الإجراءات القانونيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامةمحكمة الجنايات

الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان المضبوط فيه المخدر

الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان المضبوط فيه المخدر


تعزيز موقف الدفاع في قضايا المخدرات: استراتيجيات عملية وإجراءات قانونية


يُعد الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان الذي ضُبط فيه المخدر من أهم الدفوع الجوهرية التي يمكن أن تؤدي إلى براءة المتهم في قضايا المخدرات. هذا الدفع يستند إلى مبدأ أن مجرد وجود المخدر في مكان ما لا يكفي لإدانة شخص ما، بل يجب إثبات سيطرة المتهم الفعلية أو المعنوية على هذا المكان أو علمه اليقيني بوجود المخدر. فهم آليات هذا الدفع وكيفية تقديمه بشكل فعال هو حجر الزاوية للدفاع الناجح. سنقدم في هذا المقال طرقًا متعددة لتقديم هذا الدفع ودعمه قانونيًا.

ماهية الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان المضبوط فيه المخدر


تعريف الدفع وأساسه القانوني

الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان المضبوط فيه المخدرالدفع بانتفاء الصلة يعني أن المتهم لم يكن له أي ارتباط أو سيطرة على المكان الذي وُجد فيه المخدر، سواء كان هذا المكان مسكنه، سيارته، مكان عمله، أو أي موقع آخر. يهدف هذا الدفع إلى نفي الركن المادي للجريمة، وهو حيازة أو إحراز المخدر، لأن الحيازة لا يمكن أن تُنسب للمتهم إذا لم يثبت ارتباطه بالمكان أو علمه بالمخدر علمًا يقينيًا. هذا المبدأ يحمي المتهمين من الإدانة بناءً على مجرد التواجد في مكان الضبط.

يستند هذا الدفع إلى مبادئ قانونية راسخة تتعلق بضرورة قيام الدليل اليقيني على ارتكاب الجريمة. فمجرد المصادفة أو الوجود العرضي لا يكفي لإثبات التهمة الجنائية. يتطلب القانون أن يكون هناك دليل قاطع يربط المتهم بالمخدر والمكان الذي ضُبط فيه، بحيث ينتفي أي شك معقول حول ملكية المتهم للمخدر أو سيطرته عليه. وتتحمل النيابة العامة عبء إثبات هذا الارتباط بشكل لا يدع مجالًا للشك.

طرق تقديم الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان


الطريقة الأولى: تحليل محضر الضبط وأقوال الشهود

تبدأ هذه الطريقة بالتدقيق الشديد في محضر الضبط الرسمي، والبحث عن أي ثغرات أو تناقضات قد تدعم انتفاء الصلة بين المتهم والمخدر. يجب مراجعة وصف المكان بدقة متناهية، وزمن الضبط الفعلي، والأشخاص الحاضرين وقت الضبط، وهل كانوا شهودًا على الواقعة أم لا. كذلك، تُحلل أقوال ضابط الواقعة وشهود الإثبات للبحث عن أي تضارب أو عدم اتساق مع واقعة انتفاء الصلة. يجب التركيز على تفاصيل كيفية العثور على المخدر ومن كان حاضراً لحظة العثور عليه.

على سبيل المثال، إذا ذكر المحضر أن المخدر وُجد في مكان عام أو مكان يتردد عليه العديد من الأشخاص دون تمييز، أو في جزء من المسكن لا يخص المتهم مباشرة (كأن يكون مكانًا مشتركًا)، فهذا يُعد نقطة قوية لدعم الدفع. كما يجب التحقق مما إذا كان الضبط قد تم في غياب المتهم، أو دون تفتيش قانوني سليم ومأذون به، مما يؤثر على شرعية الإجراءات برمتها ويبطلها. هذه المراجعة الدقيقة هي حجر الزاوية في بناء الدفع.

الطريقة الثانية: إثبات عدم السيطرة الفعلية أو المعنوية

يتطلب هذا الحل تقديم أدلة تثبت أن المتهم لم يكن لديه سيطرة فعلية أو معنوية على المكان الذي وُجد فيه المخدر. يمكن أن يشمل ذلك تقديم شهادة شهود يؤكدون أن المتهم لم يكن مقيمًا في المكان، أو لم يكن موجودًا وقت الضبط، أو أن المكان يخص شخصًا آخر معروفًا. كما يمكن تقديم عقود إيجار، فواتير كهرباء أو مياه، أو أي مستندات رسمية تثبت ملكية أو إيجار المكان لشخص آخر غير المتهم أو تثبت عدم إقامته فيه. هذه المستندات تعزز الدفع بشكل كبير.

السيطرة المعنوية تعني العلم بوجود المخدر والقدرة على التصرف فيه بشكل إرادي. إذا لم يثبت هذا العلم أو هذه القدرة للمتهم، فإن الدفع يكون قويًا ومعززًا. يمكن للمحامي إثبات أن المتهم لم يكن لديه أي علم بوجود المخدر، وأن وجوده كان عرضيًا أو غير مقصود، خاصة إذا كان المكان مفتوحًا، أو مشتركًا مع آخرين، أو ليس له حراسة مشددة. هذا الجانب يعتمد على التحقيق في ظروف الاكتشاف.

الطريقة الثالثة: الدفع ببطلان إجراءات الضبط والتفتيش

في بعض الحالات، يمكن أن يكون انتفاء الصلة مرتبطًا ببطلان الإجراءات التي أدت إلى ضبط المخدرات. إذا تم التفتيش دون إذن نيابة عامة في غير حالات التلبس الواضحة والصريحة، أو إذا كان الإذن باطلاً لعدم كفايته أو لصدوره بشأن مكان آخر غير الذي تم تفتيشه، فإن كل ما ترتب على هذا التفتيش الباطل يكون باطلاً بطلانًا مطلقًا. هذا يشمل المخدر المضبوط نفسه، وبالتالي تنتفي صلة المتهم به قانونًا. البطلان الإجرائي يسقط الدليل.

يجب على المحامي مراجعة كافة الإجراءات بدءًا من إذن التفتيش (إن وجد) وحتى تحريز المضبوطات. أي مخالفة إجرائية، مثل عدم وجود شهود للتفتيش حيث يتطلب القانون ذلك، أو تفتيش أنثى بواسطة رجل (في بعض التشريعات)، أو التفتيش في غير الأوقات المحددة قانونًا، يمكن أن يؤدي إلى بطلان الإجراءات برمتها. هذا البطلان يؤدي بدوره إلى سقوط دليل الاتهام الرئيسي، وهو المخدر، ويقوي الدفع بانتفاء الصلة، وقد يؤدي إلى البراءة حتمًا.

عناصر إضافية لتوفير حلول منطقية وبسيطة للإلمام بكافة الجوانب


الدفع بشيوع الحيازة

إذا كان المكان المضبوط فيه المخدر يرتاده أو يقطنه أكثر من شخص، يمكن الدفع بشيوع الحيازة. هذا يعني أن المخدر لا يمكن نسبته لشخص واحد بعينه دون دليل قاطع يربطه به. فالمشاعية في المكان تمنع إسناد حيازة المخدر لشخص دون الآخرين، ما لم يثبت بشكل لا يقبل الشك أن المتهم هو صاحب المخدر أو المسيطر عليه سيطرة حصرية. هذا الدفع شائع في القضايا التي تضبط فيها المخدرات في مساكن مشتركة.

هذا الدفع يتطلب إثبات أن المكان مشترك، مثل شقة يسكنها عدة أفراد، أو سيارة يملكها ويستخدمها أكثر من شخص، أو مكتب مشترك. المحكمة في هذه الحالة تميل إلى عدم إدانة شخص بعينه إذا لم يكن هناك دليل مباشر وقاطع يربطه بالمخدر دون سائر المتواجدين أو المنتفعين بالمكان. يهدف هذا الدفع إلى خلق شك معقول في إسناد الحيازة للمتهم دون غيره، مما يؤدي إلى عدم كفاية الأدلة للإدانة.

عدم وجود بصمات للمتهم على المخدر أو وعائه

من الأدلة المادية الهامة التي يمكن أن تدعم الدفع بانتفاء الصلة، هو عدم العثور على بصمات أصابع المتهم على لفافة المخدر أو الوعاء الذي كان يحويه. يُعد هذا الدليل سلبيًا ولكنه قوي وحاسم، حيث يشير إلى أن المتهم لم يقم بمسك المخدر أو التعامل معه بشكل مباشر. يمكن طلب تقرير الطب الشرعي الرسمي لإثبات ذلك وتقديمه كدليل دامغ أمام المحكمة. غياب البصمات يعزز فرضية عدم الارتباط المادي.

بالإضافة إلى البصمات، يمكن الاستعانة بتحليل الحمض النووي (DNA) إذا كانت هناك آثار بيولوجية على المضبوطات، للتأكد من عدم وجود أي رابط مادي بين المتهم والمخدرات. هذه الأدلة العلمية غالبًا ما تكون حاسمة في دعم موقف الدفاع ونفي التهمة بشكل قاطع. يجب على الدفاع طلب هذه الفحوصات الجنائية لتعزيز الدفع بانتفاء الصلة وتفنيد أدلة الاتهام قدر الإمكان.

الخلو من القرائن والروابط الأخرى

يجب التأكيد على أن المتهم يخلو من أي قرائن أخرى تربطه بالمخدر أو بترويجه، مثل عدم وجود مبالغ مالية كبيرة غير مبررة في حيازته، عدم وجود أدوات تعاطي أو مقاييس وزن، عدم وجود أسماء أو هواتف مرتبطة بتجار المخدرات في هاتفه أو سجلاته. هذه القرائن يمكن أن تدعم الاتهام بشكل مباشر أو غير مباشر، وغيابها يدعم الدفع بانتفاء الصلة ويعزز موقف الدفاع. كلما خلت أوراق القضية من هذه القرائن، زادت قوة الدفع.

البحث عن أي ضعف في سلسلة الأدلة، من لحظة الضبط وحتى تقديم القضية للمحكمة، هو أمر حيوي وحاسم. كلما تمكن الدفاع من إزالة الروابط المحتملة بين المتهم والمخدر، زادت قوة الدفع بانتفاء الصلة، وازدادت احتمالية حصول المتهم على حكم بالبراءة. الدفاع الفعال يستلزم تفنيد كل دليل مقدم من النيابة العامة وتقديم أدلة مضادة تنفي التهمة وتبرئ ساحة المتهم.

الخلاصة والتوصيات


إعداد دفاع شامل ومحكم

إن الدفع بانتفاء صلة المتهم بالمكان المضبوط فيه المخدر يتطلب إعدادًا دقيقًا ودفاعًا شاملاً يعتمد على تحليل شامل للوقائع والأدلة والإجراءات القانونية المتبعة. يجب على المحامي دراسة كل جزئية في القضية، بدءًا من محضر الضبط وصولًا إلى تقارير الخبراء وشهادات الشهود، لضمان عدم وجود أي ثغرات أو نقاط ضعف يمكن استغلالها من قبل النيابة العامة أو المحكمة. الدقة والشمولية هما مفتاح النجاح.

لا يكفي مجرد ترديد هذا الدفع بشكل شفوي، بل يجب تدعيمه بالأدلة والقرائن والبراهين المادية والقانونية التي تنفي السيطرة أو الارتباط بين المتهم والمخدر. كلما كانت الأدلة قوية ومقنعة ومنطقية، زادت فرص قبول الدفع من قبل المحكمة والحصول على البراءة للمتهم. الاستعانة بخبراء في المجالات الفنية (مثل البصمات والحمض النووي) والقانونية يمكن أن يكون له أثر كبير في تعزيز هذا الدفع ونجاحه، مما يؤكد أن الدفاع الفعال هو الحل الأمثل.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock