التحقيق في قضايا التحريض على العنف الأسري
محتوى المقال
التحقيق في قضايا التحريض على العنف الأسري
دليل شامل للجهات والإجراءات القانونية المتبعة
يُعد التحريض على العنف الأسري جريمة خطيرة ذات تداعيات اجتماعية ونفسية عميقة. يقدم هذا المقال دليلاً شاملاً لعملية التحقيق في مثل هذه القضايا، مبيناً الإطار القانوني الناظم لها، الأدوار المنوطة بالجهات المختصة، والخطوات العملية المتبعة من مرحلة الإبلاغ وحتى الملاحقة القضائية. يهدف المقال إلى تمكين الأفراد بالمعرفة اللازمة حول حقوقهم والمسارات المتاحة لتحقيق العدالة.
الإطار القانوني لجرائم التحريض على العنف الأسري
تعريف العنف الأسري والتحريض عليه في القانون المصري
يُعرف العنف الأسري بشكل عام بأنه أي فعل أو امتناع يترتب عليه إيذاء جسدي، نفسي، جنسي، أو اقتصادي بين أفراد الأسرة. أما التحريض على هذا العنف، فهو دفع أو تشجيع شخص آخر لارتكاب فعل عنيف ضد أحد أفراد أسرته. القانون المصري، وإن لم يفرد نصًا صريحًا لجريمة التحريض على العنف الأسري بمسماها، إلا أنه يتعامل معها من خلال النصوص العامة بقانون العقوبات التي تجرم التحريض على ارتكاب الجرائم المختلفة.
تُعد أفعال التحريض، سواء كانت بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى، مقدمة لارتكاب جريمة العنف ذاتها. ويعاقب القانون على الشروع في الجريمة أو التحريض عليها إذا كانت الجريمة المرتكبة تقع تحت طائلة التجريم. يجب أن يكون التحريض جادًا وفعالًا بحيث يؤدي إلى إمكانية وقوع الجريمة أو الشروع فيها.
العقوبات المقررة للتحريض على العنف
تختلف العقوبات المقررة للتحريض على العنف الأسري بناءً على جسامة الجريمة التي تم التحريض عليها، وما إذا كانت قد وقعت بالفعل أم لا. فإذا أدى التحريض إلى ارتكاب جريمة عنف أسري، فإن المحرض يُعاقب كشريك أو فاعل أصلي في الجريمة، بحسب دوره ومدى مساهمته. تتراوح العقوبات من الحبس والغرامة في الجرائم البسيطة إلى السجن المشدد في الجرائم الأكثر خطورة مثل القتل أو الإصابة البالغة.
في حال عدم وقوع الجريمة الأصلية التي تم التحريض عليها، قد يُعاقب المحرض على فعل التحريض نفسه إذا كان القانون ينص على ذلك صراحة، أو على الشروع في الجريمة إذا ثبت أن التحريض كان جزءًا من عملية الشروع. يتوقف تقدير العقوبة على تقدير القاضي للظروف المحيطة بالجريمة ودرجة الخطورة الإجرامية للمحرض.
القوانين ذات الصلة
تتعدد القوانين التي يمكن الاستناد إليها في قضايا التحريض على العنف الأسري. يأتي في مقدمتها قانون العقوبات الذي يحدد الجرائم والعقوبات بشكل عام، ويشمل نصوصًا تتعلق بالتحريض على الجرائم المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يلعب قانون حماية الطفل دورًا حيويًا إذا كان الضحية قاصرًا، حيث ينص على تدابير حمائية وعقوبات مشددة في حالات الإيذاء والتحريض على إيذاء الأطفال.
كما يمكن الاستعانة بقانون الأحوال الشخصية في بعض الجوانب المتعلقة بالحماية الأسرية وتدابير الحماية الممكنة. وفي حالات معينة، قد تتدخل قوانين مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات إذا كان التحريض يتم عبر الإنترنت، أو قانون العقوبات في شأن جرائم السب والقذف والتشهير إذا اقترن التحريض بهذه الأفعال.
دور الجهات المختصة في التحقيق
دور الشرطة (مباحث الأسرة، الأقسام)
تُعد الشرطة هي الجهة الأولى التي تستقبل بلاغات العنف الأسري والتحريض عليه. وتختص مباحث الأسرة بشكل خاص بالتعامل مع هذه القضايا نظرًا لحساسيتها وطبيعتها الأسرية. يقوم ضباط الشرطة في الأقسام أو مباحث الأسرة بتلقي البلاغات، وتحرير المحاضر اللازمة، وسماع أقوال المجني عليهم والشهود، وجمع الأدلة الأولية التي قد تشمل تقارير طبية أو رسائل أو تسجيلات.
يتمثل دور الشرطة في جمع أكبر قدر من المعلومات والأدلة التمهيدية التي تساعد النيابة العامة في بدء تحقيقاتها. كما يمكن للشرطة اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة لحماية المجني عليهم، مثل توفير الحماية الأمنية أو إحالتهم إلى ملاجئ آمنة إذا استدعت الضرورة. يجب أن يتم التعامل مع البلاغات بسرية تامة واهتمام بالغ لضمان سلامة الأطراف المعنية.
دور النيابة العامة كجهة تحقيق
النيابة العامة هي السلطة المختصة بالتحقيق في الجرائم وتحريك الدعوى الجنائية. بمجرد تحويل محضر الشرطة إليها، تبدأ النيابة العامة تحقيقاتها الموسعة. تشمل هذه التحقيقات استدعاء الأطراف للتحقيق معهم، وسماع شهادات الشهود مرة أخرى، ومراجعة الأدلة المقدمة، وطلب المزيد من التحريات أو الأدلة الفنية كالتقارير الطبية الشرعية أو تقارير تكنولوجيا المعلومات.
تتمتع النيابة العامة بسلطة واسعة في التحقيق، بما في ذلك إصدار أوامر الضبط والإحضار، وتفتيش الأماكن، والتحفظ على الأدلة. هدف النيابة هو جمع كافة الحقائق والأدلة اللازمة لتحديد ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت، وما إذا كان هناك ما يكفي من الأدلة لإحالة المتهم إلى المحكمة. تقوم النيابة العامة بدور المدعي العام، وهي تمثل المجتمع في المطالبة بتطبيق القانون.
المحاكم المختصة (محكمة الأسرة، محكمة الجنح)
تتولى المحاكم النظر في قضايا التحريض على العنف الأسري بعد انتهاء تحقيقات النيابة العامة وإحالة المتهمين إليها. في بعض الحالات التي تتعلق بطلب تدابير حمائية عاجلة، قد تختص محكمة الأسرة بالنظر في بعض الجوانب المدنية أو الإجرائية المتعلقة بحماية الضحايا. أما الجانب الجنائي من القضية، فيختص به قاضي الجنح أو الجنايات بحسب نوع الجريمة وعقوبتها.
تُصدر المحاكم أحكامها بناءً على الأدلة المقدمة إليها من النيابة العامة ومرافعات الدفاع. وتضمن المحاكم إجراءات محاكمة عادلة لكلا الطرفين. تسعى المحكمة إلى تطبيق القانون وتحقيق العدالة للمجني عليهم ومعاقبة مرتكبي الجرائم، بما في ذلك المحرضون عليها، وتتخذ القرارات المناسبة بشأن العقوبات أو تدابير الحماية المطلوبة.
دور المنظمات الحقوقية ومراكز الاستشارات
تلعب المنظمات الحقوقية ومراكز الاستشارات دورًا هامًا ومكملًا لعمل الجهات الرسمية في قضايا العنف الأسري والتحريض عليه. تقدم هذه المنظمات الدعم القانوني والنفسي للمجني عليهم، وتساعدهم في فهم حقوقهم والخطوات الإجرائية اللازمة. كما توفر لهم الاستشارات القانونية المجانية أو بتكلفة مخفضة، وقد تقوم بتمثيلهم أمام الجهات القضائية.
تساهم هذه المنظمات أيضًا في رفع الوعي المجتمعي بخطورة العنف الأسري والتحريض عليه، وتنظم حملات توعية وتدريب. يمكنها أن تكون نقطة اتصال آمنة للمجني عليهم الذين يترددون في اللجوء للجهات الرسمية بشكل مباشر، وتقدم لهم الدعم اللازم لاتخاذ القرار الصحيح. دورها أساسي في توفير شبكة أمان اجتماعي وقانوني للضحايا.
خطوات الإبلاغ عن جريمة التحريض
كيفية تقديم البلاغ (شخصيًا، إلكترونيًا)
يمكن للمتضرر أو لأي شخص لديه علم بجريمة التحريض على العنف الأسري تقديم بلاغ إلى الجهات المختصة بعدة طرق. الطريقة الأكثر شيوعًا هي تقديم البلاغ شخصيًا إلى أقرب قسم شرطة، حيث يتم تحرير محضر رسمي للواقعة. يجب على المبلغ تقديم كافة المعلومات المتوفرة لديه بدقة ووضوح. يمكن أيضًا تقديم البلاغات في بعض الحالات عبر الخطوط الساخنة المخصصة أو المنصات الإلكترونية التي تتيحها بعض الجهات الرسمية، مما يسهل عملية الإبلاغ ويحافظ على سرية المبلغ.
في حالات العنف الأسري، وخاصة إذا كان هناك خطر داهم على حياة أو سلامة المجني عليه، يُنصح بالإبلاغ الفوري وعدم التردد. بعض الجهات توفر آليات للإبلاغ السري لضمان حماية المبلغين والضحايا من أي أعمال انتقامية محتملة. يجب أن يتأكد المبلغ من حصوله على رقم أو إثبات يفيد بتقديم البلاغ لمتابعته لاحقًا.
المستندات والمعلومات المطلوبة عند الإبلاغ
لضمان فعالية البلاغ، يجب توفير أكبر قدر ممكن من المستندات والمعلومات ذات الصلة. تشمل هذه المعلومات بيانات المجني عليه (الاسم الكامل، العنوان، رقم الهاتف)، وبيانات المشتبه به المحرض (إن وجدت). كما يجب تقديم وصف دقيق للواقعة، وزمان ومكان حدوثها، والوسيلة التي تم بها التحريض (مثل رسائل نصية، مكالمات، منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، شهادات شهود).
أي مستندات داعمة مثل صور للمحادثات، تسجيلات صوتية، تقارير طبية، أو أسماء وعناوين شهود العيان يمكن أن تعزز قوة البلاغ وتسرع من إجراءات التحقيق. يُنصح بتجهيز هذه المعلومات مسبقًا قبل التوجه للإبلاغ لضمان سير الإجراءات بسلاسة وفعالية، وتجنب أي تأخيرات غير ضرورية في التعامل مع القضية.
أهمية التوقيت في الإبلاغ
يلعب التوقيت دورًا حاسمًا في قضايا العنف الأسري والتحريض عليه. فكلما كان الإبلاغ مبكرًا، زادت فرص جمع الأدلة والحفاظ عليها قبل أن تتلف أو تختفي. الأدلة المادية كالآثار الجسدية أو الرقمية قد تتلاشى بمرور الوقت، مما يجعل إثبات الجريمة أكثر صعوبة. كما أن الإبلاغ الفوري يتيح للجهات المعنية اتخاذ تدابير حماية عاجلة للضحايا ومنع تفاقم الوضع أو تكرار العنف.
التأخير في الإبلاغ قد يثير الشكوك حول مصداقية البلاغ أو يزيد من تعقيدات التحقيق. لذلك، يُشجع دائمًا على الإبلاغ بمجرد وقوع حادثة التحريض أو العنف، خاصة إذا كان هناك خطر يهدد سلامة الأفراد. سرعة التحرك تساهم في تقديم الجناة للعدالة وتوفير الأمان للمجني عليهم.
سرية البلاغات وحماية المبلغين
تولي الجهات الرسمية اهتمامًا خاصًا بسرية البلاغات في قضايا العنف الأسري، وذلك لحماية المجني عليهم والمبلغين من أي أعمال انتقامية محتملة. يتم التعامل مع معلومات المبلغين والضحايا بسرية تامة، ولا يتم الكشف عن هويتهم إلا للضرورة القصوى وللجهات المخولة قانونًا بذلك. تهدف هذه السرية إلى تشجيع الضحايا والمحيطين بهم على الإبلاغ دون خوف.
بالإضافة إلى السرية، توفر بعض التشريعات تدابير لحماية المبلغين والشهود، والتي قد تشمل توفير الحماية الجسدية، أو تغيير أماكن الإقامة، أو ضمان سرية الشهادة في المحاكم. هذه الإجراءات تهدف إلى بناء الثقة في النظام القضائي وتشجيع الأفراد على التعاون في مكافحة العنف الأسري والتحريض عليه، مما يضمن تقديم الجناة للعدالة.
جمع الأدلة والتحقيقات الأولية
أنواع الأدلة المقبولة (شهادات، تسجيلات، رسائل)
تعتمد قوة قضية التحريض على العنف الأسري بشكل كبير على نوعية وكمية الأدلة المقدمة. تشمل الأدلة المقبولة قانونيًا شهادات المجني عليهم والشهود الذين رأوا أو سمعوا فعل التحريض أو العنف. يجب أن تكون هذه الشهادات متسقة ومفصلة. كما تُعد التسجيلات الصوتية أو المرئية التي توثق فعل التحريض أو التهديد أدلة قوية جدًا، شريطة أن تكون قد تم الحصول عليها بطرق قانونية ولا تنتهك خصوصية الآخرين.
الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، أو أي شكل من أشكال المراسلات المكتوبة التي تتضمن ألفاظًا تحريضية تُعد أيضًا أدلة مهمة. بالإضافة إلى ذلك، أي مستندات أو سجلات تثبت وجود نزاعات سابقة أو سلوكيات عنيفة من جانب المحرض يمكن أن تُستخدم لدعم القضية. يجب التأكد من جمع هذه الأدلة وتوثيقها بشكل صحيح لكي تكون مقبولة أمام المحاكم.
أهمية تقارير الطب الشرعي والنفسي
في قضايا العنف الأسري المرتبطة بالتحريض، تلعب تقارير الطب الشرعي والنفسي دورًا حيويًا في إثبات الضرر الواقع على المجني عليه. يُظهر تقرير الطب الشرعي الإصابات الجسدية وتقدير مدى خطورتها وتاريخ حدوثها، وهو دليل مادي قاطع على العنف الذي قد يكون نتيجة للتحريض. أما تقارير الطب النفسي، فتُظهر الآثار النفسية والعاطفية للعنف والتحريض، مثل الاكتئاب، القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، أو أي ضرر نفسي آخر.
تُستخدم هذه التقارير لدعم شهادة المجني عليه، وتوفير دليل علمي على الضرر الناتج عن التحريض والعنف. كما يمكن أن تُسهم في تحديد الحاجة إلى تدابير حماية أو دعم نفسي للمجني عليه. يجب أن يتم الحصول على هذه التقارير من جهات رسمية أو أطباء متخصصين ومعتمدين لضمان حجيتها القانونية في المحكمة.
استجواب الأطراف والشهود
يُعد استجواب الأطراف (المجني عليه والمشتبه به) والشهود جزءًا أساسيًا من عملية التحقيق. تقوم النيابة العامة باستدعاء هؤلاء الأشخاص لسماع أقوالهم بشكل مفصل وتفنيدها. يُطلب من المجني عليه وصف الواقعة بدقة، وتقديم كافة الأدلة التي لديه. يتم استجواب المشتبه به لمنحه فرصة للدفاع عن نفسه وتقديم ما لديه من أقوال أو أدلة مضادة. أما الشهود، فيتم سؤالهم عن معرفتهم بالواقعة وما شاهدوه أو سمعوه.
تُسجل الأقوال في محاضر رسمية، ويُطلب من المستجوبين التوقيع عليها بعد التأكد من دقتها. يهدف الاستجواب إلى كشف الحقيقة وجمع كافة المعلومات الضرورية التي تُمكن النيابة من اتخاذ قرار بشأن إحالة القضية إلى المحكمة أو حفظها. تلتزم النيابة بضمان حقوق الجميع أثناء الاستجوابات، بما في ذلك حق المشتبه به في الاستعانة بمحامٍ.
دور التحريات الفنية والرقمية (في حالة التحريض الإلكتروني)
في عصرنا الحالي، كثيرًا ما يتم التحريض على العنف الأسري عبر الوسائل الإلكترونية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، الرسائل النصية، أو المنتديات. في هذه الحالات، تلعب التحريات الفنية والرقمية دورًا بالغ الأهمية في جمع الأدلة. يقوم المتخصصون في الجرائم الإلكترونية بتحليل البيانات الرقمية، تتبع المصادر، استعادة الرسائل المحذوفة، وتحديد هوية المحرضين عبر الإنترنت.
تُعد الأدلة الرقمية مثل لقطات الشاشة (screenshots) المحفوظة، سجلات المكالمات، رسائل البريد الإلكتروني، أو تاريخ التصفح، ذات قيمة كبيرة في إثبات جريمة التحريض الإلكتروني. يتطلب جمع هذه الأدلة مهارات متخصصة وقد يتم الاستعانة بخبراء في الأدلة الجنائية الرقمية لضمان صحة هذه الأدلة وقبولها أمام المحكمة. تُقدم هذه التحريات تقارير مفصلة للنيابة العامة لدعم القضية.
الإجراءات المتقدمة ودور النيابة العامة
تحويل البلاغ إلى النيابة العامة
بعد جمع الشرطة للأدلة الأولية وتحرير المحضر، يتم تحويل البلاغ وما تم جمعه من أدلة إلى النيابة العامة. تُعد هذه الخطوة هي نقطة الانتقال من مرحلة البحث والتحريات الأولية إلى مرحلة التحقيق القضائي. تتولى النيابة العامة دراسة المحضر ومراجعة الأدلة المقدمة، وتقرر ما إذا كانت كافية لبدء تحقيق رسمي أم لا. إذا رأت النيابة وجود شبهة جريمة، فإنها تأمر بفتح تحقيق موسع.
تُعد النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في التحقيق، وتمتلك سلطات أوسع من الشرطة في هذا الصدد. تبدأ النيابة بإجراءات أكثر تفصيلاً ودقة، وتستدعي الأطراف لسماع أقوالهم بشكل رسمي، وتُصدر القرارات اللازمة لاستكمال جمع الأدلة، بما في ذلك طلب تحريات إضافية، أو ندب خبراء، أو إصدار أوامر ضبط وإحضار إذا لزم الأمر.
سير التحقيقات الجنائية
تتبع التحقيقات الجنائية في النيابة العامة مسارًا دقيقًا ومحددًا قانونيًا. يبدأ وكيل النيابة المختص بسماع أقوال المجني عليه والشهود بشكل تفصيلي تحت القسم. ثم يتم استدعاء المتهم المحرض ومواجهته بالأدلة والاتهامات الموجهة إليه، ويُمنح فرصة للدفاع عن نفسه وتقديم ما لديه من أدلة أو شهود. قد يتم استجواب المتهمين أكثر من مرة بناءً على ظهور أدلة جديدة.
تقوم النيابة بجمع كل ما يمكن أن يفيد في كشف الحقيقة، من تقارير طب شرعي، تقارير فنية، مستندات، أو تسجيلات. قد يتم إجراء معاينات لمكان الواقعة إذا كانت ذات أهمية. كل هذه الإجراءات تهدف إلى بناء قضية متكاملة تستند إلى أدلة دامغة لضمان تحقيق العدالة وتقديم الجناة للعدالة. تستمر التحقيقات حتى يتم استنفاد كافة سبل جمع الأدلة.
تصرفات النيابة (حفظ التحقيق، إحالة للمحكمة)
بعد انتهاء التحقيقات، تتخذ النيابة العامة أحد القرارين الرئيسيين: إما حفظ التحقيق أو إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة. تقرر النيابة حفظ التحقيق إذا رأت أن الأدلة غير كافية لإدانة المتهم، أو أن لا توجد جريمة من الأصل، أو إذا كانت هناك موانع قانونية للمضي قدمًا في الدعوى الجنائية. يُبلغ المجني عليه بقرار الحفظ، ويكون له الحق في التظلم منه.
أما إذا وجدت النيابة العامة أن الأدلة كافية وتشير إلى ارتكاب جريمة التحريض على العنف الأسري، فإنها تقوم بإعداد قرار الإحالة للمحكمة. يتضمن قرار الإحالة تحديد التهم الموجهة للمتهم، والنصوص القانونية المنطبقة، وقائمة الأدلة والشهود. تُرسل القضية بعد ذلك إلى المحكمة المختصة لبدء إجراءات المحاكمة، حيث تُعرض القضية أمام القاضي للفصل فيها.
الطعن على قرارات النيابة
في النظام القانوني المصري، يُمنح الأطراف الحق في الطعن على قرارات النيابة العامة إذا شعروا بأنها غير صحيحة أو غير عادلة. فإذا قررت النيابة العامة حفظ التحقيق، يحق للمجني عليه أو للمدعي بالحق المدني التظلم من هذا القرار أمام النائب العام أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة، وذلك خلال فترة زمنية محددة. يهدف هذا الإجراء إلى ضمان عدم إهدار الحقوق في حال وجود أدلة لم تُؤخذ بعين الاعتبار بشكل كافٍ.
يُراجع التظلم من قبل جهة قضائية أعلى أو متساوية، والتي تقوم بإعادة دراسة أوراق التحقيق والأدلة. إذا رأت الجهة أن هناك أسبابًا كافية لإلغاء قرار الحفظ، فإنها تأمر بإعادة فتح التحقيق أو إحالة القضية إلى المحكمة. يضمن هذا الحق الرقابة على عمل النيابة ويمنح المجني عليهم فرصة إضافية للحصول على العدالة.
سبل الحماية للمجني عليهم والشهود
أوامر الحماية والقرارات القضائية المستعجلة
لضمان سلامة المجني عليهم في قضايا التحريض على العنف الأسري، يمكن للمحكمة أو النيابة العامة إصدار أوامر حماية وقرارات قضائية مستعجلة. تهدف هذه الأوامر إلى توفير حماية فورية للضحايا من أي تهديد أو عنف محتمل. قد تشمل أوامر الحماية منع المحرض أو الجاني من الاقتراب من المجني عليه، أو من مكان سكنه أو عمله، أو من التواصل معه بأي وسيلة.
يمكن أن تتضمن هذه الأوامر أيضًا توفير مأوى آمن للمجني عليه إذا كان ذلك ضروريًا، أو فرض رقابة على الجاني. تُصدر هذه الأوامر بناءً على تقدير الجهة القضائية لمدى الخطر الذي يهدد حياة أو سلامة المجني عليه، وتُنفذ فورًا من قبل الشرطة لضمان فعاليتها. تُعد هذه التدابير حجر الزاوية في حماية ضحايا العنف الأسري.
برامج الدعم النفسي والقانوني
بجانب الإجراءات القانونية، يُعد الدعم النفسي والقانوني للمجني عليهم أمرًا بالغ الأهمية. فضحايا التحريض على العنف الأسري غالبًا ما يعانون من صدمات نفسية وعاطفية تتطلب رعاية متخصصة. توفر العديد من المنظمات غير الحكومية والمراكز المتخصصة جلسات علاج نفسي ودعم اجتماعي لمساعدة الضحايا على التعافي من آثار التجربة المؤلمة. كما تُقدم المشورة القانونية المجانية أو المخفضة لهم لمساعدتهم في فهم حقوقهم وخياراتهم القانونية.
تهدف هذه البرامج إلى تمكين الضحايا، واستعادة ثقتهم بأنفسهم والمجتمع، ومساعدتهم على المضي قدمًا في حياتهم. الدعم القانوني يضمن أن الضحايا لديهم القدرة على الوصول إلى العدالة وفهم الإجراءات القضائية، في حين أن الدعم النفسي يساعدهم على معالجة الصدمة وبناء قدراتهم على التأقلم. هذه الخدمات تُعد جزءًا لا يتجزأ من منظومة حماية الضحايا.
حماية سرية البيانات الشخصية
في قضايا العنف الأسري، تُعتبر حماية سرية البيانات الشخصية للمجني عليهم والشهود أمرًا بالغ الأهمية. فإفشاء هذه البيانات قد يعرضهم لخطر انتقامي من قبل الجاني أو المحرض. لذلك، تلتزم الجهات القضائية وجهات التحقيق بتطبيق إجراءات صارمة لضمان سرية المعلومات، وعدم الكشف عن هوية الضحايا أو عناوينهم أو أي تفاصيل شخصية أخرى، إلا في الضرورة القصوى ووفقًا للقانون.
يمكن للمحكمة في بعض الحالات أن تسمح بتقديم الشهادة من خلف ستار أو باستخدام أسماء مستعارة لحماية الشهود. هذه التدابير تهدف إلى تشجيع الضحايا والشهود على التعاون مع العدالة دون خوف على سلامتهم أو خصوصيتهم. وتُسهم في بناء الثقة في النظام القانوني وتشجيع المزيد من البلاغات عن هذه الجرائم الحساسة.
دور منظمات المجتمع المدني في الدعم
تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا ومحوريًا في تقديم الدعم لضحايا العنف الأسري والتحريض عليه. فهي غالبًا ما تكون الجهة الأولى التي يلجأ إليها الضحايا، حيث توفر لهم بيئة آمنة وداعمة. تُقدم هذه المنظمات مجموعة واسعة من الخدمات، تشمل المساعدة القانونية المجانية، الاستشارات النفسية، برامج التوعية والتدريب، وحتى توفير المأوى المؤقت في بعض الحالات.
تُعد هذه المنظمات شريكًا أساسيًا للجهات الحكومية في مكافحة العنف الأسري، حيث تسد الثغرات التي قد لا تغطيها الخدمات الحكومية بشكل كامل. كما أنها تساهم في رفع الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة، والضغط من أجل تعديل القوانين لتوفير حماية أفضل للضحايا. يضمن تعاون هذه المنظمات مع الجهات الرسمية توفير شبكة دعم متكاملة وفعالة للضحايا.