الإجراءات القانونيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامةجرائم الانترنت

صيغة شكوى للنيابة العامة عن ترويج منشورات محرضة

صيغة شكوى للنيابة العامة عن ترويج منشورات محرضة

كيفية تقديم بلاغ فعال ضد المحتوى التحريضي عبر الإنترنت

في عصر المعلومات الرقمية، أصبح ترويج المنشورات المحرضة ظاهرة مقلقة تهدد الأمن والسلم المجتمعي. يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة فهمًا دقيقًا للإطار القانوني والخطوات العملية الواجب اتباعها لتقديم شكوى فعالة للجهات المختصة. يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل ومفصل حول كيفية صياغة وتقديم شكوى للنيابة العامة ضد ترويج مثل هذه المنشورات في مصر، مع التركيز على الجوانب القانونية والإجرائية لضمان تحقيق العدالة. سنستعرض طرق جمع الأدلة، كتابة الشكوى، وإجراءات المتابعة، بالإضافة إلى تقديم حلول بديلة لتقديم البلاغات لتمكين الأفراد والمؤسسات من التصدي بفعالية لهذه الجرائم الإلكترونية.

فهم المشكلة: ماهية المنشورات المحرضة وآثارها

تعريف المنشورات المحرضة

صيغة شكوى للنيابة العامة عن ترويج منشورات محرضة
المنشورات المحرضة هي أي محتوى، سواء كان نصوصًا، صورًا، مقاطع فيديو، أو تسجيلات صوتية، يتم نشره بهدف التحريض على ارتكاب جريمة، أو إثارة الفتنة، أو الكراهية ضد فئة معينة من المجتمع، أو الدعوة إلى العنف، أو المساس بالوحدة الوطنية. تتضمن هذه المنشورات تلك التي تحث على التمييز العنصري أو الديني أو الطائفي، أو التعدي على القيم والمبادئ المجتمعية. يمكن أن تظهر هذه المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، المنتديات الإلكترونية، المدونات، أو أي وسيلة نشر رقمية أخرى.

أنواع التحريض وأشكاله

يتخذ التحريض أشكالاً متعددة، فمنه التحريض المباشر الذي يدعو صراحة إلى فعل إجرامي، ومنه التحريض غير المباشر الذي يستخدم التلميحات أو الصور أو الخطابات التي يمكن أن تُفهم على أنها دعوة للعنف أو الكراهية. قد يكون التحريض سياسياً، دينياً، اجتماعياً، أو حتى اقتصادياً، ويهدف في جوهره إلى زعزعة الاستقرار وإثارة البلبلة. يشمل ذلك الدعوة إلى مقاطعة أو تخريب ممتلكات، أو التحريض على الكراهية ضد مؤسسات الدولة، أو نشر الشائعات الكاذبة بهدف الإضرار بالمصلحة العامة.

الأضرار الناتجة عن ترويج المحتوى التحريضي

تتسبب المنشورات المحرضة في أضرار جسيمة على المستويين الفردي والجماعي. على الصعيد الفردي، قد يتعرض الأشخاص المستهدفون للتهديد، الترهيب، التشهير، أو حتى العنف الجسدي. أما على الصعيد المجتمعي، فتؤدي هذه المنشورات إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وزيادة الاستقطاب، وانتشار الكراهية، وقد تصل إلى حد إثارة الاضطرابات والنزاعات. كما أنها تقوض ثقة الجمهور في وسائل الإعلام والمؤسسات، وتضر بسمعة الأفراد والدول على حد سواء.

الإطار القانوني لمكافحة التحريض في مصر

النصوص القانونية ذات الصلة

يتصدى القانون المصري لجرائم التحريض بصرامة عبر عدة نصوص. أبرزها قانون العقوبات المصري، الذي يجرم الأفعال التي تمس الأمن القومي، أو تدعو إلى الكراهية أو العنف. كما أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، يتناول بشكل خاص الجرائم التي تُرتكب عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. يحدد هذا القانون العقوبات المفروضة على نشر المحتوى الإباحي، أو المساس بالقيم الأسرية، أو نشر معلومات كاذبة، أو التحريض على الفسق، أو التعدي على المبادئ الدينية.

تُعد المواد الخاصة بالمساس بالأمن القومي، والتحريض على ارتكاب الجرائم، ونشر الأخبار الكاذبة، أساسًا لتقديم الشكاوى ضد المنشورات المحرضة. يشمل ذلك المواد التي تجرم التحريض على العنف أو الكراهية، ونشر المعلومات التي من شأنها تكدير الأمن العام أو إثارة الرأي العام. يجب على المشتكي الإلمام بهذه المواد أو الاستعانة بمحامٍ لتحديد المادة القانونية المناسبة لوصف الجرم المرتكب.

دور النيابة العامة في مثل هذه القضايا

النيابة العامة هي الجهة المختصة بالتحقيق في الجرائم وتقديم مرتكبيها للمحاكمة. في قضايا المنشورات المحرضة، تتلقى النيابة الشكاوى والبلاغات، وتقوم بجمع الأدلة، واستدعاء الشهود، واستجواب المتهمين، وإحالتهم إلى المحكمة المختصة إذا ثبتت إدانتهم. يتطلب هذا الدور من النيابة خبرة في التعامل مع الجرائم الإلكترونية، والقدرة على تتبع مصادر المنشورات وتحديد المسؤولين عنها، بالتعاون مع جهات التحقيق الفنية مثل مباحث الإنترنت.

خطوات عملية لتقديم الشكوى للنيابة العامة (الطريقة الأولى: البلاغ المباشر)

جمع الأدلة والإثباتات

قبل التوجه إلى النيابة العامة، يجب جمع كافة الأدلة التي تثبت واقعة التحريض. يشمل ذلك لقطات شاشة (Screenshots) للمنشورات المحرضة مع إظهار تاريخ ووقت النشر واسم الحساب الناشر، وروابط (URLs) المنشورات والصفحات التي تحتوي عليها. يجب أن تكون هذه الأدلة واضحة وغير قابلة للتلاعب. يفضل طباعة هذه الأدلة والاحتفاظ بنسخ رقمية منها، ويفضل أن تتم هذه العملية من مصدر موثوق لا يترك مجالًا للشك في صحة الأدلة.

كما يجب توثيق أي تأثيرات سلبية ناتجة عن هذه المنشورات، مثل رسائل تهديد، أو تعليقات تحريضية أخرى، أو أي ضرر مادي أو معنوي قد لحق بالمشتكي أو بغيره نتيجة لهذه المنشورات. إذا كان هناك شهود على واقعة النشر أو تأثيرها، يجب تدوين أسمائهم وبيانات الاتصال بهم ليمكن للنيابة استدعائهم عند الحاجة.

كتابة صيغة الشكوى (عناصر أساسية)

يجب أن تتضمن الشكوى بيانات المشتكي كاملة (الاسم، الرقم القومي، العنوان، رقم الهاتف)، وبيانات المشكو في حقه (إن وجدت، مثل اسم الحساب، رابط الصفحة)، وتاريخ واقعة النشر ومكانها (المنصة الإلكترونية). كما يجب أن تتضمن شرحًا مفصلاً للمنشورات المحرضة، وكيف أنها تخالف القانون، والأضرار التي سببتها. يجب صياغة الشكوى بلغة واضحة ومباشرة، مع الإشارة إلى المواد القانونية ذات الصلة إن أمكن، وتقديم طلب صريح بالتحقيق في الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

صيغة الشكوى يجب أن تكون رسمية وموجهة إلى السيد المستشار المحامي العام للنيابة المختصة (على سبيل المثال، نيابة الشؤون المالية والتجارية، أو نيابة الإنترنت). يجب أن تتضمن أيضًا قائمة بالمرفقات (الأدلة التي تم جمعها). يفضل مراجعة صيغة الشكوى من قبل محامٍ لضمان استيفائها كافة الشروط القانونية وتغطيتها لجميع الجوانب الضرورية لدعم القضية.

إجراءات تقديم الشكوى في النيابة العامة

بعد إعداد الشكوى وجمع الأدلة، يتم التوجه إلى مقر النيابة العامة المختصة (نيابة أمن الدولة العليا، أو النيابة الكلية التابع لها محل إقامتك، أو نيابة الشؤون المالية والتجارية حسب طبيعة الجريمة). يتم تقديم الشكوى والمرفقات لمكتب تلقي الشكاوى، ويتم قيدها برقم. قد يُطلب منك الإدلاء بأقوالك الأولية أمام أحد وكلاء النيابة. يجب الحرص على تقديم المعلومات بدقة ووضوح.

متابعة البلاغ

بعد تقديم الشكوى، من الضروري متابعة سير التحقيق. يمكن الاستفسار عن حالة البلاغ باستخدام الرقم الذي تم قيده به. قد تستدعي النيابة المشتكي مرة أخرى لتقديم المزيد من الإيضاحات أو الأدلة. تتيح المتابعة المستمرة للمشتكي معرفة مدى التقدم في التحقيق، وما إذا كانت هناك حاجة لتقديم دعم إضافي أو مستندات جديدة، مما يضمن عدم إهمال البلاغ ووصوله إلى مراحله النهائية.

طرق بديلة لتقديم البلاغات (الطريقة الثانية: البلاغ الإلكتروني)

التبليغ عبر مباحث الإنترنت (الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات)

بالإضافة إلى البلاغ المباشر للنيابة، يمكن تقديم بلاغ إلكتروني لمباحث الإنترنت (الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية). هذه الإدارة متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية وتتبع مرتكبيها. يمكن زيارة مقر الإدارة أو استخدام قنوات التواصل الإلكترونية (إن وجدت) لتقديم البلاغ. يتطلب هذا النوع من البلاغات أيضًا جمع الأدلة الرقمية بنفس الدقة المطلوبة للشكاوى المباشرة.

عند تقديم بلاغ لمباحث الإنترنت، يتم تزويدهم بكافة التفاصيل والأدلة الرقمية. تقوم الإدارة بعد ذلك بإجراء تحرياتها الفنية لتتبع مصدر المنشورات وتحديد هوية الفاعل. بعد الانتهاء من التحريات، يتم إحالة المحضر إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. هذه الطريقة غالبًا ما تكون أسرع وأكثر فعالية في تتبع الجرائم الإلكترونية المعقدة.

استخدام المنصات الحكومية المخصصة

في بعض الأحيان، قد توفر الجهات الحكومية أو الأمنية منصات إلكترونية مخصصة لتلقي البلاغات عن أنواع معينة من الجرائم الإلكترونية، بما في ذلك التحريض. يجب البحث عن هذه المنصات والتحقق من مدى صلاحيتها وفعاليتها. غالبًا ما تتطلب هذه المنصات إنشاء حساب وتقديم البلاغ عبر نموذج إلكتروني مع إرفاق الأدلة الرقمية. توفر هذه المنصات وسيلة سهلة ومباشرة للمواطنين للإبلاغ عن المحتوى الضار دون الحاجة للتوجه الشخصي إلى مقرات الجهات الرسمية.

يجب التأكد من أن المنصة التي يتم استخدامها هي جهة رسمية وموثوقة لضمان سرية البيانات وفاعلية البلاغ. عند استخدام هذه المنصات، يجب قراءة التعليمات بعناية والتأكد من تقديم كافة المعلومات المطلوبة بدقة. هذه الطريقة تُعد خيارًا ممتازًا للأشخاص الذين يجدون صعوبة في الوصول إلى النيابة العامة أو مباحث الإنترنت بشكل مباشر.

نصائح إضافية لضمان فعالية الشكوى

الدقة والوضوح في المعلومات

تُعد الدقة والوضوح في تقديم المعلومات أمرًا حاسمًا لنجاح أي شكوى. يجب التأكد من أن جميع البيانات المقدمة صحيحة وموثقة، وأن الوصف المقدم للمنشورات المحرضة والأضرار الناتجة عنها لا يدع مجالًا للبس. الأخطاء أو التناقضات في المعلومات قد تؤدي إلى تأخير التحقيق أو حتى رفض الشكوى. لذلك، يجب مراجعة كل تفصيلة بدقة قبل تقديم البلاغ لضمان سير الإجراءات بسلاسة.

أهمية التوثيق المستمر

نظرًا للطبيعة المتغيرة للمحتوى الرقمي، قد يتم حذف المنشورات المحرضة بعد فترة من نشرها. لذا، من الضروري التوثيق المستمر لأي محتوى تحريضي يتم رصده، والاحتفاظ بنسخ متعددة من الأدلة. يمكن استخدام أدوات لقطات الشاشة المتعددة أو تسجيلات الشاشة لحفظ المحتوى. كلما كانت الأدلة موثقة بشكل أفضل وأسرع، زادت فرص استخدامها بنجاح في التحقيقات.

الاستعانة بمحامٍ متخصص (عند الضرورة)

في القضايا المعقدة أو عندما تكون الأضرار جسيمة، قد يكون من الضروري الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الجرائم الإلكترونية والقانون الجنائي. يمتلك المحامي الخبرة القانونية اللازمة لصياغة الشكوى بشكل احترافي، وجمع الأدلة، ومتابعة الإجراءات في النيابة والمحاكم. يمكن للمحامي أيضًا تقديم المشورة القانونية اللازمة وضمان حماية حقوق المشتكي طوال فترة التحقيق والمحاكمة.

التوعية المجتمعية والوقاية

لا يقتصر الحل على تقديم الشكاوى، بل يمتد ليشمل التوعية المجتمعية بأخطار المنشورات المحرضة وكيفية التعامل معها. نشر الوعي حول أهمية الإبلاغ عن المحتوى الضار، وتعزيز الثقافة القانونية الرقمية، يمكن أن يساهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة. الوقاية خير من العلاج، فتعليم الأفراد كيفية التعرف على المحتوى التحريضي وتجنب التفاعل معه هو خطوة أساسية لحماية المجتمع.

نماذج وإرشادات لصياغة الشكوى (مثال تطبيقي)

نموذج هيكلي لشكوى

السيد المستشار / المحامي العام لنيابة [اسم النيابة المختصة]
تحية طيبة وبعد،
مقدمه لسيادتكم / [اسم المشتكي]، الجنسية [مصري]، رقم قومي [………………..]، ومقيم [العنوان تفصيلاً].
ضد / [اسم المشكو في حقه إن وجد، أو وصف الحساب/الصفحة]، معرف الحساب [………………..]، رابط الصفحة [………………..].
الموضوع: شكوى وبلاغ عن جريمة ترويج منشورات محرضة.
بتاريخ [تاريخ النشر]، قام المشكو في حقه بنشر [وصف المنشور المحرض] على [اسم المنصة الإلكترونية]، والذي يحمل رابط [رابط المنشور]. وقد تسبب هذا المنشور في [شرح الأضرار].
بناءً عليه، التمس من سيادتكم التحقيق في هذه الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المشكو في حقه.
المرفقات: [قائمة الأدلة المرفقة].
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
المشتكي / [توقيع المشتكي]
التاريخ: [تاريخ اليوم]

هذا النموذج هو إرشادي ويمكن تعديله ليتناسب مع تفاصيل كل حالة. من المهم جداً إضافة كل التفاصيل التي يمكن أن تدعم موقفك وتجعل الشكوى أكثر قوة وفاعلية. يجب أن تكون اللغة المستخدمة في الشكوى رسمية ومحترمة، مع التركيز على الحقائق والأدلة الموثقة.

نقاط يجب التركيز عليها

عند صياغة الشكوى، ركز على النقاط التالية: وصف دقيق للمحتوى المحرض، توضيح كيف يخالف هذا المحتوى القانون (بالإشارة للمواد إن أمكن)، بيان الضرر الذي وقع (نفسي، مادي، مجتمعي)، وتحديد هوية المشكو في حقه أو وسيلة التعرف عليه. يجب أن تكون الشكوى موجزة ومركزة على القضية الأساسية، مع تجنب الإسهاب في تفاصيل غير ضرورية قد تشتت الانتباه عن جوهر البلاغ.

الأخطاء الشائعة الواجب تجنبها

تجنب الأخطاء الشائعة مثل: عدم جمع أدلة كافية أو توثيقها بشكل سليم، استخدام لغة غير رسمية أو عاطفية في الشكوى، عدم تحديد المواد القانونية ذات الصلة بشكل دقيق (إن أمكن)، أو الإغفال عن متابعة البلاغ بعد تقديمه. كما يجب تجنب الاتهامات غير المدعومة بأدلة، والتركيز على الحقائق المثبتة فقط. هذه الأخطاء يمكن أن تضعف موقف الشكوى وتقلل من فرص نجاحها في التحقيقات.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock