الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

الإعلان عن أدوية مجهولة المصدر إلكترونيًا

الإعلان عن أدوية مجهولة المصدر إلكترونيًا: مخاطر قانونية وصحية وكيفية التصدي لها

جريمة رقمية تهدد المجتمع: فهم الأبعاد والتحديات

في عصر الرقمنة المتسارع، أصبحت الإنترنت فضاءً رحبًا لمختلف الأنشطة التجارية والإعلانية. ومع تزايد هذه الأنشطة، تتصاعد أيضًا التحديات والمخاطر، لعل أبرزها ظاهرة الإعلان عن أدوية مجهولة المصدر أو غير مرخصة عبر المنصات الإلكترونية. هذه الظاهرة لا تمثل فقط انتهاكًا للقوانين، بل تشكل تهديدًا مباشرًا للصحة العامة وسلامة الأفراد. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الأبعاد القانونية والصحية لهذه الجريمة، وتقديم حلول عملية وخطوات واضحة للتصدي لها والوقاية منها.

الأبعاد القانونية لجريمة الإعلان عن أدوية مجهولة المصدر

القانون المصري والتصدي للجرائم الإلكترونية

الإعلان عن أدوية مجهولة المصدر إلكترونيًايعتبر القانون المصري من القوانين التي أولت اهتمامًا كبيرًا لمكافحة الجرائم الإلكترونية، ومنها تلك المتعلقة بالإعلان عن الأدوية. تتناول عدة قوانين هذه الجريمة بشكل مباشر وغير مباشر، أبرزها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والذي يحدد الأطر القانونية للتعامل مع الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت.

بالإضافة إلى ذلك، يلعب قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 وقانون العقوبات دورًا محوريًا في تجريم الإعلان أو الترويج لأدوية غير مسجلة أو مجهولة المصدر. هذه القوانين تهدف إلى حماية المواطن من الغش التجاري والأضرار الصحية المحتملة الناتجة عن تداول أدوية لا تخضع للرقابة أو المعايير الطبية.

العقوبات المقررة قانونًا

تتنوع العقوبات المقررة على جريمة الإعلان عن أدوية مجهولة المصدر إلكترونيًا لتشمل الحبس والغرامة المالية. فوفقًا للقانون، قد تصل عقوبة الحبس إلى عدة سنوات، وتتراوح الغرامات المالية بين عشرات الآلاف ومئات الآلاف من الجنيهات المصرية.

تتحدد هذه العقوبات بناءً على مدى خطورة الجريمة والضرر الناتج عنها، وما إذا كانت مرتبطة بجرائم أخرى كالتزوير أو الغش التجاري الكبير. كما أن وجود سبق إصرار أو ترصد، أو تكرار الجريمة، يمكن أن يؤدي إلى تشديد العقوبة المقررة على الجاني، وذلك بهدف تحقيق الردع العام والخاص.

المخاطر الصحية والاجتماعية

تهديد مباشر للصحة العامة

تمثل الأدوية مجهولة المصدر تهديدًا حقيقيًا وخطيرًا على الصحة العامة. هذه الأدوية غالبًا ما تكون غير فعالة، أو تحتوي على مكونات ضارة، أو بجرعات خاطئة قد تسبب مضاعفات خطيرة. قد لا تحتوي على المادة الفعالة المطلوبة، مما يجعلها بلا أي فائدة علاجية، أو قد تحتوي على مواد سامة تؤدي إلى تسمم الجسم.

الإعلان عن هذه الأدوية وترويجها إلكترونيًا يسهل وصولها إلى شريحة واسعة من الناس الذين قد يقعون ضحية للغش، ويعرضون صحتهم للخطر الشديد. يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أمراض موجودة، أو ظهور أعراض جانبية خطيرة، أو حتى الوفاة في بعض الحالات، خصوصًا عند استخدامها دون إشراف طبي.

الآثار السلبية على المجتمع

لا يقتصر تأثير ظاهرة الإعلان عن الأدوية مجهولة المصدر على الصحة الفردية فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمع ككل. فانتشار هذه الأدوية يؤدي إلى فقدان الثقة في القطاع الصحي الرقمي والمنصات الإلكترونية التي يفترض أن تكون آمنة وموثوقة.

كما يساهم في انتشار الجهل بالمعلومات الصحية الصحيحة، حيث يعتمد الأفراد على مصادر غير موثوقة للحصول على معلوماتهم الدوائية والعلاجية. هذا بدوره يؤثر سلبًا على جهود التوعية الصحية ويزيد من الأعباء على النظام الصحي العام، الذي يضطر للتعامل مع حالات تسمم ومضاعفات ناتجة عن هذه الأدوية.

آليات الكشف والإبلاغ عن الإعلانات المشبوهة

دور الجهات الرقابية

تضطلع العديد من الجهات الرقابية في مصر بدور حيوي في مكافحة الإعلان عن الأدوية مجهولة المصدر. هيئة الدواء المصرية هي الجهة الأساسية المسؤولة عن تسجيل الأدوية ومراقبة جودتها وتداولها، وتتلقى البلاغات المتعلقة بالمخالفات الدوائية.

كذلك، تلعب الإدارة العامة لمكافحة جرائم تقنية المعلومات بوزارة الداخلية دورًا محوريًا في تتبع وملاحقة الجرائم الإلكترونية، بما فيها الإعلان عن الأدوية غير المرخصة. أما النيابة العامة، فهي تتولى التحقيق في هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، بناءً على البلاغات والتحريات.

خطوات الإبلاغ للمواطنين

يجب على كل مواطن يكتشف إعلانًا مشبوهًا لأدوية مجهولة المصدر أن يبادر بالإبلاغ عنه. تبدأ الخطوات بتحديد المنصة التي تم عليها الإعلان (مثل فيسبوك، إنستغرام، موقع ويب، واتساب). من الضروري جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة، مثل لقطات الشاشة للإعلان، وروابط الصفحات أو الحسابات التي تنشره، وتواريخ النشر.

بعد جمع الأدلة، يجب تقديم بلاغ رسمي إلى الجهات المختصة. يمكن القيام بذلك عبر أقسام الشرطة المتخصصة في مباحث الإنترنت، أو من خلال التوجه مباشرة إلى النيابة العامة. سرعة الإبلاغ وأهميته تكمن في تمكين الجهات الأمنية والقضائية من اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب قبل انتشار الضرر.

سبل الوقاية والحماية من الأدوية المجهولة المصدر

التوعية الصحية والقانونية

تعد التوعية الصحية والقانونية حجر الزاوية في مكافحة هذه الظاهرة. يجب تنظيم حملات توعية مكثفة تستهدف الجمهور العام، لتثقيفهم بمخاطر الأدوية غير المرخصة وضرورة الشراء من مصادر موثوقة. تشمل هذه الحملات نشر الوعي بالقوانين المنظمة لبيع الأدوية والعقوبات المفروضة على المخالفين.

يمكن أن يتم ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وورش العمل في المدارس والجامعات، وعبر منصات التواصل الاجتماعي الرسمية. الهدف هو بناء وعي مجتمعي قوي يمكنه التمييز بين الإعلانات المشروعة والمشبوهة، وتشجيع الإبلاغ عن أي انتهاكات.

التحقق من مصادر الأدوية

لضمان سلامة الأدوية، يجب على المستهلكين دائمًا التحقق من مصدرها. ينبغي الشراء من الصيدليات المرخصة والمعروفة، أو من المنصات الإلكترونية الموثوقة التي تخضع لإشراف هيئة الدواء المصرية. يجب التأكد من وجود ترخيص وزارة الصحة ورقم التسجيل على عبوة الدواء قبل الشراء أو الاستخدام.

من الضروري أيضًا استشارة الأطباء أو الصيادلة قبل تناول أي دواء، حتى لو كان يبدو آمنًا أو شائع الاستخدام. يمكن لهؤلاء المختصين تقديم المشورة الصحيحة والتأكد من ملاءمة الدواء للحالة الصحية، وتجنب المخاطر المحتملة للأدوية غير المعروفة المصدر.

دور المنصات الإلكترونية ومزودي الخدمة

تتحمل المنصات الإلكترونية ومزودي خدمة الإنترنت مسؤولية كبيرة في منع انتشار الإعلانات عن الأدوية مجهولة المصدر. يجب على هذه المنصات تفعيل آليات مراجعة صارمة للإعلانات قبل نشرها، للكشف عن أي محتوى مخالف للقوانين أو المضر بالصحة العامة.

كما يتوجب عليهم تفعيل آليات سهلة للإبلاغ عن المحتوى المخالف من قبل المستخدمين، والاستجابة السريعة لهذه البلاغات بحذف المحتوى واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المخالفين. التعاون الوثيق بين هذه المنصات والجهات الحكومية المختصة هو مفتاح نجاح جهود مكافحة هذه الجرائم.

نصائح إضافية للمستهلك والمواطن

تفعيل خاصية الإبلاغ داخل المنصات الاجتماعية.

عدم الانسياق وراء الإعلانات الوهمية أو الأسعار المغرية بشكل مبالغ فيه.

البحث عن معلومات عن الدواء ومصدره قبل الشراء.

استشارة طبيب أو صيدلي متخصص عند الشك في أي دواء أو إعلان.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock