الإجراءات القانونيةالاستشارات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصري

العقد المستمد من الفعل الضار (عقود المسؤولية)

العقد المستمد من الفعل الضار (عقود المسؤولية)

فهم العلاقة بين الخطأ والالتزام في القانون المدني المصري

في عالم القانون، لا تنشأ كل العقود والالتزامات عن اتفاق إرادتين. أحيانًا، يفرض القانون التزامًا على شخص نتيجة لفعله الضار الذي ألحق الأذى بغيره. هذا المفهوم يُعرف بالعقد المستمد من الفعل الضار أو المسؤولية التقصيرية، وهو أساس نظام التعويضات في القانون المدني. هذا المقال يقدم دليلًا عمليًا لفهم هذا النوع من المسؤولية، وكيفية إثباتها، والمطالبة بالتعويض عنها وفقًا للقانون المصري.

ما هو العقد المستمد من الفعل الضار (المسؤولية التقصيرية)؟

العقد المستمد من الفعل الضار (عقود المسؤولية)المسؤولية التقصيرية هي التزام يفرضه القانون على شخص بتعويض شخص آخر عن الضرر الذي ألحقه به نتيجة خطأ أو إهمال. على عكس المسؤولية العقدية التي تنشأ عن الإخلال ببنود عقد متفق عليه، فإن المسؤولية التقصيرية تنشأ دون وجود أي علاقة عقدية سابقة بين الطرفين. المصدر هنا هو الفعل الضار نفسه، حيث يعتبر القانون أن مرتكب الضرر قد التزم “افتراضيًا” بإصلاح ما أفسده. يهدف هذا المبدأ إلى إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر قدر الإمكان.

يعتبر القانون المدني المصري المصدر الرئيسي لتنظيم هذه المسؤولية. تنص المادة 163 من القانون المدني على أن “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”. هذه المادة هي حجر الزاوية الذي تقوم عليه كافة دعاوى التعويض عن الأفعال الضارة، سواء كانت مادية مثل حوادث السيارات أو إتلاف الممتلكات، أو معنوية مثل الإساءة للسمعة والتشهير.

الخطوات العملية لإثبات المسؤولية التقصيرية

الخطوة الأولى: تحديد أركان المسؤولية الثلاثة

لكي تنجح في إثبات المسؤولية التقصيرية والحصول على تعويض، يجب عليك إثبات توافر ثلاثة أركان أساسية مترابطة. أول هذه الأركان هو “الخطأ”. ويتمثل في أي فعل أو امتناع عن فعل يمثل إخلالًا بواجب قانوني، مثل مخالفة قوانين المرور أو عدم اتخاذ احتياطات السلامة اللازمة في موقع بناء. يجب أن يكون الخطأ واضحًا ويمكن إثباته من خلال شهود أو تقارير فنية أو محاضر رسمية. بدون إثبات وقوع خطأ من جانب المدعى عليه، تنهار الدعوى من أساسها.

الركن الثاني هو “الضرر”. لا يكفي وقوع خطأ، بل يجب أن ينتج عن هذا الخطأ ضرر ملموس لحق بالمدعي. يمكن أن يكون الضرر ماديًا، كإصابات جسدية تتطلب علاجًا أو تلف في الممتلكات يتطلب إصلاحًا أو استبدالًا. كما يمكن أن يكون الضرر أدبيًا أو معنويًا، مثل الألم النفسي أو الحزن أو الإساءة إلى السمعة. يجب تقديم الأدلة التي تثبت حجم الضرر، مثل الفواتير الطبية، تقارير الخبراء لتقييم التلفيات، أو شهادات تثبت الأذى المعنوي الذي لحق بالمضرور.

الركن الثالث والأخير هو “علاقة السببية”. يجب أن تثبت أن الضرر الذي لحق بك كان نتيجة مباشرة للخطأ الذي ارتكبه الطرف الآخر. أي أنه لولا هذا الخطأ، لما وقع الضرر. إذا انقطعت علاقة السببية، كأن يتدخل سبب أجنبي لا يد للمدعى عليه فيه (مثل قوة قاهرة أو خطأ من المضرور نفسه أو خطأ من الغير)، فقد تنتفي مسؤولية المدعى عليه كليًا أو جزئيًا. إثبات هذه العلاقة يتطلب غالبًا تحليلًا دقيقًا للوقائع وقد يستلزم استعانة بخبراء فنيين.

طرق المطالبة بالتعويض عن الفعل الضار

الطريقة الأولى: التسوية الودية

قبل اللجوء إلى القضاء، قد يكون من المفيد محاولة حل النزاع وديًا. يمكن للمضرور أو محاميه التواصل مع مرتكب الضرر أو شركة التأمين الخاصة به (في حالات مثل حوادث السيارات) للتفاوض حول قيمة التعويض. هذه الطريقة توفر الوقت والجهد وتكاليف التقاضي. لنجاح التسوية، يجب تجهيز ملف كامل يشمل كافة المستندات التي تثبت أركان المسؤولية (الخطأ، الضرر، وعلاقة السببية) وتقديرًا واضحًا ومنطقيًا لقيمة الأضرار المادية والمعنوية. غالبًا ما تنتهي المفاوضات بتوقيع اتفاق تسوية يلتزم فيه الطرف المسؤول بدفع مبلغ معين مقابل تنازل المضرور عن حقه في رفع دعوى قضائية.

الطريقة الثانية: رفع دعوى قضائية مدنية

إذا فشلت محاولات التسوية الودية، يكون الطريق التالي هو اللجوء إلى القضاء عبر رفع “دعوى تعويض” أمام المحكمة المدنية المختصة. تبدأ الإجراءات بإعداد صحيفة الدعوى التي تتضمن شرحًا مفصلًا للوقائع، وتحديد أركان المسؤولية بالأدلة والمستندات، وتحديد مبلغ التعويض المطلوب. تشمل الأدلة محاضر الشرطة، التقارير الطبية، فواتير الإصلاح، وشهادة الشهود. تنظر المحكمة في الأدلة المقدمة من الطرفين، وقد تنتدب خبيرًا لتقدير حجم الضرر. وفي النهاية، تصدر حكمها بإلزام المدعى عليه بالتعويض إذا ثبتت مسؤوليته.

عناصر إضافية لتعزيز موقفك القانوني

توثيق كل شيء فور وقوع الضرر

عامل الوقت حاسم في قضايا المسؤولية التقصيرية. بمجرد وقوع الفعل الضار، ابدأ فورًا في توثيق كل شيء. إذا كان حادث سيارة، قم بتصوير الأضرار وموقع الحادث. اطلب تقرير الشرطة أو قم بتحرير محضر رسمي بالواقعة. احتفظ بجميع الفواتير والإيصالات المتعلقة بالعلاج أو الإصلاحات. اطلب تقارير طبية مفصلة توضح طبيعة الإصابة وتكاليف العلاج والمدة المتوقعة للشفاء. هذه المستندات هي سلاحك الأقوى في إثبات الضرر وحجمه أمام أي جهة، سواء في تسوية ودية أو أمام المحكمة.

فهم أنواع التعويض المتاحة

التعويض لا يقتصر فقط على تغطية النفقات المباشرة. ينقسم التعويض الذي يمكن المطالبة به إلى عدة أجزاء. أولًا، التعويض عن الضرر المادي، ويشمل ما لحق المضرور من خسارة (مثل تكاليف العلاج والإصلاح) وما فاته من كسب (مثل الأجر الذي لم يحصل عليه بسبب الإصابة). ثانيًا، التعويض عن الضرر الأدبي، ويشمل التعويض عن الألم النفسي والحزن والتشويه الجسدي أو الإساءة للسمعة. فهم هذه الأنواع يساعدك في تقدير قيمة التعويض بشكل عادل وشامل وتقديم طلباتك للمحكمة بشكل دقيق.

الاستعانة بمحام متخصص

قضايا التعويضات قد تكون معقدة وتتطلب فهمًا عميقًا للقانون والإجراءات. الاستعانة بمحام متخصص في القضايا المدنية والتعويضات تزيد من فرص نجاحك بشكل كبير. المحامي سيقوم بتقييم الموقف القانوني، وجمع الأدلة اللازمة، وصياغة صحيفة الدعوى بشكل احترافي، والتفاوض نيابة عنك، والمرافعة أمام المحكمة. خبرته في التعامل مع قضايا مشابهة تمكنه من تقدير قيمة التعويض العادل وتجنب الأخطاء الإجرائية التي قد تضعف قضيتك أو تؤدي إلى رفضها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock