الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

الدفع بانتفاء رابطة السببية بين الإكراه المزعوم وفقد المال

الدفع بانتفاء رابطة السببية بين الإكراه المزعوم وفقد المال

استراتيجيات قانونية لإنكار العلاقة بين الإكراه المزعوم والضرر المالي

في عالم القانون المعقد، تبرز مفاهيم أساسية تشكل ركيزة العدالة وسلامة الإجراءات القضائية. من بين هذه المفاهيم، يأتي الدفع بانتفاء رابطة السببية بين الإكراه المزعوم وفقد المال، وهو دفاع جوهري يمكن أن يغير مسار العديد من القضايا. يهدف هذا المقال إلى تقديم حلول عملية واستراتيجيات دقيقة لكيفية التعامل مع هذا الدفع، مع تسليط الضوء على كافة جوانبه القانونية والفنية. سنتناول الموضوع من خلال خطوات واضحة ومبسطة، لتمكين الأفراد والمحامين من الإلمام بهذا الدفع وتقديمه بفعالية في المحاكم.

مفهوم رابطة السببية والإكراه في القانون

تعريف رابطة السببية

رابطة السببية هي الصلة المباشرة والضرورية بين فعل معين (سبب) ونتيجة معينة (أثر). هي الشرط الأساسي لقيام المسؤولية القانونية، سواء كانت جنائية أو مدنية. فبدون إثبات هذه الرابطة، لا يمكن تحميل الفاعل مسؤولية الضرر الذي وقع. يجب أن يكون الفعل هو السبب المباشر والفعال في حدوث النتيجة، وليس مجرد عامل عابر أو ثانوي. تحديد هذه الرابطة يتطلب تحليلاً دقيقاً للوقائع والظروف المحيطة بالحادثة لضمان العدالة.

إن فهم عمق رابطة السببية يتجاوز مجرد التسلسل الزمني للأحداث. فقد تتداخل عدة عوامل لتحدث نتيجة معينة، والمهم هو تحديد العامل الذي كان له الدور الحاسم والمباشر. في المسائل القانونية، هذا يعني استبعاد الأسباب البعيدة أو غير المؤثرة بشكل مباشر في إحداث الضرر. هذا التحليل الدقيق يمثل جوهر الدفع بانتفاء السببية ويسمح بالتمييز بين الأسباب الفعلية وغير الفعلية.

مفهوم الإكراه القانوني

الإكراه في القانون هو كل ضغط أو تهديد يقع على إرادة شخص، يدفعه إلى القيام بعمل أو الامتناع عنه رغماً عنه. هذا الضغط قد يكون مادياً (جسدياً) أو معنوياً (نفسياً). لكي يُعتبر الإكراه قانونياً، يجب أن يكون جسيماً ومؤثراً، بحيث لا يستطيع الشخص العادي مقاومته. هو يؤثر على حرية الاختيار ويجعل التصرف الصادر عن المكره غير معبر عن إرادته الحرة والمستقلة. يهدف القانون إلى حماية الإرادة الحرة للأفراد وضمان أن تكون تصرفاتهم نابعة عن اختيارهم.

الإكراه ليس مجرد ضغط بسيط، بل هو قوة قاهرة أو تهديد حقيقي يدفع الشخص إلى فعل ما لم يكن ليفعله بإرادته الحرة. يشترط في الإكراه أن يكون الضحية تحت تأثيره المباشر وقت ارتكاب الفعل أو التصرف. هذا المفهوم حيوي لتحديد ما إذا كان الشخص قد تصرف بناءً على إرادته الحرة أم نتيجة لتهديد حقيقي وجسيم. التحقق من وجود الإكراه يتطلب فحص الظروف المحيطة بالواقعة بعناية فائقة.

شروط تحقق الإكراه

لتحقق الإكراه كدفع قانوني، يجب توافر عدة شروط أساسية. أولاً، يجب أن يكون الإكراه جسيماً ومهدداً، بحيث يخلق خوفاً حقيقياً لدى الشخص المكره من خطر وشيك يهدد نفسه أو ماله أو ذويه. ثانياً، يجب أن يكون الإكراه غير مشروع، أي أن يكون صادراً عن تهديد بفعل غير قانوني. ثالثاً، يجب أن يكون الإكراه هو الدافع الرئيسي والوحيد الذي أثر في إرادة المكره وجعله يتصرف على نحو معين. رابعاً، يجب أن يكون الإكراه قائماً ومؤثراً وقت وقوع الفعل. هذه الشروط مجتمعة تحدد مدى صحة الدفع بالإكراه.

بالإضافة إلى ما سبق، يجب أن يكون هناك عدم تناسب بين الإكراه والفعل المطلوب، بمعنى أن يكون الفعل الذي تم الإكراه عليه أكبر من مجرد استجابة لضغط بسيط. كما يجب أن يكون الإكراه حاصلاً فعلاً، وليس مجرد وهم أو ظن. تقع مسؤولية إثبات توافر هذه الشروط على عاتق من يدعي الإكراه. فالمحكمة تقوم بتقييم طبيعة الإكراه وتأثيره المحتمل على إرادة الشخص العادي الذي يجد نفسه في نفس الظروف. هذه الشروط تشكل الإطار الذي يحدد قبول الدفع أو رفضه.

أهمية الدفع بانتفاء السببية في القضايا المدنية والجنائية

في المسؤولية التقصيرية والعقدية

في إطار المسؤولية التقصيرية، يُعد الدفع بانتفاء رابطة السببية حجر الزاوية للدفاع. إذا لم يتمكن المدعي من إثبات أن فعل المدعى عليه هو السبب المباشر للضرر، فإن دعواه تسقط. فالمسؤولية تتطلب وجود خطأ وضرر ورابطة سببية بينهما. أما في المسؤولية العقدية، فانتفاء السببية يمكن أن يُستخدم للدفع بأن الإخلال بالعقد لم يكن هو السبب المباشر للضرر الذي يطالب به الطرف الآخر. هذا الدفع يحمي الأطراف من تحميل مسؤوليات غير منطقية أو غير مبررة قانونياً. بدون هذه الرابطة، تفقد المطالبة أساسها القانوني.

تكمن أهمية هذا الدفع في قدرته على نفي عنصر أساسي من عناصر قيام المسؤولية. في القضايا المدنية، إذا لم يتم إثبات أن سلوك المدعى عليه قد تسبب بشكل مباشر في خسارة المدعي، فلا يمكن للمحكمة أن تحكم بالتعويض. على سبيل المثال، إذا كان هناك سبب آخر مستقل للضرر، فإن المدعى عليه لا يكون مسؤولاً. هذا الدفع يضمن أن التعويضات تفرض فقط على من تسببوا فعلاً في الأضرار، ويعزز مبدأ العدالة ووضوح الأدوار في الدعاوى القانونية.

في الجرائم التي تتطلب توافر الإكراه

في بعض الجرائم، مثل السرقة بالإكراه، يُعد الإكراه عنصراً جوهرياً لتكييف الجريمة وتحديد عقوبتها. إذا نجح المتهم في الدفع بانتفاء رابطة السببية بين الإكراه المزعوم وفقد المال، فقد تتغير تهمته من سرقة بالإكراه إلى سرقة عادية، أو قد تُنفى التهمة بالكامل. هذا الدفع يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في الحكم النهائي. فالقانون يفرق بين السرقة العادية والسرقة التي تتم تحت تأثير التهديد أو القوة، ويعاقب على الثانية بشدة أكبر. إثبات عدم وجود إكراه أو عدم تأثيره المباشر على فقد المال هو جوهر هذا الدفاع.

يساعد الدفع بانتفاء السببية في الجرائم الجنائية على تحليل الظروف التي أدت إلى فقدان المال بدقة. فإذا كان فقد المال قد حدث لسبب آخر لا علاقة له بالإكراه المزعوم، فإن الركن المادي للجريمة قد لا يكتمل بصورته المشددة. على سبيل المثال، إذا كان المجني عليه قد فقد ماله قبل أو بعد زوال الإكراه، أو بسبب إهماله، وليس نتيجة مباشرة للتهديد. هذا الجانب من الدفع يساهم في ضمان أن المتهمين لا يحاكمون على أفعال لم يرتكبوها، أو على تكييف جرمي لا ينطبق على حالتهم الفعلية.

تأثيره على تعويض الأضرار

لتعويض الأضرار، يجب أن يكون هناك ارتباط مباشر بين الفعل الضار والضرر الواقع. إذا تم إثبات انتفاء رابطة السببية بين الإكراه المزعوم وفقد المال، فإن المطالبة بالتعويض عن فقدان هذا المال ستكون غير مبررة. فالمحكمة لن تحكم بالتعويض إذا كان المال قد فقد لسبب آخر لا يرجع إلى الإكراه. هذا يعفي المدعى عليه من التزام تعويضي قد يكون باهظاً ويضمن أن التعويضات تُمنح فقط عن الأضرار التي نجمت فعلاً عن الفعل المنسوب إليه. العدالة تقتضي ربط التعويض بالسبب المباشر للضرر.

يعد هذا الدفع ذا أهمية قصوى في قضايا التعويض، حيث يتيح للمحكمة تقييم ما إذا كان الضرر المالي المطالب به قد نجم عن الإكراه المزعوم فعلاً. إذا ثبت أن المال قد فُقد نتيجة لعوامل أخرى كالإهمال أو الظروف الاقتصادية أو قرارات شخصية، فإنه لا يمكن تحميل الطرف الآخر المسؤولية التعويضية. هذا يحمي المدعى عليهم من مطالبات تعويضية لا أساس لها، ويوجه العدالة نحو تحديد المسؤولية بدقة وشفافية. يضمن عدم تحميل أعباء مالية على أطراف غير مسؤولة بشكل مباشر.

طرق إثبات انتفاء رابطة السببية بين الإكراه وفقد المال

إثبات وجود سبب آخر لفقد المال

إحدى الطرق الفعالة للدفع بانتفاء السببية هي إثبات أن فقد المال قد حدث بسبب آخر لا علاقة له بالإكراه المزعوم. يمكن أن يكون هذا السبب الآخر إهمالاً من جانب المجني عليه، أو سوء إدارة، أو ظروف اقتصادية خارجة عن الإرادة، أو حتى تصرفات طوعية من قبل المجني عليه نفسه. يتطلب هذا الأمر جمع أدلة قوية تثبت أن هناك عاملاً مستقلاً كان هو السبب الحقيقي وراء فقد المال، وأن الإكراه – إن وجد – لم يكن له دور فعال أو مباشر في ذلك. يجب أن تكون الأدلة دامغة وموثوقة.

على سبيل المثال، يمكن تقديم مستندات بنكية تثبت عمليات سحب أو تحويلات مالية تمت بإرادة المجني عليه، أو كشوف حسابات تظهر تدهوراً مالياً مستقلاً عن الإكراه المزعوم. كما يمكن الاستعانة بشهود يشهدون على ظروف مالية صعبة كان يمر بها المجني عليه. الهدف هو إيجاد تفسير بديل ومقنع لفقد المال يزيح المسؤولية عن الفعل المكره عليه. هذا التحليل للوضع المالي والتصرفات يوضح السياق الحقيقي للحادثة ويقلل من تأثير ادعاء الإكراه. الأدلة المادية في هذا السياق حاسمة.

إثبات عدم جدية الإكراه أو عدم فعاليته

يمكن الدفع بانتفاء السببية من خلال إثبات أن الإكراه المزعوم لم يكن بالقدر الكافي من الجدية أو التأثير ليدفع الشخص إلى فقد ماله. قد يكون التهديد بسيطاً أو غير قابل للتحقق، أو أن المجني عليه كان يملك خيارات أخرى لتجنب الضرر ولم يتخذها. يركز هذا الدفاع على ضعف ادعاء الإكراه نفسه، وليس فقط على وجود سبب آخر لفقد المال. يجب إظهار أن الشخص المكره لم يكن تحت تأثير الإكراه بشكل يفقده الإرادة أو حرية الاختيار. هذا يتطلب تحليلاً لظروف الإكراه المزعوم وشخصية المجني عليه.

لتحقيق ذلك، يمكن تقديم أدلة تشير إلى أن المجني عليه كان لديه القدرة على مقاومة الإكراه، أو أنه لم يأخذ التهديدات على محمل الجد، أو أنه تصرف بشكل يتناقض مع ادعاء الإكراه. يمكن مثلاً إثبات أنه قام باتصالات أو طلب مساعدة، مما يدل على احتفاظه ببعض حرية التصرف. كما يمكن الاستعانة بشهادات خبراء نفسيين لتقييم مدى تأثر الشخص بالإكراه المزعوم، ومدى قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة رغم وجود الضغط. هذه الأدلة تساعد في إضعاف ادعاء الإكراه كعامل حاسم.

إثبات التراخي في اتخاذ الإجراءات

في بعض الحالات، يمكن للدفاع أن يثبت أن المجني عليه قد تراخى في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع فقدان ماله بعد زوال الإكراه، أو بعد أن كان لديه فرصة للجوء إلى السلطات أو طلب المساعدة. هذا التراخي يدل على أن فقد المال لم يكن نتيجة مباشرة ومستمرة للإكراه، بل ربما كان نتيجة لقرارات لاحقة أو إهمال من جانب المجني عليه. إذا كان هناك فترة زمنية كافية بين الإكراه المزعوم وفقد المال، وكان بإمكان المجني عليه التصرف لتجنب الخسارة ولم يفعل، فهذا يقطع رابطة السببية المباشرة. يجب تحديد هذه الفترة الزمنية بشكل دقيق.

يُعد تقديم دليل على التراخي أمراً مهماً، فهو يشير إلى أن الضحية كان لديه الفرصة للتحرك ولكنه لم يقم بذلك، مما يضعف الحجة بأن الإكراه هو السبب الوحيد والمباشر لفقد المال. على سبيل المثال، إثبات أن المجني عليه لم يبلغ الشرطة فوراً، أو أنه لم يتخذ خطوات قانونية أو إدارية لحماية ماله رغم زوال التهديد. هذه الأدلة توضح أن فقد المال قد يكون نتيجة لعوامل لاحقة أو قرارات شخصية، وليس حصراً نتيجة للإكراه المبدئي. يركز هذا على سلوك الضحية بعد الواقعة.

الاعتماد على الشهادات والخبرة القضائية

تُعد شهادات الشهود والخبراء القضائيين أدوات بالغة الأهمية في إثبات انتفاء رابطة السببية. يمكن للشهود الذين كانوا حاضرين وقت الواقعة أو الذين لديهم علم بالظروف المحيطة بها أن يقدموا روايات تدعم الدفع بأن الإكراه لم يكن له تأثير مباشر أو أن المال فقد لسبب آخر. كما يمكن الاستعانة بخبراء ماليين لتقديم تقارير تحليلية تثبت أن فقد المال يعود إلى أسباب اقتصادية أو إدارية بحتة، وليس نتيجة للإكراه المزعوم. الخبراء يمكنهم توضيح تعقيدات المعاملات المالية. شهادة الخبير المالي ضرورية في هذا السياق.

التقارير الفنية، مثل تقارير تحليل المعاملات المصرفية أو مراجعة الحسابات، يمكن أن تقدم رؤى لا تقدر بثمن. فإذا أظهرت هذه التقارير وجود سوابق مالية سيئة أو قرارات استثمارية خاطئة، فإنها تدعم حجة الدفاع. كما يمكن للشهود أن يدعموا حجة الدفاع بوصفهم للظروف التي لم تكن تشير إلى إكراه حقيقي. تعتمد المحاكم بشكل كبير على هذه الأدلة الموضوعية والشهادات الموثوقة لتكوين قناعتها حول وجود رابطة السببية أو عدمها. تجميع هذه الأدلة يتطلب تخطيطاً دقيقاً.

استراتيجيات دفاعية لتعزيز الدفع بانتفاء السببية

جمع الأدلة والوثائق الدامغة

أساس أي دفاع قانوني قوي هو الأدلة الدامغة. لتعزيز الدفع بانتفاء رابطة السببية، يجب جمع كل وثيقة أو دليل مادي يمكن أن يدعم الحجة. يشمل ذلك المستندات المالية، كشوف الحسابات البنكية، رسائل البريد الإلكتروني، سجلات المكالمات، شهادات الشهود، تقارير الخبرة الفنية، وأي دليل آخر يوضح أن فقد المال لم يكن بسبب الإكراه المزعوم أو أن هناك سبباً آخر مستقلاً. كل تفصيل مهم في بناء صورة شاملة. يجب التأكد من صحة وموثوقية كل قطعة من الأدلة المقدمة إلى المحكمة.

يجب أن تكون عملية جمع الأدلة منهجية ومنظمة. يتم تصنيف الأدلة حسب صلتها بالدفاع وترتيبها زمنياً. على سبيل المثال، إذا كان الادعاء يتعلق بإكراه مالي، فإن إظهار وجود تعاملات مالية سابقة للمدعي تثبت وجود مشكلات مالية مستقلة يمكن أن يكون حاسماً. كذلك، إذا كانت هناك رسائل نصية أو إيميلات بين الطرفين لا تظهر أي تهديد أو ضغط، فإنها تعزز موقف الدفاع. كلما كانت الأدلة أكثر قوة وتنوعاً، زادت فرص نجاح الدفع. الاستعانة بالخبراء لتدقيق الأدلة أمر بالغ الأهمية.

تقديم دفوع قانونية متكاملة

يجب أن يكون الدفع بانتفاء السببية جزءاً من استراتيجية دفاعية متكاملة. لا يكفي مجرد القول بانتفاء السببية، بل يجب تقديم دفوع قانونية مفصلة تشرح كيف أن الإكراه المزعوم لم يكن السبب المباشر لفقد المال، وتقدم التفسيرات البديلة لفقدان هذا المال. يجب أن ترتكز هذه الدفوع على النصوص القانونية ذات الصلة، والسوابق القضائية المشابهة التي تدعم الموقف. يجب أن تكون الدفوع واضحة ومنطقية ومقنعة للمحكمة، مع التركيز على الحقائق الثابتة والأدلة المقدمة. الدفاع الجيد يجمع بين الواقع والقانون بشكل متناسق.

يتطلب هذا الأمر صياغة مذكرة دفاع شاملة، توضح الجوانب القانونية للدفع وتطبيقاتها على وقائع القضية المحددة. يجب أن تتضمن المذكرة تحليلاً قانونياً لأركان المسؤولية وكيف أن رابطة السببية لم تتحقق في هذه الحالة. كما يجب تقديم حجج مضادة لأي ادعاءات من الطرف الآخر تدعي وجود السببية. يجب أن تكون الحجج متماسكة ومبنية على فهم عميق للقانون. الدفوع المتكاملة تعزز من فرصة المحكمة في فهم وجهة نظر الدفاع وقبولها. هذه المرحلة هي جوهر العملية القضائية.

استدعاء شهود النفي والخبرة الفنية

استدعاء شهود النفي الذين يمكنهم دحض ادعاءات الطرف الآخر بشأن الإكراه أو فقد المال، أو الذين يمكنهم تأكيد وجود سبب آخر لفقدان المال، أمر حيوي. كما أن الاستعانة بخبراء فنيين في مجالات مثل المحاسبة، التحليل المالي، أو حتى الطب النفسي، يمكن أن توفر تقارير وآراء خبراء تدعم الدفع بانتفاء السببية. على سبيل المثال، خبير مالي يمكنه إثبات أن فقد المال كان نتيجة استثمار سيء، أو خبير نفسي يمكنه تقييم مدى تأثير الإكراه المزعوم على إرادة الشخص. هذه الشهادات والتقارير تضفي مصداقية على الدفاع.

يجب اختيار الشهود والخبراء بعناية فائقة لضمان أن شهاداتهم موثوقة ومقنعة. يجب أن يكون الشهود قادرين على تقديم معلومات دقيقة ومفصلة حول الوقائع. أما الخبراء، فيجب أن تكون لديهم الخبرة الكافية في مجالهم وأن يكونوا قادرين على تقديم تقارير موضوعية ومدعومة بالأدلة العلمية أو الفنية. الاستعداد الجيد لاستجواب الشهود وتقديم تقارير الخبراء يرفع من قوة الدفع. هذه العناصر تعزز الشك في ادعاء السببية المباشرة وتدعم الدفاع بشكل كبير.

تحليل السوابق القضائية المشابهة

تحليل السوابق القضائية التي تناولت الدفع بانتفاء رابطة السببية في ظروف مشابهة يمكن أن يكون له تأثير كبير على نجاح الدفاع. هذه السوابق توفر إرشادات حول كيفية تعامل المحاكم مع مثل هذه الدفوع، وما هي أنواع الأدلة والحجج التي تم قبولها أو رفضها. يمكن الاستشهاد بهذه السوابق لدعم الموقف القانوني للدفاع وإظهار أن هناك سوابق قضائية تدعم ما يتم طرحه من دفوع. البحث القانوني الشامل في هذا المجال لا غنى عنه لأي محامٍ محترف. الاستفادة من تجارب قضائية سابقة أمر حيوي.

يجب التركيز على السوابق القضائية الصادرة عن المحاكم العليا أو محكمة النقض، حيث أن أحكامها تكون ملزمة أو لها قوة إرشادية كبيرة. يتم تحليل هذه الأحكام لفهم المبادئ القانونية التي استندت إليها المحاكم في قبول أو رفض الدفع بانتفاء السببية. بعد ذلك، يتم تطبيق هذه المبادئ على وقائع القضية الحالية، مع إبراز أوجه التشابه والاختلاف. هذا التحليل يعطي دفوع الدفاع قوة إضافية ويجعلها أكثر إقناعاً للمحكمة. السوابق القضائية تضيء الطريق للدفاع الفعال.

نصائح إضافية لنجاح الدفع

الاستعانة بمحامٍ متخصص

يُعد الاستعانة بمحامٍ متخصص في القضايا الجنائية أو المدنية التي تتناول مفاهيم السببية والإكراه أمراً حيوياً لنجاح الدفع. يمتلك المحامي المتخصص المعرفة القانونية العميقة والخبرة العملية اللازمة لصياغة الدفوع بشكل فعال، وجمع الأدلة المطلوبة، وتقديم الحجج المقنعة أمام المحكمة. كما أنه سيكون قادراً على تحليل تفاصيل القضية بدقة وتحديد أفضل الاستراتيجيات الدفاعية. محاولة الدفاع عن النفس في مثل هذه القضايا المعقدة قد تكون محفوفة بالمخاطر. المحامي المتخصص هو الأجدر بالتعامل مع هذه التحديات.

يقدم المحامي المتخصص توجيهات قيمة في كل مرحلة من مراحل القضية، بدءاً من التحقيقات الأولية ووصولاً إلى جلسات المحاكمة. يمكنه تقدير نقاط القوة والضعف في القضية، وتقديم المشورة حول كيفية تعزيز الدفوع وإضعاف ادعاءات الطرف الآخر. خبرته في التعامل مع قضايا مشابهة تمكنه من توقع ردود فعل المحكمة وتكييف الدفاع وفقاً لذلك. هذا الدعم القانوني الاحترافي يزيد بشكل كبير من فرص نجاح الدفع وتقديم قضية قوية ومنظمة أمام العدالة.

وضوح الدفع وتحديده

يجب أن يكون الدفع بانتفاء رابطة السببية واضحاً ومحدداً بشكل لا لبس فيه. يجب أن يوضح الدفاع بوضوح لماذا يعتقد أن الإكراه المزعوم لم يكن السبب المباشر لفقد المال، ويقدم الأسباب البديلة بشكل منطقي ومدعوم بالأدلة. الغموض أو التعميم في الدفوع يمكن أن يضعف موقف الدفاع ويجعل المحكمة غير مقتنعة به. التركيز على الحقائق الجوهرية وتقديمها بطريقة مباشرة ومفهومة يعزز من قوة الدفع. يجب الابتعاد عن أي تشتيت أو معلومات غير ذات صلة. كلما كان الدفع محددًا، زادت فرصة قبوله.

يتطلب الوضوح في الدفع صياغة قانونية دقيقة، تتجنب الألفاظ الفضفاضة وتستخدم مصطلحات قانونية صحيحة. يجب تحديد النقطة التي يعتبرها الدفاع فاصلة في سلسلة الأحداث، والتي أدت إلى قطع رابطة السببية المزعومة. على سبيل المثال، تحديد اللحظة التي زال فيها الإكراه، أو اللحظة التي ظهر فيها سبب آخر لفقد المال. هذا الوضوح يساعد المحكمة على فهم حجة الدفاع بشكل أسرع وأكثر فعالية، ويسهل عليها اتخاذ قرار مستنير. الدفع المبهم يضر بمصلحة موكله.

التركيز على التسلسل الزمني للأحداث

يُعد التسلسل الزمني للأحداث عاملاً حاسماً في إثبات أو نفي رابطة السببية. يجب على الدفاع أن يقدم جدولاً زمنياً دقيقاً يوضح تواريخ وأوقات وقوع الإكراه المزعوم، وتواريخ وأوقات فقد المال، وأي أحداث أخرى ذات صلة. إذا كان هناك فجوة زمنية كبيرة بين الإكراه وفقد المال، أو إذا وقعت أحداث أخرى مؤثرة خلال هذه الفترة، فهذا يمكن أن يدعم الدفع بانتفاء السببية. التناقضات في التسلسل الزمني للوقائع التي يقدمها الطرف الآخر يمكن استغلالها بفعالية. الترتيب الزمني للأحداث يروي القصة الحقيقية.

إن بناء خط زمني مفصل يساعد المحكمة على تصور الأحداث بشكل واضح وتحديد ما إذا كان هناك اتصال منطقي ومباشر بين الإكراه وفقد المال. يمكن استخدام هذا التسلسل الزمني لتسليط الضوء على وجود عوامل جديدة أو قرارات مستقلة اتخذها المجني عليه بعد زوال الإكراه، والتي أدت إلى فقدان المال. كما يمكن من خلاله كشف أي محاولات لتضليل المحكمة أو تقديم معلومات غير دقيقة حول توقيت الأحداث. الدقة في التسلسل الزمني هي مفتاح إثبات براءة أو نفي مسؤولية. هذا العنصر يعزز مصداقية الدفاع.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock