التمييز بين الشروع والجريمة التامة
التمييز بين الشروع والجريمة التامة
دليل شامل لفهم الفارق الجوهري بين محاولة ارتكاب الجريمة وتحققها في القانون المصري
يمثل التمييز بين الشروع والجريمة التامة حجر الزاوية في فهم منظومة القانون الجنائي، حيث يترتب على هذا الفارق اختلاف كبير في المسؤولية الجنائية والعقوبة المقررة. عدم تحقق النتيجة الإجرامية لا يعني بالضرورة براءة الفاعل، بل قد يضعه تحت طائلة قانونية مختلفة. هذا المقال يقدم لك دليلاً عملياً ومبسطاً لتوضيح كافة الجوانب المتعلقة بهذين المفهومين والخطوات العملية للتمييز بينهما وفقاً للتشريع المصري.
ما هي الجريمة التامة؟
الجريمة التامة هي تلك التي استوفت جميع أركانها القانونية، وتحققت نتيجتها الإجرامية التي هدف إليها الجاني. ببساطة، هي الجريمة التي اكتمل نموذجها القانوني كما نص عليه المشرع. ولكي نصف جريمة بأنها تامة، يجب أن يتوافر فيها ركنان أساسيان: الركن المادي والركن المعنوي. إذا تخلف أي منهما أو أي عنصر من عناصرهما، لا يمكننا الحديث عن جريمة تامة بالمعنى الدقيق.
يتألف الركن المادي للجريمة التامة من ثلاثة عناصر مترابطة. أولها هو السلوك الإجرامي، وهو النشاط المادي الذي يقوم به الجاني. ثانيها هو النتيجة الإجرامية، وهي الأثر الذي يترتب على هذا السلوك في العالم الخارجي، مثل إزهاق الروح في جريمة القتل. العنصر الثالث هو علاقة السببية، وهي الرابطة التي تثبت أن السلوك الذي ارتكبه الجاني هو الذي أدى مباشرة إلى وقوع تلك النتيجة.
مفهوم الشروع في الجريمة (الجريمة الناقصة)
الشروع، أو ما يطلق عليه أحيانًا “الجريمة الناقصة”، هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة، إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها. بمعنى آخر، الجاني هنا لديه النية الكاملة لارتكاب الجريمة ويبدأ بالفعل في تنفيذها، لكن النتيجة النهائية التي كان يسعى إليها لا تتحقق لسبب خارج عن إرادته، مثل تدخل الشرطة أو مقاومة الضحية أو حتى فشل الأداة المستخدمة.
يقوم الشروع على عنصرين أساسيين. الأول هو القصد الجنائي، حيث يجب أن تكون نية الجاني متجهة بشكل واضح وصريح إلى ارتكاب الجريمة بكامل أركانها. والثاني هو البدء في التنفيذ، وهو أن يتجاوز الجاني مرحلة التفكير والتخطيط إلى أفعال مادية تهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة. الأعمال التحضيرية المجردة، مثل شراء سلاح دون استخدامه، لا تعتبر شروعًا في العادة.
خطوات عملية للتمييز بين الشروع والجريمة التامة
للوصول إلى حل دقيق وتحديد ما إذا كانت الواقعة تمثل شروعًا أم جريمة تامة، يمكن اتباع خطوات تحليلية منطقية. الخطوة الأولى هي تحليل النتيجة الإجرامية. اسأل نفسك: هل تحقق الأثر الذي كان يهدف إليه الجاني؟ ففي جريمة السرقة، هل تم الاستيلاء على المال فعلاً؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فنحن نقترب من الجريمة التامة. أما إذا كانت الإجابة بالنفي، فهذا يوجهنا نحو احتمالية الشروع.
الخطوة الثانية تتمثل في فحص علاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة. في الجريمة التامة، يجب أن يكون فعل الجاني هو السبب المباشر والحاسم في وقوع النتيجة. أما في الشروع، فإن سلسلة السببية تنقطع قبل اكتمالها. على سبيل المثال، إذا أطلق شخص النار على آخر فأصابه ونجا المصاب بفضل التدخل الطبي السريع، فإن فعل إطلاق النار لم يؤدِ إلى الوفاة، وبالتالي فالواقعة شروع في القتل.
الخطوة الثالثة والأخيرة هي تقييم إرادة الجاني في عدم اكتمال الجريمة. إذا توقف الجاني عن إتمام جريمته بإرادته الحرة والكاملة، فهذا يسمى “عدول اختياري” وقد يعفيه من عقاب الشروع. أما إذا كان التوقف بسبب عامل خارجي لا علاقة له بإرادته، مثل القبض عليه متلبسًا أو هروب الضحية، فهذا هو ما يشكل الشروع المعاقب عليه قانونًا، حيث إن الجريمة لم تكتمل رغماً عن أنفه.
الفروق الجوهرية والعقوبات المقررة
الفارق الجوهري الأول يكمن في الركن المادي. الجريمة التامة تتحقق فيها النتيجة الإجرامية بشكل كامل، بينما في الشروع لا تتحقق هذه النتيجة على الإطلاق أو تتحقق بشكل جزئي لا يرقى إلى ما كان ينويه الجاني. هذا الاختلاف في اكتمال الركن المادي هو أساس التفرقة القانونية بينهما وهو ما يترتب عليه كافة الفروق الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالعقوبة.
يترتب على التمييز بين المفهومين فارق كبير في العقوبة. القاعدة العامة في القانون المصري أن عقوبة الشروع تكون أخف من عقوبة الجريمة التامة. يحدد القانون عقوبات محددة للشروع في الجنايات، وغالباً ما تكون نسبة من العقوبة المقررة للجريمة التامة. أما في الجنح، فلا يعاقب على الشروع فيها إلا بنص قانوني خاص. هذا التدرج في العقوبة يعكس حقيقة أن الضرر المترتب على الشروع أقل من الضرر المترتب على الجريمة الكاملة.
أمثلة توضيحية وحالات عملية
لتوضيح الفكرة، لنأخذ مثال جريمة السرقة. إذا قام شخص بكسر باب منزل بهدف السرقة، ولكنه فوجئ بصاحب المنزل واستطاع الأخير منعه من أخذ أي شيء، فإننا أمام شروع في السرقة. لقد بدأ الجاني في التنفيذ لكن جريمته خاب أثرها. أما إذا نجح في كسر الباب ودخل وأخذ بعض الممتلكات ثم غادر، فإن الجريمة هنا أصبحت تامة ومكتملة الأركان.
مثال آخر في جريمة التزوير. إذا قام شخص بتقليد توقيع على محرر بنكي بهدف صرف مبلغ مالي، ولكنه تم اكتشافه من قبل موظف البنك قبل إتمام عملية الصرف، فهذا شروع في التزوير واستعمال محرر مزور. أما إذا نجح في خداع الموظف وحصل على المبلغ المالي، فإن الجريمة هنا تامة. الفاصل الحاسم هو تحقق النتيجة المرجوة من الفعل الإجرامي من عدمه.