الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنايات

الدفع بعدم توافر أركان جريمة تزييف النقود

الدفع بعدم توافر أركان جريمة تزييف النقود

استراتيجيات الدفاع القانوني وإجراءاته العملية

تُعد جريمة تزييف النقود من الجرائم الخطيرة التي تمس الاقتصاد الوطني وثقة الأفراد في التعاملات المالية. يواجه المتهمون بهذه الجريمة عقوبات مشددة، مما يستدعي فهمًا عميقًا لأركانها وكيفية الدفع بعدم توافر هذه الأركان. يقدم هذا المقال دليلاً عمليًا وشاملًا للمحامين والأفراد على حد سواء، لتوضيح السبل القانونية للدفاع، والخطوات الإجرائية اللازمة لتقديم دفاع قوي وفعال في مواجهة اتهامات تزييف العملة، مع التركيز على تفكيك عناصر الجريمة وتقديم الحلول الدفاعية المتاحة وفقًا لأحكام القانون المصري.

فهم أركان جريمة تزييف النقود في القانون المصري

الدفع بعدم توافر أركان جريمة تزييف النقودلتحقيق دفاع ناجح ضد تهمة تزييف النقود، يجب أولاً استيعاب الأركان الأساسية التي يقوم عليها تجريم هذا الفعل. تتطلب الجريمة وجود ركنين أساسيين: الركن المادي الذي يتمثل في الفعل الإجرامي نفسه، والركن المعنوي الذي يعكس القصد الجنائي للمتهم. فهم هذين الركنين يمهد الطريق لتحديد الثغرات القانونية المحتملة التي يمكن استغلالها في عملية الدفاع.

الركن المادي: الفعل الإجرامي للتزييف

يتجسد الركن المادي في جريمة تزييف النقود في فعل مادي ملموس يهدف إلى إخراج عملة مزيفة تبدو كأنها حقيقية. يشمل هذا الفعل التزييف، وهو إخراج عملة لم تكن موجودة من قبل بمظهر العملة الصحيحة، أو التزوير وهو تغيير في عملة صحيحة لتحويلها إلى عملة أعلى قيمة، أو التقليد وهو صنع عملة شبيهة بالأصلية. يجب أن يكون فعل التزييف متقنًا بدرجة تكفي لخداع الجمهور العادي، وليس المتخصصين. أي نقص في إتقان التزييف قد يؤثر على توافر هذا الركن.

يتطلب إثبات الركن المادي تحديد طبيعة العملة المتداولة وما إذا كانت بالفعل تحمل صفة التزييف. يشمل ذلك فحص العملة من قبل خبراء مختصين لتحديد مدى مطابقتها للعملة الأصلية ومدى قدرتها على إحداث لبس لدى المتعاملين بها. يجب على الدفاع التركيز على أي اختلافات جوهرية أو عدم إتقان في عملية التزييف من شأنها أن تنفي وقوع الفعل المادي بالصورة التي يجرمها القانون.

الركن المعنوي: القصد الجنائي للمتهم

يُعد القصد الجنائي عنصرًا حيويًا في جريمة تزييف النقود، ويعني أن المتهم كان يعلم بأن العملة مزيفة ولديه نية استخدامها أو التعامل بها كعملة صحيحة. هذا الركن هو ما يميز الفعل الإجرامي عن مجرد الحيازة غير المقصودة أو الجهل بحقيقة العملة. يشترط توافر العلم اليقيني لدى المتهم بأن ما يحوزه أو يتعامل به هو نقود مزيفة، بالإضافة إلى إرادته الحرة في استخدام هذه النقود كوسيلة دفع أو تداول.

لإثبات القصد الجنائي، تعتمد المحكمة غالبًا على القرائن الظرفية والأدلة غير المباشرة، مثل كمية النقود المزيفة، الظروف التي تم فيها ضبطها، أو محاولات المتهم لإخفاء حقيقتها. يتوجب على الدفاع أن يعمل على تفنيد هذه القرائن وتقديم أدلة تثبت انتفاء العلم بالتزييف أو انتفاء النية الجرمية. فمجرد حيازة عملة مزيفة، دون إثبات علم المتهم بذلك أو نيته في التعامل بها، لا يكفي وحده لتحقيق الركن المعنوي.

طرق الدفع بعدم توافر الركن المادي لجريمة التزييف

عندما يتعلق الأمر بالدفاع ضد تهمة تزييف النقود، فإن التشكيك في وجود الركن المادي للجريمة يُعد أحد المحاور الرئيسية التي يمكن للمحامي الاعتماد عليها. يعتمد هذا النوع من الدفع على إثبات أن الفعل المادي المنسوب للمتهم لا يرقى إلى مستوى الجريمة المنصوص عليها في القانون، أو أن المتهم لم يقم بهذا الفعل من الأساس.

الطعن في ماهية العملة المضبوطة

يمكن للدفاع أن يطعن في الأساس في طبيعة العملة المضبوطة، وذلك بعدة طرق. قد تكون العملة في الواقع ليست عملة متداولة بشكل رسمي، بل مجرد أوراق دعائية أو نماذج أو أوراق لعب لا يمكن أن تخدع الجمهور. كما يمكن الدفع بأن العملة لا تحمل صفة التزييف بالمعنى القانوني الدقيق، أي أنها لا تشابه العملة الأصلية لدرجة الانخداع. يتطلب هذا الدفع غالبًا طلب ندب خبير فني لفحص العملة وتقديم تقرير مفصل يوضح الفروقات الجوهرية بينها وبين العملة الصحيحة، مما ينفي عنها صفة التزييف التي يعاقب عليها القانون.

في بعض الحالات، قد تكون العملة ليست مزيفة بالكلية، بل هي عملة أصلية تعرضت للتلف أو تغيرت ملامحها بسبب عوامل طبيعية أو سوء الاستخدام. هنا، يقع عبء الإثبات على النيابة العامة لإثبات أن التغيير حدث بقصد التزييف. على الدفاع استغلال أي شك في هذا الجانب، وتقديم ما يثبت أن العملة لم يتم تزييفها بقصد إخراجها للتداول كعملة صحيحة، وإنما هي مجرد نسخة ضعيفة لا تنطلي على الغالبية العظمى من الأفراد، مما ينفي صفة الجدية عن عملية التزييف المزعومة.

التشكيك في نسبة فعل التزييف للمتهم

حتى لو ثبت أن العملة مزيفة، فإن الدفع بعدم توافر الركن المادي يمكن أن يركز على عدم نسبة فعل التزييف نفسه للمتهم. قد يُضبط المتهم بالصدفة بحوزته عملة مزيفة دون أن يكون هو من قام بتزييفها أو ساعد في ذلك. هنا، يجب على الدفاع إثبات عدم وجود أي دليل مباشر أو غير مباشر يربط المتهم بعملية التزييف أو الطباعة. يمكن ذلك من خلال إثبات عدم وجود أدوات تزييف بحوزته، أو عدم وجود بصمات له على الأدوات المستخدمة في التزييف، أو عدم وجود شهود رأوه وهو يقوم بالفعل.

يتطلب هذا المحور من الدفاع تدقيقًا شديدًا في محاضر الضبط والتحقيقات الأولية، للبحث عن أي ثغرات أو تناقضات في أقوال الشهود أو الأدلة المادية. إذا كان المتهم مجرد وسيط أو حائز للعملة دون علمه بمصدرها أو تورطه في عملية التزييف الأولية، فإن ذلك ينفي عنه الركن المادي لعملية التزييف ذاتها، ويجب على الدفاع توجيه المحكمة إلى هذه النقطة الحاسمة. يمكن أيضاً الاستناد إلى عدم وجود سوابق للمتهم في هذا النوع من الجرائم لتعزيز موقف الدفاع.

الخبرة الفنية ودورها في نفي الركن المادي

يُعد طلب ندب خبير فني من أهم الخطوات العملية في الدفع بعدم توافر الركن المادي. يقوم الخبير بفحص العملة المضبوطة بدقة لتحديد مدى إتقان التزييف ومقارنتها بالعملة الأصلية. إذا أظهر تقرير الخبير أن التزييف رديء للغاية ولا يمكن أن يخدع الشخص العادي، فإن هذا يُعد دفعًا قويًا بنفي الركن المادي. فالقانون يشترط أن يكون التزييف على درجة من الإتقان تكفي لترويج العملة المزيفة كعملة حقيقية.

يمكن للدفاع أن يطلب من الخبير تحديد الأساليب المستخدمة في التزييف، وإذا ما كانت هذه الأساليب تتطلب خبرة فنية معينة لا تتوافر لدى المتهم، فإن ذلك يقدم دليلًا آخر على عدم تورط المتهم في عملية التزييف الفعلية. كما يمكن للخبير أن يوضح ما إذا كانت العملة المضبوطة قد تعرضت لتغييرات طفيفة لا ترقى إلى مستوى التزييف الجنائي، مما يعزز موقف الدفاع ويوفر حلولًا منطقية لنفي الركن المادي للجريمة.

طرق الدفع بعدم توافر الركن المعنوي (القصد الجنائي)

يُعد الدفع بعدم توافر القصد الجنائي من أقوى أنواع الدفوع في جريمة تزييف النقود، لأنه يطعن في نية المتهم ذاتها. فإذا انتفى القصد الجنائي، انهارت الجريمة، حتى لو ثبت الفعل المادي. يتطلب هذا الدفع إثبات أن المتهم لم يكن يعلم بأن العملة مزيفة، أو أنه لم تكن لديه النية لترويجها أو التعامل بها كعملة صحيحة.

انتفاء العلم بالتزييف: الحيازة بحسن نية

أحد أهم الدفوع لنفي الركن المعنوي هو إثبات أن المتهم لم يكن يعلم بأن النقود التي بحوزته مزيفة. قد يكون المتهم قد استلم العملة المزيفة كجزء من عملية تجارية أو مبادلة عادية، أو كباقي مبلغ، دون أن يكون لديه أي شك في صحتها. في هذه الحالة، يمكن للدفاع تقديم ما يثبت حسن نية المتهم، مثل شهادات الشهود على سلوكه، أو عدم وجود سوابق له في مثل هذه الجرائم، أو إبلاغه للسلطات فور اكتشافه للتزييف.

لتعزيز هذا الدفع، يجب على المحامي البحث عن أي ظروف محيطة بعملية الحيازة تدعم حسن نية المتهم. على سبيل المثال، إذا كانت كمية النقود المزيفة صغيرة، أو إذا كانت مخبأة بطريقة لا تشير إلى محاولة للترويج، أو إذا كانت الظروف التي حصل فيها المتهم على النقود توحي بالبراءة، فإن كل ذلك يساهم في إثبات انتفاء علمه بالتزييف. يجب التركيز على أن العلم بالتزييف يجب أن يكون يقينيًا وليس مجرد شك أو احتمال.

انتفاء قصد التعامل بالنقود المزيفة

حتى إذا ثبت أن المتهم كان يعلم أن النقود مزيفة، فإن الركن المعنوي لا يكتمل إلا بوجود نية التعامل بها كعملة صحيحة. يمكن للدفاع أن يدفع بانتفاء هذه النية، بمعنى أن المتهم كان يحوز النقود لغرض آخر غير الترويج أو التداول. قد يكون احتفظ بها كدليل، أو بقصد إتلافها، أو لإبلاغ السلطات عنها في وقت لاحق. في هذه الحالة، يجب على الدفاع تقديم الأدلة التي تدعم هذه الأغراض البديلة للحيازة.

يمكن أن تشمل الأدلة على انتفاء قصد التعامل شهادات من المتهم نفسه توضح نيته، أو شهادات من أشخاص آخرين يؤكدون قصده. كما يمكن للمحامي أن يستغل عدم وجود أي محاولة فعلية من المتهم لترويج العملة المزيفة في السوق. فإذا ضبطت النقود المزيفة ولم تتم أي محاولة لاستخدامها، فإن ذلك يقدم دفعًا قويًا بأن نية التعامل بها كعملة صحيحة كانت منتفية، وهو ما ينفي الركن المعنوي للجريمة ويؤدي إلى براءة المتهم.

الدفع بالإكراه أو القوة القاهرة

في بعض الحالات النادرة، قد يجد المتهم نفسه مضطرًا لحيازة أو التعامل بالنقود المزيفة تحت تأثير الإكراه أو القوة القاهرة. فإذا أثبت المتهم أنه تعرض لتهديدات جسدية أو نفسية خطيرة أجبرته على حمل النقود المزيفة أو ترويجها، فإنه يمكن الدفع بانتفاء إرادته الحرة وبالتالي انتفاء القصد الجنائي. يجب أن يكون الإكراه حقيقيًا وجسيمًا لدرجة لا يستطيع معها الشخص العادي مقاومته.

يتطلب هذا الدفع تقديم أدلة قوية على وجود الإكراه، مثل تقارير الشرطة عن بلاغات سابقة بالتهديد، أو شهادات شهود عيان على واقعة الإكراه، أو تقارير طبية نفسية إن وجدت. إذا نجح الدفاع في إثبات أن المتهم تصرف تحت تأثير إكراه حقيقي، فإن هذا سينفي الركن المعنوي للجريمة بالكامل، حيث لا يمكن مساءلة شخص عن فعل لم يأتِ به بإرادته الحرة الواعية، وهو ما يضمن حصوله على حكم بالبراءة.

إجراءات عملية إضافية لتعزيز موقف الدفاع

بالإضافة إلى الدفوع المباشرة المتعلقة بأركان الجريمة، توجد مجموعة من الإجراءات والحلول العملية التي يمكن للمحامي استخدامها لتعزيز موقف المتهم وتقديم دفاع شامل وقوي. هذه الإجراءات تتجاوز مجرد نفي الأركان لتشمل جوانب إجرائية وموضوعية أخرى من شأنها إحداث فرق في مسار القضية.

أهمية التدقيق في التحقيقات الأولية ومحاضر الضبط

يجب على المحامي أن يقوم بمراجعة دقيقة وشاملة لجميع محاضر الضبط والتحقيقات الأولية التي أجريت مع المتهم والشهود. قد تحتوي هذه المحاضر على ثغرات إجرائية، مثل عدم احترام الضمانات القانونية للمتهم أثناء التحقيق، أو وجود تناقضات في أقوال الشهود أو مأموري الضبط القضائي. يمكن استغلال هذه الثغرات لطلب بطلان الإجراءات أو استبعاد أدلة معينة، مما يضعف موقف النيابة العامة ويصب في مصلحة المتهم. البحث عن أي مخالفات إجرائية، مهما بدت بسيطة، يمكن أن يكون له تأثير كبير على الحكم النهائي.

يتضمن التدقيق في المحاضر أيضًا التأكد من صحة الإجراءات المتعلقة بضبط العملة المزيفة نفسها، مثل سلسلة حيازتها منذ ضبطها وحتى تقديمها للمحكمة، لضمان عدم تعرضها للتلاعب. أي شكوك حول سلامة إجراءات الضبط أو التحفظ على الأدلة يمكن أن تكون أساسًا قويًا للدفع ببطلان الدليل أو الشك في صحته، مما يجعل المحكمة تتجه إلى تفسير الشك لصالح المتهم وبالتالي الحكم بالبراءة. يجب على المحامي أن يكون يقظًا لأي تفصيلة قد تبدو غير ذات أهمية.

دور الشهود وجمع الأدلة الداعمة

يُعد جمع شهادات شهود النفي وتقديم الأدلة الداعمة أمرًا حيويًا لتعزيز موقف الدفاع. يمكن للشهود الذين يؤكدون حسن نية المتهم، أو الذين كانوا متواجدين وقت ضبط النقود ولاحظوا ظروفًا معينة تدعم براءته، أن يكون لهم تأثير كبير على قناعة المحكمة. كما يمكن تقديم أدلة مادية أو مستندات تثبت عدم وجود دافع لدى المتهم لارتكاب الجريمة، أو تثبت مصدرًا شرعيًا للأموال التي بحوزته، أو تشير إلى أنه كان ضحية عملية احتيال.

على سبيل المثال، يمكن تقديم فواتير أو إيصالات تثبت مصدر الأموال المضبوطة، أو كشوف حسابات بنكية توضح التعاملات المالية العادية للمتهم. كما يمكن الاستعانة بشهادة الشهود الذين كانوا معه أثناء حصوله على النقود المزيفة، ليؤكدوا عدم علمه بطبيعتها. كل هذه الأدلة تعمل على بناء قصة دفاعية متماسكة ومنطقية تقف في وجه اتهامات النيابة العامة، وتقدم للمحكمة صورة واضحة عن براءة المتهم أو على الأقل تثير الشك لديها.

استغلال مبدأ الشك يفسر لصالح المتهم

يُعد مبدأ “الشك يفسر لصالح المتهم” من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي، ويمكن استغلاله بفعالية في قضايا تزييف النقود. إذا لم تستطع النيابة العامة تقديم أدلة قاطعة لا تدع مجالًا للشك حول توافر أركان الجريمة، سواء المادية أو المعنوية، فإن المحكمة يجب أن تميل إلى تفسير هذا الشك لصالح المتهم. هذا يتطلب من المحامي إبراز كل نقاط الضعف في أدلة الاتهام، وتضخيم أي تناقضات أو غموض فيها.

لا يقتصر دور الدفاع على نفي التهمة بشكل مباشر، بل يشمل أيضًا زرع الشكوك المنطقية في ذهن القاضي حول إمكانية إدانة المتهم. فإذا تراكمت الشكوك حول علم المتهم بالتزييف، أو حول نيته في التعامل بالنقود المزيفة، أو حتى حول صحة إجراءات الضبط والتحقيق، فإن ذلك يدفع المحكمة إلى إصدار حكم بالبراءة لعدم كفاية الأدلة. هذا المبدأ هو حجر الزاوية في ضمان العدالة الجنائية، ويجب على كل محامٍ ماهر استخدامه بحكمة وفعالية.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock