الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

جريمة استغلال الإعلام في ترويج روايات مضللة

جريمة استغلال الإعلام في ترويج روايات مضللة

سبل مواجهة التضليل الإعلامي وحماية المجتمع

يشكل استغلال الإعلام الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الروايات المضللة والأخبار الكاذبة تحديًا خطيرًا يهدد استقرار المجتمعات وثقة الأفراد. تتعدد أشكال هذا الاستغلال من التشهير إلى بث الشائعات، مما يستدعي فهمًا عميقًا للجريمة وأبعادها. تتناول هذه المقالة الجوانم القانونية والفنية لهذه الجريمة، وتقدم حلولًا عملية ودقيقة لمواجهتها وحماية الأفراد والمؤسسات من آثارها السلبية المدمرة. يهدف المقال إلى توفير إرشادات واضحة للتعامل مع هذه الظاهرة المتنامية بكفاءة وفعالية.

مفهوم جريمة استغلال الإعلام للترويج المضلل

التعريف القانوني للظاهرة

جريمة استغلال الإعلام في ترويج روايات مضللةتُعرّف جريمة استغلال الإعلام للترويج المضلل بأنها أي فعل يهدف إلى نشر معلومات كاذبة أو مضللة عبر وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك المنصات الرقمية، بقصد الإضرار بمصلحة عامة أو خاصة. يتضمن ذلك التلاعب بالحقائق، اختلاق الأحداث، أو تحريف سياقات الأخبار. يقع هذا الفعل تحت طائلة القانون متى ترتب عليه أضرار معنوية أو مادية، أو هدد الأمن والسلم المجتمعي، ويجب أن يكون مرتكبه على دراية تامة بأن ما ينشره غير صحيح أو مضلل.

صور وأشكال الترويج المضلل

تتخذ الروايات المضللة أشكالًا متعددة يصعب حصرها، وتشمل الأخبار المزيفة (Fake News) التي يتم فبركتها بالكامل أو جزئيًا. كما تشمل الدعاية المضللة التي تهدف إلى تشكيل الرأي العام بطريقة معينة باستخدام معلومات محرفة. يضاف إلى ذلك استخدام تقنيات التزييف العميق (Deepfake) لإنشاء محتوى صوتي أو مرئي يبدو حقيقيًا ولكنه مصطنع تمامًا، بهدف تشويه الحقائق أو انتحال الشخصيات. تُعد هذه الأشكال من أخطر التهديدات نظرًا لقدرتها على الانتشار السريع وتأثيرها الواسع.

كذلك، تظهر صور التضليل في سياق تشويه السمعة أو التشهير بالأفراد والمؤسسات عبر نشر معلومات غير صحيحة عنهم. يمكن أن تتضمن هذه الأساليب تزييف الوثائق أو الصور، أو تداول إشاعات لا أساس لها من الصحة بهدف الإضرار بسمعة معينة. يتطلب التعامل مع هذه الأشكال المختلفة وعيًا كبيرًا بآليات النشر والانتشار الرقمي. فهم هذه الصور يمثل الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجيات دفاع فعالة ضدها.

الآثار السلبية على المجتمع والدولة

تتسبب الروايات المضللة في آثار سلبية وخيمة على كافة مستويات المجتمع والدولة. على المستوى الاجتماعي، تؤدي إلى تآكل الثقة بين الأفراد والمؤسسات، وإثارة الفتن والنزاعات الداخلية. كما يمكن أن تؤثر على الصحة النفسية للأفراد نتيجة للضغط المستمر من المعلومات المضللة. اقتصاديًا، قد تؤدي إلى تذبذب الأسواق، الإضرار بالاستثمارات، أو التأثير سلبًا على القطاعات الاقتصادية الحيوية من خلال نشر معلومات غير دقيقة عنها. سياسيًا، تهدد الروايات المضللة الأمن القومي وتقوض استقرار الدولة. يمكنها أن تستهدف الانتخابات أو تثير الرأي العام ضد سياسات معينة، مما يؤثر على عملية صنع القرار. تفاقم هذه الجرائم بيئة الشك وعدم اليقين، مما يجعل التصدي لها أمرًا حتميًا لضمان استقرار وتقدم الدول.

الإطار القانوني والتحديات في مواجهة الجريمة

التشريعات المصرية ذات الصلة

يتصدى القانون المصري لجريمة استغلال الإعلام في ترويج الروايات المضللة عبر عدة تشريعات. يأتي في مقدمتها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذي يجرم الأفعال المتعلقة بنشر الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة عبر الإنترنت. يتضمن القانون مواد تجرم السب والقذف والتشهير الإلكتروني، وتحديد عقوبات على مرتكبيها. كما يتناول قانون العقوبات المصري بعض الجرائم التقليدية التي يمكن تطبيقها في سياق الإعلام، مثل جريمة نشر الأخبار الكاذبة التي من شأنها تكدير الأمن العام أو إثارة الفزع بين الناس. تهدف هذه القوانين إلى توفير إطار قانوني شامل لردع مرتكبي هذه الجرائم ومحاسبتهم، وضمان حماية الحقوق والحريات.

بالإضافة إلى ما سبق، تساهم بعض المواد في قوانين أخرى، مثل قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، في ضبط الممارسات الإعلامية وتحديد المسؤوليات. رغم أن تركيزه الأساسي على تنظيم العمل الإعلامي، إلا أنه يساهم في وضع آليات للتعامل مع المحتوى المضلل من خلال سلطة المجلس الأعلى في تلقي الشكاوى واتخاذ الإجراءات اللازمة. تكمل هذه القوانين بعضها البعض لتوفير منظومة قانونية متكاملة لمكافحة هذه الجريمة المعقدة. تتطلب الفعالية الكاملة لهذه التشريعات تطبيقًا دقيقًا وتفسيرًا يواكب التطورات التكنولوجية السريعة.

التحديات القانونية والتطبيقية

تواجه جهود مكافحة التضليل الإعلامي تحديات قانونية وتطبيقية جسيمة. من أبرز هذه التحديات صعوبة إثبات القصد الجنائي لدى الناشر، أي إثبات علمه بأن المعلومات كاذبة ورغبته في إحداث الضرر. تتطلب هذه الجرائم غالبًا تحليلًا فنيًا معقدًا للمحتوى ومصادره، مما يستلزم خبرات تقنية عالية. كما تشكل طبيعة الإنترنت العابرة للحدود تحديًا كبيرًا، حيث يمكن أن يتم النشر من دول أخرى، مما يعقد إجراءات التعاون القضائي الدولي وتسليم المتهمين. تضاف إلى ذلك سرعة انتشار المعلومات المضللة، والتي تفوق غالبًا قدرة الأجهزة القضائية على تتبعها والتحقيق فيها بشكل فوري. كما تتطور تقنيات التزييف باستمرار، مما يجعل الكشف عنها أكثر صعوبة. تتطلب هذه التحديات تطويرًا مستمرًا للقدرات التحقيقية والقضائية.

تتضمن التحديات أيضًا موازنة الحق في حرية التعبير مع ضرورة حماية المجتمع من الأضرار الناجمة عن التضليل. يجب على القوانين أن تكون واضحة ومحددة لتجنب استغلالها في تقييد حرية الرأي. بالإضافة إلى ذلك، يبرز تحدي تدريب الكوادر القضائية والشرطية على التعامل مع الأدلة الرقمية وتحليلها. تعقيدات هذه الجرائم تتطلب استثمارًا كبيرًا في التكنولوجيا والبشر. كما أن عدم وعي بعض الأفراد بخطورة مشاركة المعلومات غير الموثوقة يزيد من صعوبة السيطرة على انتشار التضليل، مما يجعل التوعية جزءًا لا يتجزأ من الحل. جميع هذه التحديات تستدعي استراتيجيات متعددة الأوجه للتعامل معها بفعالية.

دور النيابة العامة والمحاكم

تلعب النيابة العامة والمحاكم دورًا محوريًا في التصدي لجرائم التضليل الإعلامي. تبدأ النيابة العامة بتحقيقات أولية فور تلقي البلاغات، مستخدمة صلاحياتها في جمع الاستدلالات والأدلة الرقمية. تقوم النيابة بفحص المحتوى المضلل وتحديد مصدره، والاستعانة بالخبراء الفنيين في مجال تقنية المعلومات لفك شفرات الجرائم الإلكترونية المعقدة. بعد استكمال التحقيقات، إذا توافرت الأدلة الكافية، تقوم النيابة بإحالة المتهمين إلى المحاكم المختصة، سواء كانت محكمة الجنايات أو الجنح أو المحاكم الاقتصادية، حسب طبيعة الجريمة. يضمن هذا الدور الفعال اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين.

تضطلع المحاكم بدور الفصل في هذه القضايا بناءً على الأدلة المقدمة من النيابة والدفاع. تتولى المحاكم تقدير الأدلة وتطبيق النصوص القانونية ذات الصلة، وتصدر الأحكام الرادعة التي تهدف إلى تحقيق العدالة وردع الآخرين عن ارتكاب مثل هذه الجرائم. يتطلب هذا الدور من القضاة فهمًا عميقًا للجوانب الفنية والقانونية المتعلقة بجرائم الإنترنت والإعلام. كما أن إصدار السوابق القضائية في هذا المجال يساهم في بناء إطار قانوني أكثر وضوحًا وفعالية لمكافحة التضليل. التعاون المستمر بين النيابة والمحاكم ضروري لضمان سرعة وفعالية إجراءات التقاضي في هذا النوع من الجرائم.

آليات عملية لمكافحة جريمة التضليل الإعلامي

الإجراءات الوقائية والتوعوية

تعتبر الإجراءات الوقائية والتوعوية خط الدفاع الأول ضد جريمة استغلال الإعلام في الترويج المضلل. يجب البدء بحملات توعية مكثفة للمواطنين حول كيفية التمييز بين الأخبار الصحيحة والمضللة، وأهمية التحقق من المصادر. يمكن تحقيق ذلك من خلال ورش عمل، ندوات، وحملات إعلامية عبر التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. يجب تعليم الجمهور مهارات التفكير النقدي وقراءة الأخبار من مصادر متنوعة وموثوقة. كما ينبغي نشر الوعي بالآثار السلبية لنشر الشائعات دون التحقق منها. تهدف هذه الإجراءات إلى بناء مجتمع قادر على التمييز الواعي والمسؤول، مما يقلل من قابلية الأفراد للتأثر بالروايات المضللة.

تشمل الإجراءات الوقائية أيضًا تعزيز التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، لتعليم النشء منذ الصغر كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي بمسؤولية ونقد. كذلك، يجب على المؤسسات الحكومية والخاصة توفير قنوات اتصال رسمية وموثوقة لنشر المعلومات الصحيحة، والرد بسرعة وشفافية على أي شائعات أو معلومات مضللة تنتشر عنها. يسهم هذا النهج الاستباقي في سد الفراغات التي يستغلها مروجو الشائعات. كما يمكن تشجيع المؤسسات الإعلامية على تبني مواثيق شرف مهنية تمنع نشر المعلومات غير الدقيقة وتعزز الشفافية والمصداقية في العمل الإعلامي.

سبل الإبلاغ وتقديم الشكاوى

لتفعيل دور المواطن في مكافحة التضليل الإعلامي، يجب توفير سبل واضحة وميسرة للإبلاغ عن المحتوى المضلل. يمكن للمواطنين تقديم بلاغات إلى الجهات المختصة، مثل الإدارة العامة لمكافحة جرائم تقنية المعلومات بوزارة الداخلية، أو النيابة العامة. يتم ذلك عادةً من خلال الاتصال بالخطوط الساخنة المخصصة أو عبر البوابات الإلكترونية المخصصة لهذه البلاغات. يجب أن تتضمن الشكوى تفاصيل كافية عن المحتوى المضلل، مثل الرابط الإلكتروني أو نسخة من المنشور، واسم المنصة التي تم النشر عليها، وتاريخ النشر. يفضل أخذ لقطات شاشة (Screenshots) للمحتوى كدليل. كلما كانت المعلومات المقدمة دقيقة وشاملة، كلما سهل على الجهات المختصة التعامل مع البلاغ بكفاءة وسرعة.

بالإضافة إلى الجهات الرسمية، يمكن الإبلاغ عن المحتوى المضلل مباشرة إلى إدارات المنصات الرقمية نفسها (مثل فيسبوك، تويتر، يوتيوب)، والتي لديها آليات خاصة بها لمراجعة المحتوى المخالف لسياساتها وإزالته. تُعد هذه الطريقة فعالة في إزالة المحتوى بسرعة، ولكنها لا تغني عن الإجراءات القانونية الرسمية إذا كان هناك ضرر جنائي. يُنصح بالاحتفاظ بنسخ من جميع المراسلات والبلاغات. تشجيع الإبلاغ الفعال يساهم في بناء قاعدة بيانات للمحتوى المضلل وأنماط انتشاره، مما يساعد الجهات الأمنية والقضائية في تطوير استراتيجياتها لمكافحة هذه الجرائم بشكل أفضل.

الدعاوى القضائية وكيفية إثبات الجريمة

يمكن للمتضررين من الروايات المضللة اللجوء إلى القضاء لرفع دعاوى قضائية ضد مرتكبي هذه الجرائم. تبدأ الدعوى بتقديم شكوى رسمية للنيابة العامة أو المحكمة المختصة. يجب على المدعي تقديم كل ما لديه من أدلة تثبت واقعة النشر المضلل والضرر الذي لحق به. تشمل الأدلة صورًا للمنشورات، تسجيلات شاشة، شهادات شهود، تقارير فنية من خبراء تكنولوجيا المعلومات تثبت مصدر المحتوى وطبيعته المضللة. من الضروري الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الإنترنت والجرائم الإلكترونية لضمان صياغة الدعوى بشكل سليم وتقديم الأدلة بالطرق القانونية المقبولة. الهدف من الدعوى هو الحصول على حكم قضائي يدين مرتكب الجريمة، وتعويض المتضرر عن الأضرار التي لحقت به، سواء كانت مادية أو معنوية.

يتطلب إثبات جريمة التضليل الإعلامي في المحكمة جهدًا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بإثبات القصد الجنائي لدى الناشر. يجب على المدعي إثبات أن الناشر كان يعلم أن المعلومات التي يروجها كاذبة أو مضللة، وأنه كان يهدف إلى إحداث ضرر معين. يمكن إثبات ذلك من خلال تتبع سجل النشر للفاعل، أو وجود سوابق مماثلة، أو وجود دوافع واضحة للضرر. تعتمد المحاكم على التقرير الفني الذي يصدره الخبراء المختصون في تحديد هوية الناشر ودوافع النشر، وتحليل المحتوى الرقمي. كما يمكن اللجوء إلى طلب الكشف عن بيانات المستخدمين من شركات الاتصالات أو مزودي الخدمة، بناءً على أمر قضائي. يجب أن تكون الأدلة قوية ومقنعة للحصول على حكم إدانة وعقوبة مناسبة. تعتبر هذه الإجراءات رادعًا هامًا لمروجي الشائعات.

دور المؤسسات الرقابية والإعلامية

تضطلع المؤسسات الرقابية والإعلامية بدور حيوي في مكافحة التضليل الإعلامي. يقوم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، على سبيل المثال، بمراقبة المحتوى الإعلامي المنشور في وسائل الإعلام المختلفة، وتلقي الشكاوى من الجمهور، واتخاذ الإجراءات التأديبية ضد المخالفين. يشمل ذلك توقيع غرامات، أو وقف بث برامج، أو حجب مواقع إلكترونية في حالات معينة. تساهم هذه الإجراءات في فرض نوع من الانضباط على المحتوى المنشور. من جانب آخر، يجب على المؤسسات الإعلامية نفسها تحمل مسؤوليتها المهنية والأخلاقية. يجب عليها تبني سياسات تحريرية صارمة تضمن الدقة والتحقق من الأخبار قبل النشر، وتوفير آليات داخلية لتصحيح الأخطاء بسرعة وشفافية.

يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تلعب دورًا استباقيًا في مكافحة التضليل من خلال تخصيص أقسام للتحقق من الحقائق (Fact-Checking) داخل هياكلها التحريرية. كما يمكنها التعاون مع شبكات دولية للتحقق من الأخبار لتبادل المعلومات والخبرات. تشجيع الصحافة الاستقصائية التي تكشف عن مصادر التضليل وحملات الأخبار الكاذبة يمثل جانبًا آخر مهمًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات الإعلامية أن تكون نموذجًا في الشفافية والمسؤولية، وأن تنشر تقارير دورية عن جهودها في مكافحة التضليل. هذه الجهود المشتركة بين الهيئات الرقابية والمؤسسات الإعلامية ضرورية لبناء بيئة إعلامية أكثر موثوقية وصدقية.

حلول إضافية لتعزيز الحماية من الروايات المضللة

التعاون الدولي وتبادل الخبرات

تتطلب طبيعة جرائم التضليل الإعلامي العابرة للحدود تفعيل آليات التعاون الدولي لمكافحتها بفعالية. يجب على الدول تبادل المعلومات والخبرات بين أجهزتها الأمنية والقضائية حول أساليب انتشار التضليل وكيفية التصدي لها. يمكن ذلك من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف للتعاون في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتسليم المجرمين، وتبادل الأدلة الرقمية. كما يمكن للمنظمات الدولية والإقليمية أن تلعب دورًا في تنسيق هذه الجهود، وتوحيد التشريعات قدر الإمكان. يُعد تبادل أفضل الممارسات في مجال التحقيق والملاحقة القضائية أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة هذه الظاهرة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية.

تساهم ورش العمل المشتركة والدورات التدريبية لخبراء القانون وتكنولوجيا المعلومات من مختلف الدول في بناء قدرات مشتركة لمواجهة هذه الجرائم. يمكن أيضًا التعاون مع الشركات العالمية المالكة للمنصات الرقمية، والتي غالبًا ما يكون مقرها خارج الدولة، لضمان استجابتها لطلبات إزالة المحتوى المخالف وتوفير بيانات المستخدمين عند الضرورة القضائية. بدون تعاون دولي قوي، ستظل هناك ثغرات يستغلها مروجو الشائعات. تعزيز قنوات الاتصال والتنسيق بين الدول يسمح باستجابة أسرع وأكثر شمولًا للتهديدات العابرة للحدود، ويخلق شبكة أمان دولية ضد التضليل الإعلامي.

تطوير التشريعات لمواكبة التحديات

مع التطور السريع لتقنيات التضليل الإعلامي، يصبح تطوير التشريعات القانونية أمرًا لا غنى عنه. يجب على المشرعين مراجعة القوانين القائمة بانتظام للتأكد من أنها تغطي الأشكال الجديدة لجرائم التضليل، مثل التزييف العميق (Deepfake) أو استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء محتوى مضلل. يتطلب ذلك إضافة تعريفات واضحة لهذه الجرائم وتحديد عقوبات رادعة تتناسب مع خطورتها. يجب أن تكون القوانين مرنة بما يكفي لاستيعاب التطورات المستقبلية دون الحاجة إلى تعديلات مستمرة. كما يجب أن تتوازن هذه التعديلات مع حماية حرية التعبير، لضمان عدم استخدام القوانين لقمع الرأي أو النقد البناء. يتطلب هذا الأمر مشاركة خبراء القانون والتكنولوجيا والمجتمع المدني في عملية الصياغة.

يمكن أن يشمل تطوير التشريعات أيضًا وضع قواعد لمسؤولية المنصات الرقمية عن المحتوى الذي يتم نشره عليها، وتشجيعها على تبني إجراءات أكثر صرامة لمكافحة التضليل. كما يمكن دراسة إنشاء آليات قضائية متخصصة، مثل محاكم أو دوائر متخصصة في جرائم الإنترنت والإعلام، لتسريع عملية التقاضي وزيادة فعاليتها. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي النظر في آليات لفرض غرامات مالية كبيرة على الشركات التي تتهاون في مكافحة التضليل على منصاتها، لتكون حافزًا لها لتطوير آليات المراجعة. إن مواكبة القوانين للتطور التكنولوجي هو السبيل الوحيد لضمان استمرار فعاليتها في حماية المجتمع.

أهمية التحقق من المعلومات (Fact-Checking)

يُعد التحقق من المعلومات (Fact-Checking) أحد أهم الحلول لمكافحة الروايات المضللة. يجب تشجيع إنشاء وتطوير منظمات وكيانات متخصصة في التحقق من الحقائق بشكل مستقل وغير منحاز. تعمل هذه الكيانات على مراجعة الأخبار والادعاءات المنتشرة، وتقييم مصداقيتها بناءً على أدلة موثوقة ومصادر متعددة. يتم بعد ذلك نشر نتائج التحقق بشكل علني ومتاح للجمهور، مع توضيح سبب تصنيف الخبر على أنه صحيح أو كاذب أو مضلل. يجب أن تكون هذه الجهات شفافة في منهجيتها ومصادر تمويلها لضمان حيادها وموثوقيتها. يساهم عمل هذه المنظمات في بناء مرجعية موثوقة يمكن للجمهور الاعتماد عليها في التحقق من المعلومات.

يمكن للمنصات الرقمية أن تتعاون بشكل وثيق مع منظمات التحقق من الحقائق لعرض تنبيهات أو تصنيفات للمحتوى الذي تم التحقق منه على أنه مضلل. كما يمكنها إعطاء أولوية للمحتوى الذي يتم التحقق من صحته. تشجيع الصحفيين والمواطنين على الإبلاغ عن المعلومات التي يشكون في صحتها لمنظمات التحقق يساهم في تغطية أوسع للمحتوى المشكوك فيه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن دعم البحث الأكاديمي في مجال تقنيات الكشف عن التضليل وتطوير أدوات آلية لمساعدة عمليات التحقق. إن تعزيز ثقافة التحقق والتدقيق في المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها يعد حجر الزاوية في بناء مجتمع حصين ضد حملات التضليل الإعلامي.

مسؤولية المنصات الرقمية

تتحمل المنصات الرقمية الكبرى، مثل شركات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، مسؤولية أخلاقية وقانونية كبيرة في مكافحة الروايات المضللة التي تنتشر عبرها. يجب عليها تطوير آليات أكثر فعالية لاكتشاف وإزالة المحتوى المضلل بسرعة، بما في ذلك استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك استثمارًا كبيرًا في الفرق البشرية التي تراجع المحتوى، وتدريبها على كشف أساليب التضليل المتطورة. كما يجب أن تكون سياسات هذه المنصات واضحة بشأن المحتوى المسموح به والمحتوى المحظور، وأن تطبق هذه السياسات بإنصاف وشفافية على جميع المستخدمين. يجب أيضًا أن تكون هناك آليات سهلة للمستخدمين للإبلاغ عن المحتوى المخالف، مع ضمان استجابة سريعة وفعالة من قبل المنصات.

ينبغي على هذه المنصات أن تكون أكثر شفافية بشأن كيفية عمل خوارزمياتها في ترويج المحتوى، وكيف يمكن أن تساهم هذه الخوارزميات أحيانًا في انتشار المعلومات المضللة. يمكن أن يشمل ذلك تعديل الخوارزميات لإعطاء أولوية للمحتوى الموثوق به وتقليل انتشار المحتوى المشكوك فيه. كما يجب عليها التعاون بشكل أكبر مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتطوير حلول مشتركة لمكافحة التضليل. فرض غرامات كبيرة على المنصات التي لا تلتزم بمسؤولياتها قد يكون حافزًا إضافيًا لها لتعزيز جهودها. إن إقرار هذه المسؤولية وتفعيلها بشكل جاد يعد خطوة أساسية نحو بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا وموثوقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock