الإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنايات

أثر العدول الاختياري في الشروع

أثر العدول الاختياري في الشروع

دليلك الكامل لفهم شروط العدول وأثره القانوني في التشريع المصري

يمثل الشروع في الجريمة مرحلة خطيرة تسبق اكتمال النشاط الإجرامي، حيث يبدأ الجاني في تنفيذ جريمته ولكن يتوقف أو يخيب أثره لسبب خارج عن إرادته. لكن ماذا لو كان هذا التوقف نابعًا من إرادة الجاني نفسه؟ هنا يظهر مفهوم “العدول الاختياري” كسبب قانوني هام يؤدي إلى الإعفاء من العقاب على الشروع. هذا المقال يقدم دليلاً عمليًا لفهم هذا المفهوم، وشروطه الدقيقة، والنتائج القانونية المترتبة عليه، وكيفية التعامل معه من الناحية الإجرائية أمام جهات التحقيق والمحاكمة.

مفهوم الشروع والعدول الاختياري في القانون

ما هو الشروع في الجريمة؟

أثر العدول الاختياري في الشروعيعرف الشروع قانونًا بأنه “البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها”. يتكون الشروع من ركنين أساسيين: الأول هو البدء في تنفيذ الركن المادي للجريمة، وهو ما يتجاوز مجرد التفكير أو التحضير. أما الركن الثاني فهو عدم اكتمال الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني، كأن يتم القبض عليه متلبسًا، أو أن يتدخل شخص لإنقاذ المجني عليه، أو أن يخطئ الجاني في التصويب. في هذه الحالات، يعاقب القانون على الشروع بعقوبة أخف من عقوبة الجريمة التامة.

تعريف العدول الاختياري

العدول الاختياري هو تصرف إرادي من الجاني، يقرر بموجبه التوقف عن إتمام جريمته التي بدأ في تنفيذها بالفعل، وذلك بملء حريته واختياره. جوهر العدول هو أن يكون نابعًا من “نداء الضمير” أو إعادة التفكير في العواقب، وليس نتيجة لعائق مادي أو ظرف خارجي حال دون إتمام الجريمة. بمعنى آخر، كان بإمكان الجاني الاستمرار في تنفيذ جريمته وإتمامها، لكنه اختار بمحض إرادته التراجع والتخلي عن مشروعه الإجرامي. هذا الموقف الإيجابي من الجاني هو ما دفع المشرع إلى إعفائه من عقوبة الشروع تشجيعًا له على العودة إلى طريق الصواب.

التمييز بين العدول الاختياري والعدول الاضطراري

التمييز بين الحالتين هو مفتاح القضية بأكملها. العدول الاضطراري أو الإجباري هو توقف الجاني عن إتمام الجريمة بسبب ظرف قهري منعه من الاستمرار، أي أن السبب “لا دخل لإرادته فيه”. من أمثلة ذلك: وصول رجال الشرطة فجأة، مقاومة المجني عليه بشدة ومنعه من إكمال الفعل، تعطل السلاح الذي يستخدمه، أو وجود عائق مادي لم يتوقعه. في كل هذه الحالات، لا يوجد عدول اختياري، ويعاقب الجاني على الشروع لأن نيته الإجرامية لم تتغير، وإنما أُحبطت خطته بفعل خارجي. أما العدول الاختياري، فيكون الجاني هو سيد الموقف وهو من يقرر التوقف.

الشروط العملية لتحقق العدول الاختياري المعفي من العقاب

الشرط الأول: أن يكون العدول إراديًا واختياريًا

هذا هو الشرط الجوهري. يجب أن يكون قرار التراجع نابعًا من إرادة الجاني الحرة والواعية. لا يهم الدافع النفسي وراء هذا القرار، سواء كان ندمًا حقيقيًا، أو خوفًا من العقاب، أو شفقة بالمجني عليه. العبرة هي أن الجاني كان قادرًا على المضي قدمًا في جريمته لكنه اختار ألا يفعل. إذا كان التوقف بسبب اكتشافه أن الخزينة فارغة أو أن المجني عليه لا يحمل مالاً، فإن بعض الفقه يعتبره عدولاً اضطراريًا لأن دافع الجريمة انتفى. المعيار العملي هو: هل كان هناك أي عائق خارجي حقيقي يمنع الجاني من إتمام الجريمة؟ إذا كانت الإجابة “لا”، فالعدول هنا اختياري.

الشرط الثاني: أن يتم العدول قبل تمام الجريمة

يجب أن يقع العدول في المرحلة الزمنية الواقعة بين البدء في التنفيذ وقبل تحقق النتيجة الإجرامية النهائية. فإذا أطلق الجاني الرصاص على المجني عليه بهدف قتله، فلا يمكنه العدول عن جريمة القتل إذا أصابه بالفعل. في هذه اللحظة تكون الجريمة قد خرجت من يده. لكن إذا رفع السلاح ليطلق النار ثم تراجع وأنزله قبل الضغط على الزناد، فهنا يكون عدوله قد تم في الوقت المناسب. بمجرد اكتمال الركن المادي للجريمة وتحقق نتيجتها، لا مجال للحديث عن عدول اختياري، وإنما قد يدخل الأمر في نطاق الأعذار المخففة أو ظروف الرأفة حسب كل حالة.

الشرط الثالث: طبيعة العدول في الجرائم المختلفة

تختلف صورة العدول باختلاف مرحلة التنفيذ. إذا كانت الجريمة ما زالت في صورة “شروع موقوف”، أي أن الجاني لم يكمل كل الأفعال التنفيذية اللازمة، يكفي للعدول مجرد الامتناع السلبي. مثال: شخص يكسر باب منزل للسرقة ثم يغير رأيه ويغادر قبل الدخول. أما إذا كانت الجريمة في صورة “شروع خائب”، أي أن الجاني أتم كل أفعاله لكن النتيجة لم تتحقق لسبب ما، فيجب أن يكون العدول إيجابيًا. مثال: شخص يقدم السم للمجني عليه ثم يندم فيسارع بتقديم الترياق له وينقذه. هنا لم يكتفِ بالامتناع، بل قام بفعل إيجابي لمنع تحقق النتيجة.

الآثار القانونية المترتبة على العدول الاختياري

الأثر الرئيسي: الإعفاء من عقوبة الشروع

الأثر المباشر والأهم للعدول الاختياري الصحيح هو الإعفاء الكامل من العقوبة المقررة لجريمة الشروع التي كان الجاني بصدد ارتكابها. فإذا عدل شخص اختيارياً عن الشروع في القتل، فإنه لا يعاقب على شروع في قتل. وإذا عدل عن شروع في سرقة، فلا يعاقب على شروع في سرقة. هذا الإعفاء هو بمثابة مكافأة من المشرع للجاني على تراجعه، وهو يعكس سياسة جنائية تهدف إلى تقليل الضرر الاجتماعي وتشجيع الجناة على التخلي عن مسارهم الإجرامي قبل فوات الأوان. ويعد العدول في هذه الحالة سببًا شخصيًا للإعفاء من العقاب يستفيد منه الجاني الذي قام به دون غيره من الشركاء.

هل الإعفاء من العقاب مطلق؟

هنا تكمن نقطة قانونية دقيقة وحاسمة. الإعفاء من العقاب يقتصر فقط على جريمة “الشروع” التي تم العدول عنها. لكن إذا كان الجاني، خلال مرحلة البدء في التنفيذ، قد ارتكب أفعالاً تشكل في حد ذاتها جرائم مستقلة وتامة، فإنه يعاقب عليها. مثال عملي: شخص شرع في السرقة من منزل، فقام بكسر الباب وحمل سلاحًا بدون ترخيص، ثم عدل عن السرقة وغادر. في هذه الحالة، يتم إعفاؤه من عقوبة الشروع في السرقة، ولكنه سيحاكم ويعاقب على جريمة إتلاف الممتلكات (كسر الباب) وجريمة حيازة سلاح بدون ترخيص، لأن هاتين الجريمتين قد اكتملتا بالفعل.

خطوات عملية لإثبات العدول أمام النيابة والمحكمة

عبء إثبات العدول الاختياري يقع على عاتق المتهم الذي يدفع به. ولإثباته بنجاح، يجب تقديم أدلة وقرائن قوية تدعم هذا الادعاء. الخطوة الأولى هي توكيل محامٍ متخصص فورًا. يمكن للمحامي المساعدة في تقديم الأدلة، مثل شهادة الشهود الذين رأوا المتهم يغادر المكان طواعية دون وجود عوائق، أو شهادة المجني عليه نفسه إذا أقر بأن الجاني عامله برفق ثم تركه. كذلك، يمكن الاستدلال على العدول من خلال تصرفات المتهم اللاحقة، كأن يقوم هو نفسه بإبلاغ الشرطة أو إسعاف المجني عليه. بناء دفاع قانوني متماسك حول إرادية العدول هو السبيل الوحيد للاستفادة من الإعفاء القانوني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock