جريمة تصوير جثث الجرائم بهدف نشرها على مواقع خارجية
محتوى المقال
جريمة تصوير جثث الجرائم بهدف نشرها على مواقع خارجية
التصوير غير المشروع للجثث: الأبعاد القانونية وآليات المواجهة
تعد جريمة تصوير جثث الجرائم بهدف نشرها على مواقع خارجية من الجرائم الخطيرة التي تمس كرامة الإنسان وحرمة الموتى، وتخلق حالة من الفوضى والانتهاك لخصوصية الأفراد والأسر.
هذا الفعل ليس مجرد انتهاك أخلاقي، بل هو جرم يعاقب عليه القانون بشدة، نظرًا لآثاره المدمرة على المجتمع والعدالة.
يناقش هذا المقال كافة جوانب هذه الجريمة، بدءًا من تعريفها القانوني وصولًا إلى الحلول العملية لمكافحتها والوقاية منها.
التعريف القانوني لجريمة تصوير الجثث ونشرها
يُجرم القانون المصري تصوير الجثث ونشرها على منصات خارجية بناءً على مبادئ دستورية وقانونية راسخة، مثل احترام كرامة الإنسان وحقه في الخصوصية، حتى بعد الوفاة.
تتأصل هذه الجريمة في انتهاك حرمة الجسد البشري، والتي تعد من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور والقوانين المنظمة.
يهدف التجريم إلى حماية القيم الاجتماعية والآداب العامة، وضمان عدم استغلال المآسي لنشر محتوى غير لائق.
أساس التجريم في القانون المصري
تستند جريمة تصوير الجثث ونشرها إلى عدة مبادئ قانونية. أولًا، مبدأ حرمة الجسد البشري، الذي يمتد ليشمل الجسد بعد الوفاة.
ثانيًا، حق الخصوصية المكفول للأفراد وأسرهم، والذي يتضمن عدم انتهاك خصوصية موتاهم أو التشهير بهم.
ثالثًا، الحفاظ على الآداب العامة والنظام العام، حيث أن نشر مثل هذه الصور يمثل إساءة بالغة للذوق العام ويزيد من آلام ذوي المتوفين.
تتضافر هذه الأسس لتشكل إطارًا قانونيًا صارمًا للتصدي لهذه الممارسات.
الأركان المكونة للجريمة
تتكون جريمة تصوير جثث الجرائم ونشرها من ركنين أساسيين: الركن المادي والركن المعنوي.
الركن المادي يتمثل في فعل التصوير نفسه، أي التقاط الصور أو مقاطع الفيديو لجثة المتوفى في مسرح الجريمة أو أي مكان آخر، ثم نشرها أو إتاحتها للجمهور عبر أي وسيلة إلكترونية أو غير إلكترونية.
يشمل النشر هنا جميع صور الإتاحة للآخرين، سواء كان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المواقع الإخبارية غير الرسمية، أو أي منصة عامة.
أما الركن المعنوي، فيتمثل في القصد الجنائي، أي علم الجاني بأن ما يقوم به هو فعل مجرم قانونًا، ورغم ذلك تتجه إرادته إلى ارتكاب الفعل والنتيجة المترتبة عليه.
لا يشترط وجود نية الإضرار بالضرورة، يكفي العلم بكون الفعل غير مشروع والرغبة في النشر.
قد يشمل القصد الخاص هنا، نية التشهير أو الإساءة أو حتى مجرد إثارة الفضول العام، ما يجعل الفعل إجراميًا.
العقوبات المقررة لهذه الجريمة
تتعدد النصوص القانونية التي تجرم فعل تصوير الجثث ونشرها، وتتفاوت العقوبات حسب التشريع المطبق والظروف المحيطة بالجريمة.
يأتي قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في مقدمة التشريعات التي تتناول هذا النوع من الجرائم.
تهدف هذه العقوبات إلى ردع المخالفين وحماية المجتمع من آثار هذه الأفعال الشنيعة، وتوفير نوع من العدالة للضحايا وذويهم.
يتم تحديد العقوبة النهائية بواسطة القضاء بناءً على الأدلة والظروف.
العقوبات في قانون العقوبات المصري
يُمكن تطبيق عدد من نصوص قانون العقوبات المصري على جريمة تصوير جثث الجرائم ونشرها.
فقد تندرج تحت نصوص التشهير أو انتهاك حرمة الموتى أو حتى نشر أخبار كاذبة إذا صاحب ذلك تحريف للحقائق.
على سبيل المثال، تنص بعض المواد على عقوبات الحبس والغرامة لكل من ينتهك حرمة الحياة الخاصة أو ينشر صورًا تتنافى مع الآداب العامة.
قد تصل العقوبات إلى السجن المشدد في بعض الحالات التي يكون فيها الهدف هو الترويع أو التشهير على نطاق واسع.
العقوبات في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
مع انتشار استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 هو النص الأبرز في مواجهة هذه الجريمة.
ينص هذا القانون على عقوبات مشددة لكل من يقوم بنشر صور أو فيديوهات تمس حرمة الحياة الخاصة أو تشكل انتهاكًا للأداب العامة عبر الإنترنت.
قد تصل العقوبات إلى الحبس لمدد متفاوتة والغرامات المالية الكبيرة، وقد تتضاعف العقوبة إذا كان الهدف هو الكسب المادي أو التشهير المتعمد.
الظروف المشددة للعقوبة
توجد ظروف معينة يمكن أن تؤدي إلى تشديد العقوبة المقررة لجريمة تصوير الجثث ونشرها.
من هذه الظروف، الدافع وراء الفعل، فإذا كان الدافع هو التشهير بسمعة المتوفى أو ذويه، أو الإساءة المتعمدة، فإن ذلك يعد ظرفًا مشددًا.
كذلك، حجم الانتشار ومدى وصول الصور للجمهور، فكلما زاد عدد المشاهدين أو المتفاعلين مع المحتوى، كلما كان ذلك سببًا لتشديد العقوبة.
الهدف من النشر، سواء كان بغرض الكسب المادي أو الإثارة أو الترويج لأفكار معينة، كلها عوامل تؤخذ في الاعتبار.
الإجراءات القانونية لمواجهة الجريمة
عند وقوع جريمة تصوير جثث الجرائم ونشرها، توجد عدة خطوات عملية يجب اتباعها لمواجهة هذا الفعل وضمان تطبيق القانون.
تبدأ هذه الإجراءات بالإبلاغ عن الواقعة للجهات المختصة، ثم تتولى النيابة العامة التحقيق، وصولًا إلى المحاكمة وإصدار الحكم.
تهدف هذه الخطوات إلى حماية حقوق المتضررين ومحاسبة الجناة، وتوفير بيئة رقمية آمنة تحترم حقوق الأفراد وخصوصيتهم.
خطوات الإبلاغ عن الواقعة
الخطوة الأولى والأهم هي الإبلاغ الفوري عن الواقعة.
يمكن للمتضرر أو من ينوب عنه تقديم بلاغ إلى أقرب قسم شرطة، أو مباحث الإنترنت، أو النيابة العامة.
يجب أن يتضمن البلاغ كافة التفاصيل المتاحة، مثل روابط النشر، لقطات شاشة (Screenshots) للمحتوى المنشور، وأي معلومات عن الجهة الناشرة أو الشخص المسؤول إن أمكن.
هذه المعلومات تساعد الجهات الأمنية والقضائية في سرعة تتبع الجاني وجمع الأدلة اللازمة.
دور النيابة العامة في التحقيق
بعد تلقي البلاغ، تتولى النيابة العامة دورها في التحقيق.
تقوم النيابة بجمع الاستدلالات، وسماع أقوال المبلغين والشهود، وطلب التحريات من الجهات الأمنية المختصة.
كما يمكن للنيابة أن تصدر أوامر بوقف النشر أو حجب المواقع المخالفة.
تتأكد النيابة من توافر الأركان القانونية للجريمة وتجمع الأدلة الكافية لإحالة المتهمين إلى المحاكمة، لضمان سير العدالة بشكل صحيح وفعال.
دور المحكمة في إصدار الحكم
بعد انتهاء التحقيقات، إذا رأت النيابة العامة أن هناك أدلة كافية لإدانة المتهم، تقوم بإحالته إلى المحكمة المختصة.
تتولى المحكمة نظر القضية، وسماع مرافعة النيابة والدفاع، ودراسة الأدلة المقدمة.
تصدر المحكمة حكمها بناءً على ما تراه من أدلة وبينات، وتحدد العقوبة المناسبة وفقًا للقانون.
تضمن هذه المرحلة تطبيقًا عادلاً للقانون وحماية حقوق جميع الأطراف، بما في ذلك حقوق المتهم في دفاعه.
سبل الحماية القانونية للضحايا وذويهم
بالإضافة إلى العقوبات الجنائية، يوفر القانون سبلًا لحماية الضحايا وذويهم.
يحق لهم المطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار النفسية والمعنوية التي لحقت بهم نتيجة هذا الفعل.
يمكن تقديم هذه المطالبة أمام المحكمة المدنية، أو في نفس الجلسة أمام المحكمة الجنائية فيما يعرف بالادعاء المدني التبعي.
كما يمكن للمتضررين طلب حذف المحتوى المسيء من الإنترنت واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المنصات التي ترفض التعاون في إزالة هذا المحتوى.
حلول وقائية وتوعوية لمكافحة الظاهرة
للتصدي بفاعلية لجريمة تصوير جثث الجرائم ونشرها، لا يكفي تطبيق العقوبات فحسب، بل يجب العمل على تقديم حلول وقائية وتوعوية شاملة.
تهدف هذه الحلول إلى بناء وعي مجتمعي حول خطورة هذه الأفعال، وتعزيز الرقابة على المحتوى الرقمي، ودعم دور المؤسسات الأمنية والقضائية.
الوقاية خير من العلاج، وفي هذا السياق، تلعب التوعية دورًا محوريًا في الحد من انتشار هذه الجرائم وضمان احترام حرمة الموتى وحماية خصوصية الأفراد.
التوعية بخطورة الفعل وعقوباته
يجب تكثيف حملات التوعية الموجهة للجمهور حول خطورة جريمة تصوير الجثث ونشرها، والعقوبات القانونية الصارمة المترتبة عليها.
يمكن ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، المؤسسات التعليمية، والمنظمات المجتمعية.
ينبغي توضيح الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة لهذه الأفعال على أسر الضحايا والمجتمع ككل.
الوعي القانوني والأخلاقي هو خط الدفاع الأول لمنع ارتكاب هذه الجرائم، وحث الأفراد على الإبلاغ عن أي محتوى مخالف.
تعزيز الرقابة على المحتوى الرقمي
يتطلب التصدي لهذه الجريمة تعزيز آليات الرقابة على المحتوى الرقمي على الإنترنت.
يجب على شركات ومنصات التواصل الاجتماعي تطبيق سياسات صارمة لمنع نشر المحتوى المسيء وإزالته فورًا.
كما ينبغي تفعيل دور الهيئات الرقابية المتخصصة لمتابعة المحتوى المخالف واتخاذ الإجراءات اللازمة ضده.
التعاون بين الجهات الحكومية والشركات التقنية أمر حيوي لضمان بيئة رقمية آمنة تحترم حقوق المستخدمين وتحميهم من المحتوى الضار.
دور الجهات الأمنية والقضائية
تلعب الجهات الأمنية والقضائية دورًا حيويًا في مكافحة هذه الجريمة من خلال تفعيل آليات الضبط القضائي والتحقيق السريع.
يجب تدريب الكوادر المتخصصة في الجرائم الإلكترونية للتعامل مع هذه القضايا بكفاءة وفعالية.
سرعة الاستجابة للبلاغات وجمع الأدلة الرقمية يضمن عدم إفلات الجناة من العقاب.
تطبيق القانون بصرامة وشفافية يبعث برسالة واضحة بأن هذه الأفعال لن تمر دون محاسبة، مما يعزز الثقة في النظام العدلي.
حماية البيانات الشخصية والأدلة الجنائية
من الضروري وضع آليات قوية لحماية البيانات الشخصية للمتوفين وعائلاتهم، وكذلك الأدلة الجنائية المتعلقة بالجرائم.
يجب ضمان سرية التحقيقات وعدم تسريب أي معلومات أو صور قد تستغل بشكل غير قانوني.
تدريب العاملين في مسارح الجريمة على أهمية الحفاظ على حرمة الموتى وعدم التصوير إلا لأغراض التحقيق الرسمي فقط.
هذا يحد من فرص وقوع هذه الجريمة ويحمي قدسية المكان ويضمن نزاهة الإجراءات القانونية.