الإجراءات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصريقانون الشركات

أحكام بطلان عقد الشركة بسبب مخالفة النظام العام

أحكام بطلان عقد الشركة بسبب مخالفة النظام العام

دليلك الكامل لفهم أسباب وإجراءات وآثار بطلان العقود التجارية المخالفة للقانون

يعتبر عقد الشركة الركيزة الأساسية لأي نشاط تجاري، ويجب أن تتوافق جميع بنوده وأهدافه مع القواعد القانونية الآمرة التي تشكل النظام العام للدولة. إن مخالفة هذه القواعد لا تعرض الشركة للمساءلة فحسب، بل قد تؤدي إلى الحكم ببطلان العقد من أساسه، مما يترتب عليه آثار قانونية خطيرة. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل أحكام بطلان عقد الشركة بسبب مخالفة النظام العام، ونقدم خطوات عملية للتعامل مع هذا الموقف وفقًا لأحكام القانون المصري.

مفهوم النظام العام وعلاقته بعقود الشركات

تعريف النظام العام والآداب في القانون المصري

أحكام بطلان عقد الشركة بسبب مخالفة النظام العام
يقصد بالنظام العام مجموعة القواعد القانونية الأساسية التي يقوم عليها كيان المجتمع، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، والتي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها. هذه القواعد تهدف إلى حماية المصلحة العامة العليا. أما الآداب العامة فهي مجموعة المبادئ الأخلاقية السائدة في المجتمع في فترة زمنية معينة. ويترتب على مخالفة أي عقد لهذه القواعد أو المبادئ اعتباره باطلًا بطلانًا مطلقًا لمساسه بأسس تنظيم المجتمع.

أهمية توافق غرض الشركة مع النظام العام

يعد توافق غرض الشركة ونشاطها مع النظام العام شرطًا جوهريًا لصحة العقد واستمراره. فلا يمكن تأسيس شركة يكون غرضها الاتجار في الممنوعات أو القيام بأعمال غير مشروعة مثل غسيل الأموال أو الاحتيال. إن القانون يفرض على مؤسسي الشركات التأكد من أن الهدف من التأسيس هو تحقيق غرض اقتصادي مشروع لا يتعارض مع القوانين واللوائح السارية، وإلا كان مصير العقد هو البطلان.

أبرز حالات مخالفة النظام العام المؤدية للبطلان

بطلان العقد بسبب عدم مشروعية غرض الشركة

تعد هذه الحالة من أوضح صور مخالفة النظام العام. إذا نص عقد تأسيس الشركة صراحة على أن غرضها هو ممارسة نشاط يجرمه القانون، مثل إدارة أماكن للقمار أو الاتجار بالبشر، فإن العقد يقع باطلًا بطلانًا مطلقًا. ولا يقتصر الأمر على الأنشطة المجرمة جنائيًا، بل يمتد ليشمل أي نشاط يخالف القواعد الآمرة في القوانين التجارية أو المدنية أو الإدارية.

ممارسة الشركة لنشاط فعلي غير مشروع

قد يكون غرض الشركة المذكور في العقد مشروعًا، ولكن النشاط الفعلي الذي تمارسه الشركة على أرض الواقع يخالف النظام العام. في هذه الحالة، يمكن إثبات البطلان من خلال الوقائع والأدلة التي تؤكد انحراف الشركة عن غرضها المعلن إلى غرض آخر غير مشروع. على سبيل المثال، شركة مسجلة لغرض الاستيراد والتصدير ولكنها تمارس فعليًا عمليات تهريب. هنا يمكن للمتضرر أو النيابة العامة طلب الحكم ببطلان العقد.

تضمين العقد شروطًا مخالفة للقانون

قد ينشأ البطلان أيضًا من وجود شرط أو بند في عقد الشركة يتعارض مع قاعدة قانونية آمرة. مثال على ذلك، اشتراط حرمان أحد الشركاء من الأرباح بشكل كامل، أو إعفائه من الخسائر تمامًا، وهو ما يعرف بشرط الأسد. مثل هذه الشروط تعتبر باطلة وقد تؤدي إلى بطلان العقد بأكمله إذا كان هذا الشرط هو الدافع الأساسي للتعاقد بالنسبة لأحد الأطراف.

الإجراءات القانونية لإثبات وطلب البطلان

من له الحق في رفع دعوى البطلان؟

بما أن مخالفة النظام العام تؤدي إلى بطلان مطلق، فإن الحق في التمسك بهذا البطلان لا يقتصر على أطراف العقد (الشركاء) فقط. بل يحق لكل ذي مصلحة أن يطلب من القضاء الحكم بالبطلان، مثل دائني أحد الشركاء. بالإضافة إلى ذلك، تملك النيابة العامة الحق في رفع الدعوى من تلقاء نفسها حماية للمصلحة العامة، كما يمكن للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها إذا تبين لها وجود المخالفة.

خطوات رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة

تبدأ الإجراءات بإعداد صحيفة دعوى يوضح فيها المدعي أسباب طلبه ببطلان عقد الشركة، مع تحديد المخالفة التي ارتكبت ضد النظام العام. يتم إيداع هذه الصحيفة في قلم كتاب المحكمة الاقتصادية أو المحكمة المدنية المختصة حسب طبيعة الشركة ونشاطها. بعد ذلك، يتم إعلان باقي الشركاء والشركة بصحيفة الدعوى وتحديد جلسة لنظرها. يجب أن تكون الصحيفة مدعومة بكافة المستندات والأدلة التي تثبت الادعاء.

الأدلة ووسائل الإثبات المطلوبة

تتنوع وسائل الإثبات في دعوى البطلان. يمكن الاعتماد على عقد تأسيس الشركة نفسه إذا كان الغرض غير المشروع منصوصًا عليه صراحة. كما يمكن الاستعانة بالمستندات والمراسلات الداخلية للشركة، وشهادة الشهود، وتقارير الخبراء، والمحاضر الرسمية التي تثبت ممارسة الشركة لنشاط غير قانوني. أي دليل مادي أو كتابي يثبت أن جوهر عمل الشركة أو أحد بنود عقدها يخالف قاعدة آمرة يعتبر حجة قوية أمام المحكمة.

الآثار القانونية المترتبة على حكم البطلان

أثر الحكم على الشركة والشركاء

يترتب على الحكم ببطلان عقد الشركة اعتبارها كأن لم تكن بأثر رجعي، وتزول شخصيتها الاعتبارية من تاريخ تأسيسها. ولكن لحماية استقرار المعاملات، قد تتعامل المحكمة معها كشركة فعلية في الفترة السابقة على الحكم بالبطلان، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الأرباح والخسائر بين الشركاء عن تلك الفترة. بعد الحكم، يتم تصفية الشركة وتوزيع موجوداتها على الشركاء بعد سداد ديونها.

حماية الغير حسن النية المتعامل مع الشركة

لا يؤثر الحكم ببطلان الشركة على الحقوق التي اكتسبها الغير حسن النية. فإذا تعاقد شخص خارجي مع الشركة قبل الحكم ببطلانها وهو لا يعلم بسبب البطلان، فإن عقده يظل صحيحًا ومنتجًا لآثاره في مواجهة الشركاء. ويهدف القانون من خلال هذا المبدأ إلى حماية استقرار المراكز القانونية والمعاملات التجارية التي تمت مع الشركة قبل القضاء ببطلانها.

تصفية الشركة كأثر حتمي للبطلان

بمجرد صدور حكم نهائي ببطلان عقد الشركة، تدخل الشركة مرحلة التصفية القضائية. تقوم المحكمة بتعيين مصفٍ تكون مهمته حصر أصول الشركة وبيعها، وسداد ديونها، ومن ثم توزيع ما يتبقى من أموال على الشركاء كل بنسبة حصته. تنتهي التصفية بشطب الشركة من السجل التجاري، وتزول بذلك من الوجود القانوني بشكل كامل ونهائي.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock