الدفع بقيام حالة الإكراه
محتوى المقال
الدفع بقيام حالة الإكراه: دليل شامل لتقديم وإثبات هذا الدفاع
فهم الإكراه القانوني وكيفية الاستفادة منه في الدفاع
يعتبر الدفع بالإكراه من الدفوع الجوهرية في القانون، حيث يرفع المسؤولية الجنائية أو المدنية عن الفاعل إذا ما ثبتت شروطه. يقدم هذا المقال دليلاً عملياً وشاملاً لكيفية تقديم هذا الدفع بفعالية وإثباته أمام المحاكم، مع استعراض لأهم جوانبه القانونية والعملية في إطار القانون المصري. يهدف إلى تمكين الأفراد والمحامين من فهم آليات هذا الدفع واستخدامه بشكل صحيح.
مفهوم الإكراه القانوني وأنواعه
تعريف الإكراه في القانون
الإكراه في القانون هو ضغط أو تهديد غير مشروع يمارس على شخص، يدفعه لارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل لا يرغب فيه، ويكون هذا الضغط من شأنه أن يسلب إرادة المكره أو يجعلها معيبة. الهدف من الإكراه هو إجبار الشخص على تصرف معين تحت وطأة الخوف أو التهديد المباشر.
يعتبر الإكراه سبباً من أسباب انعدام المسؤولية الجنائية أو المدنية، لأنه يؤثر على حرية الإرادة والاختيار التي هي أساس التكليف القانوني. يجب أن يكون الإكراه حقيقياً وجسيماً ليعتد به قانوناً ويؤدي إلى نتائجه المرجوة.
أنواع الإكراه: المادي والمعنوي
ينقسم الإكراه بشكل عام إلى نوعين رئيسيين هما الإكراه المادي والإكراه المعنوي، ولكل منهما طبيعته وشروطه الخاصة التي يجب توافرها لإثباته.
الإكراه المادي يتمثل في استخدام القوة البدنية أو العنف المباشر ضد الشخص أو ضد من يهمه أمرهم، مما يسلبهم حرية الحركة أو الاختيار تماماً. أمثلة ذلك تشمل التقييد الجسدي أو التهديد بالسلاح الفوري والمباشر الذي لا يترك مجالاً للمقاومة.
أما الإكراه المعنوي، فيكون عبر التهديد بالضرر الجسيم الذي قد يلحق بالمكره أو بأشخاص مقربين منه، مثل التهديد بالقتل أو الإيذاء البدني أو التشهير أو الضرر المالي الفادح. هذا النوع يؤثر على الإرادة عن طريق الخوف الشديد دون استخدام القوة المادية.
الشروط القانونية لتحقق الإكراه
الشرط الأول: وجود خطر جسيم وحال وداهم
يجب أن يكون الخطر الذي يواجهه المكره جسيماً، بمعنى أنه يهدد النفس أو المال أو العرض بضرر بالغ. كما يجب أن يكون الخطر حالاً، أي وشيك الوقوع ولا يمكن تجنبه إلا بارتكاب الفعل المكره عليه.
الخطر الداهم لا يترك للمكره أي فرصة للتفكير أو التروي أو اللجوء للسلطات المختصة لدرء هذا الخطر. يجب أن يكون الخطر واقعياً ومحدداً وليس مجرد وهم أو افتراض.
الشرط الثاني: عدم قدرة المكره على دفع الخطر
يشترط ألا يكون بوسع الشخص المكره دفع الخطر بوسيلة أخرى غير ارتكاب الفعل المنسوب إليه. إذا كان بإمكانه اللجوء للشرطة أو الهروب أو طلب المساعدة، فإن حالة الإكراه لا تتحقق بالكامل.
يُقدر هذا الشرط بموضوعية، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بالمكره في لحظة وقوع الإكراه، وقدرته الفعلية على التصرف.
الشرط الثالث: أن تكون النتيجة المترتبة على الإكراه هي ارتكاب الجريمة أو الفعل
يجب أن يكون هناك ارتباط سببي مباشر بين الإكراه والفعل المرتكب. بمعنى أن الفعل ما كان ليتم لولا وجود الإكراه. يجب أن يكون فعل المكره هو الاستجابة المباشرة للتهديد أو الضغط.
لا يعتبر الإكراه سبباً لرفع المسؤولية إذا كان الشخص قد نوى ارتكاب الفعل قبل الإكراه، أو استغل الإكراه كمبرر لفعل كان يعتزم القيام به بالفعل.
الشرط الرابع: عدم تسبب المكره في الإكراه
لا يستفيد الشخص من الدفع بالإكراه إذا كان هو نفسه من تسبب في قيام حالة الإكراه ضده. على سبيل المثال، إذا وضع نفسه عمداً في موقف خطير أدى إلى إكراهه.
يجب أن يكون الإكراه خارجاً عن إرادة المكره ولم يكن له دور في نشأته أو تعمده. هذا الشرط يضمن عدم إساءة استخدام هذا الدفع القانوني كذريعة لتبرير أفعال غير مشروعة.
إجراءات تقديم الدفع بالإكراه أمام المحاكم
الخطوة الأولى: جمع الأدلة والوثائق
يُعد جمع الأدلة أول وأهم خطوة لتقديم الدفع بالإكراه. تشمل هذه الأدلة شهادات الشهود الذين رأوا أو سمعوا الإكراه، أو اطلعوا على آثاره.
كما يجب البحث عن أي وثائق أو تسجيلات صوتية أو مرئية، رسائل نصية، أو رسائل بريد إلكتروني تثبت وجود التهديد أو الضغط. يمكن أن تكون التقارير الطبية دليلاً على وجود عنف مادي.
الخطوة الثانية: صياغة المذكرة القانونية
بعد جمع الأدلة، تأتي مرحلة صياغة المذكرة القانونية التي تتضمن الدفع بالإكراه. يجب أن تشرح المذكرة بالتفصيل طبيعة الإكراه، وتاريخه، والأشخاص المتورطين.
يجب أن تربط المذكرة بين الإكراه والفعل المرتكب، وتوضح كيف أن شروط الإكراه الأربعة قد تحققت في هذه الحالة. يجب دعم المذكرة بالمواد القانونية ذات الصلة من القانون المصري.
الخطوة الثالثة: الإثبات أمام قاضي الموضوع
يقع عبء إثبات حالة الإكراه على عاتق من يدفع بها. يجب على الدفاع تقديم الأدلة التي تم جمعها بشكل منظم وواضح أمام المحكمة.
يجب على المحامي أن يستجوب الشهود ويقدم الحجج المنطقية التي تؤكد أن إرادة موكله كانت معيبة بسبب الإكراه. على القاضي تقييم جميع الأدلة والظروف المحيطة بالقضية.
آثار الدفع بالإكراه ونتائجه القانونية
الأثر على المسؤولية الجنائية
إذا ثبت قيام حالة الإكراه، فإنها تعد سبباً من أسباب الإباحة أو موانع المسؤولية الجنائية. هذا يعني أن الفعل المرتكب تحت الإكراه لا يعتبر جريمة أو أن الفاعل لا يسأل عنها جنائياً.
ينتج عن ذلك براءة المتهم من التهم الموجهة إليه، حيث أن الركن المعنوي للجريمة (القصد الجنائي) يكون منتفياً أو معيباً بفعل الإكراه.
الأثر على المسؤولية المدنية والعقود
في القانون المدني، يعتبر الإكراه سبباً من أسباب عيوب الإرادة التي تبطل التصرفات القانونية أو تجعلها قابلة للإبطال. فالعقود التي يتم إبرامها تحت الإكراه تكون باطلة بطلاناً نسبياً أو مطلقاً.
يؤدي إثبات الإكراه إلى زوال الآثار القانونية للعقد، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، مع إمكانية المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن الإكراه.
نصائح عملية لتعزيز الدفع بالإكراه
الاستعانة بمحامٍ متخصص
إن قضايا الإكراه معقدة وتتطلب خبرة قانونية عميقة. الاستعانة بمحامٍ متخصص في القانون الجنائي أو المدني، ولديه خبرة في التعامل مع دفوع الإكراه، أمر بالغ الأهمية.
المحامي المتخصص يعرف كيفية جمع الأدلة، وصياغة المذكرات القانونية، وتقديم الحجج أمام المحكمة بفعالية، مما يزيد من فرص قبول الدفع.
توثيق كافة تفاصيل الإكراه
كلما كانت تفاصيل الإكراه موثقة بدقة، كلما كان الدفع أقوى. سجل التواريخ والأوقات والمواقع، وأسماء الأشخاص المتورطين، ونوع التهديدات أو الضغط الممارس.
أي دليل مادي أو شهادة يمكن أن يعزز روايتك يجب توثيقه وحفظه بعناية لتقديمه كدليل للمحكمة في الوقت المناسب.
التركيز على الجانب الموضوعي في الإثبات
يجب أن ينصب تركيز الدفاع على إثبات الشروط الموضوعية للإكراه، مثل وجود الخطر الجسيم والحال، وعدم القدرة على دفع الخطر، والصلة السببية بين الإكراه والفعل.
تجنب الجوانب العاطفية المبالغ فيها وركز على الحقائق والأدلة التي تدعم الجانب القانوني للدفع.