الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنايات

المحاولة الجنائية: متى تعد الجريمة تامة وما هي عقوبتها؟

المحاولة الجنائية: متى تعد الجريمة تامة وما هي عقوبتها؟

فهم الفروق الدقيقة بين الشروع والجريمة التامة في القانون المصري

يعد التمييز بين المحاولة الجنائية والجريمة التامة أمرًا بالغ الأهمية في فهم أحكام القانون الجنائي وتحديد العقوبات المناسبة. ففي حين أن كلاهما يتضمن نية إجرامية، إلا أن الوصول إلى النتيجة الإجرامية الكاملة هو ما يحدد طبيعة الجريمة والعقوبة المقررة لها. يستكشف هذا المقال مفهوم المحاولة الجنائية، شروط تحققها، الفروقات الجوهرية بينها وبين الجريمة التامة، والعقوبات المترتبة على كل منهما في ظل القانون المصري.

مفهوم المحاولة الجنائية في القانون المصري

المحاولة الجنائية: متى تعد الجريمة تامة وما هي عقوبتها؟تُعرف المحاولة الجنائية، أو الشروع في الجريمة، بأنها البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة، إذا أوقف أو خاب أثر هذا التنفيذ لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها. هذا يعني أن الجاني قد اتخذ خطوات مادية ملموسة نحو تحقيق الجريمة، لكنه لم يتمكن من إكمالها أو تحقيق النتيجة الإجرامية المرجوة منه. يتطلب تحقق المحاولة توافر عناصر أساسية لتمييزها عن مجرد الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب عليها القانون.

يعد القصد الجنائي ركيزة أساسية في المحاولة. يجب أن تتجه إرادة الجاني بشكل قاطع إلى ارتكاب الجريمة كاملة، فإذا انتفى هذا القصد، انتفت المحاولة. كما يشترط أن يكون هناك بدء في التنفيذ، وليس مجرد التفكير أو التخطيط. يجب أن يكون الفعل المرتكب مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بالنتيجة الإجرامية المتوخاة، وأن يكون الهدف منه تحقيق تلك النتيجة بشكل مباشر.

شروط تحقق المحاولة الجنائية

لتحقق المحاولة الجنائية، يجب أن تتوافر ثلاثة شروط أساسية وفقًا للقانون المصري. أولًا، يجب أن يكون هناك قصد جنائي، أي أن تتجه نية الجاني إلى ارتكاب الجريمة كاملة. لا تكفي مجرد النية المبطنة، بل يجب أن تنعكس في الأفعال المرتكبة. ثانيًا، يجب أن يكون هناك بدء في التنفيذ، وهو الخطوة الأولى المادية نحو ارتكاب الجريمة، والتي تخرج عن نطاق الأعمال التحضيرية البحتة.

ثالثًا، يجب أن يوقف أو يخاب أثر التنفيذ لأسباب خارجة عن إرادة الجاني. فلو عدل الجاني عن فعلته بإرادته الحرة قبل إتمامها، فقد نكون أمام “العدول الاختياري” الذي قد يعفيه من العقوبة في بعض الحالات. لكن إذا أُوقف التنفيذ بسبب تدخل خارجي (مثل القبض عليه أو مقاومة المجني عليه)، فإن المحاولة تتحقق وتصبح محل عقاب قانوني.

الجريمة التامة: مفهومها وأركانها

تُعرف الجريمة التامة بأنها الفعل الذي يتحقق فيه جميع أركان الجريمة التي نص عليها القانون، سواء كانت أركانًا مادية (كالفعل والنتيجة الإجرامية وعلاقة السببية بينهما) أو أركانًا معنوية (كالقصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي). بمعنى آخر، هي الجريمة التي اكتملت نتائجها المادية والنفسية كما يتصورها المشرع، ولم يتبق أي نقص في تحقيق نموذجها القانوني. تمثل الجريمة التامة ذروة السلوك الإجرامي وهي التي يهدف المشرع إلى مكافحتها بالدرجة الأولى.

تتميز الجريمة التامة بتحقيق النتيجة الإجرامية كاملة، ففي جريمة القتل، تكون النتيجة هي وفاة المجني عليه. وفي جريمة السرقة، تكون النتيجة هي الاستيلاء على المال المملوك للغير. هذه النتيجة هي الفارق الجوهري بين الجريمة التامة والمحاولة. يتطلب القانون لإدانة شخص بارتكاب جريمة تامة إثبات أن أفعال الجاني قد أدت بشكل مباشر إلى تحقق هذه النتيجة، وأن هناك علاقة سببية واضحة بين الفعل والنتيجة.

الفروق الجوهرية بين المحاولة والجريمة التامة

يكمن الفرق الأساسي بين المحاولة والجريمة التامة في مدى تحقق النتيجة الإجرامية. ففي المحاولة، لم تتحقق النتيجة الإجرامية رغم وجود القصد الجنائي وبدء التنفيذ، بينما في الجريمة التامة، تكون النتيجة قد تحققت بالفعل. هذا الاختلاف له تأثير مباشر على تصنيف الجريمة والعقوبة المقررة لها. المحاولة هي شكل ناقص من الجريمة، يعاقب عليها القانون من باب درء الخطر على المصالح المحمية.

كذلك، تختلف المحاولة عن الجريمة التامة في درجة الخطورة الإجرامية المتصورة. فالمحاولة قد تشير إلى درجة أقل من الخطورة إذا كانت النتيجة لم تتحقق لأسباب خارجة عن إرادة الجاني. في حين أن الجريمة التامة تدل على اكتمال السلوك الإجرامي ونجاح الجاني في تحقيق غايته. هذا لا يعني أن المحاولة أقل خطورة من حيث النية، بل هي أقل خطورة من حيث الأثر المادي المكتمل.

عقوبة المحاولة الجنائية في القانون المصري

تختلف عقوبة المحاولة الجنائية عن عقوبة الجريمة التامة، حيث يرى المشرع أن المحاولة أقل خطورة من الجريمة التامة لعدم تحقق النتيجة الإجرامية. بشكل عام، تكون عقوبة المحاولة هي ثلثي العقوبة المقررة للجريمة التامة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك في جرائم محددة. يهدف هذا التخفيف في العقوبة إلى التوفيق بين ضرورة معاقبة الجاني على نيته الإجرامية وبدء التنفيذ، وبين عدم اكتمال الضرر الواقع.

على سبيل المثال، إذا كانت عقوبة القتل العمد هي الإعدام أو السجن المؤبد، فإن عقوبة الشروع في القتل قد تكون السجن المشدد لمدة معينة، وفقًا للتقدير القضائي وفي إطار الحدود القانونية. من المهم الإشارة إلى أن القانون قد يضع استثناءات لهذه القاعدة، حيث قد تعامل بعض المحاولات معاملة الجريمة التامة في جرائم شديدة الخطورة، أو قد يقرر لها عقوبة محددة ومستقلة.

العدول الاختياري وعلاقته بالمحاولة

يعتبر العدول الاختياري حالة خاصة تتعلق بالمحاولة الجنائية، حيث يتراجع الجاني بإرادته الحرة عن إتمام الجريمة بعد بدء التنفيذ، وقبل تحقق النتيجة الإجرامية. في هذه الحالة، يمكن أن يعفى الجاني من العقوبة المقررة للمحاولة، وذلك تشجيعًا له على التراجع عن إتمام جريمته. يجب أن يكون العدول حقيقيًا واختياريًا، أي نابعًا من إرادة الجاني الخالصة دون أي ضغط أو إكراه خارجي.

إذا كان العدول ناجمًا عن سبب خارج عن إرادة الجاني، مثل اكتشافه أو تدخل طرف ثالث، فلا يعتبر عدولًا اختياريًا وتظل المحاولة قائمة. الهدف من هذا المبدأ هو إعطاء فرصة للجاني للتراجع قبل إتمام الجريمة، وبالتالي تقليل الأضرار المحتملة. ومع ذلك، قد لا يعفي العدول الاختياري الجاني من العقوبة على الأفعال التي ارتكبها بالفعل وتكون بحد ذاتها جرائم مستقلة، مثل جريمة الاعتداء أو حيازة أسلحة غير مرخصة.

تطبيقات عملية وفروقات دقيقة في تحديد الجريمة

لتحديد ما إذا كنا أمام محاولة أم جريمة تامة، يجب على الجهات القضائية والتحقيقية دراسة كافة تفاصيل الواقعة. فمثلاً، في جريمة السرقة، إذا قام الجاني بكسر قفل الباب بنية السرقة، ولكنه لم يتمكن من الدخول أو الاستيلاء على شيء، فإننا نكون أمام شروع في السرقة. أما إذا تمكن من الاستيلاء على المسروقات والفرار بها، فتعتبر الجريمة تامة.

في جرائم الاعتداء على الأشخاص، إذا أطلق الجاني النار على المجني عليه بنية قتله، ولكن الرصاصة لم تصب المجني عليه، أو أصابته لكنه نجا من الموت، فإن ذلك يعد شروعًا في القتل. أما إذا أدت الإصابة إلى الوفاة، فتكون الجريمة تامة. تتطلب هذه الحالات تحليلًا دقيقًا لعلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة، والنظر في القصد الجنائي. كما أن هناك حالات قد يعتبر فيها مجرد البدء في التنفيذ جريمة تامة بذاتها، مثل حيازة مواد متفجرة بقصد إجرامي.

دور القصد الجنائي في تحديد المحاولة والجريمة التامة

يلعب القصد الجنائي دورًا محوريًا في التمييز بين المحاولة والجريمة التامة. ففي كلتا الحالتين، يجب أن يتوفر القصد الجنائي الخاص بالجريمة المرتكبة. يعني هذا أن نية الجاني يجب أن تكون متجهة نحو تحقيق النتيجة الإجرامية الكاملة. فإذا كان قصد الجاني هو مجرد الإضرار بالمجني عليه، ولم تتجه نيته إلى قتله، ثم توفي المجني عليه بطريق الخطأ، فإننا قد نكون أمام جريمة ضرب أفضى إلى موت بدلاً من شروع في قتل.

على المحاكم أن تتأكد من أن القصد الجنائي كان حاضرًا وقت بدء التنفيذ. هذا يتطلب استعراض الأدلة المادية والظرفية التي تكشف عن نية الجاني الحقيقية. فمثلاً، استخدام أداة معينة (مثل سكين أو سلاح ناري) في الاعتداء، أو توجيه الضربات لأجزاء قاتلة من الجسم، كلها قرائن قد تدل على وجود نية القتل، حتى لو لم تتحقق الوفاة. إثبات القصد الجنائي هو حجر الزاوية في تكييف الفعل كشروع أو كجريمة تامة.

نصائح قانونية للتعامل مع قضايا المحاولة الجنائية

في قضايا المحاولة الجنائية، سواء كنت متهمًا أو ضحية، فإن فهم الإجراءات القانونية أمر بالغ الأهمية. للمتهمين، يُنصح بالاستعانة بمحامٍ متخصص في القانون الجنائي فورًا. يمكن للمحامي تقديم المشورة بشأن حقوقك، ومساعدتك في بناء دفاع قوي يقوم على إثبات عدم توافر شروط المحاولة، كعدم وجود قصد جنائي، أو أن الأفعال كانت مجرد أعمال تحضيرية، أو أن هناك عدول اختياري.

بالنسبة للمجني عليهم، من الضروري الإبلاغ الفوري عن الواقعة وتقديم كافة الأدلة المتاحة للسلطات. يجب توثيق أي إصابات أو أضرار ناتجة عن المحاولة، وتقديم شهادات الشهود إن وجدوا. يمكن للمحامي مساعدة المجني عليه في متابعة الإجراءات القانونية وضمان تقديم المتهم للعدالة، وكذلك المطالبة بالتعويضات المناسبة عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لهذا الشروع في الجريمة.

أهمية الاستشارة القانونية المتخصصة

نظرًا لتعقيدات القانون الجنائي والفروق الدقيقة بين المحاولة والجريمة التامة، فإن الاستشارة القانونية المتخصصة لا غنى عنها. يمكن للمحامي المتمرس تحليل وقائع القضية بشكل دقيق، وتحديد التكييف القانوني الصحيح للفعل المرتكب. سواء كان الأمر يتعلق بتحديد ما إذا كانت الأفعال قد تجاوزت مرحلة الأعمال التحضيرية لتصل إلى الشروع، أو ما إذا كانت النتيجة الإجرامية قد تحققت بالكامل، فإن الرأي القانوني الخبير ضروري.

الاستشارة القانونية تساعد أيضًا في فهم العقوبات المحتملة وكيفية التخفيف منها في حالات المحاولة، أو كيفية المطالبة بالحقوق كاملة في حالات الجريمة التامة. كما أنها توفر إرشادًا حول الإجراءات القضائية، بدءًا من التحقيقات الأولية ووصولًا إلى مرحلة المحاكمة، مما يضمن سير العملية القانونية بشكل صحيح ومنصف لجميع الأطراف المعنية. هذا يقلل من احتمالية الوقوع في أخطاء إجرائية قد تؤثر سلبًا على نتيجة القضية.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock