التعاقد بين شخصين أحدهما أمي: الضمانات
محتوى المقال
التعاقد بين شخصين أحدهما أمي: الضمانات
دليل شامل لحماية حقوقك عند إبرام العقود مع شخص لا يجيد القراءة والكتابة وفقًا للقانون المصري
تعتبر العقود التي يكون أحد أطرافها شخصًا لا يجيد القراءة والكتابة من الأمور الشائعة في مجتمعنا، ورغم بساطتها الظاهرية إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر قانونية قد تؤدي إلى نزاعات معقدة. فغياب القدرة على قراءة بنود العقد يفتح الباب أمام احتمالات الاستغلال أو التدليس أو فهم خاطئ للالتزامات المترتبة على الطرف الأمي. لذلك، وضع القانون المصري مجموعة من الضمانات والإجراءات التي تهدف إلى حماية حقوق جميع الأطراف وضمان صحة ونفاذ هذه التعاقدات. هذا المقال يقدم لك حلولًا وخطوات عملية لتأمين عقدك بشكل كامل.
فهم المخاطر القانونية للتعاقد مع شخص أمي
عيوب الرضا والاستغلال
إن الرضا هو ركن أساسي في أي عقد، ويجب أن يكون صادرًا عن إرادة حرة ومستنيرة. في حالة الشخص الأمي، قد تكون إرادته معيبة بسبب عدم قدرته على الإلمام بمحتوى المستند الذي يوقعه. يسهل هذا الوضع وقوعه ضحية للتدليس، كأن يتم إيهامه بأن العقد يتضمن شروطًا معينة بينما الواقع مختلف. كذلك، يمكن أن يتعرض للاستغلال، وهو ما يعطي للطرف الأمي الحق في طلب إبطال العقد إذا ثبت أن الطرف الآخر استغل ضعفه وحصل على مزايا لا تتعادل مع ما قدمه هو في المقابل.
صعوبة إثبات شروط العقد
في حالة نشوء نزاع حول تفسير أو تنفيذ بند من بنود العقد، يقع عبء الإثبات على من يدعي. إذا كان التوقيع الوحيد على العقد هو بصمة إصبع للطرف الأمي، فقد يدفع الأخير بأنه لم يكن يعلم حقيقة ما بصم عليه. وهنا، تصبح عملية إثبات أن الطرف الأمي كان على علم تام وتفصيلي بجميع شروط العقد أمرًا صعبًا على الطرف الآخر، ما لم تكن هناك أدلة وقرائن أخرى تدعم موقفه، وهو ما قد يعرض العقد بأكمله لخطر البطلان أو الإبطال أمام المحكمة.
الضمانات القانونية الأساسية لحماية الطرفين
الضمانة الأولى: حضور الشهود
تعتبر شهادة الشهود هي الضمانة الأهم والأكثر شيوعًا لتوثيق رضا الطرف الأمي. لا يكفي مجرد وجود شهود، بل يجب أن يكونوا شهودًا على العلم والرضا. تتمثل مهمتهم في التأكد من قراءة العقد بصوت مسموع وواضح أمام الطرف الأمي، والتأكد من أنه فهم جميع بنوده والتزاماته وحقوقه فهمًا نافيًا للجهالة قبل أن يقوم بوضع بصمته. يفضل أن يكون الشهود من الأشخاص المحايدين والموثوق بهم، وأن يوقعوا على العقد بما يفيد حضورهم عملية القراءة وإقرار الطرف الأمي بالمحتوى.
الضمانة الثانية: التوثيق الرسمي للعقد
للحصول على أقصى درجات الحماية القانونية، يعتبر توثيق العقد في مكتب الشهر العقاري هو الحل الأمثل. في هذه الحالة، يتولى الموثق العام، وهو موظف رسمي، قراءة العقد على الطرفين والتأكد من أهلية المتعاقدين وفهمهما الكامل لمضمون العقد قبل التوقيع. التوثيق الرسمي يمنح العقد قوة وحجية مطلقة في الإثبات، حيث يصبح من الصعب جدًا الطعن فيه لاحقًا بالجهل أو عدم العلم بمحتواه. هذه الطريقة هي الأفضل للعقود الهامة مثل عقود البيع العقاري أو عقود الشركات.
حجية بصمة الإصبع ودورها في الإثبات
تعتبر بصمة الإصبع في نظر القانون المصري بمثابة التوقيع ولها حجيتها، ولكنها حجية يمكن دحضها وإثبات عكسها. على عكس التوقيع الخطي الذي يمكن مقارنته بتوقيعات أخرى للشخص نفسه، فإن البصمة تثبت فقط هوية الشخص الذي بصم ولكنها لا تثبت علمه بمحتوى الورقة. لذلك، فإن المحكمة عند نظرها في نزاع حول عقد موقع ببصمة إصبع، تبحث عن أدلة إضافية وقرائن أخرى تؤكد علم ورضا صاحب البصمة. وجود شهود أو أي دليل آخر يعزز من قوة البصمة كدليل على الرضا.
خطوات عملية لإبرام عقد آمن مع شخص أمي
الخطوة الأولى: صياغة العقد بوضوح
قبل أي شيء، يجب أن تتم صياغة العقد بلغة بسيطة ومباشرة وواضحة، تبتعد عن المصطلحات القانونية المعقدة قدر الإمكان. يجب تقسيم العقد إلى بنود قصيرة ومرقمة، بحيث يسهل شرح كل بند على حدة. كلما كان العقد أبسط وأكثر وضوحًا، كان من الأسهل إثبات أن الطرف الأمي قد فهمه واستوعبه بشكل كامل، مما يقلل من فرص الطعن عليه مستقبلًا.
الخطوة الثانية: القراءة والشرح المفصل
هذه هي أهم خطوة عملية. يجب عقد جلسة توقيع العقد بحضور الطرفين والشهود. في هذه الجلسة، يقوم أحد الحاضرين بقراءة العقد بالكامل بصوت عالٍ وواضح. بعد قراءة كل بند، يجب التوقف وشرحه بكلمات بسيطة للطرف الأمي، والتأكد من أنه فهم معناه والالتزام المترتب عليه. من المفيد أن يقوم الطرف الأمي بنفسه بإعادة شرح ما فهمه لضمان استيعابه التام قبل الانتقال للبند التالي.
الخطوة الثالثة: إحضار شهود ثقات
اختر شاهدين على الأقل من الأشخاص المشهود لهم بالنزاهة والأمانة، ويفضل ألا تكون لهم مصلحة مباشرة في العقد. يجب أن يكون الشهود حاضرين طوال جلسة قراءة وشرح العقد. بعد انتهاء الشرح وتأكيد الطرف الأمي موافقته، يقوم بوضع بصمته ثم يوقع الشهود على العقد كشهود على واقعة القراءة والعلم والرضا. يمكن إضافة عبارة بجانب توقيع الشهود مثل “أشهد بأنه تم قراءة وشرح العقد على الطرف الأمي وقد أقَر بفهمه وموافقته”.
عناصر إضافية لتعزيز قوة العقد
إشراك محامٍ في عملية الصياغة والتوقيع
يعد الاستعانة بمحامٍ خيارًا ممتازًا لضمان سلامة العقد من الناحية القانونية. يمكن للمحامي صياغة العقد بشكل يضمن حقوق الطرفين، كما أن حضوره أثناء جلسة التوقيع يضفي مزيدًا من المصداقية على الإجراءات. يمكن للمحامي أن يتولى بنفسه شرح بنود العقد للطرف الأمي، ويكون وجوده كطرف محايد ومختص بالقانون بمثابة ضمانة قوية يصعب الطعن عليها أمام القضاء.
الإقرار المنفصل
كإجراء إضافي لزيادة الأمان، يمكن صياغة إقرار منفصل من صفحة واحدة وبصيغة بسيطة جدًا. ينص هذا الإقرار على أن الطرف الأمي يقر بأن العقد المبرم بتاريخ كذا، بخصوص كذا، قد تمت قراءته عليه تفصيليًا وأنه فهم جميع بنوده فهمًا تامًا ووافق عليها بكامل إرادته. يتم التوقيع على هذا الإقرار من الطرف الأمي والشهود أنفسهم. هذا المستند المنفصل يعمل كدليل إضافي قوي على العلم والرضا ويدعم العقد الأصلي.