الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

الهجمات السيبرانية: مسؤولية مرتكبيها قانونياً

الهجمات السيبرانية: مسؤولية مرتكبيها قانونياً

فهم الإطار القانوني لمواجهة الجرائم الإلكترونية

شكلت الهجمات السيبرانية تهديداً متزايداً في العصر الرقمي، حيث تطال الأفراد والمؤسسات والدول على حد سواء. تتطور هذه الهجمات باستمرار، مما يستدعي إطاراً قانونياً مرناً وفعالاً لمكافحتها. إن تحديد المسؤولية القانونية لمرتكبي هذه الجرائم يشكل تحدياً كبيراً نظراً لطبيعتها العابرة للحدود وقدرة الجناة على إخفاء هويتهم. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على كيفية تحديد هذه المسؤولية، والخطوات القانونية المتبعة، والحلول العملية المتاحة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة وفقاً للقانون المصري والتشريعات ذات الصلة.

تعريف الهجمات السيبرانية وأنواعها

الاختراق والتجسس

الهجمات السيبرانية: مسؤولية مرتكبيها قانونياًالهجمات السيبرانية تشمل أي محاولة لتعطيل أنظمة الحاسوب، سرقة البيانات، أو التسبب في أضرار أخرى عبر الشبكة. يشمل الاختراق الدخول غير المصرح به إلى أنظمة أو شبكات الحاسوب بهدف الوصول إلى المعلومات أو تغييرها أو تدميرها. التجسس الإلكتروني يركز على الحصول على معلومات سرية أو حساسة دون إذن، وغالباً ما يستهدف أسراراً تجارية أو بيانات حكومية أو معلومات شخصية. يمكن أن يتم ذلك عبر برامج التجسس أو الاستغلال الأمني.

الاحتيال الإلكتروني

الاحتيال الإلكتروني هو استخدام الإنترنت أو البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية لخداع الأفراد أو المؤسسات بهدف الحصول على منافع غير مشروعة. من أمثلته التصيد الاحتيالي (Phishing) حيث ينتحل الجاني صفة كيان موثوق به لخداع الضحايا للكشف عن معلومات شخصية أو مالية. تشمل أيضاً رسائل البريد الإلكتروني العشوائي التي تروج لمنتجات أو خدمات وهمية، والتحايل للحصول على بيانات البطاقات الائتمانية.

البرمجيات الخبيثة وفيروسات الفدية

البرمجيات الخبيثة (Malware) هي برامج مصممة لإلحاق الضرر بأنظمة الحاسوب أو سرقة البيانات. تشمل الفيروسات، والديدان، وأحصنة طروادة. فيروسات الفدية (Ransomware) هي نوع خاص من البرمجيات الخبيثة تقوم بتشفير ملفات المستخدم أو قفل الوصول إلى النظام ثم تطلب فدية مالية مقابل استعادة الوصول. هذه الهجمات تتسبب في خسائر مالية وتشغيلية فادحة للأفراد والشركات.

إنكار الخدمة الموزع (DDoS)

هجمات إنكار الخدمة الموزع (DDoS) تهدف إلى إغراق خادم أو شبكة بحركة مرور وهمية هائلة، مما يؤدي إلى عدم قدرة المستخدمين الشرعيين على الوصول إلى الخدمات المستهدفة. يعتمد الجاني في هذه الهجمات على شبكة من الأجهزة المخترقة (Botnet) لتنفيذ الهجوم من مصادر متعددة، مما يجعل تتبع المصدر الفعلي صعباً للغاية. تسبب هذه الهجمات تعطيل المواقع والخدمات الحيوية.

الإطار القانوني المصري لمكافحة الجرائم الإلكترونية

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018

يُعد القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات حجر الزاوية في مواجهة الهجمات السيبرانية في مصر. يهدف هذا القانون إلى تنظيم استخدام التكنولوجيا ووضع عقوبات صارمة للمخالفات الإلكترونية. يتناول القانون جرائم الوصول غير المشروع، والاعتراض غير المشروع، والمساس بسلامة شبكات الحاسبات والمعلومات، وجرائم الاحتيال الإلكتروني، والابتزاز، والاعتداء على البيانات الشخصية، وغير ذلك. يوفر هذا القانون الإطار اللازم لتحديد المسؤولية الجنائية والمدنية.

المسؤولية الجنائية

تنص مواد القانون 175 لسنة 2018 على عقوبات جنائية تتراوح بين الحبس والغرامة في حال ارتكاب جرائم تقنية المعلومات. على سبيل المثال، يعاقب القانون على الدخول غير المصرح به إلى نظام معلوماتي بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز مائة ألف جنيه، والحبس مدة لا تقل عن سنة. وتتضاعف العقوبات إذا كان الغرض من الجريمة تحقيق منفعة للجاني أو الإضرار بالغير. تشمل المسؤولية الجنائية أيضاً محاولات التجسس أو تعطيل عمل أنظمة الحاسب الآلي.

المسؤولية المدنية والتعويض

إلى جانب المسؤولية الجنائية، يمكن للمتضررين من الهجمات السيبرانية المطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار التي لحقت بهم. تشمل هذه الأضرار الخسائر المادية المباشرة، مثل تكلفة إصلاح الأنظمة أو استعادة البيانات، والخسائر غير المادية، مثل الإضرار بالسمعة أو خسارة الفرص التجارية. يجب على المتضرر إثبات الضرر والعلاقة السببية بين فعل الجاني والضرر الواقع. يمكن رفع دعوى مدنية مستقلة أو المطالبة بالتعويض ضمن الدعوى الجنائية.

خطوات تحديد المسؤولية القانونية وإثبات الجرم

جمع الأدلة الرقمية

تعتمد عملية إثبات الجرم في الهجمات السيبرانية بشكل كبير على الأدلة الرقمية. يجب أن تتم عملية جمع الأدلة بشكل منهجي ودقيق لضمان قبولها في المحكمة. يشمل ذلك سجلات الخوادم (logs)، عناوين IP، رسائل البريد الإلكتروني، سجلات المعاملات، وأي بيانات أخرى تشير إلى هوية الجاني أو طريقة ارتكابه للجريمة. يجب حفظ هذه الأدلة بطريقة تمنع التعديل عليها، مع الاحتفاظ بسلسلة عهدة واضحة للأدلة الرقمية.

دور الجهات المختصة (النيابة العامة والخبراء)

تلعب النيابة العامة دوراً محورياً في التحقيق في جرائم تقنية المعلومات. تقوم النيابة بتلقي البلاغات والتحقيق فيها، وقد تستعين بخبراء متخصصين في الأدلة الرقمية من الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، أو خبراء من مركز البحوث الجنائية والتدريب أو من أقسام تكنولوجيا المعلومات بالجامعات. يقوم هؤلاء الخبراء بتحليل الأدلة الرقمية واستخلاص التقارير الفنية التي تدعم سير التحقيقات وتحديد الجناة.

إجراءات التحقيق والمحاكمة

بعد جمع الأدلة الرقمية وتقديمها، تتولى النيابة العامة استكمال إجراءات التحقيق، والتي قد تشمل استدعاء الشهود أو الضحايا، ومراجعة تقارير الخبراء، وطلب المزيد من البيانات من مزودي الخدمة. في حال ثبوت التهم، يتم إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة (مثل محكمة الجنايات أو الجنح حسب نوع الجريمة وعقوبتها). تتم المحاكمة وفقاً للإجراءات الجنائية المعتادة، مع التركيز على الأدلة الرقمية وتقارير الخبراء كعنصر أساسي للإدانة أو البراءة.

التحديات القانونية في ملاحقة مرتكبي الهجمات السيبرانية

الولاية القضائية العابرة للحدود

تعتبر طبيعة الإنترنت العابرة للحدود تحدياً رئيسياً في ملاحقة مرتكبي الهجمات السيبرانية. قد يكون الجاني في دولة مختلفة عن الضحية، مما يثير تساؤلات حول أي قوانين تنطبق وأي محكمة لها الولاية القضائية. يتطلب هذا التعاون الدولي وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية والقضائية في مختلف الدول، وهو ما قد يكون معقداً ويستغرق وقتاً طويلاً بسبب الاختلافات في الأنظمة القانونية.

إخفاء الهوية (Anonymity)

يستغل الجناة أدوات وتقنيات تتيح لهم إخفاء هويتهم على الإنترنت، مثل شبكات VPN، ومتصفحات Tor، واستخدام العملات المشفرة. هذا يجعل تتبع الجناة الحقيقيين أمراً صعباً للغاية ويتطلب خبرة تقنية عالية وجهوداً استخباراتية مكثفة. تتطلب ملاحقة هؤلاء الجناة أدوات تحقيق رقمي متطورة وقدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات.

التعاون الدولي

لمواجهة الهجمات السيبرانية العابرة للحدود بفعالية، يصبح التعاون الدولي أمراً حتمياً. يتضمن ذلك توقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف لتبادل المعلومات والمساعدة القضائية. اتفاقية بودابست بشأن الجرائم الإلكترونية هي مثال على إطار دولي يهدف إلى تسهيل هذا التعاون، على الرغم من أن مصر ليست طرفاً فيها، إلا أن هناك جهوداً لتعزيز التعاون الثنائي والإقليمي لمواجهة هذه الجرائم.

استراتيجيات الوقاية والحماية القانونية

التدابير الفنية والقانونية للشركات والأفراد

يجب على الشركات والأفراد اتخاذ تدابير وقائية لحماية أنفسهم من الهجمات السيبرانية. فنياً، يشمل ذلك استخدام برامج مكافحة الفيروسات، تحديث الأنظمة بانتظام، النسخ الاحتياطي للبيانات، وتطبيق سياسات كلمات مرور قوية. قانونياً، يجب على الشركات وضع سياسات واضحة لأمن المعلومات، وتدريب الموظفين على المخاطر السيبرانية، والامتثال للوائح حماية البيانات. يجب أيضاً تحديد إجراءات الاستجابة للحوادث السيبرانية مسبقاً.

أهمية التوعية القانونية

رفع مستوى الوعي القانوني بالمخاطر السيبرانية وحقوق وواجبات الأفراد والشركات أمر حيوي. يجب تثقيف الجمهور حول كيفية التعرف على محاولات الاحتيال، وأهمية حماية البيانات الشخصية، وكيفية الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية. التوعية القانونية تقلل من فرص نجاح الهجمات وتزيد من احتمالية ملاحقة الجناة بنجاح. يمكن أن يتم ذلك عبر حملات توعية حكومية ومنظمات المجتمع المدني.

تحديث التشريعات لمواكبة التطورات

التقنيات السيبرانية تتطور بسرعة مذهلة، مما يستدعي مراجعة وتحديث التشريعات القانونية بشكل مستمر لمواكبة هذه التطورات. يجب أن تكون القوانين مرنة بما يكفي لتغطية أنواع جديدة من الهجمات والتقنيات التي يستخدمها الجناة. يتضمن ذلك إدخال تعديلات على القوانين الحالية أو سن قوانين جديدة لمعالجة الثغرات والتحديات الناشئة في مجال الأمن السيبراني.

الحلول العملية لمواجهة آثار الهجمات السيبرانية

الإبلاغ الفوري للجهات المختصة

في حالة التعرض لهجوم سيبراني، فإن أول خطوة عملية هي الإبلاغ الفوري للجهات المختصة. في مصر، يتم ذلك عادةً عن طريق مباحث الإنترنت (الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات) أو النيابة العامة. الإبلاغ السريع يساعد في جمع الأدلة قبل أن تختفي ويسمح للجهات الأمنية ببدء التحقيقات ومحاولة تتبع الجناة. التأخر في الإبلاغ قد يؤدي إلى فقدان أدلة حاسمة.

الاستعانة بالخبراء القانونيين والفنيين

يجب على الضحايا الاستعانة بخبراء قانونيين متخصصين في جرائم تقنية المعلومات لتقديم المشورة القانونية والدعم خلال عملية التحقيق والمحاكمة. كما أن الاستعانة بخبراء فنيين في الأمن السيبراني ضرورية لتقييم مدى الضرر، استعادة الأنظمة والبيانات، وجمع الأدلة الرقمية بطريقة صحيحة ومقبولة قانونياً. التعاون بين الخبراء القانونيين والفنيين يضمن نهجاً شاملاً للتعامل مع الهجوم.

إجراءات استرداد البيانات والتعويض

بعد وقوع الهجوم، تتمثل الإجراءات العملية في محاولة استرداد البيانات المتضررة أو المسروقة، إن أمكن. هذا قد يتطلب استعادة من النسخ الاحتياطية أو الاستعانة بخدمات استعادة البيانات المتخصصة. على الصعيد القانوني، يمكن اتخاذ إجراءات للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية. يجب إعداد ملف متكامل يشمل تقارير الخبراء والأدلة المالية التي تثبت حجم الخسائر لتقديمه للمحكمة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock