الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

قضايا التنقيب غير المشروع عن الآثار

قضايا التنقيب غير المشروع عن الآثار: دليل شامل للإجراءات والحلول

كيفية التعامل مع جرائم التنقيب غير المشروع وحماية التراث الأثري

تُعد قضايا التنقيب غير المشروع عن الآثار من أخطر الجرائم التي تهدد التراث الثقافي والحضاري للدول، لما لها من أبعاد سلبية على التاريخ والهوية الوطنية. في مصر، أولى المشرع أهمية قصوى للتصدي لهذه الظاهرة، ووضع قوانين صارمة لحماية آثارها التي لا تقدر بثمن. يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل يشرح كيفية الإبلاغ عن هذه الجرائم، الإجراءات القانونية المتبعة، والعقوبات المقررة، بالإضافة إلى استعراض الحلول العملية لمكافحة هذه الظاهرة والحفاظ على كنوزنا الأثرية للأجيال القادمة.

فهم جريمة التنقيب غير المشروع عن الآثار

تعريف التنقيب غير المشروع وأركانه

قضايا التنقيب غير المشروع عن الآثارالتنقيب غير المشروع عن الآثار هو كل عمل يستهدف البحث أو الكشف عن الآثار أو استخراجها من باطن الأرض أو في المياه الإقليمية دون الحصول على ترخيص رسمي من الجهات المختصة، ممثلة في وزارة السياحة والآثار. تتشكل هذه الجريمة من ركن مادي يتمثل في فعل البحث أو الكشف أو الاستخراج، وركن معنوي يتمثل في القصد الجنائي للمتهم وعلمه بأن الفعل غير قانوني ويستهدف آثارًا تاريخية. تشمل الجريمة أي محاولة للعبث بالمواقع الأثرية أو تغيير معالمها.

الآثار التي يشملها التجريم

يشمل التجريم جميع الآثار بجميع أنواعها، سواء كانت قطعًا فنية، مبانٍ، مقتنيات، أو أي بقايا مادية تعود لحضارات سابقة، والتي يثبت أنها ذات قيمة أثرية وتاريخية وفقًا للقانون. لا يقتصر الأمر على الآثار المعروفة والمكتشفة بالفعل، بل يمتد ليشمل أي شيء يكتشف عرضًا ويندرج تحت تعريف الأثر. تعتبر جميع الآثار المكتشفة أو التي تكتشف مستقبلًا ملكًا للدولة، ولا يجوز لأي فرد تملكها أو التصرف فيها. هذا يضمن حماية شاملة لكافة المكتشفات الأثرية على الأراضي المصرية.

الإجراءات القانونية لمكافحة التنقيب غير المشروع

خطوات الإبلاغ عن جرائم التنقيب غير المشروع

عند الاشتباه بوجود أعمال تنقيب غير مشروعة، يجب على المواطن سرعة الإبلاغ عن الواقعة. يمكن ذلك من خلال التوجه إلى أقرب مركز شرطة، أو النيابة العامة، أو قسم شرطة السياحة والآثار، أو حتى الاتصال بالخط الساخن لوزارة السياحة والآثار إذا توفر. يجب تقديم معلومات دقيقة قدر الإمكان عن الموقع، الأشخاص المتورطين، والوقت المحتمل لتنفيذ الجريمة. هذه المعلومات تساعد الجهات الأمنية في سرعة التحرك والضبط قبل إزالة الآثار.

يجب أن يتضمن البلاغ تفاصيل مثل وصف للمكان المشتبه فيه، أي علامات تدل على أعمال حفر حديثة، أو وجود أدوات تستخدم في الحفر، وكذلك أي معلومات عن الأشخاص المتورطين مثل أسمائهم أو أوصافهم أو أرقام لوحات مركباتهم إذا أمكن. يضمن الإبلاغ السريع والحاسم عدم إهدار الوقت وتزايد فرص ضبط الجناة متلبسين، مما يعزز من قوة الموقف القانوني. الحفاظ على سرية هوية المبلغين أمر مهم لضمان سلامتهم وتشجيعهم على الإبلاغ.

دور النيابة العامة والتحقيق

تتولى النيابة العامة فور تلقي البلاغ مهمة التحقيق في الواقعة. تبدأ النيابة بإصدار إذن النيابة بالانتقال إلى مكان الواقعة ومعاينتها، والاستماع إلى شهود العيان، وجمع الأدلة المادية والفنية، وتكليف الجهات المختصة مثل الشرطة والأمن الوطني بإجراء التحريات اللازمة. يتم استدعاء المشتبه فيهم للتحقيق معهم، ويمكن إصدار قرارات بضبطهم وإحضارهم إذا اقتضى الأمر. يشمل التحقيق أيضًا فحص الآثار المضبوطة بواسطة خبراء متخصصين لتحديد قيمتها الأثرية وتاريخها.

التحقيق يتضمن أيضاً فحص المستندات إذا كانت هناك أي تصاريح مزورة أو غير ذلك، وكذلك تتبع أي قنوات لتهريب الآثار إذا تم العثور عليها. تهدف هذه المرحلة إلى الكشف عن جميع جوانب الجريمة وتحديد المسؤولين عنها، سواء كانوا منفذين مباشرين أو شركاء أو محرضين. في ضوء نتائج التحقيق، تقرر النيابة العامة إحالة المتهمين إلى المحكمة الجنائية المختصة إذا ثبتت الأدلة الكافية لإدانتهم، أو حفظ التحقيق في حالة عدم كفاية الأدلة.

العقوبات المقررة قانونًا

نص قانون حماية الآثار المصري رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته على عقوبات صارمة لجرائم التنقيب غير المشروع عن الآثار. تشمل العقوبات السجن المشدد والغرامات المالية الكبيرة، وتتفاوت العقوبة حسب جسامة الجريمة والأضرار الناتجة عنها. فمثلاً، قد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد في حالات تهريب الآثار أو الشروع في تهريبها. كما يتم مصادرة الآثار المضبوطة والأدوات المستخدمة في الجريمة لصالح الدولة. يهدف القانون إلى ردع كل من تسول له نفسه المساس بالتراث المصري.

العقوبات تتضاعف في حالة ما إذا كان المتهم من الموظفين العموميين المختصين بحماية الآثار، أو إذا نتج عن التنقيب تدمير أو تشويه للمواقع الأثرية. يعكس هذا التشدد في العقوبات مدى خطورة هذه الجرائم على الأمن القومي والتراث الإنساني. إن تطبيق هذه العقوبات بصرامة يبعث برسالة قوية بأن الدولة المصرية لن تتهاون في حماية كنوزها التاريخية من أي محاولة للعبث أو السرقة، وهي جزء أساسي من استراتيجية الردع والمكافحة الشاملة لهذه الجرائم.

حلول إضافية لمكافحة هذه الظاهرة

تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الآثار

يُعد رفع الوعي بأهمية الآثار ودورها في تشكيل الهوية الوطنية من أهم الحلول الوقائية. يمكن تحقيق ذلك من خلال الحملات التوعوية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، وتنظيم الفعاليات الثقافية التي تسلط الضوء على قيمة التراث الأثري. يجب غرس ثقافة احترام وحماية الآثار في نفوس المواطنين منذ الصغر، مما يحولهم إلى حراس متطوعين لتراثهم. هذا الوعي يقلل من فرص مشاركة الأفراد في هذه الجرائم أو التستر عليها.

تفعيل دور تكنولوجيا المراقبة الحديثة

يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة مثل الطائرات بدون طيار (الدرونز)، وأجهزة الاستشعار عن بعد، والذكاء الاصطناعي لمراقبة المواقع الأثرية الشاسعة والصعبة الوصول. تساعد هذه التقنيات في الكشف المبكر عن أي نشاط مشبوه، مما يتيح للجهات الأمنية التدخل السريع والفعال. كما يمكن استخدام صور الأقمار الصناعية للمقارنة بين صور سابقة ولاحقة للمناطق الأثرية للكشف عن أي تغييرات طارئة قد تدل على عمليات تنقيب. هذه الأدوات توفر تغطية واسعة وتزيد من فعالية الرقابة.

تطوير التعاون الدولي في مكافحة تهريب الآثار

نظرًا للطبيعة العابرة للحدود لجرائم تهريب الآثار، يصبح التعاون الدولي أمرًا حتميًا. يتضمن ذلك تبادل المعلومات والخبرات مع الدول الأخرى، وتوقيع الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف لاستعادة الآثار المهربة. تلعب منظمات مثل الإنتربول واليونسكو دورًا محوريًا في تسهيل هذا التعاون وملاحقة الشبكات الإجرامية الدولية المتخصصة في تجارة الآثار غير المشروعة. تضافر الجهود الدولية يعزز من قدرة الدول على استرداد ما سُلب من تراثها.

تشديد الرقابة على أسواق تجارة التحف

يجب فرض رقابة مشددة على أسواق تجارة التحف والقطع الفنية لمنع تسويق الآثار المهربة والمسروقة. يتطلب ذلك وضع قواعد صارمة لتسجيل البائعين والمشترين، وتوثيق مصدر كل قطعة معروضة للبيع، والتأكد من شرعيتها. تساهم هذه الإجراءات في إغلاق المنافذ أمام تجار الآثار غير المشروعة وتقلل من جدوى التنقيب غير القانوني. كما يجب تفعيل العقوبات ضد كل من يثبت تورطه في شراء أو بيع آثار غير مسجلة أو مجهولة المصدر.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock