الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

القيود على تحريك الدعوى الجنائية في جرائم معينة

القيود على تحريك الدعوى الجنائية في جرائم معينة

دليل عملي لفهم الشكوى والطلب والإذن كشروط لإقامة الدعوى الجنائية

في النظام القانوني المصري، تعتبر النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها، فهي تمثل المجتمع في المطالبة بتوقيع العقاب على مرتكبي الجرائم. ولكن، هذه السلطة ليست مطلقة، حيث قيدها المشرع في جرائم معينة بثلاثة قيود أساسية هي: الشكوى، والطلب، والإذن. ويهدف هذا المقال إلى تقديم حلول عملية وفهم دقيق لهذه القيود، وكيفية التعامل معها من الناحية الإجرائية، لضمان حماية الحقوق الخاصة والحفاظ على المصلحة العامة في آن واحد.

الشكوى كقيد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى

القيود على تحريك الدعوى الجنائية في جرائم معينة
الشكوى هي بلاغ يقدمه المجني عليه أو وكيله الخاص إلى السلطة المختصة، يطلب فيه تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهم في جرائم محددة قانونًا. الهدف من هذا القيد هو الحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية من التصدع بسبب جرائم قد يفضل أطرافها سترها وحلها وديًا، بدلاً من عرضها أمام القضاء، مما يمنح المجني عليه سلطة تقديرية في بدء الإجراءات من عدمه.

ما هي الجرائم التي تتطلب شكوى؟

حدد قانون الإجراءات الجنائية هذه الجرائم على سبيل الحصر، ولا يجوز القياس عليها. من أبرز هذه الجرائم: جريمة الزنا، وجرائم السب والقذف، والسرقة بين الأصول والفروع أو الأزواج، وجريمة الامتناع عن تسليم الصغير لمن له الحق في حضانته، وجرائم خيانة الأمانة في حالات معينة. إذا لم يقدم المجني عليه شكوى في هذه الجرائم، تكون يد النيابة العامة مغلولة عن تحريك الدعوى، حتى لو علمت بوقوع الجريمة.

خطوات عملية لتقديم الشكوى بشكل صحيح

لضمان قبول الشكوى وتحريك الدعوى، يجب اتباع خطوات دقيقة. أولاً، يجب تقديم الشكوى خلال ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها. ثانيًا، تقدم الشكوى إما إلى النيابة العامة مباشرة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي (قسم الشرطة). ثالثًا، يجب أن تكون الشكوى مكتوبة أو شفهية، وتتضمن تحديدًا دقيقًا للمجني عليه والمتهم والواقعة الإجرامية. رابعًا، يجب أن يقدمها المجني عليه بنفسه أو عن طريق وكيل خاص لديه توكيل يبيح له تقديم الشكوى تحديدًا.

حالات انقضاء الحق في الشكوى

ينقضي الحق في الشكوى بعدة طرق. الحالة الأولى هي مضي مدة الثلاثة أشهر المذكورة دون تقديمها. الحالة الثانية هي التنازل الصريح أو الضمني عن الشكوى من قبل الشاكي، ويترتب على التنازل انقضاء الدعوى الجنائية. الحالة الثالثة هي وفاة المجني عليه قبل تقديم الشكوى، حيث إن الحق في الشكوى هو حق شخصي لا ينتقل إلى الورثة، إلا في حالات استثنائية جدا مثل جريمة الزنا.

الطلب كشرط لتحريك الدعوى الجنائية

الطلب هو إجراء يشبه الشكوى من حيث كونه قيدًا على سلطة النيابة، ولكنه يختلف عنها في طبيعته والجهة التي يصدر منها. فالطلب هو كتاب رسمي يصدر من هيئة أو جهة حكومية حددها القانون، موجه إلى النائب العام، للمطالبة بتحريك الدعوى الجنائية في جرائم تمس المصلحة العامة أو مصالح الدولة بشكل مباشر. هذا القيد يهدف إلى منح السلطة التنفيذية تقديرًا سياسيًا أو إداريًا قبل إثارة دعاوى قد تضر بعلاقات الدولة أو بهيبتها.

طبيعة الجرائم التي تستلزم طلبًا

تتعلق هذه الجرائم غالبًا بالمصلحة العليا للدولة. من أمثلتها الجرائم التي تقع من موظف عام أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، وجرائم تهريب النقد، والجرائم المتعلقة بالانتخابات، وجرائم إهانة رئيس دولة أجنبية أو ممثل دبلوماسي معتمد في مصر. في هذه الحالات، لا تستطيع النيابة العامة بدء التحقيق أو المحاكمة إلا بعد وصول طلب كتابي من الوزير المختص أو رئيس الهيئة المعنية.

الإجراءات العملية لتقديم الطلب

لا توجد إجراءات معقدة لتقديم الطلب من جانب الأفراد، حيث إن الأمر منوط بالجهة الإدارية المختصة. تبدأ العملية عادة بوجود واقعة إجرامية تصل إلى علم الجهة المعنية (مثل وزارة المالية في جرائم التهرب الضريبي). تقوم الجهة بدراسة الموقف وتقدير مدى ملاءمة تحريك الدعوى. إذا قررت المضي قدمًا، فإنها تحرر طلبًا كتابيًا موجهًا إلى النائب العام يتضمن تفاصيل الواقعة وتطلب فيه رسميًا تحريك الدعوى الجنائية ضد المتهم.

الإذن كشرط لتحريك الدعوى الجنائية

الإذن هو نوع من الحصانة الإجرائية المؤقتة التي يمنحها القانون لفئات معينة من الأفراد، مثل أعضاء البرلمان والقضاة وأعضاء النيابة العامة. الهدف من الإذن ليس حماية الشخص من العقاب، بل حماية الوظيفة التي يشغلها من الدعاوى الكيدية التي قد تعرقل أداءه لمهامه الحساسة. فالإذن هو تصريح من جهة معينة (مثل مجلس النواب أو مجلس القضاء الأعلى) يسمح للنيابة العامة باتخاذ الإجراءات الجنائية ضد أحد أعضائها.

الفئات التي تستلزم أخذ الإذن قبل محاكمتها

يشترط القانون الحصول على إذن قبل تحريك الدعوى ضد فئات محددة نظرًا لطبيعة عملها. أبرز هذه الفئات هم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ طوال فترة عضويتهم، حيث يتطلب الأمر إذنًا من المجلس التابع له العضو. كذلك القضاة وأعضاء النيابة العامة، حيث يجب الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى. هذا الإجراء يضمن عدم استخدام الدعاوى الجنائية كوسيلة للضغط السياسي أو للتأثير على استقلال القضاء.

كيفية الحصول على الإذن لتحريك الدعوى

تتمثل الخطوة الأولى في تقديم طلب من النائب العام إلى الجهة التي يتبعها الشخص المراد اتخاذ إجراءات ضده (مجلس النواب أو مجلس القضاء الأعلى). يجب أن يكون الطلب مدعمًا بالأدلة والمستندات التي تشير إلى جدية الاتهام. تقوم الجهة المختصة بدراسة الطلب والتحقق من جديته. إذا تبين لها أن الاتهام ليس كيديًا وأن هناك أساسًا للتحقيق، تصدر قرارها برفع الحصانة ومنح الإذن للنيابة العامة بمباشرة إجراءاتها.

حلول وإجراءات عملية للتعامل مع القيود

فهم الفروق بين هذه القيود الثلاثة هو مفتاح التعامل الصحيح معها. سواء كنت مجنيًا عليه، أو متهمًا، أو محاميًا، فإن معرفة متى تكون الشكوى واجبة، أو متى يتوقف الأمر على طلب أو إذن، يمثل الخطوة الأولى نحو اتخاذ الإجراء القانوني السليم أو بناء دفاع قانوني متين.

ماذا تفعل إذا كانت الجريمة تتطلب شكوى؟

إذا كنت المجني عليه في جريمة تتطلب شكوى، عليك التصرف بسرعة. أولاً، تأكد من أن الجريمة (مثل السب أو السرقة بين الأقارب) تندرج ضمن قائمة جرائم الشكوى. ثانيًا، احسب المدة الزمنية جيدًا والتزم بمهلة الثلاثة أشهر من تاريخ علمك بالواقعة ومرتكبها. ثالثًا، توجه إلى قسم الشرطة أو النيابة العامة المختصة وقدم شكواك. يفضل صياغتها كتابيًا بمساعدة محامٍ لضمان استيفاء كافة البيانات المطلوبة ووصف الواقعة بدقة.

الفروق الجوهرية بين الشكوى والطلب والإذن

يمكن تلخيص الفروق في نقاط بسيطة. الشكوى تصدر من المجني عليه أو وكيله الخاص، والهدف منها حماية مصلحة خاصة. الطلب يصدر من هيئة عامة (وزير أو رئيس هيئة)، والهدف منه حماية مصلحة عامة ذات طابع إداري أو سياسي. أما الإذن، فيصدر من هيئة نيابية أو قضائية، والهدف منه حماية وظيفة عامة حساسة من الدعاوى الكيدية. التنازل عن الشكوى ينهي الدعوى، بينما لا يجوز التنازل عن الطلب أو الإذن بعد صدورهما.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock