الجرائم الالكترونيةالقانون المصريالمحاكم الاقتصاديةجرائم الانترنتمحكمة الجنح

اختصاص محكمة الجنح الاقتصادية بنظر جرائم الإنترنت

اختصاص محكمة الجنح الاقتصادية بنظر جرائم الإنترنت

فهم الإطار القانوني لجرائم الإنترنت في مصر

في عصر تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، أصبحت جرائم الإنترنت تحديًا قانونيًا واجتماعيًا يواجه العديد من الدول، ومصر ليست استثناءً. مع تزايد الاعتماد على الفضاء الإلكتروني في شتى مناحي الحياة، ظهرت أنماط جديدة من الجرائم تتطلب استجابة قانونية متخصصة وفعالة.
يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه محكمة الجنح الاقتصادية في التصدي لهذه الجرائم المعقدة. سنستعرض الآليات القانونية التي تمكن هذه المحكمة من بسط ولايتها على الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت، مع التركيز على أهمية فهم هذه الاختصاصات للمتضررين والمهتمين بالشأن القانوني.
يهدف المقال إلى تقديم رؤية شاملة وواضحة حول كيفية عمل النظام القضائي المصري في مواجهة هذه الظاهرة، وتقديم إرشادات عملية للتعامل معها.

مفهوم جرائم الإنترنت وتطورها في القانون المصري

تعريف جرائم الإنترنت وأنواعها

اختصاص محكمة الجنح الاقتصادية بنظر جرائم الإنترنت
جرائم الإنترنت، أو الجرائم السيبرانية، هي أي فعل غير مشروع يتم ارتكابه باستخدام شبكة الإنترنت أو أنظمة الحاسب الآلي كأداة رئيسية، أو يكون الهدف منها هذه الأنظمة والبيانات. تشمل هذه الجرائم نطاقًا واسعًا من الأفعال، بدءًا من النصب والاحتيال الإلكتروني وصولًا إلى اختراق البيانات والابتزاز والسب والقذف عبر الإنترنت.
ما يميز هذه الجرائم هو طابعها العابر للحدود، وصعوبة تتبع مرتكبيها أحيانًا، والطبيعة التقنية المعقدة لأدوات ارتكابها. هذا التعقيد يتطلب جهودًا تشريعية وقضائية متخصصة لمكافحتها بفعالية.
لقد تطورت أنواع الجرائم بشكل مستمر مع تطور التكنولوجيا، مما يستلزم تحديثًا مستمرًا للقوانين والآليات القضائية.

التطور التشريعي المصري في مواجهة الجرائم الإلكترونية

أدركت الدولة المصرية أهمية التصدي لجرائم الإنترنت، مما دفعها لإصدار قوانين وتشريعات متخصصة. كان أبرز هذه التشريعات هو قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. هذا القانون جاء لسد الفراغ التشريعي في مواجهة الأفعال الإجرامية الحديثة.
لقد نص القانون على تجريم العديد من الأفعال التي لم تكن مجرمة صراحة من قبل، وحدد العقوبات المقررة لها. كما وضع آليات للتعامل مع الأدلة الرقمية وكيفية جمعها وتقديمها في المحاكم.
قبل هذا القانون، كانت بعض الجرائم تعالج في إطار القوانين العامة مثل قانون العقوبات، ولكن الطبيعة المتخصصة لجرائم الإنترنت استدعت تشريعًا خاصًا يراعي خصائصها.

الأساس القانوني لاختصاص المحاكم الاقتصادية

دور المحاكم الاقتصادية في نظر جرائم الإنترنت

تتمتع المحاكم الاقتصادية في مصر باختصاص نوعي لنظر الدعاوى المتعلقة بجرائم الإنترنت، وذلك بموجب قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008، وتعديلاته التي تضمنت توسيع نطاق اختصاصها. الهدف من إنشاء هذه المحاكم هو توفير قضاء متخصص وسريع للفصل في النزاعات ذات الطبيعة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
مع تزايد الجرائم الإلكترونية ذات الطابع المالي والاقتصادي، بات من الضروري إسناد مهمة الفصل فيها إلى جهة قضائية متخصصة تملك الخبرة في التعامل مع المسائل التقنية والمالية المعقدة. هذا يضمن تحقيق العدالة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية.
تُعد محاكم الجنح الاقتصادية جزءًا لا يتجزأ من هذه المنظومة القضائية المتخصصة، حيث تنظر في الجرائم التي تحمل وصف الجنحة.

القانون رقم 146 لسنة 2019 وتوسع الاختصاص

صدر القانون رقم 146 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية. هذا التعديل كان محوريًا في توسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية لتشمل جرائم تقنية المعلومات المشار إليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
بموجب هذا التعديل، أصبحت محاكم الجنح الاقتصادية هي المختصة بنظر الجنح المتعلقة بجرائم الإنترنت. هذا الإجراء يعكس وعي المشرع بضرورة توحيد جهة الاختصاص لضمان سرعة الفصل في هذه القضايا وتخصص القضاة الذين يتولون نظرها.
يهدف التعديل إلى تبسيط الإجراءات القضائية، وتقديم حلول سريعة وفعالة للمتضررين من هذه الجرائم.

أنواع جرائم الإنترنت التي تختص بها المحاكم الاقتصادية

الجرائم المالية والنصب الإلكتروني

تختص محاكم الجنح الاقتصادية بالنظر في جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني، مثل عمليات التصيد الاحتيالي (Phishing)، وانتحال الشخصية للاحتيال المالي، أو الاحتيال المتعلق بالبطاقات الائتمانية عبر الإنترنت. هذه الجرائم غالبًا ما تنطوي على أضرار مالية مباشرة للمجني عليه.
كما تشمل الجرائم المتعلقة بإنشاء المواقع الوهمية لجمع البيانات الشخصية والبنكية بقصد السرقة أو الاحتيال. هذه الجرائم تتطلب خبرة قضائية في تتبع المعاملات المالية الرقمية وتحليلها.
التعامل مع هذه القضايا يتطلب فهمًا عميقًا للآليات التقنية المستخدمة في ارتكاب الجريمة، بالإضافة إلى الجوانب القانونية المتعلقة بها.

جرائم السب والقذف والابتزاز الإلكتروني

تشمل اختصاصات المحكمة أيضًا جرائم السب والقذف التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة من وسائل تقنية المعلومات. كما تتولى نظر قضايا الابتزاز الإلكتروني، حيث يتم تهديد الضحية بنشر معلومات أو صور شخصية مقابل فدية أو تحقيق مكاسب أخرى.
هذه الجرائم تؤثر بشكل كبير على سمعة الأفراد وحياتهم الشخصية، وتتطلب تدخلًا قضائيًا سريعًا لحماية الضحايا.
يتم التعامل مع هذه القضايا وفقًا لأحكام قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذي يحدد العقوبات المناسبة لهذه الأفعال.

جرائم اختراق الأنظمة والشبكات

جرائم الدخول غير المشروع إلى أنظمة الحاسب الآلي أو الشبكات المعلوماتية، أو اختراق المواقع الإلكترونية، أو تعطيل عمل الخوادم، تندرج ضمن اختصاص المحاكم الاقتصادية. هذه الأفعال تهدف غالبًا إلى سرقة البيانات، أو التجسس، أو إلحاق الضرر بالأنظمة.
يتطلب التحقيق في هذه الجرائم خبرة فنية عالية في مجال أمن المعلومات والقرصنة الإلكترونية. المحكمة تستعين بالخبراء المتخصصين في هذه المجالات لفك شفرة الأدلة الرقمية وتقديم تقارير فنية دقيقة.
الحماية من هذه الجرائم تتطلب رفع الوعي الأمني الرقمي لدى الأفراد والمنشآت على حد سواء.

إجراءات التقاضي أمام محكمة الجنح الاقتصادية

كيفية الإبلاغ عن جرائم الإنترنت وجمع الأدلة

تعتبر الخطوة الأولى في التعامل مع جريمة الإنترنت هي الإبلاغ عنها. يمكن للمتضرر التوجه إلى أقرب قسم شرطة أو مباحث الإنترنت لتقديم بلاغ رسمي. يجب على المبلغ أن يقدم كل الأدلة المتاحة لديه، مثل لقطات الشاشة، الرسائل، الروابط، وأي معلومات أخرى تدعم الشكوى.
الأدلة الرقمية حساسة للغاية، ويجب جمعها وحفظها بطريقة تضمن سلامتها وقانونيتها حتى تكون مقبولة أمام المحكمة. ينصح بالاستعانة بالمتخصصين أو الخبراء في جمع الأدلة الرقمية لضمان صحتها.
بعد تقديم البلاغ، تتولى النيابة العامة التحقيق في الواقعة وجمع المزيد من الأدلة.

مراحل التحقيق والمحاكمة

بعد الإبلاغ، تبدأ النيابة العامة المختصة بالتحقيق في الواقعة، حيث تقوم بسماع أقوال المجني عليه والشهود، وطلب التحريات من الجهات المختصة (مثل مباحث الإنترنت). كما يمكنها انتداب خبراء فنيين لفحص الأدلة الرقمية وتحليلها.
إذا أسفر التحقيق عن أدلة كافية على ارتكاب الجريمة، تحيل النيابة العامة المتهم إلى محكمة الجنح الاقتصادية. تبدأ المحاكمة بجلسات يتم فيها عرض الأدلة وسماع مرافعة الدفاع والاتهام.
تتسم إجراءات المحاكمة أمام المحاكم الاقتصادية بالسرعة والفعالية، نظرًا للطبيعة المتخصصة لهذه القضايا.

النيابة العامة ودورها في التحقيق

تلعب النيابة العامة دورًا حيويًا ومحوريًا في مسار القضايا الجنائية المتعلقة بجرائم الإنترنت. هي الجهة المنوط بها التحقيق الابتدائي، وجمع الاستدلالات، والتأكد من توافر الأدلة الكافية لإحالة المتهمين للمحاكمة.
تستخدم النيابة العامة صلاحياتها في إصدار الأوامر القضائية بالتحفظ على البيانات، وتفتيش الأجهزة، وطلب المعلومات من مزودي الخدمات. كما تتعاون مع الجهات الأمنية المتخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية لضمان سير التحقيقات بكفاءة.
دورها يمتد ليشمل الإشراف على تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة، والعمل على حماية حقوق الأفراد والمجتمع.

التحديات والحلول المقترحة في مكافحة جرائم الإنترنت

صعوبات الإثبات الرقمي وتحديات الاختصاص

من أبرز التحديات التي تواجه قضايا جرائم الإنترنت هي صعوبة الإثبات الرقمي. الأدلة الرقمية يمكن التلاعب بها بسهولة، وقد تختفي أو تتغير بسرعة، مما يجعل عملية جمعها وتحليلها تتطلب تقنيات متقدمة وخبرات متخصصة.
كما أن الطبيعة العابرة للحدود لجرائم الإنترنت تثير تحديات تتعلق بالاختصاص القضائي، خاصة عندما يكون الجاني أو الخادم المستخدم في دولة أخرى. هذا يتطلب تعاونًا دوليًا وتبادلًا للمعلومات بين الدول.
تلك الصعوبات تتطلب تطوير آليات قانونية وتقنية مستمرة لمواجهتها بفعالية.

حلول عملية للتغلب على التحديات

لمواجهة التحديات، يجب تعزيز القدرات الفنية والقانونية للعاملين في النيابة والمحاكم والجهات الأمنية من خلال التدريب المتخصص في مجال الأدلة الرقمية والتحقيقات الجنائية الرقمية. هذا يشمل تدريب القضاة وأعضاء النيابة على كيفية فهم الأدلة التقنية وتقييمها.
كما يجب تعزيز التعاون الدولي بين الدول لتبادل المعلومات والمساعدة القانونية في القضايا العابرة للحدود. توقيع الاتفاقيات الدولية والمشاركة في المنظمات المتخصصة أمر ضروري.
تطوير التشريعات بشكل مستمر لمواكبة التطورات التكنولوجية وأنماط الجرائم المستحدثة يعد حلاً آخر لضمان فاعلية النظام القانوني.

التوعية القانونية ودورها في الوقاية

تعد التوعية القانونية للمواطنين والشركات من أهم الحلول الوقائية لمكافحة جرائم الإنترنت. يجب نشر الوعي بمخاطر هذه الجرائم وكيفية الوقاية منها، مثل أهمية استخدام كلمات مرور قوية، وتحديث برامج الحماية، والتحقق من مصادر المعلومات.
الوعي بالحقوق والواجبات القانونية يمكن أن يساعد الأفراد على تجنب الوقوع ضحايا لهذه الجرائم، أو معرفة كيفية التصرف بشكل صحيح في حال التعرض لها.
الحملات التوعوية المستمرة عبر وسائل الإعلام المختلفة والمنصات الرقمية يمكن أن تسهم بفعالية في بناء مجتمع رقمي أكثر أمانًا ووعيًا قانونيًا.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock