الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

إجراءات التحقيق في جرائم الاعتداء الجنسي

إجراءات التحقيق في جرائم الاعتداء الجنسي

دليلك الشامل لضمان العدالة وحماية الضحايا

جرائم الاعتداء الجنسي من أخطر الجرائم التي تواجه المجتمعات، وتتطلب إجراءات تحقيق دقيقة وحساسة لضمان تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الجناة. يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل يوضح كافة الخطوات والإجراءات المتبعة في التحقيق بهذه الجرائم، مع التركيز على الجوانب القانونية والإنسانية التي تضمن حقوق الجميع. إن فهم هذه الإجراءات أمر بالغ الأهمية لكل من الضحايا والجهات المعنية بتطبيق القانون، لضمان سير التحقيق بشكل فعال ومنصف وحماية كرامة الأفراد.

الخطوات الأولية بعد وقوع الجريمة

إجراءات التحقيق في جرائم الاعتداء الجنسيتعتبر الساعات الأولى بعد وقوع جريمة الاعتداء الجنسي حاسمة لجمع الأدلة وضمان حقوق الضحية. يجب على الضحية اتخاذ خطوات فورية ومدروسة للحفاظ على الأدلة وطلب الدعم اللازم. هذه الخطوات لا تساهم فقط في سير التحقيق، بل توفر أيضًا الحماية والدعم النفسي للضحية في مرحلة حساسة للغاية. كلما كانت الاستجابة أسرع وأكثر تنظيمًا، زادت فرص الحصول على العدالة وتقديم الجناة للمحاسبة. من الضروري أن تكون الضحية على دراية بحقوقها والإجراءات المتاحة لها عند التعرض لمثل هذه الجرائم الخطيرة.

الإبلاغ الفوري عن الواقعة

يعد الإبلاغ الفوري عن جريمة الاعتداء الجنسي أول وأهم خطوة نحو تحقيق العدالة. يجب على الضحية أو أي شخص علم بالواقعة التوجه إلى أقرب مركز شرطة أو النيابة العامة لتقديم بلاغ رسمي. يساعد الإبلاغ المبكر في حفظ الأدلة المادية والشهادات الطازجة، مما يعزز من قوة الموقف القانوني للضحية ويسهل عمل المحققين. كما يتيح الإبلاغ السريع للجهات المختصة التدخل لتقديم الدعم الفوري وحماية الضحية من أي مخاطر محتملة، ويفتح باب التحقيق الرسمي في القضية، ويزيد من فرص القبض على الجاني.

الحفاظ على مسرح الجريمة والأدلة

بعد وقوع الاعتداء، يجب على الضحية قدر الإمكان عدم تغيير أي شيء في مسرح الجريمة، وعدم الاستحمام أو تغيير الملابس أو تنظيف أي أثر يمكن أن يكون دليلاً. هذه الإجراءات ضرورية للحفاظ على الأدلة البيولوجية والمادية التي قد تكون حاسمة في إثبات الجريمة وتحديد هوية الجاني. يجب على الضحية عدم لمس أي أشياء غير ضرورية في الموقع، والاحتفاظ بأي ملابس كانت ترتديها وقت الاعتداء دون غسل. إخطار الشرطة فوراً يضمن وصول المختصين لجمع هذه الأدلة بالطرق العلمية الصحيحة والموثوقة.

طلب الدعم النفسي والقانوني

لا يقتصر التعامل مع جريمة الاعتداء الجنسي على الجانب القانوني فقط، بل يمتد ليشمل الجانب النفسي والاجتماعي للضحية. يُنصح الضحية بطلب الدعم النفسي المتخصص من خلال المنظمات غير الحكومية أو المراكز المتخصصة التي تقدم استشارات نفسية وجلسات علاج. كما يجب عليها الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الاعتداءات الجنسية لتقديم المشورة القانونية والدعم اللازم خلال مراحل التحقيق والمحاكمة، لضمان حماية حقوقها بشكل كامل وفعال. هذا الدعم الشامل يساعد الضحية على تجاوز المحنة بكرامة ويسرع من عملية التعافي.

دور النيابة العامة في التحقيق

تتولى النيابة العامة في مصر مسؤولية الإشراف على التحقيق في الجرائم الجنائية، بما في ذلك جرائم الاعتداء الجنسي. يمثل دور النيابة حجر الزاوية في ضمان سير العدالة، فهي الجهة المخولة بجمع الأدلة، وسماع الشهادات، وتوجيه الاتهامات، وإحالة القضايا إلى المحكمة. يتسم عمل النيابة في هذه الجرائم بالحساسية الشديدة، حيث يجب الموازنة بين تحقيق العدالة وحماية كرامة الضحايا. تتمثل صلاحيات النيابة في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية التي تضمن الكشف عن الحقيقة وتطبيق القانون بحيادية وفعالية.

سماع أقوال الضحايا والشهود

تبدأ النيابة العامة تحقيقها بسماع أقوال الضحية والشهود على الواقعة. يتم ذلك في بيئة آمنة وداعمة، مع مراعاة الحالة النفسية للضحية. يجب أن تكون أقوال الضحية مفصلة ودقيقة قدر الإمكان، مع توضيح كافة تفاصيل الاعتداء والظروف المحيطة به. يتم توثيق هذه الأقوال رسمياً في محاضر التحقيق. كما يتم سماع أقوال الشهود الذين قد يكون لديهم معلومات ذات صلة بالقضية، مع التركيز على الحصول على تفاصيل دقيقة وموثوقة لدعم الإثباتات المقدمة. تتم حماية سرية هوية الضحية والشهود لضمان سلامتهم وتجنب أي ضغوط عليهم.

تكليف الجهات المختصة بجمع الاستدلالات

بعد سماع الأقوال الأولية، تكلف النيابة العامة الجهات المختصة، مثل الشرطة والمباحث الجنائية، بجمع المزيد من الاستدلالات والتحريات حول الواقعة. يشمل ذلك البحث عن أي أدلة مادية أو رقمية، ومراجعة تسجيلات المراقبة، والاستعلام عن أي معلومات قد تفيد التحقيق. الهدف من هذه الخطوة هو استكمال الصورة الجنائية للقضية وتحديد المتهمين المحتملين أو تأكيد الشبهات القائمة. تعمل هذه الجهات تحت إشراف النيابة العامة لضمان قانونية الإجراءات وجمع الأدلة بشكل صحيح، مما يؤدي إلى نتائج تحقيق موثوقة.

استصدار الإذن بالتحريات والتفتيش

للقيام بإجراءات مثل التفتيش أو التحريات الموسعة التي تمس الحريات الشخصية، يجب على النيابة العامة استصدار إذن قضائي من الجهة المختصة. هذا الإذن يضمن قانونية الإجراءات ويحمي حقوق الأفراد. يشمل ذلك طلب إذن بتفتيش مساكن المتهمين، أو تفتيش هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية، أو التحفظ على أي ممتلكات قد تكون ذات صلة بالجريمة. يتم إصدار الإذن بناءً على دلائل قوية تشير إلى احتمال تورط المتهمين، ويعد هذا الإجراء من الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات الفردية في إطار التحقيق القانوني السليم.

مواجهة المتهمين

عندما تتوفر أدلة كافية تشير إلى تورط شخص في جريمة الاعتداء الجنسي، تقوم النيابة العامة بمواجهته بالاتهامات والأدلة المجمعة ضده. يحق للمتهم حضور محاميه خلال هذه المواجهة. قد تتضمن المواجهة عرض أقوال الضحية والشهود، أو الأدلة المادية التي تم جمعها. تهدف هذه الخطوة إلى تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه، وتقديم تفسير للأحداث، أو الاعتراف بالجريمة. تعتبر هذه المرحلة حاسمة في التحقيق، حيث قد تتغير مسارات القضية بناءً على ما يتم الكشف عنه في هذه المواجهة، مع الحفاظ على كافة الضمانات القانونية للمتهم.

الإجراءات الفنية والطب الشرعي

تعد الإجراءات الفنية والطب الشرعي ركيزة أساسية في التحقيق بجرائم الاعتداء الجنسي، حيث توفر الأدلة العلمية والمادية التي لا تقبل الشك. يعتمد القضاء بشكل كبير على هذه التقارير لتأكيد وقوع الجريمة، وتحديد هوية الجاني، وتقدير مدى الضرر الواقع على الضحية. يتطلب هذا الجانب من التحقيق خبرة عالية ودقة متناهية لضمان صحة النتائج وقانونيتها. يقوم أخصائيو الطب الشرعي والجنائيون بتحليل العينات والأدلة بطرق علمية معقدة، مما يساهم في بناء قضية قوية وتقديم الجناة للعدالة استناداً إلى براهين دامغة ومقنعة.

الفحص الطبي الشرعي للضحية

يجب أن تخضع الضحية لفحص طبي شرعي دقيق وشامل في أقرب وقت ممكن بعد الاعتداء. يهدف هذا الفحص إلى توثيق أي إصابات جسدية، وجمع عينات بيولوجية مثل السائل المنوي أو الشعر أو الألياف التي قد تعود للجاني. يتم الفحص بواسطة طبيب شرعي متخصص، مع مراعاة حساسية الموقف والحفاظ على خصوصية الضحية وكرامتها. يعتبر تقرير الفحص الطبي الشرعي دليلاً رئيسياً في القضية، وله وزن كبير في الإثبات أمام المحكمة، حيث يقدم معلومات علمية لا يمكن التشكيك فيها حول الواقعة والأضرار التي لحقت بالضحية.

جمع العينات البيولوجية والأدلة المادية

تعتبر عملية جمع العينات البيولوجية والأدلة المادية من أهم مراحل التحقيق الجنائي. يقوم المختصون بجمع أي أثر بيولوجي من مسرح الجريمة أو من جسد الضحية وملابسها، مثل عينات الدم، السائل المنوي، الشعر، اللعاب، أو عينات الأنسجة. كما يتم جمع الأدلة المادية الأخرى كالألياف، بصمات الأصابع، أو أي أدوات استخدمت في الاعتداء. يجب أن تتم هذه العملية بدقة متناهية وتحت إشراف الخبراء لضمان عدم تلوث الأدلة والحفاظ على سلامتها حتى يتم تحليلها في المختبرات الجنائية المتخصصة بدقة عالية، وتأكيد موثوقيتها.

تحليل الأدلة الجنائية

بعد جمع الأدلة، يتم إرسالها إلى المعامل الجنائية المتخصصة لتحليلها. يشمل التحليل فحص الحمض النووي (DNA) لتحديد هوية الجاني من العينات البيولوجية، وفحص البصمات، وتحليل الألياف، وغيرها من التقنيات العلمية المتقدمة. تهدف هذه التحاليل إلى ربط المتهم بالجريمة بشكل قاطع، أو استبعاد المشتبه بهم. كما يمكن للتحليل أن يحدد طبيعة الأداة المستخدمة في الاعتداء أو أي تفاصيل أخرى قد تكون حاسمة في القضية. نتائج التحليل الجنائي تقدم أدلة علمية قوية تعزز موقف النيابة العامة أمام المحكمة وتساعد في تحقيق العدالة.

تقارير الطب الشرعي ودورها في الإثبات

تُعد تقارير الطب الشرعي والتقارير الجنائية أدوات إثبات لا غنى عنها في قضايا الاعتداء الجنسي. تتضمن هذه التقارير النتائج التفصيلية للفحص الطبي للضحية، وتحليل الأدلة البيولوجية والمادية، وتقدير طبيعة الإصابات وسببها وتاريخها. يقدم الخبراء في هذه التقارير استنتاجاتهم العلمية التي تساعد القضاء على فهم ملابسات الجريمة وتأكيد وقوعها. تعتبر هذه التقارير أدلة فنية قوية جدًا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الأحكام، وتساهم بشكل كبير في بناء قضية متماسكة ضد الجاني، مما يقلل من فرص التشكيك في الأدلة ويضمن تحقيق العدالة.

حماية الضحايا والشهود أثناء التحقيق

تعتبر حماية الضحايا والشهود في قضايا الاعتداء الجنسي أولوية قصوى لضمان استمرارهم في التعاون مع الجهات القضائية دون خوف أو ضغوط. تتضمن هذه الحماية جوانب نفسية وقانونية واجتماعية، تهدف إلى الحفاظ على كرامة الضحية وسلامتها، وتشجيعها على الإدلاء بشهادتها بحرية. إن توفير بيئة آمنة وداعمة للضحايا والشهود يعزز من فرص كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، ويقلل من الأضرار النفسية التي قد تلحق بهم نتيجة تعرضهم للجريمة والتعامل مع الإجراءات القانونية. يجب أن تشمل الحماية كافة مراحل التحقيق والمحاكمة بشكل فعال ومستمر.

سرية المعلومات وهويّة الضحايا

لضمان حماية الضحايا وتشجيعهم على الإبلاغ، يتم الحفاظ على سرية معلوماتهم وهويتهم الشخصية خلال مراحل التحقيق والمحاكمة. تمنع القوانين نشر أي تفاصيل قد تكشف عن هوية الضحية في وسائل الإعلام أو الأماكن العامة. تهدف هذه السرية إلى حماية الضحية من الوصمة الاجتماعية والترهيب والانتقام، مما يسمح لها بالتركيز على الشفاء والتعاون مع العدالة. النيابة العامة والمحكمة تلتزمان بهذه السرية، ولا يتم الكشف عن البيانات إلا للجهات المعنية بالتحقيق، وبحدود الضرورة القصوى لضمان سير العدالة دون المساس بكرامة الضحية.

توفير الدعم النفسي والقانوني

إلى جانب الإجراءات القانونية، من الضروري توفير دعم نفسي وقانوني متكامل للضحايا. يشمل الدعم النفسي جلسات علاج مع أخصائيين نفسيين لمساعدة الضحية على تجاوز الصدمة والتعافي. أما الدعم القانوني فيقدم من خلال محامين متخصصين يتولون الدفاع عن حقوق الضحية، وشرح الإجراءات القانونية لها، وتمثيلها أمام النيابة والمحكمة. يساهم هذا الدعم في تمكين الضحية وتقوية موقفها، ويضمن أن تتلقى الرعاية الشاملة التي تحتاجها لمواجهة التحديات التي تفرضها جريمة الاعتداء الجنسي ومراحلها القضائية، ويساعدها على استعادة حياتها الطبيعية.

آليات حماية الشهود من الترهيب

قد يتعرض الشهود في قضايا الاعتداء الجنسي للترهيب أو التهديد من قبل المتهم أو ذويه لثنيهم عن الإدلاء بشهاداتهم. لذلك، توفر القوانين آليات لحماية الشهود، مثل إخفاء هويتهم في بعض الحالات، أو توفير حراسة شخصية، أو تغيير أماكن إقامتهم إذا لزم الأمر. تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان سلامة الشهود وتشجيعهم على الإدلاء بشهاداتهم بكل حرية ودون خوف، مما يعزز من قوة القضية ويساعد على كشف الحقيقة. تلعب النيابة العامة دوراً حيوياً في تطبيق هذه الآليات بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة لحماية الأفراد.

حق الضحية في محامٍ

يحق للضحية في جرائم الاعتداء الجنسي الاستعانة بمحامٍ يمثلها ويدافع عن حقوقها منذ اللحظة الأولى للإبلاغ. يضمن وجود المحامي أن يتم التعامل مع الضحية باحترام، وأن يتم تسجيل أقوالها بشكل صحيح، وأن يتم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لصالحها. يقوم المحامي بتقديم المشورة القانونية، ومتابعة سير التحقيق، وحضور الجلسات، والمطالبة بالحقوق المدنية للضحية. هذا الحق يضمن أن تكون الضحية على قدم المساواة مع باقي الأطراف في النظام القضائي، وأن يتم حماية مصالحها بشكل فعال طوال فترة القضية، وصولاً لتحقيق العدالة لها.

التحديات الشائعة وكيفية التعامل معها

تواجه التحقيقات في جرائم الاعتداء الجنسي العديد من التحديات الفريدة والمعقدة التي قد تعيق مسار العدالة. تتطلب هذه التحديات استراتيجيات مبتكرة وجهودًا متضافرة من قبل جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الجناة. إن فهم هذه العقبات والعمل على تجاوزها أمر بالغ الأهمية لتعزيز فعالية النظام القضائي وتحسين تجربة الضحايا. من المهم أن تكون هناك استجابة مرنة ومتكيفة مع طبيعة هذه الجرائم، مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على مسار القضية بشكل مباشر.

تأخر الإبلاغ وفقدان الأدلة

أحد أبرز التحديات في قضايا الاعتداء الجنسي هو تأخر الضحايا في الإبلاغ عن الجريمة، وذلك لأسباب عديدة منها الصدمة، الخوف، أو الوصمة الاجتماعية. يؤدي هذا التأخير إلى فقدان الأدلة المادية الحيوية التي قد تتلاشى بمرور الوقت، مما يصعب على الجهات التحقيقية إثبات الواقعة وتحديد هوية الجاني. لمواجهة هذا التحدي، يجب تكثيف حملات التوعية بأهمية الإبلاغ الفوري، وتوفير بيئات آمنة وداعمة تشجع الضحايا على التحدث، وتدريب المحققين على كيفية التعامل مع القضايا التي تتأخر في الإبلاغ وتكييف أساليب التحقيق مع هذه الظروف لتكون أكثر مرونة.

صعوبة إثبات الرضا أو عدمه

في بعض حالات الاعتداء الجنسي، قد ينشأ تحدي كبير حول إثبات ما إذا كان هناك رضا من الضحية من عدمه. يقع عبء الإثبات على النيابة العامة لإظهار أن الاعتداء تم دون رضا صريح وواضح. تتطلب هذه النقطة تحقيقات معمقة تشمل أقوال الضحية، والشهود، وأي أدلة تدل على الإكراه أو التهديد. يجب على المحققين أن يكونوا مدربين على كيفية طرح الأسئلة الحساسة بطريقة لا تلوم الضحية، وأن يركزوا على سلوك الجاني بدلاً من سلوك الضحية، لضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف وتوضيح حقيقة ما حدث بدقة. يشدد القانون على أن الصمت لا يعني الرضا تحت أي ظرف.

الوصمة الاجتماعية والنفسية

تعتبر الوصمة الاجتماعية والخوف من العار واللوم من أهم العقبات التي تواجه ضحايا الاعتداء الجنسي. يمكن أن يؤدي هذا الشعور بالوصمة إلى صمت الضحية، وتأخر الإبلاغ، وحتى سحب البلاغ في بعض الحالات. لمواجهة هذا التحدي، يجب العمل على تغيير الثقافة المجتمعية السائدة، وتثقيف الجمهور حول حقيقة هذه الجرائم، وأن اللوم يقع على الجاني وليس الضحية. كما يجب توفير دعم نفسي واجتماعي مكثف للضحايا لمساعدتهم على تجاوز الصدمة والتعافي من الآثار السلبية للوصمة، وتشجيعهم على طلب المساعدة دون تردد. دعم المجتمع ضروري لتمكين الضحايا واسترداد كرامتهم.

التشريعات المعاصرة لمواجهة الجرائم الإلكترونية

مع التطور التكنولوجي، ظهرت أشكال جديدة من جرائم الاعتداء الجنسي عبر الإنترنت، مثل الابتزاز الجنسي ونشر الصور والفيديوهات المسيئة. تتطلب هذه الجرائم تحديث التشريعات وتطوير آليات تحقيق خاصة بها. يجب على النيابة العامة والجهات الأمنية اكتساب الخبرات والمهارات اللازمة للتعامل مع الأدلة الرقمية، وتتبع الجناة عبر الشبكات الإلكترونية. كما يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا لمكافحة هذه الجرائم العابرة للحدود. تهدف التشريعات المعاصرة إلى توفير حماية قانونية للضحايا في العالم الرقمي، ووضع عقوبات رادعة للجناة الذين يستغلون التكنولوجيا لإيذاء الآخرين، مما يضمن أمان وخصوصية المستخدمين.

سبل الانتصاف القانوني للضحايا

لا يقتصر دور النظام القضائي على معاقبة الجناة فحسب، بل يمتد ليشمل توفير سبل الانتصاف القانوني لضحايا جرائم الاعتداء الجنسي. تهدف هذه السبل إلى جبر الضرر الواقع على الضحية، سواء كان مادياً أو معنوياً، ومساعدتها على استعادة حياتها الطبيعية قدر الإمكان. يجب أن تكون الضحايا على دراية بحقوقهن القانونية وكيفية المطالبة بها، لضمان الحصول على العدالة الكاملة. تشمل هذه الانتصافات تعويضات مالية ودعماً قانونياً متخصصاً ومتابعة مستمرة للقضية. هذه الإجراءات تساعد الضحية على الشعور بالتمكين واستعادة حقوقها، وتأكيد على أن القانون يقف بجانبها.

المطالبة بالتعويضات المدنية

بالإضافة إلى العقوبة الجنائية الموقعة على الجاني، يحق للضحية المطالبة بالتعويضات المدنية عن الأضرار المادية والنفسية التي لحقت بها نتيجة الاعتداء. يتم تقديم هذه المطالبة أمام المحكمة المدنية أو ضمن الدعوى الجنائية نفسها. تشمل التعويضات تغطية تكاليف العلاج الطبي والنفسي، وتعويضاً عن الألم والمعاناة، وأي خسائر مادية أخرى. يجب على الضحية الاستعانة بمحامٍ متخصص لتقدير قيمة التعويضات المناسبة وتقديم المستندات والأدلة اللازمة لدعم المطالبة. تهدف هذه التعويضات إلى جبر الضرر قدر الإمكان ومساعدة الضحية على استعادة جزء من حياتها بعد المعاناة.

الاستعانة بالمحامين المتخصصين

إن الاستعانة بمحامين متخصصين في قضايا الاعتداء الجنسي أمر بالغ الأهمية للضحايا. يتمتع هؤلاء المحامون بالخبرة والمعرفة القانونية اللازمة للتعامل مع هذه القضايا الحساسة، ويمكنهم تقديم الدعم والمشورة للضحية في كل مراحل التحقيق والمحاكمة. يساعد المحامي الضحية في فهم حقوقها، وجمع الأدلة، وتقديم البلاغات، وتمثيلها أمام النيابة والمحكمة، والمطالبة بالتعويضات. يضمن وجود المحامي أن يتم حماية مصالح الضحية بشكل فعال، وأن تسير الإجراءات القانونية بسلاسة وكفاءة، مما يعزز فرص تحقيق العدالة وتخفيف العبء عن الضحية. المحامي هو شريك أساسي في رحلة العدالة.

دور المنظمات الحقوقية

تلعب المنظمات الحقوقية دوراً حيوياً في دعم ضحايا الاعتداء الجنسي. تقدم هذه المنظمات الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي للضحايا، وتعمل على توعيتهم بحقوقهم، وتوفير المساعدة في تقديم البلاغات ومتابعة القضايا. كما تساهم هذه المنظمات في الضغط على صانعي القرار لتعديل القوانين وتطوير آليات الحماية للضحايا. يعتبر عمل المنظمات الحقوقية مكملاً لعمل الجهات الرسمية، حيث تسد الثغرات وتوفر الدعم الذي قد لا يتوفر دائماً من خلال القنوات الرسمية. هذا الدعم الشامل يعزز من قدرة الضحايا على مواجهة التحديات والحصول على حقوقهم، ويساهم في بناء مجتمع أكثر عدلاً وحماية.

متابعة سير القضية حتى الحكم النهائي

بعد انتهاء مرحلة التحقيق وإحالة القضية إلى المحكمة، يجب على الضحية أو محاميها متابعة سير القضية عن كثب حتى صدور الحكم النهائي. تشمل هذه المتابعة حضور الجلسات، وتقديم أي أدلة إضافية، والتعاون مع النيابة العامة. تضمن المتابعة المستمرة أن يتم التعامل مع القضية بجدية، وأن لا يتم إهمال أي جانب منها. هذه المرحلة قد تكون طويلة ومرهقة، ولكنها ضرورية لضمان تحقيق العدالة الكاملة. المتابعة الدقيقة تمنح الضحية شعوراً بالسيطرة وتؤكد لها أن جهودها لم تذهب سدى وأن القانون يسعى لإنصافها. من المهم عدم اليأس ومواصلة السعي لتحقيق العدالة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock