الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

المسؤولية المدنية عن الإخلال بالسرية المهنية للمحامين والأطباء

المسؤولية المدنية عن الإخلال بالسرية المهنية للمحامين والأطباء

فهم الآثار القانونية وكيفية حماية الحقوق المتضررة

تعتبر السرية المهنية ركيزة أساسية للعلاقة بين المحامي وموكله، وكذلك بين الطبيب ومريضه. إن الثقة المتبادلة تفرض التزامًا صارمًا بالحفاظ على المعلومات الخاصة، وأي إخلال بهذا الالتزام قد يؤدي إلى عواقب وخيمة قد تمس سمعة الأشخاص ومصالحهم. يتناول هذا المقال المسؤولية المدنية المترتبة على هذا الإخلال، وكيف يمكن للأفراد المتضررين المطالبة بحقوقهم وسبل التعويض المتاحة. سنتطرق إلى الجوانب القانونية والخطوات العملية التي يجب اتباعها لضمان العدالة واسترداد الحقوق المتضررة نتيجة إفشاء الأسرار.

ماهية السرية المهنية وأهميتها القانونية والأخلاقية

تعريف السرية المهنية ونطاقها: للمحامين والأطباء

المسؤولية المدنية عن الإخلال بالسرية المهنية للمحامين والأطباءتُعرف السرية المهنية بأنها واجب أخلاقي وقانوني يقع على عاتق بعض المهنيين، مثل المحامين والأطباء، يقضي بحفظ الأسرار والمعلومات الخاصة التي يطلعون عليها بحكم مهنتهم. هذا الواجب يمتد ليشمل كافة البيانات الشخصية والمهنية التي يشاركها العملاء أو المرضى معهم، سواء كانت شفهية أو مكتوبة أو إلكترونية.

بالنسبة للمحامين، تشمل السرية المهنية جميع المعلومات المتعلقة بقضايا موكليهم، من تفاصيل الدعاوى إلى الاستشارات القانونية والنوايا المستقبلية. أما الأطباء، فيتعين عليهم حفظ سرية التاريخ الطبي للمرضى، نتائج الفحوصات، التشخيص، والعلاج المقترح، وكل ما يتعلق بصحتهم وحياتهم الشخصية التي تكشف أثناء العلاج.

نطاق السرية ليس محددًا بفترة زمنية معينة، بل هو التزام مستمر حتى بعد انتهاء العلاقة المهنية. الهدف الأساسي هو حماية خصوصية الأفراد وضمان ثقتهم في المهنيين الذين يتعاملون معهم، مما يتيح لهم الإفصاح عن المعلومات الضرورية دون خوف من التبعات.

الأهمية القانونية والأخلاقية لحفظ السر: بناء الثقة وحماية الحقوق

تكتسب السرية المهنية أهمية بالغة على الصعيدين القانوني والأخلاقي. أخلاقيًا، هي جزء لا يتجزأ من الميثاق المهني الذي يلتزم به المحامون والأطباء، وتُعد أساسًا لبناء الثقة الضرورية بين المهني وعميله أو مريضه. بدون هذه الثقة، يصبح من الصعب على الأفراد طلب المساعدة المهنية بفاعلية.

أما قانونيًا، فإن الإخلال بالسرية المهنية قد يترتب عليه مسؤوليات مدنية وجنائية. فالقوانين تنص صراحة على حماية هذه الأسرار، وتجرم إفشائها إلا في حالات استثنائية محددة. حفظ السرية يساهم في حماية حقوق الأفراد في الخصوصية، ويمنع استخدام معلوماتهم الشخصية بطرق قد تضر بهم ماديًا أو معنويًا. عدم الالتزام بهذه القوانين يؤدي إلى مساءلة قانونية.

حماية هذه الأسرار تضمن أن يتمكن الأفراد من الحصول على أفضل رعاية قانونية أو طبية دون قلق من أن تُستخدم معلوماتهم ضدهم أو تُكشف للعموم، مما يعزز من جودة الخدمات المقدمة ويدعم مبادئ العدالة والإنصاف في المجتمع.

الأسس القانونية للسرية المهنية في القانون المصري

السرية المهنية للمحامين: قانون المحاماة والعقوبات

في القانون المصري، تُعد السرية المهنية للمحامين من أهم المبادئ التي ينظمها قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983. تنص المواد ذات الصلة على أن المحامي مُلزم بالحفاظ على سرية المعلومات التي يطلع عليها بحكم عمله، ولا يجوز له إفشاؤها إلا في حالات محددة بنص القانون. هذا الالتزام يغطي كافة أشكال المعلومات.

يُعاقب قانون العقوبات المصري أيضًا على إفشاء الأسرار المهنية. فالمادة 310 من قانون العقوبات تنص على معاقبة كل من أفشى سرًا أُودع إليه بمقتضى وظيفته أو مهنته، إذا كان من شأن ذلك الإفشاء أن يسبب ضررًا. هذا يؤكد على الطبيعة الإلزامية للسرية وخطورة الإخلال بها.

تشمل هذه السرية المعلومات التي تخص الموكل، سير القضية، الوثائق، والمراسلات. الهدف هو حماية حقوق الموكل وضمان حصوله على دفاع قانوني فعال دون خشية من تسرب المعلومات التي قد تضر بموقفه. أي إفشاء غير مبرر يُعد خرقًا مهنيًا وقانونيًا يعرض المحامي للمساءلة.

السرية المهنية للأطباء: قانون مزاولة مهنة الطب وقانون العقوبات

تخضع السرية المهنية للأطباء في مصر لأحكام قانون مزاولة مهنة الطب رقم 51 لسنة 1981، والذي يلزم الطبيب بالحفاظ على أسرار مرضاه. هذا الواجب يشمل كافة المعلومات المتعلقة بالحالة الصحية، التشخيص، العلاج، والتاريخ المرضي للمريض، والتي اطلع عليها الطبيب خلال ممارسته لمهنته.

كما هو الحال بالنسبة للمحامين، يُعاقب قانون العقوبات المصري على إفشاء الأسرار الطبية. المادة 310 تُطبق على الأطباء أيضًا، مما يجعل إفشاء الأسرار الطبية جريمة يعاقب عليها القانون. هذا يبرز الحماية القانونية المشددة التي يتمتع بها المرضى فيما يتعلق بخصوصية معلوماتهم الصحية.

الالتزام بالسرية هنا حيوي لبناء علاقة ثقة بين الطبيب والمريض، وتشجيع المرضى على الإفصاح الكامل عن أعراضهم وحالتهم الصحية، مما يمكن الطبيب من تقديم الرعاية الطبية المثلى. أي انتهاك لهذه السرية يُعتبر انتهاكًا خطيرًا للمعايير الأخلاقية والقانونية لمهنة الطب.

الاستثناءات المشروعة على قاعدة السرية المهنية: متى يجوز الإفشاء؟

على الرغم من صرامة واجب السرية المهنية، إلا أن هناك استثناءات مشروعة تبيح للمحامي أو الطبيب إفشاء الأسرار في ظروف محددة. من أبرز هذه الاستثناءات ما يأتي بناءً على نص قانوني صريح، مثل الأوامر القضائية التي تُلزم بالإفشاء في سياق تحقيق جنائي أو دعوى قضائية حيث تكون المعلومات ضرورية للعدالة.

كذلك، يجوز الإفشاء بموافقة صريحة ومستنيرة من صاحب السر نفسه (الموكل أو المريض). هذه الموافقة يجب أن تكون طوعية وواضحة، مع فهم كامل للآثار المترتبة على الإفشاء. في بعض الحالات الطبية، قد يكون الإفشاء ضروريًا لحماية حياة المريض نفسه أو حياة الآخرين، مثل الإبلاغ عن الأمراض المعدية وفقًا للوائح الصحة العامة.

كما يمكن الإفشاء في حالات الدفاع عن النفس، كأن يكون المهني متهمًا في قضية تتطلب الكشف عن معلومات معينة لتبرئة ساحته. ومع ذلك، يجب أن يكون الإفشاء في هذه الحالات بالحد الأدنى الضروري وللجهات المختصة فقط، مع الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والقانونية وعدم تجاوز حدود الضرورة.

أركان المسؤولية المدنية عن الإخلال بالسرية المهنية

الخطأ: ماهيته وكيفية إثباته

يُعد الخطأ الركن الأول للمسؤولية المدنية. في سياق الإخلال بالسرية المهنية، يتمثل الخطأ في التصرف الذي يخالف الالتزام القانوني والأخلاقي بالحفاظ على السرية. يمكن أن يكون هذا الخطأ إيجابيًا، مثل الإفشاء المتعمد للمعلومات، أو سلبيًا، مثل الإهمال في حماية تلك المعلومات مما أدى إلى تسربها.

لإثبات الخطأ، يجب على المتضرر أن يقدم أدلة تثبت أن المحامي أو الطبيب قد خالف واجب السرية. يمكن أن تكون هذه الأدلة عبارة عن شهادات شهود، رسائل بريد إلكتروني، تسجيلات صوتية، مستندات تثبت الإفشاء، أو أي دليل مادي أو رقمي يوضح أن المعلومات السرية قد تم الكشف عنها بدون وجه حق.

يجب إثبات أن التصرف كان عمديًا أو ناتجًا عن إهمال جسيم لا يتفق مع معايير المهنة. على سبيل المثال، قد يُعتبر عدم تأمين الملفات الطبية بشكل صحيح أو التحدث عن تفاصيل حالة المريض في مكان عام إهمالاً جسيمًا يرقى إلى مستوى الخطأ الموجب للمسؤولية. هذا الإثبات هو حجر الزاوية في أي دعوى تعويض.

الضرر: أنواعه (المادي، المعنوي) وكيفية تقديره

الركن الثاني من أركان المسؤولية المدنية هو الضرر. يجب أن يكون هناك ضرر حقيقي ومباشر نتج عن الإخلال بالسرية المهنية. يمكن أن يتخذ الضرر أشكالًا متعددة، منها الضرر المادي والمعنوي. الضرر المادي يشمل الخسائر المالية المباشرة التي تكبدها المتضرر، مثل خسارة عمل، تدهور في التجارة، أو تكاليف العلاج النفسي.

أما الضرر المعنوي، فيتعلق بالأذى النفسي، المعنوي، والاجتماعي الذي لحق بالمتضرر. يمكن أن يشمل ذلك الإحساس بالخزي، الإهانة، فقدان السمعة، التوتر النفسي، القلق، أو تدهور العلاقات الاجتماعية. تقدير الضرر المعنوي غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا ويخضع للسلطة التقديرية للقاضي، الذي يأخذ في الاعتبار جسامة الإفشاء وتأثيره على حياة المتضرر.

لتقدير الضرر، يمكن الاستعانة بتقارير خبراء (ماليين، نفسيين) لتقدير الخسائر. يجب على المتضرر أن يقدم أدلة قاطعة على وجود الضرر وأن يربط هذا الضرر بشكل مباشر بفعل الإفشاء. الهدف هو تعويض المتضرر عن كل ما لحقه من خسائر، سواء كانت محسوسة أو غير محسوسة، وإعادته قدر الإمكان إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر.

العلاقة السببية: الربط بين الخطأ والضرر

الركن الثالث والأخير للمسؤولية المدنية هو العلاقة السببية، وهي الرابط المباشر والمنطقي بين الخطأ الذي ارتكبه المهني والضرر الذي لحق بالمتضرر. يجب أن يُثبت المتضرر أن الضرر الذي أصابه ما كان ليحدث لولا فعل الإخلال بالسرية المهنية.

لإثبات العلاقة السببية، يجب تقديم أدلة تبين أن الإفشاء كان السبب المباشر والوحيد أو الرئيسي لحدوث الضرر. على سبيل المثال، إذا قام طبيب بإفشاء معلومات طبية عن مريض، ونتيجة لذلك فقد المريض وظيفته، فيجب إثبات أن سبب الفصل كان الإفشاء، وليس عوامل أخرى.

في بعض الأحيان، قد يكون هناك أكثر من عامل أدى إلى الضرر، وهنا يجب على المحكمة أن تحدد مدى مساهمة فعل الإفشاء في وقوع الضرر. إثبات هذه العلاقة يتطلب تحليلًا دقيقًا للوقائع والأدلة، وقد يحتاج إلى خبرة فنية أو شهادات شهود لربط الأحداث بشكل مقنع أمام القضاء.

بدون إثبات العلاقة السببية، حتى لو كان هناك خطأ وضرر، لا يمكن للمحكمة أن تحكم بالتعويض، لأن الرابط الأساسي بينهما مفقود. لذلك، يُعد هذا الركن حاسمًا لنجاح دعوى المسؤولية المدنية.

إجراءات رفع دعوى المسؤولية المدنية

جمع الأدلة والإثباتات: المستندات، الشهادات، الخبرة الفنية

الخطوة الأولى والأكثر أهمية لرفع دعوى المسؤولية المدنية هي جمع الأدلة والإثباتات التي تدعم ادعاءات المتضرر. يجب أن تكون هذه الأدلة قوية ومقنعة لإثبات أركان المسؤولية المدنية الثلاثة: الخطأ، الضرر، والعلاقة السببية. تبدأ هذه العملية بتوثيق كل ما يتعلق بحالة الإخلال بالسرية.

تتضمن المستندات أي وثائق تثبت وجود العلاقة المهنية (مثل عقود المحاماة، سجلات المستشفيات) وأي دليل على الإفشاء (مثل رسائل بريد إلكتروني، محادثات مسجلة، منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تقارير). يجب أيضًا جمع أي مستندات تثبت الضرر المادي، مثل فواتير العلاج النفسي أو تقارير خسارة الأرباح.

الشهادات تلعب دورًا حيويًا، سواء كانت شهادة شهود عيان سمعوا الإفشاء، أو شهادة خبراء (مثل أطباء نفسيين لتقييم الضرر المعنوي، أو خبراء ماليين لتقييم الضرر المادي). في بعض الحالات، قد تكون الخبرة الفنية ضرورية، مثل خبرة في الطب الشرعي الإلكتروني لتتبع تسرب البيانات الرقمية. يجب أن يتم جمع هذه الأدلة بعناية فائقة وتوثيقها بشكل صحيح.

صياغة صحيفة الدعوى: الأركان الأساسية والمطالبات

بعد جمع الأدلة، تأتي مرحلة صياغة صحيفة الدعوى. هذه الوثيقة القانونية الرسمية هي التي تُقدم إلى المحكمة وتبدأ بها الإجراءات القضائية. يجب أن تتضمن صحيفة الدعوى مجموعة من الأركان الأساسية لكي تكون مقبولة شكلًا وموضوعًا.

يجب أن تحتوي صحيفة الدعوى على بيانات المدعي والمدعى عليه بشكل كامل ودقيق، مع ذكر صفة كل طرف. كما يجب أن تتضمن وصفًا تفصيليًا للواقعة محل النزاع، أي كيف تم الإخلال بالسرية المهنية، والتاريخ والزمان والمكان، والخطأ الذي ارتكبه المدعى عليه. يلي ذلك بيان الأضرار التي لحقت بالمدعي، سواء كانت مادية أو معنوية، مع ذكر كيفية تقدير هذه الأضرار.

أخيرًا، يجب أن تحدد المطالبات بوضوح، مثل طلب التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية، مع تحديد المبلغ المطلوب. تُرفق بصحيفة الدعوى كافة المستندات والأدلة التي تم جمعها. يجب أن تكون الصياغة قانونية سليمة وموجهة بشكل صحيح إلى المحكمة المختصة، ويفضل أن يقوم بذلك محامٍ متخصص لضمان الدقة والشمولية.

دور القضاء في تقدير التعويض: معايير تحديد قيمة الضرر

بعد رفع الدعوى، يتولى القضاء مهمة النظر في القضية وتقدير التعويض المناسب للمتضرر. يلعب القاضي دورًا محوريًا في هذه المرحلة، حيث يقوم بتقييم الأدلة المقدمة ويوازن بينها لتحديد ما إذا كانت أركان المسؤولية المدنية قد تحققت أم لا. إذا ثبتت المسؤولية، ينتقل القاضي إلى مرحلة تقدير قيمة التعويض.

يستند القضاء في تقدير التعويض إلى معايير متعددة، منها جسامة الخطأ الذي ارتكبه المهني، وحجم الأضرار المادية التي لحقت بالمتضرر، بالإضافة إلى الأضرار المعنوية وتأثيرها على حياته. قد يستعين القاضي بتقارير الخبرة الفنية (من خبراء ماليين، أطباء نفسيين) لمساعدته في تقدير الأضرار بدقة أكبر.

يهدف التعويض إلى جبر الضرر الذي لحق بالمتضرر، وإعادته قدر الإمكان إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر. قد يشمل التعويض تعويضًا عن الخسائر الفعلية (تعويض مادي) وعن الأذى النفسي والاجتماعي (تعويض معنوي). في بعض الحالات، قد يُحكم بتعويض رمزي إذا كان الضرر بسيطًا أو غير قابل للتقدير المالي بشكل دقيق.

طرق بديلة لحل النزاع: الوساطة والتوفيق

إلى جانب الإجراءات القضائية التقليدية، يمكن للمتضررين من إفشاء السرية المهنية اللجوء إلى طرق بديلة لحل النزاع، مثل الوساطة والتوفيق. تُقدم هذه الطرق حلولًا أسرع وأقل تكلفة وأكثر مرونة من التقاضي، وقد تساعد في الحفاظ على العلاقات المهنية أو الشخصية قدر الإمكان.

في الوساطة، يتدخل طرف ثالث محايد (الوسيط) لمساعدة الأطراف المتنازعة على التوصل إلى حل ودي يرضي جميع الأطراف. الوسيط لا يفرض قرارًا، بل يسهل الحوار ويساعد في تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف. يمكن أن تكون هذه الطريقة فعالة بشكل خاص إذا كان هناك رغبة من الطرفين في تجنب العلنية التي قد تُصاحب إجراءات المحاكم.

التوفيق يشبه الوساطة ولكنه قد يكون أكثر توجيهًا، حيث يقترح الموفق حلولًا محتملة على الأطراف. هذه الطرق تتطلب موافقة الطرفين عليها، وتعتبر من الحلول العملية التي يمكن أن توفر الوقت والجهد، وتجنب الإرهاق النفسي والمادي الناتج عن الدعاوى القضائية الطويلة. إذا لم تنجح هذه الطرق، يبقى اللجوء إلى القضاء خيارًا متاحًا.

سبل حماية الحقوق والوقاية من الإخلال بالسرية المهنية

التوعية القانونية للمتضررين: معرفة حقوقهم وكيفية المطالبة بها

تُعد التوعية القانونية خطوة أساسية لحماية حقوق الأفراد من الإخلال بالسرية المهنية. يجب أن يكون الأفراد على دراية كاملة بحقوقهم فيما يتعلق بخصوصية معلوماتهم، سواء كانت طبية أو قانونية، وأن يفهموا أن إفشاء هذه المعلومات بدون موافقتهم أو سند قانوني يُعد جريمة يعاقب عليها القانون.

تتضمن التوعية شرحًا للأسس القانونية للسرية المهنية، وما هي المعلومات التي تُعد سرية، والحالات الاستثنائية التي يُسمح فيها بالإفشاء. كما يجب تعريفهم بالخطوات التي يجب اتخاذها عند تعرضهم لإفشاء أسرارهم، بدءًا من جمع الأدلة وتوثيق الواقعة، مرورًا بتقديم الشكاوى للنقابات المهنية أو الجهات القضائية المختصة.

من المهم أيضًا توضيح سبل التعويض المتاحة، وأنواع الأضرار التي يمكن المطالبة بالتعويض عنها. يمكن تحقيق هذه التوعية من خلال حملات إعلامية، ورش عمل، أو نشر مواد تثقيفية عبر الإنترنت ووسائل الإعلام. هذه المعرفة تمكن الأفراد من الدفاع عن حقوقهم بفاعلية والمطالبة بالعدالة في حال تعرضهم للضرر.

تعزيز الالتزام المهني: دور النقابات والجهات الرقابية

للوقاية من الإخلال بالسرية المهنية، يجب تعزيز الالتزام المهني للمحامين والأطباء من خلال دور فعال للنقابات والجهات الرقابية. تتحمل هذه الجهات مسؤولية وضع وتطبيق المعايير الأخلاقية والمهنية الصارمة، ومراقبة التزام الأعضاء بها.

تتمثل مهام النقابات في إصدار مواثيق شرف وقواعد سلوك مهني تُحدد بوضوح واجبات المهنيين فيما يتعلق بالسرية. كما يجب عليها تنظيم دورات تدريبية وورش عمل مستمرة لتوعية أعضائها بأهمية السرية المهنية وتبعات الإخلال بها، وتحديثهم بآخر المستجدات القانونية والتكنولوجية المتعلقة بحماية البيانات.

إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون النقابات والجهات الرقابية قادرة على تلقي الشكاوى والتحقيق فيها بجدية ونزاهة، واتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة ضد المخالفين، والتي قد تتراوح بين التنبيه والإيقاف عن مزاولة المهنة. هذا الدور الرقابي يسهم في ردع المخالفات وتعزيز ثقة الجمهور في نزاهة هذه المهن وحماية أسرارهم.

التدابير الوقائية للمحامين والأطباء: اتفاقيات السرية، التأمين المهني

على المحامين والأطباء أنفسهم اتخاذ تدابير وقائية لضمان عدم الإخلال بالسرية المهنية وحماية أنفسهم من المساءلة القانونية. من أهم هذه التدابير هو إبرام اتفاقيات سرية واضحة مع موكليهم أو مرضاهم، تحدد بوضوح نطاق السرية والمعلومات المشمولة بها، والحالات التي يمكن فيها الإفشاء بموافقة الطرف الآخر.

ينبغي أيضًا تطبيق إجراءات أمنية صارمة لحماية المعلومات، سواء كانت ورقية أو إلكترونية. يشمل ذلك استخدام أنظمة تشفير قوية، حماية بكلمات مرور معقدة، وتأمين الأجهزة والشبكات من الاختراقات. يجب أن يكون هناك بروتوكول واضح للتعامل مع البيانات والملفات، يضمن عدم وصول غير المصرح لهم إليها.

يُعد الحصول على تأمين مهني خطوة حكيمة للمهنيين، حيث يوفر هذا التأمين حماية مالية في حال رفع دعاوى المسؤولية المدنية ضدهم نتيجة للإخلال بالسرية أو أي أخطاء مهنية أخرى. هذه الإجراءات الوقائية لا تحمي فقط المهنيين، بل تعزز أيضًا ثقة العملاء والمرضى وتضمن لهم أفضل مستوى من حماية بياناتهم.

الرقمنة والسرية: تحديات حماية البيانات في العصر الرقمي

في العصر الرقمي الحالي، حيث تُخزن معظم المعلومات وتبادل إلكترونيًا، تواجه السرية المهنية تحديات جديدة ومعقدة. أصبحت حماية البيانات الشخصية والمهنية أكثر صعوبة بسبب التهديدات السيبرانية المتزايدة، مثل الاختراقات، البرامج الضارة، وهجمات التصيد الاحتيالي.

على المحامين والأطباء والمؤسسات التي يعملون بها الاستثمار في بنى تحتية تكنولوجية آمنة، وتطبيق أحدث بروتوكولات الأمن السيبراني. يتطلب ذلك تحديث الأنظمة بانتظام، تدريب الموظفين على أفضل ممارسات أمن المعلومات، واستخدام جدران الحماية وبرامج مكافحة الفيروسات الموثوقة. يجب وضع خطط استجابة سريعة للتعامل مع أي خروقات أمنية محتملة.

كما أن هناك حاجة ملحة إلى وضع تشريعات حديثة تواكب التطور التكنولوجي وتوفر حماية قانونية كافية للبيانات الرقمية، مثل قوانين حماية البيانات الشخصية التي تحدد حقوق الأفراد وواجبات المؤسسات. هذه التحديات تتطلب يقظة مستمرة وتحديثًا دائمًا للإجراءات والتقنيات لضمان استمرار حماية السرية المهنية في عالم متصل رقميًا.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock