الدفاع بعدم توافر الركن المادي للسرقة بالإكراه لعدم وقوع اختلاس
محتوى المقال
الدفاع بعدم توافر الركن المادي للسرقة بالإكراه لعدم وقوع اختلاس
استراتيجيات قانونية لإثبات انتفاء الركن المادي في قضايا السرقة بالإكراه
تُعد جريمة السرقة بالإكراه من الجرائم الخطيرة التي تمس أمن الأفراد وممتلكاتهم، وتتطلب توفر أركان معينة لتجريم الفعل. ومن أبرز هذه الأركان، الركن المادي الذي يتمثل في فعل “الاختلاس”. يقدم هذا المقال شرحًا مفصلاً للدفاع القانوني المستند إلى عدم توافر الركن المادي للسرقة بالإكراه نتيجة لعدم وقوع فعل الاختلاس، مع تقديم خطوات عملية واستراتيجيات دفاعية لتعزيز هذا الدفع أمام المحاكم المصرية.
مفهوم الركن المادي للسرقة بالإكراه وأهمية الاختلاس
تعريف السرقة بالإكراه وأركانها
تُعرف السرقة بالإكراه بأنها انتزاع حيازة مال من الغير بالقوة أو التهديد، مما يؤدي إلى سلب حرية إرادته. تتكون هذه الجريمة من ركنين أساسيين: الركن المادي والركن المعنوي. يشمل الركن المادي فعل الاختلاس، وهو جوهر جريمة السرقة، بالإضافة إلى عنصر الإكراه الذي يستخدم لتمكين الجاني من هذا الاختلاس أو الاحتفاظ بالمسروق.
جوهر الاختلاس في القانون الجنائي المصري
الاختلاس في سياق السرقة يعني انتزاع حيازة الشيء المنقول المملوك للغير دون رضاه، بقصد تملكه. لا يكفي مجرد وضع اليد على الشيء، بل يجب أن يكون هناك فعل مادي يحرم المالك الأصلي من حيازته ونقل هذه الحيازة إلى الجاني. هذا الانتقال في الحيازة هو ما يميز السرقة عن غيرها من الجرائم المشابهة.
حالات عدم توافر الاختلاس كدفع قانوني
التسليم الاختياري للمجني عليه
في بعض الحالات، قد يقوم المجني عليه بتسليم المال للجاني بشكل اختياري، حتى لو كان ذلك تحت تأثير ضغط نفسي أو تهديد غير مباشر لا يرقى إلى حد الإكراه المادي المباشر المؤدي إلى انتزاع الحيازة. إذا أثبت الدفاع أن المجني عليه سلم المال بنفسه دون أن ينتزعه الجاني فعلياً، فإن الركن المادي للاختلاس يكون منتفياً، وبالتالي لا تقوم جريمة السرقة.
أ. جمع شهادات الشهود التي تدعم أن التسليم كان طوعيًا.
ب. تحليل تسجيلات المراقبة (إن وجدت) لإظهار فعل التسليم وليس الانتزاع.
ج. تقديم تقارير طبية أو نفسية تثبت أن المجني عليه لم يكن في حالة فقدان كامل للإرادة، وأن التهديد لم يكن مباشرًا بالقدر الذي يلغي إرادته في التسليم.
عدم حيازة الجاني للشيء المسروق
قد يقوم الجاني بمحاولة سرقة دون أن يتمكن فعليًا من حيازة الشيء أو نقله من حوزة المجني عليه أو المكان الذي كان موجودًا فيه. على سبيل المثال، إذا قام الجاني بالتهديد ولكن المجني عليه لم يسلم المال أو تمكن من الفرار بالمال، أو إذا أوقع الجاني المال بعد انتزاعه مباشرة قبل أن يتمكن من الاستحواذ عليه بشكل كامل.
أ. إظهار تقارير الشرطة التي تؤكد عدم فقدان المجني عليه لماله أو استعادته فورًا.
ب. شهادة المجني عليه نفسه إذا كانت تتفق مع عدم تمام الاختلاس.
ج. معاينة مسرح الجريمة لإثبات عدم نقل المال أو عدم سيطرة الجاني عليه فعليًا.
عدم إمكانية الاختلاس بطبيعة الشيء
ينص القانون على أن جريمة السرقة تقع على “مال منقول”. في حال كان الشيء المستهدف غير منقول بطبيعته، أو كانت العملية لا تتضمن انتزاع حيازة مادية لمال منقول، فإن ركن الاختلاس يكون منتفيًا. هذا قد يشمل قضايا الاحتيال التي تستهدف مبالغ مالية يتم تحويلها عبر البنوك بدلاً من سرقتها يدويًا.
أ. تحديد طبيعة الشيء المستهدف وإثبات أنه غير منقول أو أن التعامل معه لا يتم عبر الاختلاس المادي.
ب. الاستناد إلى نصوص القانون التي تحدد نطاق جريمة السرقة.
ج. مقارنة وقائع القضية مع تعريف الاختلاس القانوني للمال المنقول.
عناصر إضافية لتعزيز الدفاع
عبء الإثبات على النيابة العامة
يقع عبء إثبات جميع أركان الجريمة، بما في ذلك الركن المادي للاختلاس، على عاتق النيابة العامة. إذا عجزت النيابة عن تقديم أدلة كافية تثبت أن المتهم قد اختلس المال فعليًا، فإن المحكمة يجب أن تقضي ببراءة المتهم.
الاستعانة بالخبراء القانونيين
يمكن للخبراء القانونيين، وخاصة المحامين المتخصصين في القانون الجنائي، تقديم استشارات قيمة ومساعدة في صياغة الدفوع القانونية بفاعلية. فهم يملكون الخبرة في تحليل وقائع القضية وتطبيق النصوص القانونية عليها بما يخدم مصلحة المتهم.
تحليل الظروف المحيطة بالواقعة
قد تكشف الظروف المحيطة بالجريمة عن تفاصيل تدعم دفع عدم الاختلاس. على سبيل المثال، وجود خلافات سابقة بين الأطراف قد تدفع المجني عليه لتقديم بلاغ كيدي، أو عدم وجود أي آثار مادية تدل على فعل الاختلاس في مسرح الجريمة.
التمييز بين السرقة وجرائم أخرى
السرقة والاحتيال
من الضروري التمييز بين السرقة والاحتيال. في الاحتيال، يسلم المجني عليه المال بناءً على وسائل احتيالية استخدمها الجاني لخداعه، حيث تكون إرادته معيبة وليست مسلوبة بالكامل كما في السرقة بالإكراه التي تشمل انتزاعًا ماديًا. هذا التمييز جوهري في تحديد طبيعة الجريمة.
السرقة والنصب
“النصب” هو مرادف للاحتيال ويُعنى به الاستيلاء على مال الغير باستخدام طرق احتيالية تدفع المجني عليه لتسليم ماله برضاه المعيب. على عكس السرقة، لا يوجد في النصب فعل “انتزاع” أو “اختلاس” مباشر للمال من حيازة المجني عليه، بل يتم التسليم نتيجة الخداع.
الخلاصة
يعتبر الدفع بعدم توافر الركن المادي للسرقة بالإكراه، لعدم وقوع اختلاس، من الدفوع الجوهرية التي يمكن أن تؤدي إلى براءة المتهم. يتطلب هذا الدفع فهمًا دقيقًا لمفهوم الاختلاس في القانون الجنائي المصري، وتقديم أدلة قوية تدعم عدم تحقق هذا الركن الأساسي. إن تطبيق هذه الاستراتيجيات القانونية بعناية يمكن أن يغير مسار القضية بشكل جذري.