الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

مبدأ العدالة التعاقدية في القانون المدني

مبدأ العدالة التعاقدية في القانون المدني: أسس، تحديات، وحلول عملية

فهم شامل لتوازن المصالح في العقود وتطبيقاته القانونية

يعد مبدأ العدالة التعاقدية من الركائز الأساسية التي يقوم عليها القانون المدني الحديث، ويهدف إلى ضمان التوازن بين الحقوق والالتزامات المتبادلة بين أطراف العقد. لا يقتصر هذا المبدأ على مجرد المساواة الشكلية، بل يتجاوزها إلى تحقيق عدالة جوهرية تحمي الأطراف الأضعف وتمنع الاستغلال. في هذا المقال، نستعرض مفهوم العدالة التعاقدية، التحديات التي تواجه تطبيقها، والحلول العملية لضمان تحقيقها في كافة مراحل التعاقد.

مفهوم العدالة التعاقدية وأركانها في القانون المدني

مبدأ العدالة التعاقدية في القانون المدنيالعدالة التعاقدية هي المبدأ الذي يسعى إلى تحقيق التوازن العادل بين المصالح الاقتصادية والقانونية لأطراف العقد. يضمن هذا التوازن ألا يكون أحد الأطراف مثقلاً بالتزامات تفوق بكثير ما يحصل عليه من حقوق، أو أن يستفيد طرف على حساب إضرار جسيم بالطرف الآخر. هذا المفهوم يتجاوز مجرد الحرية التعاقدية ليصل إلى حماية العدالة الجوهرية.

تشمل أركان العدالة التعاقدية عدة جوانب، منها توازن الأداءات المتبادلة، وسلامة الإرادة من أي عيوب كالغبن أو الاستغلال، وكذلك قدرة العقد على الصمود أمام الظروف الطارئة التي قد تغير من توازنه الأصلي. يهدف القانون من خلال هذا المبدأ إلى إرساء بيئة تعاقدية قائمة على الثقة والإنصاف بين المتعاقدين، مما يعزز الاستقرار في المعاملات المدنية.

تعريف العدالة التعاقدية

تُعرف العدالة التعاقدية بأنها ذلك المبدأ القانوني والأخلاقي الذي يسعى إلى ضمان أن تكون الشروط والالتزامات المترتبة على العقد موزعة بشكل منصف بين أطرافه. لا تعني العدالة التعاقدية بالضرورة المساواة المطلقة في كل شيء، بل تعني التوازن المعقول الذي يراعي ظروف كل طرف وقوته التفاوضية. وهي بذلك تختلف عن مجرد التطبيق الحرفي للقاعدة القانونية.

يسعى هذا التعريف إلى تحديد إطار يضمن عدم وجود إجحاف أو غبن فاحش يضر بأحد أطراف العقد بشكل غير مبرر. كما يتضمن أيضاً القدرة على مواجهة التغيرات غير المتوقعة التي قد تطرأ بعد إبرام العقد وتخل بتوازنه الأصلي. هذه المرونة في المفهوم تسمح بتكييف الحلول القانونية لتناسب كل حالة على حدة.

الأسس الفلسفية والقانونية للمبدأ

ترتكز العدالة التعاقدية على أسس فلسفية عميقة تنبع من مبادئ الإنصاف والعدل التي طالما سعت إليها الحضارات الإنسانية. قانونياً، تجد هذه الأسس تعبيرها في نصوص القانون المدني التي تهدف إلى حماية الإرادة ومنع التعسف في استعمال الحق. يعزز هذا المبدأ فكرة أن العقد ليس مجرد اتفاق بين إرادتين، بل هو أداة لتحقيق مصلحة مشروعة يجب أن تتم في إطار العدل.

من الناحية القانونية، تستمد العدالة التعاقدية قوتها من مبادئ عامة مثل حسن النية في تنفيذ العقود، ووجوب امتناع الأطراف عن الإضرار المتعمد بالغير. كما تدعمها قواعد محددة كنظرية الاستغلال والغبن، ونظرية الظروف الطارئة التي تسمح للقاضي بالتدخل لإعادة التوازن العقدي. هذه الأسس مجتمعة تشكل الدرع الواقي للمتعاقدين.

تمييزها عن المساواة الشكلية

من المهم التمييز بين العدالة التعاقدية والمساواة الشكلية. فالمساواة الشكلية تعني أن القانون يطبق على الجميع بنفس الطريقة بغض النظر عن ظروفهم، وأن كل طرف حر في التعاقد بشروط يختارها. بينما العدالة التعاقدية تتجاوز هذا المفهوم لتراعي الفروق الجوهرية بين الأطراف، خاصة عندما يكون هناك طرف أضعف أو أقل خبرة.

تهدف العدالة التعاقدية إلى تصحيح الاختلالات الجوهرية في القوة التفاوضية أو المعرفة، مما يسمح للقانون بالتدخل لمنع استغلال هذه الفروق. فالعقد قد يكون صحيحاً شكلاً، لكنه قد يكون مجحفاً في جوهره. هنا يأتي دور العدالة التعاقدية لضمان الإنصاف الحقيقي بدلاً من مجرد الالتزام بالقواعد السطحية.

أسباب الإخلال بالعدالة التعاقدية والتحديات القانونية

تتعرض العدالة التعاقدية للعديد من التحديات التي قد تؤدي إلى الإخلال بها، مما يوجب تدخل القانون لتصحيح المسار. تنشأ هذه التحديات غالباً من عدم تكافؤ المراكز القانونية أو الاقتصادية بين أطراف العقد، أو من ظروف خارجة عن إرادتهم. فهم هذه الأسباب هو الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول فعالة للحفاظ على التوازن العقدي.

تشمل هذه الأسباب عوامل مثل الجهل بالشروط، أو الضغط الاقتصادي، أو حتى التغيرات المفاجئة في الظروف التي لم تكن في حسبان المتعاقدين عند إبرام العقد. تتطلب معالجة هذه التحديات تدابير قانونية واضحة تضمن حماية الأطراف وتسمح بإعادة النظر في بنود العقد عند الضرورة، للحفاظ على جوهر العدالة.

الغبن والاستغلال

يعتبر الغبن والاستغلال من أبرز الأسباب التي تخل بالعدالة التعاقدية. يحدث الغبن عندما يكون هناك تفاوت فاحش بين الالتزامات المتبادلة في العقد، مما يسبب ضرراً جسيماً لأحد الأطراف. أما الاستغلال فيتحقق عندما يستغل أحد الأطراف حاجة أو طيش أو ضعف الطرف الآخر، ليحصل منه على مزايا باهظة لا تتناسب مع ما يقدمه.

لمواجهة الغبن والاستغلال، يوفر القانون المدني آليات لفسخ العقد أو إنقاص التزامات الطرف المغبون أو المستغل. هذه الآليات تهدف إلى استعادة التوازن الذي فقد بسبب عدم المساواة في القوة التفاوضية أو الظروف النفسية التي أثرت على إرادة أحد المتعاقدين، مما يضمن عدم الإثراء بلا سبب مشروع.

الظروف الطارئة والقوة القاهرة

قد تنشأ الظروف الطارئة والقوة القاهرة بعد إبرام العقد وتؤدي إلى إخلال جسيم بالعدالة التعاقدية. فبينما القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً، فإن الظروف الطارئة تجعل التنفيذ مرهقاً للغاية لأحد الطرفين، لدرجة تهدد بخسارة فادحة وغير متوقعة لم تكن في الحسبان عند التعاقد.

يتيح القانون في هذه الحالات، خاصة في نظرية الظروف الطارئة، للقاضي سلطة تعديل العقد أو حتى فسخه جزئياً لإعادة التوازن بين الأداءات. يهدف هذا التدخل القضائي إلى منع حدوث إجحاف كبير غير متوقع، وضمان استمرارية العلاقات التعاقدية قدر الإمكان مع مراعاة العدالة لكل الأطراف المتضررة.

عقود الإذعان والشروط التعسفية

تمثل عقود الإذعان تحدياً كبيراً لمبدأ العدالة التعاقدية، حيث يضع أحد الأطراف (الطرف القوي) جميع شروط العقد، ولا يملك الطرف الآخر (الضعيف) إلا قبولها جملة أو رفضها جملة دون مناقشة. غالباً ما تحتوي هذه العقود على شروط تعسفية تخدم مصلحة الطرف القوي وتضر بالطرف المذعن.

يتصدى القانون المدني لهذه الشروط التعسفية بإعطاء القاضي سلطة تعديلها أو إلغائها حتى لو وافق عليها الطرف المذعن. هذه الحماية تهدف إلى منع استغلال الهيمنة الاقتصادية أو الاحتكارية، وضمان أن تكون العقود قائمة على أساس من الرضا الحقيقي والإنصاف، حتى في العقود ذات الطبيعة الخاصة.

عدم تكافؤ المراكز القانونية

ينشأ عدم تكافؤ المراكز القانونية عندما يكون هناك تفاوت واضح في الخبرة أو المعرفة أو القدرة القانونية بين أطراف العقد. هذا التفاوت قد يؤدي إلى إبرام عقود غير متوازنة، حيث لا يدرك الطرف الأضعف بشكل كامل حقوقه والتزاماته، أو لا يستطيع التفاوض بفعالية لصالحه.

لمواجهة هذا التحدي، يتطلب القانون في بعض الحالات توفير حماية خاصة للطرف الأضعف، كالمستهلكين أو العمال، من خلال فرض التزامات إفصاح على الطرف الأقوى أو إعطاء الحق في العدول عن العقد. تضمن هذه الآليات أن تكون القرارات التعاقدية مبنية على معلومات كافية وإرادة حرة ومستنيرة لكلا الطرفين.

آليات تحقيق العدالة التعاقدية في مرحلة إبرام العقد

تبدأ رحلة تحقيق العدالة التعاقدية من اللحظة الأولى لإبرام العقد، حيث تلعب عدة آليات دوراً حاسماً في ضمان التوازن والإنصاف. إن التركيز على هذه المرحلة الوقائية يساعد على تجنب العديد من المشكلات التي قد تظهر لاحقاً. الفهم الدقيق لهذه الآليات يمثل مفتاحاً لصياغة عقود قوية وعادلة.

تهدف هذه الآليات إلى تمكين الأطراف من اتخاذ قرارات مستنيرة والتفاوض الفعال، وتقليل احتمالات وجود شروط مجحفة أو غير مفهومة. بتبني هذه الحلول في مرحلة التأسيس، يمكن بناء علاقات تعاقدية مستقرة ومبنية على الثقة المتبادلة، مما يقلل من النزاعات المستقبلية.

الإفصاح والشفافية التامة

يعد الإفصاح والشفافية التامة من أهم آليات تحقيق العدالة التعاقدية. يجب على جميع أطراف العقد، وبخاصة الطرف الأقوى أو الأكثر دراية، تقديم كافة المعلومات الجوهرية المتعلقة بالعقد بوضوح وصراحة. يشمل ذلك الشروط الرئيسية، التكاليف، المخاطر المحتملة، وأي تفاصيل أخرى تؤثر على قرار التعاقد.

إن توفير المعلومات الكاملة والدقيقة يضمن أن تكون إرادة الطرف الآخر مستنيرة وغير مشوبة بالجهل أو التضليل. تعمل الشفافية على بناء الثقة بين المتعاقدين، وتقلل من فرص النزاعات التي قد تنشأ عن سوء الفهم أو إخفاء الحقائق الجوهرية. الحل هنا يكمن في إتاحة جميع التفاصيل بوضوح.

التفاوض المتكافئ

يساعد التفاوض المتكافئ على تحقيق العدالة التعاقدية من خلال السماح لكل طرف بالتعبير عن مصالحه وشواغله، والسعي للوصول إلى حلول وسط مرضية للجميع. يتطلب التفاوض المتكافئ توفر قدر معقول من القوة التفاوضية لدى الطرفين، أو على الأقل عدم وجود ضغط أو استغلال للضعف.

لتحقيق تفاوض متكافئ، يمكن للأطراف طلب المشورة القانونية المستقلة، أو تخصيص وقت كافٍ لدراسة الشروط المقترحة، أو حتى إشراك وسيط محايد عند الضرورة. هذه الخطوات تضمن أن تكون النتائج النهائية للعقد تعكس توازناً حقيقياً للمصالح وليس مجرد إملاء من طرف واحد.

دور الإرادة الحرة والمستنيرة

إن أساس أي عقد عادل هو الإرادة الحرة والمستنيرة لكلا الطرفين. تعني الإرادة الحرة أن يكون المتعاقد قد أقدم على العقد بمحض اختياره، دون إكراه أو تدليس. أما الإرادة المستنيرة فتعني أن يكون الطرف على علم ودراية تامة بكل ما يتضمنه العقد من حقوق وواجبات وتبعات.

لضمان ذلك، يجب على الأطراف التأكد من فهمهم الكامل لبنود العقد قبل التوقيع عليه. يمكن تحقيق ذلك بقراءة العقد جيداً، طرح الأسئلة، وطلب التوضيحات. في حالة العقود المعقدة أو الكبيرة، ينصح بشدة بالاستعانة بمحامٍ متخصص لمراجعة العقد وتقديم النصح القانوني المناسب، مما يعزز من قوة الإرادة.

الرقابة على الشروط التعسفية

تعتبر الرقابة على الشروط التعسفية آلية مهمة لحماية العدالة التعاقدية، خاصة في عقود الإذعان. تتيح هذه الرقابة، التي قد تكون قضائية أو إدارية، تحديد الشروط التي تفرض التزاماً باهظاً على أحد الأطراف دون مبرر منطقي أو اقتصادي، ومن ثم تعديلها أو إلغائها.

هذه الرقابة تهدف إلى إعادة التوازن للعقد ومنع استغلال الوضع المهيمن للطرف القوي. الحل هنا يتمثل في سن قوانين واضحة تحدد ماهية الشروط التعسفية وتوفر آليات فعالة للطعن فيها. كما تقع على المحاكم مسؤولية تطبيق هذه القواعد بحزم لضمان حماية حقوق المتعاقدين الأضعف.

سبل إعادة التوازن العقدي بعد الإبرام: حلول قضائية واتفاقية

قد يحدث أحياناً أن تختل العدالة التعاقدية بعد إبرام العقد، إما بسبب ظروف لم تكن في الحسبان، أو بسبب اكتشاف عيوب أثرت على توازن العقد الأصلي. في هذه الحالات، يوفر القانون عدة سبل لإعادة التوازن العقدي، سواء عن طريق تدخل القضاء أو من خلال اتفاق الأطراف أنفسهم. هذه الحلول تضمن مرونة النظام القانوني.

تشمل هذه السبل إجراءات قضائية مثل دعاوى الغبن والاستغلال، وتطبيق نظرية الظروف الطارئة. كما تتضمن حلولاً اتفاقية كالصلح أو تعديل العقد بالتراضي. معرفة هذه الخيارات تمنح الأطراف المتضررة أدوات قوية لاستعادة حقوقهم وتحقيق العدالة حتى بعد بدء تنفيذ العقد، مما يحافظ على استقراره.

نظرية الظروف الطارئة

تعد نظرية الظروف الطارئة من أبرز الحلول القضائية لإعادة التوازن العقدي عندما يصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً لأحد الطرفين بسبب ظروف استثنائية عامة لم يكن في وسعه توقعها عند إبرام العقد. هذه الظروف يجب أن تجعل تنفيذ الالتزام وإن لم يكن مستحيلاً، إلا أنه يكلف المدين خسارة فادحة تفوق المعتاد.

في هذه الحالة، يجوز للقاضي، بناءً على طلب الطرف المتضرر، أن يقوم بتعديل العقد لإعادة الأداءات المتبادلة إلى الحد المعقول، أو أن يحكم بفسخ العقد جزئياً أو كلياً. يهدف هذا الحل إلى توزيع المخاطر غير المتوقعة بشكل عادل بين الأطراف، بدلاً من تحملها كلها من قبل طرف واحد، مما يحقق العدالة.

دعوى الاستغلال والغبن الفاحش

في حال اكتشاف أن العقد أبرم نتيجة استغلال أو غبن فاحش، يمكن للطرف المتضرر اللجوء إلى القضاء لرفع دعوى الاستغلال أو الغبن. تهدف هذه الدعوى إلى إبطال العقد أو تعديله ليصبح عادلاً. يشترط في الغبن الفاحش أن يكون هناك تفاوت كبير غير مبرر بين قيم الأداءات.

تسمح هذه الدعاوى للقاضي بالتدخل لتصحيح العقد، وإعادة الأمور إلى نصابها العادل، أو الحكم بفسخ العقد بالكامل. هذا الحل يوفر حماية قوية للأطراف الذين وقعوا ضحية لظروف قهرية أو ضعف أثر على قدرتهم على التعاقد بإنصاف، ويضمن عدم الإفلات من عقوبة الاستغلال والإضرار بالآخرين.

تعديل العقد أو فسخه بالاتفاق

يعد تعديل العقد أو فسخه بالاتفاق بين الأطراف من الحلول الودية والفعالة لإعادة التوازن العقدي. عندما يدرك الأطراف أن هناك اختلالاً في العقد، سواء بسبب ظروف جديدة أو سوء فهم سابق، يمكنهم الجلوس والتفاوض لتغيير بعض البنود أو إنهاء العقد بشكل كامل بالتراضي.

هذا الحل يتطلب حسن النية والرغبة في التعاون من قبل جميع الأطراف، ويجنبهم عناء التقاضي الطويل والمكلف. إنه يعزز مبدأ الحرية التعاقدية ومرونة العلاقات القانونية. يُفضل دائماً توثيق أي تعديلات أو اتفاقيات فسخ كتابياً لضمان حجيتها ومنع أي نزاعات مستقبلية محتملة.

الصلح والوساطة كبدائل لحل النزاعات

في كثير من الحالات، يمكن أن تكون آليات تسوية المنازعات البديلة مثل الصلح والوساطة حلولاً مثلى لإعادة التوازن العقدي دون اللجوء إلى المحاكم. تسمح هذه الطرق للأطراف بالتفاوض بمساعدة طرف ثالث محايد (الوسيط) للوصول إلى حلول مقبولة للجميع وتحافظ على العلاقات.

الصلح والوساطة يوفران مرونة أكبر في إيجاد حلول إبداعية تتناسب مع خصوصية كل حالة، وغالباً ما تكون أسرع وأقل تكلفة من التقاضي. تساهم هذه الطرق في الحفاظ على الروابط التجارية والشخصية بين الأطراف، بدلاً من قطعها بسبب نزاع قضائي، مما يدعم استمرارية الأعمال بفعالية.

دور القاضي في تعديل العقد

في القانون المدني، يملك القاضي دوراً مهماً في تعديل العقد لإعادة العدالة التعاقدية، خاصة في حالات الظروف الطارئة أو الشروط التعسفية في عقود الإذعان. هذه السلطة القضائية ليست تدخلاً في حرية الأطراف، بل هي حماية للمصلحة العامة ولضمان عدم الإضرار بأحد أطراف العقد بشكل مبالغ فيه.

يقوم القاضي، بناءً على الأدلة والظروف المقدمة أمامه، بتقييم مدى الإجحاف الحاصل ويصدر حكماً يصحح به هذا الاختلال، سواء كان ذلك بإنقاص الالتزامات، أو زيادة الحقوق، أو تعديل شروط معينة. هذا الدور الحيوي يضمن أن القانون ليس مجرد قواعد جامدة، بل هو أداة لتحقيق العدالة الشاملة.

نصائح عملية لضمان العدالة التعاقدية في العقود

لضمان تحقيق العدالة التعاقدية وتجنب المشكلات المستقبلية، من الضروري تبني مجموعة من النصائح العملية التي ترافق عملية التعاقد من بدايتها إلى نهايتها. هذه النصائح لا تقتصر على الجانب القانوني فقط، بل تشمل جوانب تنظيمية وتوعوية تساعد الأطراف على حماية مصالحهم بشكل استباقي.

تطبيق هذه التوجيهات يقلل من احتمالات النزاعات ويضمن أن يكون العقد انعكاساً حقيقياً لإرادة وتوافق الأطراف على أساس من الإنصاف. إن الالتزام بهذه الممارسات يعزز من قوة العلاقات التعاقدية ويسهم في استقرار المعاملات القانونية والتجارية، مما يعود بالنفع على الجميع.

صياغة العقود بوضوح ودقة

تعتبر صياغة العقود بوضوح ودقة من أهم الخطوات لضمان العدالة التعاقدية. يجب أن تكون جميع بنود العقد واضحة ومحددة، وخالية من أي غموض أو لبس يمكن أن يؤدي إلى تفسيرات متعددة أو نزاعات مستقبلية. استخدام لغة قانونية مفهومة وتجنب المصطلحات المعقدة دون ضرورة أمر حيوي.

يجب أن تتضمن الصياغة تحديداً دقيقاً لحقوق وواجبات كل طرف، وطرق تنفيذ الالتزامات، وآليات تسوية النزاعات. كلما كان العقد أكثر وضوحاً ودقة، كلما قل احتمال حدوث سوء فهم أو استغلال للثغرات القانونية، مما يعزز من التزام الأطراف بمحتواه العادل ويحميهم من المفاجآت.

طلب الاستشارة القانونية المتخصصة

يعد طلب الاستشارة القانونية المتخصصة خطوة لا غنى عنها لضمان العدالة التعاقدية، خاصة في العقود المعقدة أو ذات القيمة العالية. المحامي المتخصص يمكنه مراجعة بنود العقد، تحديد أي شروط تعسفية أو مجحفة، وتقديم النصح حول أفضل السبل لحماية مصالح موكله.

المشورة القانونية توفر رؤية شاملة للمخاطر المحتملة وتساعد على صياغة بنود تعكس التوازن المطلوب وتتوافق مع القوانين السارية. هذا الاستثمار الوقائي يحمي الأطراف من الدخول في التزامات غير عادلة وقد تكلفهم الكثير في المستقبل، وهو حل بسيط لكنه فعال للغاية.

مراجعة الشروط العامة للعقود

في كثير من العقود، خاصة عقود الخدمات أو السلع المتكررة، توجد “شروط عامة” مطبوعة مسبقاً. يجب على المتعاقد مراجعة هذه الشروط بعناية فائقة، وعدم الاكتفاء بالتركيز على الشروط الخاصة. غالباً ما تحتوي الشروط العامة على بنود تحد من المسؤولية أو تفرض قيوداً مجحفة على الطرف الأضعف.

يتطلب الأمر وقتاً كافياً لقراءة كل بند، وفهم معناه وتأثيره. في حالة وجود أي شك، يجب طلب التوضيح أو طلب تعديل البنود التي تبدو غير عادلة. هذه المراجعة الدقيقة هي حماية أساسية ضد القبول اللاواعي لشروط قد تخل بالعدالة التعاقدية على المدى الطويل.

توثيق كافة الاتفاقيات والملحقات

لضمان العدالة التعاقدية، يجب توثيق كافة الاتفاقيات، بما في ذلك الملحقات والتعديلات اللاحقة، كتابياً. الاعتماد على الاتفاقات الشفهية يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم وصعوبة في إثبات الحقوق والالتزامات في حالة النزاع. التوثيق الكتابي يوفر دليلاً قاطعاً على ما تم الاتفاق عليه.

يشمل ذلك الرسائل الإلكترونية، المحاضر، أو أي وثائق أخرى توضح التفاهمات بين الأطراف. يجب أن تكون هذه الوثائق موقعة من الجميع ومؤرخة بشكل صحيح. هذا الإجراء البسيط يعزز من الشفافية ويقلل من فرص الإنكار أو التحريف، مما يدعم مبدأ العدالة ويسهل حل أي خلافات.

تضمين شروط مرنة للتعامل مع المتغيرات

لتعزيز العدالة التعاقدية، يُنصح بتضمين شروط مرنة في العقد تسمح بالتعامل مع المتغيرات المستقبلية غير المتوقعة. يمكن أن تتضمن هذه الشروط بنوداً حول إعادة التفاوض في حال تغيرت الظروف الاقتصادية بشكل جذري، أو آليات لتعديل الأسعار أو الجداول الزمنية بشكل عادل.

هذه البنود المرنة تعمل كصمام أمان يحمي العقد من الانهيار في مواجهة الأحداث غير المتوقعة، وتقلل من الحاجة للتدخل القضائي. تضمن هذه المرونة أن يظل العقد قابلاً للتنفيذ وعادلاً حتى في ظل البيئات المتغيرة، مما يحقق استمرارية العلاقة التعاقدية ويحمي مصالح الأطراف بشكل متوازن.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock