الإجراءات القانونيةالدعاوى المدنيةالقانون المدنيالقانون المصريقانون الأحوال الشخصية

عقد التبرع ضمن عقود المعاوضة

عقد التبرع ضمن عقود المعاوضة

دليلك الشامل لفهم طبيعة عقد التبرع وشروطه وأركانه في القانون المصري

قد يبدو عنوان هذا المقال متناقضًا للوهلة الأولى، فعقد التبرع بطبيعته عقد غير قائم على المقابل، بينما عقود المعاوضة أساسها هو تبادل المنافع. يهدف هذا المقال إلى إزالة هذا اللبس وتوضيح الطبيعة القانونية الدقيقة لعقد التبرع، المعروف بالهبة، وتقديم حلول عملية وخطوات واضحة لصياغة وتنفيذ هذا العقد بما يتوافق مع صحيح القانون، وتوضيح الحالات التي قد تقترب فيها الهبة من شكل عقود المعاوضة.

ما هو عقد التبرع (الهبة) وما هي أركانه الأساسية؟

تعريف عقد التبرع في القانون

عقد التبرع ضمن عقود المعاوضةعقد التبرع، أو الهبة كما يعرف في القانون المدني المصري، هو عقد يتصرف بمقتضاه شخص يسمى “الواهب” في مال يملكه دون مقابل لشخص آخر يسمى “الموهوب له”. جوهر هذا العقد هو نية التبرع وإثراء الذمة المالية للموهوب له على حساب ذمة الواهب دون انتظار أي عوض أو مقابل. هذا التعريف يضعه في مواجهة مباشرة مع عقود المعاوضة، مثل عقد البيع أو الإيجار، التي تقوم على أساس وجود مقابل يحصل عليه كل طرف من الآخر.

أركان عقد التبرع

لكي يكون عقد التبرع صحيحًا ومنتجًا لآثاره القانونية، يجب أن تتوافر فيه ثلاثة أركان أساسية. الركن الأول هو الرضا، ويتمثل في تطابق إرادة كل من الواهب والموهوب له، أي صدور إيجاب من الواهب وقبول من الموهوب له. الركن الثاني هو المحل، وهو الشيء الموهوب نفسه، ويشترط فيه أن يكون موجودًا ومملوكًا للواهب وقابلاً للتعامل فيه. أما الركن الثالث والأهم، فهو نية التبرع، أي أن تكون لدى الواهب نية واضحة وصريحة في التخلي عن ملكية المال دون مقابل.

أنواع عقود التبرع والإجراءات العملية لكل نوع

الهبة الصريحة والهبة الضمنية

تكون الهبة صريحة عندما يتم التعبير عنها بوضوح في عقد مكتوب أو شفوي باستخدام ألفاظ تدل على معناها. أما الهبة الضمنية، فتُستفاد من تصرفات وظروف معينة لا تدع مجالاً للشك في وجود نية التبرع، مثل قيام دائن بإعطاء مدينه سند الدين نفسه، مما يفهم منه ضمنًا إبراء ذمته من الدين على سبيل التبرع. تحديد نوع الهبة يؤثر بشكل مباشر على طريقة إثباتها أمام القضاء في حالة حدوث نزاع.

الهبة الرسمية والهبة اليدوية (بالقبض)

تتطلب الهبة الرسمية إجراءات شكلية محددة لانعقادها، حيث نص القانون على أن هبة العقار يجب أن تتم بموجب عقد رسمي موثق لدى الشهر العقاري، وإلا كانت باطلة. أما الهبة اليدوية، فهي تتعلق بالمنقولات وتتم بمجرد تسليم الشيء الموهوب من الواهب إلى الموهوب له بنية التبرع. هذا النوع لا يتطلب أي شكلية خاصة، ويكفي فيه القبض الفعلي للمنقول لإتمام العقد وصحته، مثل إعطاء ساعة أو مبلغ من المال كهدية.

الهبة بعوض (التبرع المشروط)

هنا يكمن الحل للبس الذي أحدثه عنوان المقال. الهبة بعوض هي الحالة التي يشترط فيها الواهب على الموهوب له أداء التزام معين كمقابل للهبة، كأن يهب شخص منزلاً لآخر بشرط أن يقوم الأخير بدفع ديونه. في هذه الحالة، لا تتحول الهبة إلى عقد معاوضة إلا إذا كانت قيمة العوض أو الشرط مساوية لقيمة الشيء الموهوب. أما إذا كانت قيمة العوض أقل بكثير من قيمة الهبة، فيبقى العقد هبة في جوهره، وتطبق عليه أحكام الهبة فيما زاد عن قيمة العوض.

خطوات عملية لصياغة وتنفيذ عقد تبرع صحيح

الخطوة الأولى: التحقق من أهلية الأطراف

قبل الشروع في كتابة العقد، يجب التأكد من أن الواهب كامل الأهلية، أي بلغ سن الرشد ولم يعترضه أي عارض من عوارض الأهلية كالجنون أو العته. كما يجب أن يكون الموهوب له موجودًا وقابلاً لتلقي الهبة. لا تشترط الأهلية الكاملة في الموهوب له، حيث يمكن للقاصر أو ناقص الأهلية قبول الهبة عن طريق وليه أو وصيه، لأن الهبة تعتبر من التصرفات النافعة له نفعًا محضًا.

الخطوة الثانية: تحديد الموهوب وتوصيفه بدقة

يجب أن يتم تحديد الشيء الموهوب، سواء كان عقارًا أو منقولاً، تحديدًا دقيقًا ونافيًا للجهالة في صلب العقد. إذا كان عقارًا، يجب ذكر بياناته المساحية وحدوده ومعالمه ورقم العقار. وإذا كان منقولاً، كسيارة مثلاً، يجب ذكر رقم اللوحة والمحرك والشاسيه. هذا التوصيف الدقيق يمنع أي نزاع مستقبلي حول ماهية الشيء الذي تم التبرع به.

الخطوة الثالثة: صياغة بنود العقد الأساسية

يجب أن يتضمن عقد الهبة المكتوب بيانات الطرفين كاملة، وإقرار الواهب بأهليته للتصرف وملكيته للشيء الموهوب. كذلك يجب أن يتضمن بندًا صريحًا يفيد بنية التبرع والتنازل عن الملكية دون مقابل. وفي المقابل، يجب أن يحتوي العقد على بند يفيد بقبول الموهوب له لهذه الهبة. إذا كانت الهبة مشروطة أو بعوض، فيجب ذكر هذا الشرط أو العوض بوضوح تام في بند مستقل.

الخطوة الرابعة: التوثيق والتسجيل

تعتبر هذه الخطوة حاسمة ومفصلية، خاصة في هبة العقارات. فكما ذكرنا، لا تنعقد هبة العقار ولا تنتقل ملكيته إلا بالتسجيل في مكتب الشهر العقاري المختص بناءً على عقد رسمي موثق. أما في المنقولات التي تتطلب نقل ملكيتها إجراءات خاصة، مثل السيارات، فيجب إتمام إجراءات نقل الملكية في إدارة المرور. إهمال هذه الخطوة يجعل العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا في حالة العقارات، أو غير نافذ في مواجهة الغير في حالة المنقولات.

حالات بطلان عقد التبرع وكيفية تجنبها

أسباب البطلان المتعلقة بالأركان

يمكن أن يبطل عقد التبرع إذا تخلف أحد أركانه. على سبيل المثال، إذا كان الواهب ناقص الأهلية أو تمت الهبة تحت تأثير إكراه أو تدليس، فإن ركن الرضا يكون معيبًا. كذلك يبطل العقد إذا كان الشيء الموهوب غير مملوك للواهب أو غير قابل للتعامل فيه قانونًا. وأخيرًا، إذا انتفت نية التبرع بشكل كامل، كأن يكون العقد ستارًا لتصرف آخر، فإن العقد يبطل كهبة.

أسباب البطلان المتعلقة بالشكل

السبب الأكثر شيوعًا لبطلان عقود التبرع هو تخلف الشكلية التي يطلبها القانون. الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الكثيرون هو الاكتفاء بعقد هبة ابتدائي لعقار دون إتمام إجراءات التوثيق والتسجيل في الشهر العقاري. هذا العقد الابتدائي لا قيمة له قانونًا كهبة ولا ينقل الملكية على الإطلاق. لتجنب هذا، يجب التوجه مباشرة إلى مكتب التوثيق لعمل عقد رسمي ثم تسجيله.

الرجوع في الهبة: الشروط والإجراءات

الأصل أن الهبة عقد لازم، ولكن القانون أجاز للواهب الرجوع في الهبة في حالات محددة على سبيل الحصر، بشرط قبول الموهوب له أو بصدور حكم قضائي. من هذه الحالات أن يخل الموهوب له بالتزاماته المشروطة في العقد، أو أن يرتكب فعلاً يمثل جحودًا كبيرًا تجاه الواهب. كما يمكن للواهب طلب الرجوع إذا رزق بطفل بعد الهبة ولم يكن له أبناء وقتها. يجب رفع دعوى قضائية للمطالبة بالرجوع في الهبة في حال رفض الموهوب له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock