أحكام بطلان عقد الشركة لعدم استيفاء الشروط
محتوى المقال
أحكام بطلان عقد الشركة لعدم استيفاء الشروط
دليلك الكامل لفهم أسباب بطلان العقود وكيفية التعامل معها قانونيًا
يُعد عقد الشركة حجر الأساس لأي كيان تجاري ناجح، فهو الوثيقة التي تنظم العلاقة بين الشركاء وتحدد حقوقهم والتزاماتهم. ولكن، قد يتعرض هذا العقد للبطلان إذا لم يستوفِ الشروط التي نص عليها القانون، مما يؤدي إلى عواقب قانونية وخيمة قد تهدد استمرارية المشروع بأكمله. في هذا المقال، نقدم لك دليلًا عمليًا ومفصلًا حول أحكام بطلان عقد الشركة، ونوضح الأسباب المختلفة التي تؤدي إلى هذه النتيجة، مع تقديم خطوات واضحة للتعامل مع الموقف وتصحيح الأوضاع قانونيًا لحماية مصالح جميع الأطراف المعنية.
ما هي شروط صحة عقد الشركة؟
لكي يكون عقد الشركة صحيحًا ومنتجًا لآثاره القانونية، يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط الأساسية التي قسمها القانون إلى شروط موضوعية عامة، وشروط موضوعية خاصة، بالإضافة إلى الشروط الشكلية. إن تخلف أي من هذه الشروط قد يكون سببًا مباشرًا للحكم ببطلان العقد، سواء كان بطلانًا مطلقًا أو نسبيًا. لذلك، فإن فهم هذه الشروط والإلمام بها يعد الخطوة الوقائية الأولى لضمان سلامة تأسيس الشركة وتجنب المنازعات المستقبلية بين الشركاء أو مع الغير. سنتناول كل نوع من هذه الشروط بالتفصيل.
الشروط الموضوعية العامة (الأركان العامة للعقد)
تتمثل هذه الشروط في الأركان الأساسية التي يجب توافرها في كافة العقود وليس فقط عقد الشركة. أول هذه الأركان هو الرضا، ويعني تطابق إرادة الشركاء على إنشاء الشركة دون أن يشوب هذه الإرادة أي عيب من عيوب الرضا كالغلط أو التدليس أو الإكراه. ثانيًا، يجب أن يتمتع كل شريك بالأهلية القانونية اللازمة لإبرام التصرفات القانونية. ثالثًا، يجب أن يكون محل العقد، وهو المشروع الاقتصادي الذي قامت من أجله الشركة، ممكنًا ومشروعًا وغير مخالف للنظام العام والآداب. وأخيرًا، يجب أن يكون هناك سبب مشروع للتعاقد.
الشروط الموضوعية الخاصة بعقد الشركة
بالإضافة إلى الأركان العامة، أوجب القانون توافر شروط خاصة بعقد الشركة تحديدًا. من أهم هذه الشروط تعدد الشركاء، حيث لا تقوم الشركة كقاعدة عامة إلا بتلاقي إرادة شخصين أو أكثر، مع وجود استثناءات لشركة الشخص الواحد. الشرط الثاني هو تقديم الحصص، حيث يلتزم كل شريك بتقديم حصة من مال أو عمل لتكوين رأس مال الشركة. الشرط الثالث هو نية المشاركة، وهي الرغبة الإيجابية لدى الشركاء في التعاون لتحقيق غرض الشركة. وأخيرًا، يجب أن يتضمن العقد اتفاقًا على اقتسام الأرباح والخسائر الناتجة عن نشاط الشركة.
الشروط الشكلية لعقد الشركة
لم يكتفِ المشرع بالشروط الموضوعية، بل فرض أيضًا شروطًا شكلية لضمان إثبات العقد وحماية الغير الذي يتعامل مع الشركة. الشرط الشكلي الأول والأهم هو كتابة عقد الشركة، سواء كان عقدًا رسميًا موثقًا أو عرفيًا. الكتابة ضرورية لإثبات وجود الشركة وبياناتها الأساسية أمام الجهات الرسمية والغير. أما الشرط الثاني فهو شهر العقد، ويتم ذلك عن طريق قيد الشركة في السجل التجاري ونشر ملخص العقد في صحيفة الاستثمار. تهدف إجراءات الشهر إلى إعلام الكافة بوجود الشركة كشخص اعتباري مستقل يمكن التعامل معه.
حالات وأسباب بطلان عقد الشركة
يترتب على تخلف أحد الشروط السابق ذكرها جزاء قانوني يتمثل في بطلان العقد. ويميز القانون بين أنواع مختلفة من البطلان تبعًا لأهمية الشرط الذي تم إغفاله. فقد يكون البطلان مطلقًا، وهو أشد أنواع الجزاء، حيث يعتبر العقد كأن لم يكن منذ البداية. وقد يكون البطلان نسبيًا، يتقرر لمصلحة أحد المتعاقدين ويمكن تصحيحه. كما يوجد نوع خاص من البطلان يتعلق بالشروط الشكلية. إن تحديد نوع البطلان أمر جوهري لأنه يحدد من له الحق في التمسك به، وما إذا كان يمكن تصحيح العقد، والآثار المترتبة على ذلك.
البطلان المطلق: الأسباب والآثار
يقع البطلان المطلق إذا تخلف ركن من الأركان الموضوعية العامة للعقد، مثل انعدام الرضا، أو عدم مشروعية محل الشركة أو سببها. في هذه الحالة، يعتبر العقد منعدمًا منذ نشأته ولا يرتب أي أثر قانوني، لا بين الشركاء ولا في مواجهة الغير. لكل ذي مصلحة، سواء كان من الشركاء أو من الغير، الحق في التمسك بهذا البطلان، كما أن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. لا يمكن تصحيح العقد الباطل بطلانًا مطلقًا، ودعوى البطلان لا تسقط بالتقادم.
البطلان النسبي: الأسباب والآثار
يكون العقد باطلًا بطلانًا نسبيًا إذا شاب رضا أحد الشركاء عيب من عيوب الإرادة، كالغلط الجوهري أو التدليس أو الإكراه، أو إذا كان أحد الشركاء ناقص الأهلية. في هذه الحالة، لا يكون العقد منعدمًا بل يظل قائمًا ومنتجًا لآثاره حتى يتمسك بالبطلان من تقرر لمصلحته فقط، وهو الشريك الذي وقع في غلط أو تم التدليس عليه أو ناقص الأهلية. يمكن للشريك صاحب المصلحة أن يجيز العقد صراحةً أو ضمنًا بعد زوال العيب، مما يؤدي إلى تصحيحه. وتسقط دعوى البطلان النسبي بمضي مدة معينة يحددها القانون.
البطلان من نوع خاص (جزاء تخلف الشروط الشكلية)
إذا تم إغفال أحد الشروط الشكلية، كعدم كتابة العقد أو عدم شهره، فإن القانون يفرض جزاءً خاصًا. لا يكون العقد باطلًا في مواجهة الغير، بل يظل قائمًا ومنتجًا لآثاره لحماية المتعاملين مع الشركة بحسن نية. ولكن، لا يجوز للشركاء الاحتجاج بوجود الشركة فيما بينهم أو في مواجهة الغير إلا من تاريخ استيفاء إجراءات الشهر. ويمكن للشركاء تدارك هذا النقص وتصحيح الوضع عن طريق استكمال الإجراءات الشكلية المطلوبة، وعندها يصبح العقد صحيحًا ومنتجًا لكافة آثاره حتى في الماضي.
خطوات عملية للتعامل مع عقد شركة مشوب بالبطلان
عند اكتشاف وجود سبب قد يؤدي إلى بطلان عقد الشركة، يجب عدم التهاون واتخاذ خطوات قانونية مدروسة لمعالجة الموقف بأقل الخسائر الممكنة. تتدرج هذه الخطوات من تقييم الوضع القانوني بمساعدة متخصص، إلى محاولة تصحيح العقد إن كان ذلك ممكنًا، وصولًا إلى اللجوء للقضاء كحل أخير لإنهاء العلاقة التعاقدية وتصفية الآثار المترتبة عليها. الهدف من هذه الإجراءات هو حماية حقوق الشركاء والغير والحفاظ على المراكز القانونية التي نشأت استنادًا إلى وجود الشركة على أرض الواقع.
الخطوة الأولى: تقييم الوضع القانوني للعقد
أول وأهم خطوة هي استشارة محامٍ متخصص في قانون الشركات. يقوم المحامي بفحص عقد الشركة وكافة المستندات المتعلقة بتأسيسها لتحديد العيب الموجود بدقة. سيساعد هذا التقييم في معرفة نوع البطلان الذي يهدد العقد، هل هو بطلان مطلق أم نسبي أم بطلان من نوع خاص. بناءً على هذا التشخيص القانوني الدقيق، يمكن تحديد الخيارات المتاحة للتعامل مع الموقف، ومن له الحق في التمسك بالبطلان، وما إذا كانت هناك إمكانية للتصحيح من عدمه.
الخطوة الثانية: محاولة تصحيح العقد (إن أمكن)
إذا كان البطلان نسبيًا أو ناتجًا عن تخلف شرط شكلي، فإن الفرصة تكون متاحة لتصحيح العقد. على سبيل المثال، إذا كان البطلان بسبب نقص أهلية أحد الشركاء، يمكن تصحيحه بعد بلوغه سن الرشد. وإذا كان السبب هو عدم كتابة العقد أو شهره، يمكن للشركاء تدارك الأمر واستيفاء هذه الإجراءات. يجب أن يتم التصحيح باتفاق جميع الشركاء وتوثيقه بشكل قانوني سليم لضمان عدم الطعن عليه مستقبلًا. التصحيح هو الحل الأمثل لأنه يحافظ على استمرارية الشركة ويجنب أطرافها تعقيدات التصفية القضائية.
الخطوة الثالثة: رفع دعوى بطلان العقد
في حالة البطلان المطلق، أو إذا تعذر تصحيح العقد الباطل بطلانًا نسبيًا، يصبح اللجوء إلى القضاء أمرًا حتميًا. يتم رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة لطلب الحكم ببطلان عقد الشركة. يجب على المدعي تقديم كافة الأدلة والمستندات التي تثبت وجود سبب البطلان. ستنظر المحكمة في الدعوى وتتحقق من توافر أركانها، وإذا ثبت لها صحة الادعاء، فإنها تصدر حكمها ببطلان العقد وتحدد الآثار المترتبة على هذا الحكم، والتي تتمثل غالبًا في تصفية الشركة.
الخطوة الرابعة: تصفية الشركة الفعلية
يترتب على الحكم ببطلان عقد الشركة اعتبارها كأن لم تكن بالنسبة للمستقبل. ولكن، اعترافًا بالواقع وحمايةً للغير حسن النية، يعتبر القانون أن الشركة كانت قائمة كـ “شركة فعلية” خلال الفترة السابقة على الحكم بالبطلان. لذلك، لا يتم إعادة الشركاء إلى حالتهم الأولى مباشرة، بل يتم الدخول في مرحلة التصفية. تُعين المحكمة مصفيًا يقوم بحصر أصول الشركة وسداد ديونها، ثم يتم توزيع المتبقي على الشركاء كل بنسبة حصته، تمامًا كما هو الحال في التصفية العادية للشركات الصحيحة.