عقوبة إفشاء أسرار الغير
محتوى المقال
عقوبة إفشاء أسرار الغير
حماية الخصوصية والآثار القانونية لانتهاكها
تُعد الأسرار جزءاً لا يتجزأ من خصوصية الأفراد والمجتمعات، فهي تعكس الجوانب الحساسة في حياة الأشخاص والكيانات. ولضمان استقرار المجتمع وحماية الحقوق، أولى القانون المصري اهتماماً بالغاً بحماية هذه الأسرار، ووضع عقوبات صارمة لمن تسول له نفسه إفشاءها. تُركز هذه المقالة على جريمة إفشاء الأسرار في القانون المصري، مُقدمةً تعريفاً شاملاً لها، ومُفصلةً أنواعها، والعقوبات المقررة، والإجراءات الواجب اتباعها لحماية هذه الحقوق.
مفهوم إفشاء الأسرار في القانون المصري
تعريف السر
السر، في سياق القانون، هو كل معلومة لم يتم الإفصاح عنها علناً، وتكون بطبيعتها سرية أو يحرص صاحبها على إبقائها طي الكتمان. يشمل ذلك أي معلومات يُمكن أن يترتب على كشفها ضرر مادي أو معنوي على صاحبها. ولا يُشترط أن تكون المعلومة ذات أهمية قصوى؛ يكفي أن يُنظر إليها كسر من قبل صاحبها وأن يكون هناك ضرر محتمل من كشفها.
يُحدد القانون السر بالنظر إلى طبيعته والحالة التي أُودع فيها. فالأسرار المهنية، على سبيل المثال، هي تلك التي يكشفها العميل لطبيبه أو محاميه، بناءً على علاقة الثقة. بينما الأسرار الشخصية قد تكون معلومات عائلية أو صحية أو مالية، والتي لا يرغب الفرد في اطلاع الغير عليها.
أركان جريمة إفشاء السر
لكي تُعتبر جريمة إفشاء السر قائمة، يجب توافر ركنين أساسيين: الركن المادي والركن المعنوي. يضمن هذان الركنان أن يكون الفعل مجرماً ومتعمداً، مما يضفي عليه الصفة الجنائية التي تستدعي العقاب وفقاً لأحكام القانون.
الركن المادي يتمثل في الفعل الإيجابي المتمثل في كشف السر أو الإفصاح عنه بأي وسيلة كانت، سواء كانت كتابية أو شفهية أو رقمية. قد يكون ذلك بنقل المعلومة لشخص آخر غير مصرح له بالاطلاع عليها، أو بنشرها عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي. ويُعتبر إفشاء، حتى لو لم يؤدِ إلى ضرر مباشر، طالما أن المعلومة كانت سرية وتم كشفها. وقد يكون الركن المادي أيضاً سلبياً، كإهمال حماية السر مما أدى إلى كشفه.
أما الركن المعنوي، فيتمثل في القصد الجنائي، أي أن يكون المتهم عالماً بطبيعة المعلومة كسر، وأن لديه النية في إفشائها. لا يُشترط أن تكون نيته هي الإضرار بصاحب السر؛ يكفي أن يكون على علم بأن هذه المعلومة سرية وأن إفشاءها يمكن أن يُسبب ضرراً. فمجرد العلم بالسرية ورغم ذلك الإقدام على الإفشاء يُعد كافياً لتحقيق القصد الجنائي في معظم الحالات.
أنواع الأسرار المحمية قانونًا
الأسرار المهنية
تُعد الأسرار المهنية من أهم أنواع الأسرار التي يُشدد القانون على حمايتها، نظراً لارتباطها بعلاقات الثقة بين الأفراد وأصحاب المهن. يشمل ذلك الأسرار التي يطلع عليها الأطباء بحكم مهنتهم، أو المحامون من موكليهم، أو الصيادلة، أو الصحفيون، أو المراجعون الماليون. ينص القانون المصري، وتحديداً المادة 310 من قانون العقوبات، على تجريم إفشاء هذه الأسرار، لما في ذلك من مساس بالثقة التي تُبنى عليها هذه المهن.
تتضمن الأسرار المهنية أي معلومات يحصل عليها الشخص بحكم ممارسته لمهنة معينة، وتكون هذه المعلومات بطبيعتها سرية أو يُؤتمن عليها الشخص بصفته المهنية. وتُفرض على أصحاب هذه المهن واجب الكتمان المطلق، ولا يُمكنهم إفشاء هذه الأسرار إلا في حالات استثنائية يحددها القانون، مثل أمر قضائي واجب التنفيذ. ويهدف هذا التجريم إلى حماية مصلحة الأفراد الذين يُفصحون عن معلوماتهم الحساسة، وضمان سير العمل المهني بكفاءة ونزاهة.
الأسرار الوظيفية
تُعرف الأسرار الوظيفية بأنها المعلومات التي يطلع عليها الموظف أو العامل بحكم طبيعة وظيفته أو منصبه، والتي لا يجوز له الإفصاح عنها لغير المخولين. يهدف القانون من خلال حماية هذه الأسرار إلى الحفاظ على سير العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة، وضمان عدم تسرب معلومات قد تُضر بالمصلحة العامة أو الخاصة للجهة التي يعمل بها الموظف.
يشمل ذلك الخطط الاستراتيجية، البيانات المالية، معلومات العملاء، أو أي تفاصيل داخلية تُعتبر سرية. تُفرض على الموظفين واجبات السرية سواء بموجب القانون أو العقد الوظيفي، وتُعد مخالفتها جريمة يعاقب عليها القانون، إضافة إلى العقوبات التأديبية التي قد تُفرضها جهة العمل. تُشدد الحماية على الأسرار التي قد تؤثر على الأمن القومي أو الاقتصادي للدولة.
الأسرار التجارية والصناعية
تمثل الأسرار التجارية والصناعية عنصراً حيوياً في نجاح الشركات واستمراريتها، فهي تُعد من الأصول غير المادية ذات القيمة الاقتصادية الكبيرة. تشمل هذه الأسرار التركيبات الكيميائية، قوائم العملاء، خطط التسويق، عمليات التصنيع، البرمجيات، أو أي معلومات أخرى تُعطي ميزة تنافسية للشركة. يُكرس القانون المصري حماية خاصة لهذه الأسرار لضمان المنافسة العادلة وتشجيع الابتكار.
يُعاقب القانون على إفشاء الأسرار التجارية والصناعية لما يترتب عليها من أضرار جسيمة قد تلحق بالشركات، من خسائر مالية فادحة أو فقدان للميزة التنافسية. وتُطبق هذه الحماية على الموظفين الحاليين والسابقين، والشركاء، وأي شخص يطلع على هذه الأسرار بحكم علاقة عمل أو تعاون. وغالباً ما تتضمن عقود العمل بنوداً صريحة حول سرية المعلومات لحماية هذه الأسرار بشكل إضافي.
الأسرار الشخصية والخاصة
تُعتبر الأسرار الشخصية والخاصة من أهم الحقوق اللصيقة بالإنسان، وتشمل كل ما يتعلق بحياته الشخصية وعلاقاته ومعلوماته الخاصة التي لا يرغب في اطلاع الغير عليها. هذا يشمل الصور الشخصية، المحادثات الخاصة، المعلومات الصحية، والعلاقات العائلية. مع التطور التكنولوجي وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، زادت أهمية حماية هذه الأسرار، وخاصة من الجرائم الإلكترونية.
يُعاقب القانون المصري، وبالأخص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على انتهاك الخصوصية وإفشاء الأسرار الشخصية التي يتم الحصول عليها عبر الشبكة المعلوماتية أو وسائل الاتصال الحديثة. تتضمن هذه الجرائم القرصنة، التجسس على المحادثات، أو نشر الصور والفيديوهات الخاصة دون موافقة صاحبها. ويهدف القانون إلى توفير حماية شاملة لخصوصية الأفراد في الفضاء الرقمي، ويعاقب على الأفعال التي تُسيء إلى سمعة الأفراد أو تُعرضهم للضرر بسبب كشف معلوماتهم الخاصة.
العقوبات المقررة لإفشاء الأسرار في القانون المصري
العقوبات العامة
يُحدد القانون المصري عقوبات واضحة لجريمة إفشاء الأسرار، وتُعتبر المادة 310 من قانون العقوبات هي المادة الأساسية التي تُعالج هذه الجريمة. تنص هذه المادة على عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنة وغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من أسر إليه بسر بحكم وظيفته أو صنعته أو فنه أو حالته، فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وكان من شأن الإفشاء ضرر. هذا يُظهر أن المشرع يهدف إلى حماية الثقة التي تُبنى عليها العلاقات الاجتماعية والمهنية.
العقوبة هنا تُركز على الفعل نفسه وهو إفشاء السر، بغض النظر عن مدى الضرر الذي وقع فعلياً، طالما كان من شأن الإفشاء إحداث ضرر محتمل. يُشترط أن يكون الجاني قد علم بالسر بحكم إحدى الصفات المذكورة في النص (وظيفته، صنعته، فنه، حالته). وهذه العقوبات تُطبق كعقوبات أساسية، وقد تُشدد في بعض الحالات كما سيتم توضيحه لاحقاً.
العقوبات الخاصة بأنواع معينة من الأسرار
في بعض الحالات، يُشدد القانون العقوبة على جريمة إفشاء الأسرار نظراً لخطورة نوع السر المفرشَى عنه أو صفة من قام بالإفشاء. تُعد الأسرار المهنية التي يطلع عليها الأطباء والمحامون وغيرهم من أصحاب المهن الحساسة مثالاً بارزاً، حيث غالباً ما تكون العقوبات أشد لضمان حماية الثقة المطلقة في هذه المهن. يُمكن أن تصل العقوبة إلى الحبس لمدد أطول، بالإضافة إلى الغرامات المالية الكبيرة، وقد تشمل أيضاً عقوبات تكميلية كالفصل من الوظيفة أو شطب القيد من النقابة المهنية.
كما يُشدد القانون العقوبات على الجرائم المتعلقة بإفشاء الأسرار عبر وسائل تقنية المعلومات والإنترنت، حيث يُعالج قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات هذه الجرائم بعقوبات صارمة قد تصل إلى السجن والغرامات الكبيرة. هذا يعكس وعي المشرع بالتهديد المتزايد للخصوصية في العصر الرقمي. أما إفشاء أسرار الدفاع أو الأمن القومي أو الأسرار العسكرية، فتُعد من الجرائم الأشد خطورة، وتُعامل كجرائم جنائية تصل عقوبتها إلى السجن المشدد أو المؤبد، نظراً لتأثيرها المباشر على أمن الدولة وسلامتها.
التعويض المدني
بالإضافة إلى العقوبة الجنائية التي تفرضها الدولة على مرتكب جريمة إفشاء السر، يحق للمتضرر من هذا الإفشاء أن يطالب بتعويض مدني عن الأضرار التي لحقت به. يُشكل هذا التعويض جبراً للضرر المادي والمعنوي الذي تعرض له الفرد أو الكيان نتيجة كشف سره. ويُمكن للمتضرر رفع دعوى مدنية أمام المحكمة المختصة، سواء بشكل مستقل أو كجزء من الدعوى الجنائية (الادعاء بالحق المدني).
يُقدر التعويض المدني بناءً على حجم الضرر الذي لحق بالضحية، والذي قد يشمل خسائر مالية مباشرة (مثل خسارة صفقة تجارية بسبب إفشاء سر صناعي) أو أضرار معنوية (مثل المساس بالسمعة أو التسبب في ضغوط نفسية). يُقدم المتضرر الأدلة التي تُثبت حجم الضرر الذي لحق به، وتقوم المحكمة بتقدير مبلغ التعويض المناسب. ويُعد التعويض المدني حقاً مشروعاً يهدف إلى إعادة المتضرر إلى الوضع الذي كان عليه قبل وقوع الجريمة قدر الإمكان.
إجراءات تقديم الشكوى والمسار القانوني
الإبلاغ عن الجريمة
عند التعرض لجريمة إفشاء الأسرار، الخطوة الأولى والأساسية هي الإبلاغ عنها فوراً للجهات المختصة. يُمكن للمتضرر التوجه إلى النيابة العامة بشكل مباشر، أو إلى أقرب قسم شرطة لتقديم بلاغ رسمي. يجب أن يتضمن البلاغ كافة التفاصيل المتعلقة بالجريمة، مثل هوية الشخص الذي قام بالإفشاء إن كان معروفاً، نوع السر الذي تم إفشاؤه، الطريقة التي تم بها الإفشاء، والضرر الذي ترتب على ذلك.
يُفضل أن يكون البلاغ كتابياً ومرفقاً بأي مستندات أو أدلة أولية تدعم الشكوى. تُعد سرعة الإبلاغ عنصراً مهماً لضمان جمع الأدلة والحفاظ عليها، خصوصاً في الجرائم الإلكترونية التي قد تتطلب إجراءات سريعة لتتبع المصدر. بعد تقديم البلاغ، تتولى النيابة العامة التحقيق الأولي في الواقعة لتحديد ما إذا كانت تُشكل جريمة تستوجب الملاحقة القضائية.
جمع الأدلة
يُعد جمع الأدلة الدقيقة والشاملة عنصراً حاسماً في إثبات جريمة إفشاء الأسرار وضمان إدانة الجاني. يجب على المتضرر الاحتفاظ بأي دليل يُمكن أن يُثبت وقوع الجريمة، مثل الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، التسجيلات الصوتية أو المرئية، أو شهادات الشهود الذين لديهم علم بالواقعة. في حال كانت الجريمة إلكترونية، يجب توثيق المحتوى الذي تم نشره، أو حسابات التواصل الاجتماعي التي استخدمت في الإفشاء، مع أخذ لقطات شاشة أو تسجيلات فيديو تثبت ذلك.
في الجرائم الإلكترونية، قد تلجأ النيابة العامة إلى الاستعانة بالخبراء الفنيين والطب الشرعي الرقمي لتحليل البيانات الرقمية وتتبع المصدر الأصلي للإفشاء. هؤلاء الخبراء يُمكنهم استعادة البيانات المحذوفة، وتحديد عناوين IP، وتحليل السجلات الرقمية التي تُساهم في كشف هوية الجاني وطريقة ارتكاب الجريمة. لذا، فإن الحفاظ على أي أثر رقمي يُعد أمراً بالغ الأهمية لدعم سير التحقيقات.
مسار الدعوى القضائية
بعد جمع الأدلة والانتهاء من التحقيقات الأولية، تتخذ النيابة العامة قرارها بشأن إحالة القضية إلى المحكمة المختصة. إذا تبين وجود أدلة كافية على ارتكاب الجريمة، يتم إحالة المتهم إلى محكمة الجنح أو الجنايات، حسب جسامة الجريمة والعقوبة المقررة لها. يُعد دور المحامي المتخصص في قضايا إفشاء الأسرار بالغ الأهمية في هذه المرحلة، حيث يقوم بتمثيل المتضرر وتقديم الدفوع القانونية، ومتابعة سير الدعوى، وتقديم طلبات التعويض المدني.
خلال جلسات المحاكمة، تُقدم الأدلة وتُستمع الشهادات، ويُمكن للمتهم ومحاميه تقديم دفاعهم. وبعد الاستماع إلى كافة الأطراف ومراجعة الأدلة، تُصدر المحكمة حكمها النهائي في القضية، والذي قد يتضمن إدانة المتهم وتوقيع العقوبة الجنائية، بالإضافة إلى الحكم بالتعويض المدني للمتضرر. يُمكن الطعن على الحكم أمام المحاكم الأعلى درجة وفقاً للإجراءات القانونية المتبعة.
كيفية حماية الأسرار والوقاية من الإفشاء
الوعي القانوني
يُشكل الوعي القانوني حجر الزاوية في حماية الأفراد والمؤسسات من مخاطر إفشاء الأسرار. إن معرفة القوانين التي تُجرم إفشاء الأسرار وتُحدد العقوبات المقررة لها، تُمكن الأفراد من فهم حقوقهم وواجباتهم تجاه المعلومات السرية. هذا الوعي يُساهم في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية البيانات الشخصية والمهنية والتجارية، ويُشجع على الإبلاغ عن أي انتهاكات محتملة.
يجب على الأفراد والمؤسسات الاطلاع بانتظام على التحديثات في التشريعات المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية، مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. فالفهم الجيد لهذه القوانين يُساعد في تطبيق سياسات داخلية صارمة للتعامل مع المعلومات السرية، وتوعية الموظفين بمسؤولياتهم القانونية، مما يُقلل من احتمالية وقوع حوادث إفشاء الأسرار نتيجة الجهل أو الإهمال.
الإجراءات التقنية
في عصر الثورة الرقمية، تُعد الإجراءات التقنية ضرورية لحماية الأسرار من الإفشاء، خاصة مع تزايد الاعتماد على التخزين الرقمي والاتصالات الإلكترونية. يجب على الأفراد والمؤسسات تبني ممارسات أمنية قوية لتأمين معلوماتهم. هذا يشمل استخدام كلمات مرور قوية ومعقدة لجميع الحسابات والأجهزة، وتفعيل خاصية المصادقة الثنائية لزيادة مستوى الأمان.
كما يُعد استخدام برامج التشفير للبيانات الحساسة، سواء كانت مخزنة على الأجهزة أو مُرسلة عبر الإنترنت، خطوة حاسمة لمنع الوصول غير المصرح به. يُفضل أيضاً استخدام برامج مكافحة الفيروسات وتحديثها بانتظام، وتجنب فتح الروابط المشبوهة أو تحميل الملفات من مصادر غير موثوقة. يُمكن لهذه الإجراءات التقنية أن تُوفر حاجزاً قوياً ضد المتسللين والمخترقين الذين يسعون لسرقة أو إفشاء الأسرار الرقمية.
العقود والاتفاقيات
تُلعب العقود والاتفاقيات دوراً محورياً في حماية الأسرار، خاصة في البيئات المهنية والتجارية. تُعتبر بنود السرية وعدم الإفشاء (NDA) جزءاً أساسياً في عقود العمل، عقود الشراكة، وعقود الخدمات. تُلزم هذه البنود الأطراف المتعاقدة بالحفاظ على سرية المعلومات التي يطلعون عليها بحكم العلاقة التعاقدية، وتُحدد العواقب القانونية المترتبة على أي خرق لهذه الالتزامات.
يجب أن تُصاغ هذه البنود بوضوح ودقة، مُحددةً أنواع المعلومات التي تُعتبر سرية، ومدة سريتها، والإجراءات الواجب اتباعها في حال الكشف عن السر. تُوفر هذه العقود حماية قانونية إضافية وتُمكن المتضرر من اتخاذ إجراءات قانونية سريعة، سواء للمطالبة بوقف الإفشاء أو بالمطالبة بتعويضات عن الأضرار. يُعد التوقيع على هذه العقود خطوة استباقية مهمة لردع أي محاولة لإفشاء الأسرار وحماية المصالح الحيوية.
طلب الاستشارة القانونية
يُعد طلب الاستشارة القانونية من محامٍ متخصص خطوة استباقية وحيوية لحماية الأسرار، سواء قبل مشاركة المعلومات الحساسة أو عند الشك في تعرض السر للإفشاء. يُمكن للمحامي تقديم النصح القانوني حول كيفية صياغة بنود السرية في العقود، وتحديد المخاطر المحتملة، وتقديم أفضل الممارسات لحماية البيانات. هذا يُساعد على تجنب الوقوع في مواقف قانونية معقدة في المستقبل.
في حال الشك في وقوع جريمة إفشاء سر، يُصبح دور المحامي أكثر أهمية. فهو يُمكنه تقديم المشورة حول الإجراءات القانونية الواجب اتباعها، ومساعدتك في جمع الأدلة اللازمة، وتمثيلك أمام النيابة العامة والمحاكم. يُضمن المحامي أن تُتبع كافة الإجراءات القانونية بشكل صحيح وأن تُقدم قضيتك بأقوى شكل ممكن، مما يزيد من فرص الحصول على العدالة وحماية حقوقك بشكل فعال.
الاستثناءات من جريمة إفشاء الأسرار
الإفشاء بموجب القانون
على الرغم من أن مبدأ سرية المعلومات يُعد أساسياً، إلا أن القانون يُقر بوجود حالات استثنائية تُجيز فيها إفشاء الأسرار دون أن يُشكل ذلك جريمة. تُعرف هذه الحالات بالإفشاء بموجب القانون، حيث يُلزم القانون أو أمر قضائي صادر من جهة مختصة الشخص بالكشف عن معلومات معينة تُعتبر سرية. على سبيل المثال، قد يُطلب من طبيب الإفصاح عن معلومات صحية لمريض في إطار تحقيق جنائي أو دعوى قضائية، أو قد تُجبر البنوك على تقديم بيانات مالية لعملائها بموجب أمر قضائي صادر من المحكمة.
تهدف هذه الاستثناءات إلى تحقيق مصلحة عامة عليا، مثل كشف الجرائم، أو حماية الأمن القومي، أو تحقيق العدالة. في هذه الحالات، لا يُعتبر الشخص الذي أفشى السر مُرتكباً لجريمة، لأنه امتثل لواجب قانوني مُلزم. ويجب أن يكون الكشف عن السر في هذه الحالات مقيداً بالحدود الضرورية لتحقيق الغرض القانوني، وألا يتجاوز المعلومة المطلوبة بشكل صريح.
الإفشاء لدفع ضرر أكبر
يُجيز القانون في بعض الأحيان إفشاء السر إذا كان ذلك ضرورياً لدفع ضرر أكبر وشيك يهدد المصلحة العامة أو حياة الأفراد. تُعرف هذه الحالة بمبدأ “الدفاع الشرعي” أو “حالة الضرورة”، حيث يُصبح الكشف عن السر هو الخيار الوحيد لتجنب عواقب وخيمة لا يُمكن تداركها. على سبيل المثال، إذا علم طبيب بأن مريضه يُخطط لارتكاب جريمة خطيرة أو يُهدد حياة شخص آخر، قد يكون مُلزمًا بإبلاغ السلطات المختصة، حتى لو كان ذلك يُعد إفشاءً لسر المريض.
يُقدر القاضي مدى ضرورة الإفشاء في هذه الحالات بناءً على الظروف المحيطة بالواقعة، ومدى جسامة الضرر المهدد، وما إذا كان هناك بديل آخر لتجنب هذا الضرر دون إفشاء السر. يجب أن يكون الهدف من الإفشاء هو منع ضرر أكبر، وليس مجرد الإضرار بصاحب السر. تُعد هذه الاستثناءات قليلة ومحدودة، وتُطبق فقط في حالات الضرورة القصوى التي لا يُمكن تفاديها إلا بإفشاء المعلومة السرية.
الإفشاء برضا صاحب السر
من البديهي أن يكون إفشاء السر مباحاً إذا تم بموافقة صريحة من صاحب السر نفسه. فالحماية القانونية للسر تهدف إلى حماية إرادة صاحب المعلومة في إبقائها سرية. وبالتالي، إذا أذن صاحب السر بالكشف عن معلوماته، فإن الشخص الذي يُفشيها لا يُعد مُرتكباً لجريمة. يجب أن يكون الرضا صريحاً وواضحاً، وألا يكون قد تم بالإكراه أو تحت تأثير الغش أو التدليس.
قد يكون الرضا صريحاً في صورة تفويض كتابي، أو شفهي، أو ضمني من خلال تصرفات صاحب السر التي تُشير إلى موافقته على الكشف. على سبيل المثال، إذا شارك شخص معلوماته السرية في محادثة عامة، فقد يُفهم من ذلك أنه لم يعد يرغب في إبقائها سرية. ومع ذلك، يجب توخي الحذر عند تفسير الرضا الضمني، والحرص على أن يكون الرضا واضحاً لا يُحتمل فيه الشك لتجنب أي مسؤولية قانونية محتملة.
السر العام أو المعلن
يُفقد السر حمايته القانونية إذا أصبح عاماً أو تم الإفصاح عنه للجمهور بأي وسيلة كانت. فالحماية القانونية تُمنح للمعلومات التي تتمتع بصفة السرية، أي تلك التي لم يتم الكشف عنها للعلن ويُحرص صاحبها على إبقائها طي الكتمان. إذا تم نشر المعلومة في الصحف، أو عبر وسائل الإعلام، أو على شبكة الإنترنت، أو أصبحت متداولة بين عموم الناس، فإنها تُفقد صفتها السرية، وبالتالي لا يُمكن مساءلة من يُعيد نشرها أو يتحدث عنها قانونياً بتهمة إفشاء السر.
يُشترط هنا أن يكون الإعلان قد تم بمعرفة صاحب السر أو بموافقته، أو أن يكون قد حدث بشكل لا يُمكن التحكم فيه، مثل تسرب المعلومة وانتشارها على نطاق واسع. في هذه الحالة، لا يُمكن للقانون أن يُجرم إفشاء معلومة باتت في متناول الجميع. ومع ذلك، يجب التمييز بين الإفشاء الأول الذي يُشكل جريمة، وبين إعادة نشر معلومة أصبحت عامة. فالقانون يُعاقب على الفعل الأول الذي أدى إلى فقدان السرية، وليس على تداول المعلومة بعد أن أصبحت مُعلنة.