الجرائم الاقتصادية: غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وآثارهما
محتوى المقال
- 1 الجرائم الاقتصادية: غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وآثارهما
- 2 مفهوم الجرائم الاقتصادية: غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
- 3 آليات عمل غسيل الأموال وتداعياته
- 4 تمويل الإرهاب: طرق الكشف والمواجهة
- 5 الآثار السلبية للجرائم الاقتصادية على المجتمعات والدول
- 6 الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الاقتصادية في مصر
- 7 خطوات عملية للوقاية من الجرائم الاقتصادية ومكافحتها
- 8 دور المؤسسات المالية والجهات الرقابية
- 9 التعاون الدولي لمواجهة الجرائم الاقتصادية
الجرائم الاقتصادية: غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وآثارهما
فهم التحديات العالمية وتقديم حلول فعالة لمكافحتها
تُعد الجرائم الاقتصادية، لا سيما غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصادات والمجتمعات على مستوى العالم. تتسلل هذه الجرائم إلى الأنظمة المالية وتُهدد استقرار الدول، وتُعيق التنمية، وتُعزز الفساد. يتناول هذا المقال آليات عمل هذه الجرائم، ويُقدم حلولاً عملية وخطوات إجرائية لمكافحتها والحد من آثارها المدمرة، مع التركيز على الجانب القانوني والإجرائي في سياق القانون المصري.
مفهوم الجرائم الاقتصادية: غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
تُعرف الجرائم الاقتصادية بأنها أفعال غير مشروعة تستهدف تحقيق مكاسب مالية بطرق ملتوية، وغالبًا ما تنطوي على استخدام الأنظمة المالية. يعتبر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أبرز هذه الجرائم لخطورتهما وتأثيرهما الواسع النطاق على الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فهم طبيعة كل منهما هو الخطوة الأولى لمواجهتهما بفعالية.
غسيل الأموال: تبييض الأموال غير المشروعة
غسيل الأموال هو عملية تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة غير مشروعة (مثل تجارة المخدرات، الفساد، الاحتيال) إلى أموال تبدو وكأنها مشروعة. الهدف هو إخفاء المصدر الحقيقي للأموال وجعلها قابلة للدمج في النظام الاقتصادي الشرعي دون إثارة الشكوك. هذه العملية تمر غالبًا بثلاث مراحل رئيسية ومتداخلة تتطلب رقابة دقيقة.
تمويل الإرهاب: دعم الأنشطة الإجرامية
تمويل الإرهاب يشمل توفير الأموال أو أي أصول مالية لدعم الأنشطة الإرهابية، سواء كانت هذه الأموال مشروعة المصدر أو غير مشروعة. الهدف الأساسي هو تسهيل الأعمال الإرهابية وتوفير الدعم اللوجستي للمنظمات الإرهابية. لا يقتصر التمويل على المبالغ الكبيرة؛ فقد يتم من خلال مبالغ صغيرة متفرقة يصعب تتبعها.
آليات عمل غسيل الأموال وتداعياته
تعتمد عمليات غسيل الأموال على طرق معقدة ومتطورة لتضليل الجهات الرقابية والقانونية. تتطلب هذه الآليات فهماً عميقاً لكيفية عمل النظام المالي واستغلال ثغراته. مكافحة هذه الجرائم تتطلب استراتيجيات شاملة تشمل الجوانب التشريعية والتقنية والتدريبية لتضييق الخناق على مرتكبيها.
مراحل عملية غسيل الأموال
تتم عملية غسيل الأموال عادة عبر ثلاث مراحل رئيسية مترابطة. المرحلة الأولى هي “الإيداع”، حيث يتم إدخال الأموال غير المشروعة إلى النظام المالي. يمكن أن يتم ذلك من خلال الإيداعات النقدية الصغيرة المتعددة أو شراء الأصول ذات القيمة العالية مثل العقارات. هذا يتطلب مراقبة دقيقة للحسابات المصرفية والمعاملات الكبيرة.
المرحلة الثانية هي “التمويه” أو “التطبين”، وفيها يتم إجراء سلسلة من المعاملات المالية المعقدة لإخفاء المصدر الأصلي للأموال. يشمل ذلك التحويلات المصرفية الدولية، الاستثمار في شركات وهمية، أو استخدام العملات الرقمية. تهدف هذه المرحلة إلى فصل الأموال عن مصدرها غير الشرعي قدر الإمكان وجعل تتبعها أمراً صعباً للغاية.
المرحلة الثالثة هي “الإدماج”، حيث يتم إعادة الأموال إلى النظام الاقتصادي الشرعي كأموال تبدو وكأنها مشروعة تمامًا. قد يتم ذلك عن طريق الاستثمار في الأعمال التجارية، شراء العقارات الفاخرة، أو الاستمتاع بها كأرباح من استثمارات وهمية. في هذه المرحلة، يصعب جداً تمييز الأموال غير المشروعة عن المشروعة، مما يتطلب تنسيقًا عاليًا بين الجهات الرقابية.
طرق الكشف عن غسيل الأموال
للكشف عن غسيل الأموال، توجد عدة طرق عملية يجب على المؤسسات المالية والجهات الرقابية اتباعها. أولاً، تطبيق مبدأ “اعرف عميلك” (KYC) بدقة، والذي يتضمن التحقق من هوية العملاء وفهم طبيعة نشاطهم التجاري ومصدر أموالهم. هذا يساعد في تحديد الأنشطة المشبوهة منذ البداية وتجنب التورط في عمليات غسيل الأموال.
ثانياً، مراقبة المعاملات المالية المشبوهة والإبلاغ عنها لوحدة مكافحة غسيل الأموال. تشمل هذه المعاملات الإيداعات الكبيرة غير المبررة، التحويلات المتكررة من وإلى مناطق عالية المخاطر، أو المعاملات التي لا تتناسب مع النشاط التجاري المعلن للعميل. يجب أن يكون هناك نظام آلي لرصد هذه الأنماط ورفع تقارير عنها بشكل فوري. يتطلب هذا تدريب الموظفين بشكل مستمر على أحدث تقنيات الكشف.
ثالثاً، استخدام التقنيات الحديثة وتحليل البيانات الضخمة (Big Data) لتحديد الأنماط والعلاقات المعقدة بين المعاملات والحسابات. يمكن أن تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الكشف عن شبكات غسيل الأموال التي يصعب على العين البشرية اكتشافها. هذه الأدوات تعمل على تحليل كميات هائلة من المعلومات المالية بسرعة ودقة، مما يعزز من قدرة البنوك على تحديد الأنشطة الاحتيالية.
تمويل الإرهاب: طرق الكشف والمواجهة
يشكل تمويل الإرهاب تحدياً فريداً نظراً لصعوبة تتبعه أحياناً، حيث قد يتم عبر مبالغ صغيرة أو من خلال قنوات غير رسمية. تتطلب المواجهة الفعالة لهذا النوع من الجرائم استراتيجيات متكاملة تركز على تحديد المصادر وطرق التحويل. الوعي بهذه الآليات ضروري لكل من يعمل في القطاع المالي والقانوني لتقليل المخاطر.
مصادر تمويل الإرهاب
تتنوع مصادر تمويل الإرهاب بين المشروعة وغير المشروعة. تشمل المصادر غير المشروعة تجارة المخدرات، الابتزاز، الفدية مقابل الرهائن، والاتجار بالبشر. بينما قد تشمل المصادر المشروعة التبرعات الخيرية التي يتم تحويلها، أو الأرباح من الأعمال التجارية التي تبدو شرعية ولكن يتم استغلالها لدعم الإرهاب. يجب التركيز على تتبع هذه المصادر بدقة للحد من تدفق الأموال.
أساليب الكشف عن تمويل الإرهاب
للكشف عن تمويل الإرهاب، يجب التركيز على مؤشرات محددة. أولاً، البحث عن المعاملات التي تنطوي على أفراد أو كيانات مدرجة في قوائم العقوبات الدولية. ثانياً، مراقبة التحويلات المالية المتجهة إلى مناطق النزاع أو البلدان ذات المخاطر العالية. ثالثاً، الكشف عن الأنماط غير العادية في التبرعات للجمعيات الخيرية، خاصة إذا كانت لا تتناسب مع طبيعة عمل الجمعية أو يتم تحويلها بسرعة إلى جهات أخرى.
يعتمد الكشف الفعال أيضاً على تبادل المعلومات بين الدول والوكالات الاستخباراتية. استخدام قواعد البيانات المشتركة وتفعيل الاتفاقيات الدولية يسمح بتتبع حركة الأموال عبر الحدود. التدريب المستمر للمحللين الماليين على أحدث طرق الاحتيال والتمويل الإرهابي يرفع من قدرتهم على التعرف على السلوكيات المشبوهة وتفسيرها بدقة. يجب تعزيز استخدام التكنولوجيا المتقدمة في تحليل المعاملات لتحديد الأنماط الخفية.
الآثار السلبية للجرائم الاقتصادية على المجتمعات والدول
تترك الجرائم الاقتصادية بصمات سلبية عميقة على المجتمعات والدول، تتجاوز الخسائر المالية المباشرة لتشمل تداعيات اجتماعية وسياسية. فهم حجم هذه الآثار يدفع نحو ضرورة تكثيف الجهود لمكافحة هذه الظواهر المدمرة.
تأثير غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على الاقتصاد
تؤدي هذه الجرائم إلى تشويه الاقتصاد الوطني، حيث تزيد من التضخم وتقلل من قيمة العملة المحلية. كما أنها تُعيق الاستثمار الأجنبي المباشر وتُضر بالسمعة المالية للدولة، مما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين الشرعيين. تتسبب في خسائر ضريبية كبيرة للدول، حيث لا يتم الإبلاغ عن الأموال غير المشروعة، وبالتالي لا تخضع للضرائب، مما يحد من قدرة الحكومات على تمويل الخدمات العامة.
بالإضافة إلى ذلك، تُضعف هذه الجرائم من ثقة الجمهور في النظام المالي والمؤسسات المصرفية. عندما تنتشر الأنباء عن وجود أموال غير مشروعة داخل البنوك، يقل اعتماد الناس على هذه المؤسسات، مما يؤثر على السيولة والاستقرار المالي. كما تُسهم في تفشي الفساد، حيث يتواطأ بعض المسؤولين لتسهيل هذه العمليات مقابل مكاسب شخصية، مما يقوض مبادئ الحكم الرشيد.
الآثار الاجتماعية والسياسية
على الصعيد الاجتماعي، تؤدي الجرائم الاقتصادية إلى تفكك النسيج الاجتماعي من خلال زيادة الجريمة المنظمة والعنف. كما أنها تُعزز من عدم المساواة، حيث يستفيد قلة من الأفراد من هذه الأنشطة على حساب غالبية المجتمع. تتسبب في إفقار الفئات الضعيفة وتزيد من مستويات البطالة بسبب تدهور بيئة الأعمال الشرعية. تؤثر هذه الجرائم بشكل مباشر على جودة الحياة للمواطنين.
سياسياً، تُهدد هذه الجرائم استقرار الدول وتماسكها. يمكن أن تُستخدم الأموال المغسولة لتمويل الجماعات الإرهابية أو الأنشطة المناهضة للحكومات، مما يؤدي إلى زعزعة الأمن الوطني. كما تُضعف من سيادة القانون وتُفقد الثقة في العدالة، عندما يرى الناس أن المجرمين يفلتون من العقاب أو يتمتعون بثراء غير مشروع. هذا يؤدي إلى تآكل شرعية الدولة في عيون مواطنيها.
الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الاقتصادية في مصر
تدرك مصر خطورة الجرائم الاقتصادية وقد وضعت إطاراً قانونياً متيناً لمواجهتها، يتماشى مع المعايير الدولية. يهدف هذا الإطار إلى تجريم هذه الأفعال وتوفير الأدوات اللازمة للجهات المعنية لفرض القانون وتطبيق العقوبات الرادعة. تتطلب الفعالية القصوى لهذا الإطار تطبيقاً صارماً وتحديثاً مستمراً ليواكب التطورات.
قانون مكافحة غسيل الأموال المصري
صدر القانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسيل الأموال، والذي تم تعديله بالقانون رقم 181 لسنة 2008 والقانون رقم 36 لسنة 2014، ليشمل تجريم عمليات غسيل الأموال بجميع أشكالها. يُعرف القانون الأموال المتحصلة من الجرائم بأنها أموال غير مشروعة ويفرض عقوبات صارمة على مرتكبيها. ينص القانون على إنشاء وحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي الجهة المسؤولة عن تلقي البلاغات وتحليلها.
يتضمن القانون أحكاماً تُلزم المؤسسات المالية بالإبلاغ عن المعاملات المشبوهة وتطبيق إجراءات العناية الواجبة بالعملاء (KYC). كما يمنح الجهات القضائية صلاحيات واسعة لتتبع الأموال المجرمة وتجميدها ومصادرتها. هذه الإجراءات تهدف إلى تجفيف منابع التمويل غير المشروع وتفكيك الشبكات الإجرامية. التشديد على هذه الإجراءات يقلل من فرص تسلل الأموال القذرة إلى النظام المصرفي.
قانون مكافحة الإرهاب المصري
صدر القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب، والذي يُجرم تمويل الكيانات الإرهابية والأعمال الإرهابية بأي شكل من الأشكال. يحدد القانون تعاريف واضحة للإرهاب والأعمال الإرهابية والكيانات الإرهابية، ويفرض عقوبات مشددة على كل من يشارك في تمويلها أو يساهم فيه بأي شكل. هذا القانون يكمل الإطار التشريعي لمكافحة غسيل الأموال ويُعزز من قدرة الدولة على التصدي للتهديدات الأمنية.
يمنح القانون جهات إنفاذ القانون صلاحيات أوسع لتتبع وتجميد الأصول المتعلقة بالإرهاب، بما في ذلك التمويلات التي قد تكون مستترة تحت غطاء أعمال خيرية أو تجارية مشروعة ظاهرياً. كما يُفعل دور النيابة العامة والمحاكم الاقتصادية في التحقيق في هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة. التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية ضروري لتطبيق هذا القانون بفعالية وضمان تحقيق الردع المطلوب.
خطوات عملية للوقاية من الجرائم الاقتصادية ومكافحتها
تتطلب مكافحة الجرائم الاقتصادية نهجاً متعدد الأوجه يجمع بين التدابير الوقائية والإجراءات التنفيذية. يجب أن تشارك جميع الأطراف المعنية، من المؤسسات المالية إلى الأفراد، في هذه الجهود للحصول على نتائج مستدامة وفعالة. الاستثمار في البنية التحتية والتدريب هو المفتاح.
تعزيز الشفافية والمساءلة
تعتبر الشفافية حجر الزاوية في مكافحة الجرائم الاقتصادية. يجب على الحكومات والمؤسسات تعزيز الشفافية في المعاملات المالية، الملكية الحقيقية للشركات، والعقود الحكومية. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء سجلات عامة للشركات والملكية المستفيدة، وتطبيق معايير الإفصاح المالي. هذا يحد من الفرص المتاحة للمجرمين لإخفاء هوياتهم أو مصادر أموالهم، ويجعل عملية تتبع الأموال أسهل بكثير.
تعزيز المساءلة يتطلب وجود آليات فعالة للرقابة الداخلية والخارجية، ومعاقبة المتورطين في الفساد أو التواطؤ. يجب تفعيل دور الهيئات الرقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية، وتزويدها بالصلاحيات والموارد اللازمة لأداء مهامها. كما يجب حماية المبلغين عن الفساد والجرائم الاقتصادية لتشجيعهم على الإبلاغ دون خوف من الانتقام، مما يفتح قنوات معلومات حيوية للسلطات.
تفعيل دور الرقابة الداخلية والتدريب
يجب على المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك وشركات الصرافة وشركات التأمين، تفعيل آليات رقابة داخلية قوية. يتضمن ذلك تعيين مسؤولين عن الامتثال والالتزام بتعليمات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وإجراء تدقيقات داخلية منتظمة. كما يجب تحديث السياسات والإجراءات الداخلية بشكل دوري لتتوافق مع أحدث المتطلبات القانونية والتكنولوجية.
التدريب المستمر للموظفين هو أمر بالغ الأهمية. يجب تدريب جميع العاملين، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مباشرة مع العملاء أو المعاملات المالية، على كيفية التعرف على المؤشرات الحمراء للأنشطة المشبوهة. هذا يشمل فهم أساليب غسيل الأموال وتمويل الإرهاب المتغيرة، وكيفية الإبلاغ عن الشكوك بشكل صحيح. الاستثمار في برامج التدريب المتخصصة يرفع من قدرة المؤسسة على اكتشاف ومنع الجرائم المالية بفعالية.
التوعية العامة والتكنولوجيا
تلعب التوعية العامة دوراً حاسماً في مكافحة الجرائم الاقتصادية. يجب تثقيف الأفراد والشركات حول مخاطر هذه الجرائم وكيفية تجنب الوقوع ضحية لها أو التورط فيها. يمكن تحقيق ذلك من خلال الحملات التوعوية وورش العمل والمنشورات التي تُسلط الضوء على أساليب الاحتيال وكيفية حماية البيانات والمعلومات المالية. الوعي يقلل من فرص استغلال الأفراد لتنفيذ هذه العمليات.
استخدام التكنولوجيا المتقدمة أمر لا غنى عنه. يمكن أن تساعد حلول الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تحليل كميات هائلة من البيانات المالية لتحديد الأنماط المعقدة وغير المعتادة التي قد تشير إلى غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب. كما تُمكن هذه التقنيات من رصد المعاملات في الوقت الفعلي وتوفير تنبيهات للأنشطة المشبوهة، مما يُسرع من عملية الكشف والتدخل. الاستثمار في هذه الأدوات الحديثة يمنح الجهات الرقابية ميزة في مواجهة المجرمين.
دور المؤسسات المالية والجهات الرقابية
تُعد المؤسسات المالية خط الدفاع الأول ضد الجرائم الاقتصادية، بينما تلعب الجهات الرقابية دوراً محورياً في وضع السياسات والإشراف على تطبيقها. التعاون الوثيق بين هاتين الجهتين ضروري لضمان نظام مالي قوي ومنيع ضد هذه الأنشطة غير المشروعة. بدون هذا التنسيق، تصبح الأنظمة المالية عرضة للاختراق.
البنوك والمؤسسات المالية
تتحمل البنوك والمؤسسات المالية مسؤولية كبيرة في تطبيق قوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. يتوجب عليها تطوير وتنفيذ برامج امتثال شاملة تتضمن سياسات وإجراءات صارمة لتحديد هوية العملاء (KYC)، ورصد المعاملات المشبوهة، والإبلاغ عنها للجهات المختصة. يجب أن يكون لديها أنظمة داخلية قادرة على كشف أي نشاط غير عادي يختلف عن ملف العميل. هذه الأنظمة ضرورية لضمان الشفافية.
يجب على هذه المؤسسات أيضاً الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وأنظمة تحليل البيانات للكشف عن الأنماط المعقدة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أن تدريب الموظفين بشكل دوري على أحدث التطورات في هذا المجال أمر لا بد منه لضمان قدرتهم على تحديد المؤشرات الحمراء والاستجابة لها بفعالية. الامتثال لهذه المتطلبات ليس فقط التزامًا قانونيًا بل هو ضرر مباشر على سمعة المؤسسة واستقرارها المالي.
الجهات الرقابية (البنك المركزي، هيئة الرقابة المالية)
تتولى الجهات الرقابية، مثل البنك المركزي المصري وهيئة الرقابة المالية، مسؤولية وضع الأطر القانونية والتنظيمية لمكافحة الجرائم الاقتصادية. تقوم هذه الجهات بإصدار التعليمات والضوابط التي يجب على المؤسسات المالية الالتزام بها، وتُجري عمليات تفتيش ومراجعة دورية للتأكد من مدى امتثال هذه المؤسسات. كما أنها تفرض عقوبات على المخالفين لضمان الالتزام. دورها أساسي في الحفاظ على نزاهة النظام المالي.
إضافة إلى ذلك، تلعب هذه الجهات دوراً في تبادل المعلومات والتعاون مع نظيراتها الدولية لمكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود. تُشارك في وضع الاستراتيجيات الوطنية وتُقدم المشورة للحكومة بشأن أفضل الممارسات في هذا المجال. تفعيل دورها في تحليل المخاطر وتحديد الثغرات المحتملة في النظام المالي يُسهم في تعزيز الحماية ضد الأنشطة غير المشروعة. بناء القدرات للجهات الرقابية يضمن استجابتها الفعالة للتحديات المتغيرة.
التعاون الدولي لمواجهة الجرائم الاقتصادية
نظراً للطبيعة العابرة للحدود لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن التعاون الدولي يُعد ركيزة أساسية لمكافحتها بفعالية. لا يمكن لأي دولة بمفردها أن تتصدى لهذه الظواهر المعقدة التي تستغل الفروقات في التشريعات والأنظمة المالية بين الدول. التنسيق وتبادل المعلومات هما مفتاح النجاح في هذه المعركة.
تبادل المعلومات والخبرات
يُعد تبادل المعلومات والخبرات بين الدول أمراً حيوياً لتتبع الأموال غير المشروعة وشبكات التمويل الإرهابي. يجب على الدول تعزيز قنوات الاتصال بين وحدات الاستخبارات المالية والجهات القضائية وهيئات إنفاذ القانون. يساعد هذا التبادل في تحديد المشتبه بهم وتجميد الأصول وتفكيك الشبكات الإجرامية. كل معلومة تساهم في بناء صورة أوضح للتهديدات المتوقعة.
كما يُسهم تبادل أفضل الممارسات والدروس المستفادة في تعزيز قدرة الدول على تطوير استراتيجياتها الوطنية لمكافحة هذه الجرائم. المشاركة في المؤتمرات وورش العمل الدولية تُمكّن الخبراء من التعرف على أحدث التقنيات والأدوات المستخدمة في الكشف والتحقيق. بناء الثقة بين الدول المشاركة في هذا الجهد المشترك يسهل عملية تبادل المعلومات ويجعلها أكثر فعالية. الاستفادة من تجارب الآخرين يختصر الطريق نحو حلول مبتكرة.
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية
تُعد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية واتفاقيات مكافحة تمويل الإرهاب، أدوات قانونية مهمة لتفعيل التعاون الدولي. تُلزم هذه الاتفاقيات الدول الأطراف بتجريم هذه الأفعال وتوفير المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات والملاحقات القضائية. انضمام الدول إلى هذه الاتفاقيات يُعزز من قدرتها على التعاون وتبادل الخبرات على نطاق عالمي.
علاوة على ذلك، تلعب المنظمات الدولية مثل مجموعة العمل المالي (FATF) دوراً حاسماً في وضع المعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتقييم مدى التزام الدول بها. تُقدم هذه المنظمات إرشادات وتوصيات للدول لمساعدتها على تعزيز أنظمتها القانونية والرقابية. الالتزام بهذه المعايير يُعزز من سمعة الدولة على الساحة الدولية ويُسهم في نظام مالي عالمي أكثر أماناً وشفافية. تطبيق هذه المعايير يحمي النظام المالي من الاستغلال ويقلل من المخاطر المحتملة.