الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

الجرائم الجمركية: تهريب البضائع وأثرها على الاقتصاد الوطني

الجرائم الجمركية: تهريب البضائع وأثرها على الاقتصاد الوطني

فهم شامل لمخاطر التهريب الجمركي وسبل مواجهته القانونية والاقتصادية

تُعد الجرائم الجمركية، وعلى رأسها تهريب البضائع، من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصادات الوطنية في جميع أنحاء العالم. لا تقتصر آثارها السلبية على خسارة الإيرادات الحكومية فحسب، بل تمتد لتشمل تدمير الصناعات المحلية، وزعزعة استقرار الأسواق، وتهديد الأمن القومي. يستعرض هذا المقال تفصيلاً ماهية هذه الجرائم، أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، والإطار القانوني لمكافحتها، بالإضافة إلى تقديم حلول عملية وخطوات إجرائية للحد منها.

مفهوم الجرائم الجمركية وأنواعها

الجرائم الجمركية: تهريب البضائع وأثرها على الاقتصاد الوطنيتُعرف الجرائم الجمركية بأنها كل فعل أو امتناع عن فعل يُخالف القوانين واللوائح الجمركية، ويهدف إلى التهرب من دفع الرسوم والضرائب المستحقة على البضائع أو إدخال بضائع محظورة أو مقيدة إلى داخل البلاد أو إخراجها منها دون وجه حق. تشمل هذه الجرائم مجموعة واسعة من الأفعال التي تضر بالخزانة العامة والاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر.

يُعد التمييز بين أنواع الجرائم الجمركية أمراً ضرورياً لتحديد الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها والعقوبات المناسبة لكل منها. تتفاوت هذه الجرائم في حجمها ودرجة خطورتها، بدءاً من المخالفات البسيطة وصولاً إلى الجنايات المنظمة التي تتطلب جهوداً مكثفة لمكافحتها والتعاون الدولي.

تعريف التهريب الجمركي

التهريب الجمركي هو إدخال البضائع إلى البلاد أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة ودون سداد الرسوم الجمركية والضرائب المستحقة، أو بالمخالفة للقيود أو المحظورات المفروضة عليها قانوناً. يهدف المهربون من هذه الأفعال إلى تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب الدولة والمنافسين الشرعيين، مما يؤثر سلباً على بيئة الأعمال.

يشمل التهريب الجمركي أشكالاً متعددة، تتراوح بين إخفاء البضائع داخل وسائل النقل أو في أمتعة المسافرين، إلى التلاعب في المستندات والفواتير الجمركية، وصولاً إلى استخدام طرق سرية وغير معتادة لعبور الحدود. كل هذه الأساليب تهدف إلى التهرب من الرقابة الجمركية ودفع المستحقات للدولة.

أبرز صور التهريب الجمركي

تتخذ الجرائم الجمركية صوراً متعددة ومتجددة باستمرار. من أبرز هذه الصور تهريب المواد المخدرة والأسلحة والذخائر، وهي جرائم ذات بعد أمني خطير. كذلك، يشيع تهريب السلع الاستهلاكية والبضائع المقلدة والمغشوشة، مما يضر بالمستهلك والصناعة المحلية على حد سواء. كما يدخل ضمن التهريب التهرب من دفع الضرائب والرسوم الجمركية عن طريق التلاعب بقيم البضائع أو مواصفاتها.

تتضمن الصور الأخرى للتهريب الجمركي، إدخال مواد ممنوعة صحياً أو بيئياً، أو تهريب الآثار والتراث الثقافي، وكذلك تهريب العملات والذهب. تستخدم الشبكات الإجرامية طرقاً مبتكرة ومعقدة لتنفيذ هذه الأنشطة، مما يستدعي يقظة مستمرة وتطوير لآليات الرقابة والمكافحة الجمركية والأمنية بشكل دائم.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتهريب البضائع

لا تقتصر تداعيات تهريب البضائع على مجرد خسارة مالية للدولة، بل تمتد لتُلقي بظلالها على كافة جوانب الاقتصاد والمجتمع. يُعد الأثر الاقتصادي هو الأكثر وضوحاً، حيث يتسبب التهريب في نزيف مستمر للإيرادات الحكومية التي تُعد عصب تمويل الخدمات العامة والمشروعات التنموية. هذه الخسائر تضعف قدرة الدولة على الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية.

بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، يُحدث التهريب الجمركي تشوهات عميقة في النسيج الاجتماعي. فهو يُغذي الاقتصاد غير الرسمي، ويُشجع على انتشار الفساد، ويُضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، مما يُهدد استقرار المجتمع ووحدته. كما يساهم في انتشار الجريمة المنظمة وتجارة السلع غير المشروعة.

تآكل الإيرادات الحكومية

يُعد تآكل الإيرادات الحكومية من أهم وأخطر آثار التهريب الجمركي. فالرسوم والضرائب الجمركية تمثل مصدراً رئيسياً للدخل في العديد من الدول، وتهريب البضائع يعني عدم تحصيل هذه المستحقات. هذا النقص في الإيرادات يُعيق قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والبنية التحتية المتطورة.

تؤثر هذه الخسائر بشكل مباشر على الميزانية العامة للدولة، وتزيد من العجز المالي، وقد تدفع الحكومات إلى الاقتراض لتعويض النقص، مما يُثقل كاهل الأجيال القادمة بالديون. كما أن ضعف الإيرادات يحد من قدرة الدولة على تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ويزيد من الضغوط المالية عليها.

إضرار الصناعة الوطنية والمنافسة العادلة

يُلحق التهريب الجمركي ضرراً بالغاً بالصناعة الوطنية، حيث تدخل البضائع المهربة إلى السوق بأسعار أقل بكثير من المنتجات المحلية، وذلك لتهربها من الرسوم الجمركية والضرائب وتكاليف الإنتاج التي يتحملها المنتج الشرعي. هذا الوضع يخلق منافسة غير عادلة تضر بالمنتجين المحليين، وتُعيق نموهم، وقد تدفعهم إلى الإفلاس وتسريح العمالة.

بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تكون البضائع المهربة ذات جودة رديئة أو مقلدة، مما يُسيء لسمعة المنتجات الشرعية ويُفقد المستهلكين الثقة في السوق. يؤدي هذا التدهور إلى تراجع الاستثمارات في القطاع الصناعي، وتباطؤ عجلة التنمية الاقتصادية، مما يُفاقم مشكلة البطالة ويُقلل من فرص العمل المتاحة للشباب.

الآثار الاجتماعية والأمنية

تمتد آثار التهريب الجمركي إلى الجانب الاجتماعي والأمني، حيث يُغذي ظاهرة الفساد ويُشجع على انتشار الجريمة المنظمة. فشبكات التهريب تعتمد على الرشاوى والتواطؤ لتسهيل أنشطتها غير المشروعة، مما يُضعف مؤسسات الدولة ويُقوض سيادة القانون. كما أن التهريب يُعد أحد مصادر تمويل الأنشطة الإجرامية والإرهابية.

على الصعيد الاجتماعي، يؤدي التهريب إلى تزايد البطالة نتيجة إغلاق المصانع والشركات المحلية المتضررة، ويُساهم في تفاقم مشكلة الفقر. كما أن انتشار البضائع المقلدة وغير المطابقة للمواصفات الصحية قد يُشكل خطراً مباشراً على صحة وسلامة المستهلكين، ويزيد من الأعباء على النظام الصحي للدولة.

الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الجمركية في مصر

تولي مصر اهتماماً بالغاً لمكافحة الجرائم الجمركية، وقد وضعت إطاراً قانونياً متكاملاً يهدف إلى ردع المهربين وحماية الاقتصاد الوطني. يستند هذا الإطار إلى قوانين وتشريعات حديثة تتوافق مع المعايير الدولية، وتُحدد بوضوح الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، وتُمنح الأجهزة المختصة الصلاحيات اللازمة للتصدي لهذه الجرائم.

يشمل الإطار القانوني عدة تشريعات تُكمل بعضها البعض، ليس فقط القانون الجمركي ولكن أيضاً قوانين أخرى مثل قانون العقوبات وقوانين مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب، نظراً للترابط الوثيق بين هذه الجرائم. يهدف هذا التعدد التشريعي إلى سد كل الثغرات التي قد يستغلها المهربون.

القوانين والتشريعات المنظمة

يُعد قانون الجمارك رقم 207 لسنة 2020 هو التشريع الأساسي الذي يُنظم مكافحة الجرائم الجمركية في مصر. يحدد هذا القانون أنواع التهريب، ويُجرم الأفعال المرتبطة به، ويُقرر العقوبات الجنائية والمدنية على المخالفين. كما يُعزز من دور مصلحة الجمارك في الرقابة والتفتيش وتحصيل الرسوم المستحقة.

بالإضافة إلى قانون الجمارك، تُطبق نصوص قانون العقوبات على الجرائم الجمركية التي تتضمن أفعالاً إجرامية أخرى مثل التزوير أو الرشوة. كما تستفيد جهود المكافحة من قوانين مكافحة غسل الأموال التي تُلاحق الأموال الناتجة عن التهريب، وقوانين مكافحة الإرهاب عند ربط هذه الجرائم بتمويل الأنشطة الإرهابية. هذه المنظومة القانونية المتكاملة تُوفر أدوات قوية للردع.

صلاحيات الجمارك والنيابة العامة

تتمتع مصلحة الجمارك بصلاحيات واسعة في مجال مكافحة التهريب الجمركي، تشمل التفتيش على الأشخاص والبضائع ووسائل النقل، والضبط الإداري للمواد المهربة، وتحرير المحاضر اللازمة. كما يحق لرجال الجمارك في إطار عملهم، طلب المساعدة من الجهات الأمنية الأخرى لتنفيذ مهامهم، والوصول إلى المعلومات التي تُساعدهم في كشف جرائم التهريب.

تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف في قضايا الجرائم الجمركية، بعد استلام المحاضر من مصلحة الجمارك. تُباشر النيابة التحقيقات، وتُصدر أوامر الضبط والإحضار، وتُحيل المتهمين إلى المحاكم المختصة. تُعد النيابة العامة الشريك الرئيسي للجمارك في ضمان تطبيق القانون وتحقيق العدالة في قضايا التهريب.

العقوبات المقررة على جرائم التهريب

تتنوع العقوبات المقررة على جرائم التهريب الجمركي في مصر بين الغرامات المالية الكبيرة والسجن، وتُحدد شدة العقوبة بناءً على نوع البضاعة المهربة وقيمتها وخطورتها وتكرار المخالفة. فتهريب المواد المخدرة أو الأسلحة يُعاقب عليه بأشد العقوبات التي قد تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام.

بالنسبة لتهريب السلع الأخرى، تُفرض غرامات مالية تعادل أضعاف قيمة الرسوم الجمركية المستحقة، بالإضافة إلى عقوبات الحبس التي قد تصل لسنوات. كما يتم مصادرة البضائع المهربة ووسائل النقل المستخدمة في التهريب. تهدف هذه العقوبات الرادعة إلى تحقيق الردع العام والخاص، والحفاظ على حقوق الخزانة العامة، وحماية المجتمع من أضرار التهريب.

طرق عملية لمكافحة التهريب الجمركي والحد من آثاره

تتطلب مكافحة التهريب الجمركي اتباع استراتيجيات متعددة الأوجه تجمع بين الإجراءات القانونية والإدارية والتكنولوجية، بالإضافة إلى التعاون الإقليمي والدولي. لا يمكن الاكتفاء بأسلوب واحد، بل يجب العمل على كافة المحاور بشكل متزامن لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية في الحد من هذه الجرائم المعقدة والمتطورة.

إن تحقيق النجاح في مكافحة التهريب يتطلب رؤية شاملة وتنسيقاً مستمراً بين مختلف الأجهزة المعنية بالجمارك والأمن والمالية. يجب أن تُركز الجهود ليس فقط على اكتشاف التهريب بعد وقوعه، بل أيضاً على منعه والتنبؤ به، من خلال تحليل البيانات وتطوير القدرات البشرية والتكنولوجية.

تعزيز الرقابة والتكنولوجيا الحديثة

يُعد تعزيز الرقابة الجمركية وتوظيف التكنولوجيا الحديثة من أهم السبل لمكافحة التهريب. يشمل ذلك استخدام أجهزة المسح الضوئي المتقدمة (X-ray scanners) للكشف عن البضائع المخفية في الحاويات والشاحنات، وتطبيق أنظمة المراقبة بالكاميرات عالية الدقة، وأنظمة تتبع الشحنات بواسطة الأقمار الصناعية (GPS).

كما يُسهم استخدام أنظمة تحليل البيانات الضخمة (Big Data analytics) والذكاء الاصطناعي (AI) في تحديد الأنماط المشبوهة في حركة التجارة والمسافرين، مما يُمكن الجمارك من استهداف عمليات التفتيش بفاعلية أكبر وتقليل الوقت والجهد. هذه التقنيات تُعزز من قدرة رجال الجمارك على كشف محاولات التهريب المعقدة والمتخفية.

التعاون الدولي وتبادل المعلومات

نظراً للطبيعة العابرة للحدود لجرائم التهريب، يُعد التعاون الدولي وتبادل المعلومات أمراً حيوياً لمكافحتها بفاعلية. يجب تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية مثل منظمة الجمارك العالمية (WCO) والمنظمات الأمنية الدولية، لتبادل الخبرات والمعلومات حول أساليب التهريب الجديدة والشبكات الإجرامية.

كما يجب إبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأخرى لتبسيط إجراءات تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الشحنات المشبوهة والمتورطين في التهريب. هذا التعاون يُمكن الدول من تتبع مسارات التهريب الدولية وضرب الشبكات الإجرامية عابرة الحدود قبل وصول البضائع المهربة إلى أسواقها.

دور التوعية المجتمعية

لا يقل دور التوعية المجتمعية أهمية عن الإجراءات الأمنية والقانونية. يجب توعية الجمهور بأضرار التهريب الجمركي على الاقتصاد الوطني وعلى صحتهم وسلامتهم. تُسهم حملات التوعية في بناء ثقافة مجتمعية رافضة للتهريب وتُشجع المواطنين على الإبلاغ عن أي محاولات تهريب أو بيع سلع مهربة.

يمكن تحقيق ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، والمدارس، والمساجد، ومنظمات المجتمع المدني. عندما يُدرك المواطنون مدى خطورة التهريب وآثاره السلبية على حياتهم اليومية وعلى مستقبل أبنائهم، يصبحون جزءاً فعالاً من خط الدفاع الأول ضد هذه الجرائم، ويُساهمون في حماية مصالح الوطن.

إصلاح السياسات الاقتصادية والتجارية

يُمكن أن يُسهم إصلاح السياسات الاقتصادية والتجارية في الحد من حوافز التهريب. فتبسيط الإجراءات الجمركية، وخفض الرسوم الجمركية على بعض السلع، وتسهيل التجارة المشروعة، قد يُقلل من جاذبية التهريب للبعض. يجب مراجعة التعريفات الجمركية بصفة دورية لضمان توازنها وعدم كونها مُحفزاً رئيسياً للتهريب.

كما يُمكن أن تُساعد برامج دعم الصناعات المحلية وتوفير بيئة استثمارية جاذبة في زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي تقليل فرص التهريب. السياسات الاقتصادية السليمة تُخلق سوقاً تنافسية عادلة لا تترك مجالاً كبيراً للأنشطة غير المشروعة. يجب أن تكون هذه السياسات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية مكافحة التهريب الشاملة.

خطوات عملية لتقديم بلاغ عن تهريب جمركي

يُعد دور المواطنين في الإبلاغ عن حالات التهريب الجمركي أمراً حيوياً لمساعدة الأجهزة الرقابية في أداء مهامها. الإبلاغ الفعال والسريع عن معلومات دقيقة يُمكن أن يُساهم في كشف عمليات التهريب الكبرى قبل أن تُحدث أضراراً جسيمة. إن هذه الخطوات تضمن وصول المعلومات بشكل صحيح للجهات المختصة لمعالجتها.

لذا، من المهم أن يُدرك كل فرد كيفية تقديم بلاغ عن تهريب جمركي بشكل صحيح ومن خلال القنوات الرسمية، مع توفير أكبر قدر ممكن من التفاصيل لضمان فاعلية الإجراءات المتخذة. هذه العملية تحتاج إلى دقة في جمع المعلومات لتعزيز مصداقية البلاغ.

جمع المعلومات والأدلة

قبل تقديم البلاغ، يجب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والأدلة المتعلقة بحالة التهريب. تشمل هذه المعلومات نوع البضائع المشتبه في تهريبها، وموقع تخزينها أو نقلها، والأشخاص المتورطين (إن أمكن)، وتوقيت حدوث التهريب أو توقيت نقله، وأي تفاصيل أخرى قد تُساعد في كشف الجريمة.

يُمكن أن تكون الأدلة في شكل صور أو مقاطع فيديو (إذا أمكن التقاطها بأمان)، أو مستندات أو أي معلومات مكتوبة. كلما كانت المعلومات أكثر تفصيلاً ودقة، زادت فاعلية البلاغ وساعدت الأجهزة المختصة على التحرك بسرعة ونجاح في إحباط عملية التهريب وملاحقة الجناة.

قنوات الإبلاغ الرسمية

لتقديم بلاغ عن تهريب جمركي، يجب استخدام القنوات الرسمية المتاحة لضمان وصول البلاغ إلى الجهات المختصة ومعالجته بشكل جاد. في مصر، يمكن الإبلاغ عن طريق مصلحة الجمارك المصرية، من خلال الخطوط الساخنة المخصصة أو مكاتب الإبلاغ المنتشرة في المنافذ الجمركية أو فروع المصلحة.

كما يمكن تقديم البلاغات للجهات الأمنية الأخرى مثل الشرطة أو جهاز مباحث الأموال العامة، خصوصاً إذا كانت الجريمة تشمل جوانب أمنية أو مالية معقدة. يُفضل دائماً الإبلاغ عبر القنوات الرسمية للحفاظ على سرية المُبلغ وضمان التحقيق الفعال في البلاغ. الالتزام بهذه القنوات يُعزز من جدية البلاغ.

الإجراءات المتبعة بعد الإبلاغ

بعد تقديم البلاغ، تتولى الجهات المختصة (الجمارك أو النيابة العامة أو الأجهزة الأمنية) مسؤولية التحقق من صحة المعلومات الواردة فيه. يتم ذلك من خلال جمع المزيد من الأدلة والقيام بالتحريات اللازمة. إذا ثبتت صحة البلاغ، تُتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لضبط البضائع المهربة والمتورطين في العملية.

قد تشمل هذه الإجراءات تفتيش المواقع المشتبه بها، ومراقبة الأشخاص المعنيين، ثم القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة. يُمكن أن يُطلب من المُبلغ تقديم معلومات إضافية أو الإدلاء بشهادته إذا لزم الأمر، مع ضمان حمايته وسريته. يُساهم كل بلاغ في تعزيز الأمن الاقتصادي للدولة.

حلول إضافية لتعزيز الأمن الاقتصادي ومكافحة الجرائم الجمركية

لتحقيق أمن اقتصادي مستدام ومكافحة فعالة للجرائم الجمركية، لا بد من تبني حلول إضافية تتجاوز مجرد الإجراءات العقابية والرقابية. يجب أن ترتكز هذه الحلول على منظور شامل يُعالج الجذور الاقتصادية والاجتماعية التي قد تُشجع على التهريب، ويُعزز من مناعة الاقتصاد والمجتمع ضد هذه الظاهرة.

إن بناء نظام اقتصادي قوي وشفاف، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتنمية القدرات البشرية، هي عناصر أساسية في أي استراتيجية ناجحة لمكافحة التهريب. هذه الحلول تُكمل بعضها البعض وتُساهم في بناء بيئة تُصعب على المهربين تحقيق أهدافهم، وتُشجع على التجارة المشروعة والنمو الاقتصادي.

دعم الصناعة المحلية وتقليل الحواجز

يُمكن أن يُسهم دعم الصناعة المحلية وتقليل الحواجز أمامها في تقليل حوافز التهريب. عندما تكون المنتجات المحلية ذات جودة عالية وأسعار تنافسية، يقل إقبال المستهلكين على السلع المهربة. يجب على الدولة تقديم الحوافز للصناعات الوطنية، وتبسيط إجراءات التراخيص، وتوفير التمويل اللازم لتطوير قدراتها الإنتاجية.

كما أن تقليل الحواجز غير الضرورية أمام الاستثمار والتجارة المشروعة يُشجع رجال الأعمال على العمل في الإطار القانوني بدلاً من اللجوء إلى التهريب لتجنب التعقيدات والإجراءات الطويلة. إصلاح البيئة التجارية يُعزز من النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل، مما يُقلل من الدوافع الاقتصادية للتهريب.

برامج تدريب وتأهيل الكوادر

يُعد الاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر البشرية العاملة في مجال الجمارك والأجهزة الأمنية أمراً بالغ الأهمية. يجب توفير برامج تدريب متقدمة تُركز على أحدث أساليب وتقنيات الكشف عن التهريب، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتحليل المخاطر. هذا يُعزز من قدرة الموظفين على مواكبة الأساليب المتطورة للمهربين.

بالإضافة إلى التدريب التقني، يجب التأكيد على تعزيز النزاهة والاحترافية لدى العاملين، وتوفير بيئة عمل مُحفزة تُكافح الفساد وتُشجع على الأداء المتميز. الكوادر المدربة والمؤهلة هي الخط الأول للدفاع عن الحدود الاقتصادية للوطن، وتُساهم في تطبيق القانون بفاعلية وكفاءة.

مراجعة دورية للتشريعات

يجب أن تخضع القوانين والتشريعات المتعلقة بالجرائم الجمركية لمراجعة دورية ومستمرة لمواكبة التطورات المستمرة في أساليب التهريب وفي التجارة الدولية. إن تحديث هذه التشريعات يُمكن أن يسد الثغرات القانونية التي قد يستغلها المهربون، ويُعزز من قدرة القانون على الردع والمواجهة الفعالة لهذه الجرائم.

تشمل المراجعة أيضاً تقييم فاعلية العقوبات الحالية وتعديلها لتكون أكثر ردعاً، ومواكبة الاتفاقيات الدولية التي تُبرمها الدولة في مجال مكافحة الجريمة المنظمة والتهريب. التشريعات المرنة والمتطورة تُعد أداة أساسية في معركة مكافحة الجرائم الجمركية التي تتسم بالتغير والتجدد المستمر.

مكافأة المخبرين وحماية الشهود

لتحفيز المواطنين على الإبلاغ عن جرائم التهريب، يجب وضع آليات فعالة لمكافأة المخبرين الذين يُقدمون معلومات حيوية تُساهم في كشف هذه الجرائم. يُمكن أن تكون هذه المكافآت مادية أو تقديرية، وتُمنح بسرية تامة لضمان الأمان والتحفيز على التعاون مع الجهات المختصة في حماية الاقتصاد.

بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير حماية شاملة للشهود والمخبرين الذين يُقدمون معلومات في قضايا التهريب، لضمان سلامتهم وعدم تعرضهم لأي تهديدات أو انتقام من قبل الشبكات الإجرامية. هذه الإجراءات تُعزز الثقة بين المواطنين والدولة، وتُشجع على المزيد من التعاون في مكافحة الجرائم الجمركية بجميع أشكالها.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock