رفع دعوى تعويض عن الأضرار النفسية والمادية التي لحقت بالوالد والطفل نتيجة حرمان الرؤية. ثالثاً، يمكن طلب نقل الحضانة في حالة تكرار الامتناع بشكل يضر بمصلحة الصغير.

تلاعب الحاضن بمواعيد الرؤية

قد يلجأ بعض الحاضنين إلى التلاعب بمواعيد الرؤية أو تغييرها دون إخطار مسبق، مما يسبب إرباكاً ويقلل من فعالية الرؤية. في هذه الحالات، ينصح بتوثيق كل محاولات التلاعب برسائل نصية أو بريد إلكتروني أو أي وسيلة تثبت ذلك. يمكن تقديم شكوى إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية مرة أخرى، أو رفع دعوى قضائية لتعديل حكم الرؤية بما يضمن عدم التلاعب، أو طلب تعويض عن الضرر الناتج عن هذا التلاعب.

رفض الطفل للرؤية

في بعض الحالات، قد يرفض الطفل رؤية الوالد غير الحاضن، وقد يكون ذلك ناتجاً عن عوامل نفسية أو تأثير من أحد الوالدين. هنا، تلعب المحكمة دوراً مهماً بالاستعانة بالخبراء النفسيين والاجتماعيين لتقييم أسباب الرفض. قد تقرر المحكمة تعليق الرؤية مؤقتاً لحين تأهيل الطفل نفسياً، أو تحديد جلسات رؤية بإشراف أخصائيين، أو حتى إلزام الحاضن بتأهيل الطفل نفسياً لتقبل الرؤية. الهدف هو دائمًا حماية مصلحة الطفل.

بدائل دعوى الرؤية: التوفيق والصلح

دور لجان التوفيق بالمحاكم

تلعب لجان التوفيق والمصالحة دوراً محورياً في حل النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء. توفر هذه اللجان بيئة محايدة للحوار بين الوالدين، بمساعدة أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، بهدف التوصل إلى اتفاق ودي لتنظيم الرؤية بما يرضي الطرفين ويخدم مصلحة الطفل. يعتبر هذا المسار أقل تكلفة وأسرع وأقل إرهاقاً نفسياً للأطراف مقارنة بالإجراءات القضائية.

الاتفاقيات الودية خارج المحكمة

يمكن للوالدين الاتفاق على تنظيم الرؤية بشكل ودي وخارج نطاق المحكمة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق محامين. يمكن توثيق هذا الاتفاق في صورة عقد قانوني أو اتفاق مصدق عليه من قبل الجهات المختصة لضمان تنفيذه. يتيح هذا النهج مرونة أكبر في تحديد المواعيد والأماكن، ويشجع على التعاون بين الوالدين، مما ينعكس إيجاباً على الأجواء الأسرية وعلى الطفل. يعتبر الاتفاق الودي هو الحل الأمثل في جميع الأحوال.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock