جريمة التشهير بجهات قضائية عبر مواقع التواصل
محتوى المقال
جريمة التشهير بجهات قضائية عبر مواقع التواصل
تحديات العصر الرقمي وأثرها على صون القضاء المصري
تعد سمعة القضاء ونزاهته ركيزة أساسية لأي دولة تسعى لتحقيق العدالة وسيادة القانون.
مع التوسع الهائل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، برزت ظاهرة التشهير بالجهات القضائية كقضية بالغة الخطورة،
تهدد ثقة الجمهور في المؤسسات العدلية وتهز استقرار المجتمع.
يتناول هذا المقال آليات هذه الجريمة وأبعادها القانونية،
مقدمًا حلولًا وإجراءات عملية لمواجهتها وحماية كيان القضاء.
فهم جريمة التشهير بالجهات القضائية عبر الإنترنت: إطارها القانوني
مفهوم التشهير الرقمي وآثاره على القضاء
يعرف التشهير بأنه نشر معلومات كاذبة أو مضللة تهدف إلى الإساءة لسمعة شخص أو جهة واعتبارهما.
وعندما يتعلق الأمر بالجهات القضائية، فإن التشهير يتجاوز مجرد الإساءة الشخصية ليصبح اعتداءً مباشرًا على استقلالية القضاء وهيبته.
يتم ذلك غالبًا عبر نشر منشورات، صور، مقاطع فيديو، أو تعليقات على منصات مثل فيسبوك، تويتر، ويوتيوب،
بهدف التحريض ضد الأحكام القضائية أو القضاة أو مؤسسات القضاء عمومًا.
تتسبب هذه الأفعال في تآكل ثقة المواطنين في النظام القضائي،
وقد تؤدي إلى إثارة البلبلة والتشكيك في نزاهة الأحكام.
كما أنها قد تعيق سير العدالة وتؤثر على حيادية القضاة، مما يستدعي تدخلًا قانونيًا حاسمًا لحماية هذا الركن الأساسي للدولة.
إن التعامل مع هذه الجرائم يتطلب فهمًا عميقًا للقوانين المعمول بها والإجراءات الصحيحة لملاحقة مرتكبيها.
النصوص القانونية المصرية ذات الصلة
يتصدى القانون المصري لجريمة التشهير بالجهات القضائية عبر عدة تشريعات،
أبرزها قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
ينص قانون العقوبات في مواده على تجريم السب والقذف وإهانة السلطات العامة،
والتي تشمل بالطبع السلطة القضائية.
هذه المواد توفر الأساس القانوني لملاحقة من ينشرون معلومات مسيئة أو كاذبة عن القضاء.
يعتبر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أداة حاسمة في مواجهة الجرائم الإلكترونية.
فقد نص القانون على عقوبات مشددة لكل من يقوم بإنشاء أو إدارة حساب خاص أو موقع إلكتروني بغرض ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا،
ومنها السب والقذف والتشهير.
وتشمل العقوبات الحبس والغرامة، وتختلف شدتها حسب جسامة الجريمة والأضرار المترتبة عليها،
مما يعكس جدية الدولة في حماية أجهزتها القضائية.
الإجراءات العملية لمواجهة التشهير بالجهات القضائية: طرق الإبلاغ والتقاضي
الخطوة الأولى: جمع وتوثيق الأدلة الرقمية
تعد الأدلة الرقمية الركيزة الأساسية في إثبات جريمة التشهير عبر الإنترنت.
يجب على المتضرر، سواء كان شخصًا أو جهة ممثلة للقضاء، البدء بجمع كافة الأدلة المتاحة بشكل فوري ودقيق.
يشمل ذلك أخذ لقطات شاشة (Screenshots) للصفحات أو المنشورات المسيئة،
مع التأكد من ظهور تاريخ النشر واسم الحساب الناشر.
يجب توثيق الروابط (URLs) المباشرة للمحتوى المسيء لضمان إمكانية الوصول إليه لاحقًا.
من المهم أيضًا جمع أي معلومات إضافية عن الحساب الناشر، مثل اسم المستخدم (Username)،
أو أي تفاصيل أخرى يمكن أن تساعد في تحديد هويته.
ينصح بحفظ هذه الأدلة في أكثر من مكان (على جهاز الكمبيوتر، محرك أقراص خارجي، أو سحابة إلكترونية) لضمان عدم فقدانها.
يجب أن تكون هذه الأدلة واضحة وغير معدلة لكي تكون مقبولة أمام جهات التحقيق والمحاكمة.
الخطوة الثانية: تقديم البلاغ للجهات المختصة
بعد جمع الأدلة، يجب تقديم بلاغ رسمي للجهات المختصة.
في مصر، يمكن تقديم البلاغات المتعلقة بجرائم الإنترنت، ومنها التشهير، إلى الإدارة العامة لمباحث الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
يمكن أيضًا التوجه إلى أقرب قسم شرطة أو النيابة العامة لتقديم شكوى مباشرة.
يجب أن يكون البلاغ مكتوبًا وواضحًا، ويحتوي على كافة التفاصيل المتعلقة بالجريمة،
بما في ذلك تاريخ ووقت ومكان النشر، وطبيعة المحتوى المسيء، ومعلومات عن الحساب الناشر إن أمكن.
يفضل الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الجرائم الإلكترونية لمساعدتك في صياغة البلاغ وتقديم الأدلة بشكل سليم قانونيًا.
المحامي سيضمن أن يتم تقديم جميع الوثائق المطلوبة وأن الشكوى تتوافق مع الإجراءات القانونية الصحيحة،
مما يسرع من عملية التحقيق ويزيد من فرص الوصول إلى حلول سريعة وفعالة.
هذه الخطوة ضرورية لبدء مسار التحقيق الجنائي ضد مرتكب الجريمة.
الخطوة الثالثة: متابعة التحقيقات والإجراءات القضائية
بعد تقديم البلاغ، تبدأ مرحلة التحقيق التي تتولاها النيابة العامة.
تقوم النيابة بفحص الأدلة المقدمة، وقد تطلب معلومات إضافية من المبلغ أو من شركات التواصل الاجتماعي المعنية.
يشمل التحقيق استدعاء المشتبه بهم لسماع أقوالهم، وتحليل الأدلة الرقمية للوصول إلى الحقيقة وتحديد المسؤولية الجنائية.
من المهم للمتضرر متابعة سير التحقيقات بشكل دوري مع المحامي للاطلاع على المستجدات وتقديم أي مساعدة مطلوبة.
إذا ثبتت صحة البلاغ وتوفرت الأدلة الكافية، تقوم النيابة العامة بإحالة المتهم إلى المحكمة المختصة،
والتي قد تكون محكمة الجنح أو محكمة الجنايات حسب جسامة الجريمة والعقوبة المقررة لها.
تتولى المحكمة بعد ذلك نظر الدعوى والفصل فيها بإصدار حكم بالإدانة أو البراءة.
هذه الخطوات تضمن وصول الإجراءات إلى نهايتها المنطقية، وتحقيق الردع اللازم لمنع تكرار هذه الجرائم.
سبل الحماية والوقاية من التورط في جرائم التشهير الرقمي
الاستخدام الواعي والمسؤول لمواقع التواصل
تعد الوقاية خير من العلاج، وهذا ينطبق بشكل خاص على جرائم التشهير الرقمي.
ينبغي على جميع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التحلي بالوعي والمسؤولية قبل نشر أي محتوى.
يجب التأكد من صحة المعلومات قبل مشاركتها، خاصة تلك المتعلقة بالجهات القضائية أو الأحكام.
فمجرد إعادة نشر محتوى مسيء قد يجعلك شريكًا في الجريمة.
الفهم العميق للقوانين المنظمة للنشر الإلكتروني يمثل خط دفاع أول ضد الوقوع في المخالفات.
تجنب استخدام لغة غير لائقة أو ألفاظ مسيئة عند التعبير عن الرأي.
حرية التعبير مكفولة ولكنها ليست مطلقة، وتتوقف عند حدود المساس بالآداب العامة أو سمعة الآخرين أو هيبة الدولة ومؤسساتها.
التحقق من مصادر الأخبار والابتعاد عن الشائعات هو سلوك ضروري للحد من انتشار المعلومات المضللة.
توعية الجمهور بهذه المخاطر يسهم في بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا واحترامًا للقانون.
الجوانب الإضافية: تحديات الإثبات والتعويضات المدنية
تحديات إثبات النية الجرمية في قضايا التشهير
من التحديات الرئيسية في قضايا التشهير، وخاصة تلك التي تستهدف الجهات القضائية،
هو إثبات القصد الجنائي أو النية الجرمية لدى الناشر.
فالقانون يتطلب أن يكون لدى المتهم نية الإساءة أو التشهير.
قد يدعي البعض أن ما نشروه كان مجرد رأي شخصي أو معلومات يعتقدون صحتها.
هنا يأتي دور النيابة العامة في فحص القرائن والظروف المحيطة بالنشر لتحديد ما إذا كانت النية الإجرامية متوفرة أم لا.
تتطلب عملية إثبات النية الجرمية تحليلًا دقيقًا لمحتوى المنشور، وسياقه، ومدى انتشاره، وتكرار النشر،
وسوابق الناشر إن وجدت.
تلك العوامل تساعد في بناء صورة متكاملة توضح ما إذا كان الهدف الحقيقي وراء النشر هو التشهير والإساءة لسمعة القضاء.
هذا الجانب يضيف تعقيدًا للإجراءات ولكنه يضمن حماية حريات التعبير المشروعة في نفس الوقت.
طلب التعويض المدني عن الأضرار
بالإضافة إلى العقوبات الجنائية التي تفرض على مرتكبي جريمة التشهير،
يحق للجهة المتضررة أو الشخص المتضرر، بعد صدور حكم الإدانة،
مطالبة المحكمة بتعويض مدني عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به.
يمكن أن يشمل هذا التعويض تكاليف التقاضي، وأي خسائر مادية مباشرة،
إضافة إلى تعويض عن الأضرار المعنوية الناتجة عن الإساءة للسمعة أو الاعتبار.
يتم تقديم طلب التعويض المدني إما بشكل مستقل أمام المحاكم المدنية بعد صدور الحكم الجنائي النهائي،
أو بالادعاء مدنيًا أمام المحكمة الجنائية ذاتها أثناء نظر الدعوى الجنائية.
هذا يوفر طريقًا إضافيًا لإنصاف المتضررين ويضيف بعدًا آخر للردع،
مؤكدًا على أن الاعتداء على هيبة القضاء لا يواجه بالعقاب الجنائي فحسب، بل بالمساءلة المدنية كذلك.