الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

جريمة بيع أرض بدون ملكية

جريمة بيع أرض بدون ملكية: الحلول القانونية والوقاية

كيف تحمي نفسك وممتلكاتك من عمليات النصب العقاري وتسترد حقوقك؟

تُعد عمليات بيع الأراضي بدون ملكية إحدى أخطر صور النصب والاحتيال العقاري التي قد يتعرض لها الأفراد والمستثمرون في السوق العقاري. تتسبب هذه الجريمة في خسائر مادية فادحة للمشترين وتخلق نزاعات قانونية معقدة وطويلة. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على هذه الجريمة من منظور القانون المصري، وتقديم إرشادات عملية وخطوات قانونية واضحة لمساعدة الأفراد على فهم كيفية الوقاية من الوقوع ضحية لمثل هذه العمليات الاحتيالية. كما ستوضح المقالة السبل القانونية المتاحة لاسترداد الحقوق المتضررة في حال الوقوع في فخ هذه الجريمة. سنستعرض الجوانب المختلفة للموضوع، بدءًا من تعريف الجريمة وأنواع الاحتيال الشائعة، مرورًا بالخطوات الوقائية والتحقق من الملكية، وصولاً إلى الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في حال اكتشاف النصب.

فهم جريمة بيع أرض بدون ملكية

التعريف والمفهوم القانوني

جريمة بيع أرض بدون ملكيةتُعرف جريمة بيع أرض بدون ملكية بأنها قيام شخص ببيع عقار (أرض) لا يملك حق التصرف فيه قانونًا، سواء كان ذلك بجهل أو بقصد الغش والاحتيال على المشتري. تستند هذه الجريمة إلى عدة مبادئ قانونية، أبرزها مبدأ “لا يملك إلا ما يملك”، والذي يعني أن البائع لا يستطيع نقل ملكية شيء لا يملكه في الأساس. يمكن أن تتخذ هذه الجريمة أبعادًا مدنية وجنائية. فمن الناحية المدنية، يُعتبر عقد البيع باطلاً أو قابلاً للإبطال لعدم وجود محل مشروع للعقد. أما من الناحية الجنائية، فقد تندرج هذه الأفعال تحت جرائم النصب والاحتيال والتزوير، بحسب الظروف والوثائق المستخدمة في عملية البيع.

يضع القانون المدني المصري أسس الملكية والتصرف فيها، ويُعتبر التسجيل في الشهر العقاري هو المنشئ والناقل للملكية. أي بيع لا يتم تسجيله يظل حجة بين طرفيه ولا ينقل الملكية للغير. بينما تتناول نصوص قانون العقوبات، لا سيما المواد المتعلقة بالنصب (مثل المادة 336)، الأفعال التي تتضمن استخدام طرق احتيالية للاستيلاء على أموال الغير. يشمل ذلك تقديم مستندات مزورة، أو الادعاء بصفة غير صحيحة، أو إيهام الضحية بوجود مشروع كاذب. يهدف هذا الإطار القانوني إلى حماية المتعاملين في السوق العقاري وضمان استقرار المعاملات.

أنواع الاحتيال الشائعة في بيع الأراضي

تتنوع أساليب الاحتيال في بيع الأراضي بدون ملكية، وتتطور هذه الأساليب باستمرار لتتناسب مع التطورات التكنولوجية والقانونية. من أكثر الأنواع شيوعًا هو بيع الأرض بموجب مستندات مزورة، حيث يقوم المحتالون بتزوير عقود ملكية، أو توكيلات، أو أحكام قضائية، لإيهام المشتري بامتلاكهم الحق في البيع. قد يتم تزوير التوقيعات أو الأختام الرسمية لإضفاء الشرعية على هذه المستندات المزورة. نوع آخر يتمثل في بيع الأرض لأكثر من مشتري في نفس الوقت، حيث يتم توقيع عدة عقود بيع لنفس قطعة الأرض مع أشخاص مختلفين، مع العلم أن البائع لا يملك الأرض أو ليس له الحق في التصرف فيها بعد البيع الأول الصحيح.

كما يشيع الاحتيال في الأراضي التي تكون محل نزاع قانوني أو أراضي الأوقاف أو أملاك الدولة، حيث يقوم المحتال ببيعها دون إشارة إلى وضعها القانوني المعقد، مستغلاً جهل المشتري. من أشكال الاحتيال أيضًا بيع الأراضي الورثة دون الحصول على موافقة جميع الورثة أو دون فرز وتجنيب حصصهم، مما يجعل البيع باطلاً في حق الورثة غير الموافقين. في بعض الأحيان، قد يتم بيع جزء من الأرض على أنه كامل الأرض، أو بيع أرض بمواصفات تختلف تمامًا عن الواقع. هذه الأساليب تستدعي اليقظة والتدقيق الشديد من جانب المشترين لحماية استثماراتهم.

خطوات عملية للتحقق من ملكية الأرض قبل الشراء

الاستعلام في الشهر العقاري

يُعد الاستعلام في مصلحة الشهر العقاري والتوثيق هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية وحيوية للتحقق من ملكية الأرض قبل إتمام عملية الشراء. يتوجب على المشتري أو من ينوب عنه قانونيًا (محامٍ) التوجه إلى المكتب المختص بالشهر العقاري الذي تقع الأرض في دائرة اختصاصه. هناك، يتم طلب “شهادة تصرفات عقارية” عن العقار المراد شراؤه. هذه الشهادة تُبين جميع التصرفات القانونية التي تمت على الأرض خلال فترة زمنية محددة (عادةً 10 سنوات أو أكثر)، وتشمل البيوع السابقة، الرهون، الحجوزات، الدعاوي القضائية المسجلة على العقار، واسم المالك الحقيقي المسجل.

تُعتبر هذه الشهادة بمثابة المرآة القانونية للعقار، حيث تكشف عن أي عيوب أو موانع تحول دون إتمام عملية البيع بشكل سليم. يجب مطابقة البيانات الواردة في الشهادة مع البيانات الموجودة في عقد البيع المقدم من البائع. في حال وجود أي تباين أو عدم اتساق، يجب التوقف فورًا ومطالبة البائع بتقديم التوضيحات اللازمة والمستندات التي تُثبت صحة موقفه. عدم وجود تسجيل للملكية باسم البائع في الشهر العقاري هو مؤشر خطر يدعو للشك والتحفظ الشديد، وقد يعني أن البائع لا يملك الأرض أو أنه ليس له حق التصرف فيها.

التأكد من السجل العيني (إن وجد)

بالإضافة إلى الشهر العقاري، في بعض المناطق التي يطبق عليها نظام السجل العيني، يجب التأكد من صحة بيانات الملكية من خلال هذا السجل. السجل العيني هو نظام لتسجيل الحقوق العينية على العقارات يعتمد على وصف العقار ذاته (رقمه وموقعه ومساحته وحدوده) بدلاً من اسم المالك. يُطبق هذا النظام في مناطق معينة من الجمهورية، ويُعد أكثر دقة وتفصيلاً من نظام الشهر العقاري التقليدي في بعض جوانبه. إذا كانت الأرض المراد شراؤها تقع ضمن منطقة يطبق عليها نظام السجل العيني، فمن الضروري طلب مستخرج رسمي من صحيفة العقار في السجل العيني للتأكد من المالك الحقيقي للعقار وحالة العقار القانونية، وما إذا كان هناك أي حقوق عينية للغير (مثل الرهون أو الارتفاقات) أو أي حجوزات قضائية أو إدارية عليه. هذه الخطوة تُعزز من مستوى التحقق وتقلل من فرص التعرض للاحتيال.

مراجعة تراخيص البناء والتخطيط العمراني

على الرغم من أن مراجعة تراخيص البناء والتخطيط العمراني ليست متعلقة مباشرة بإثبات الملكية، إلا أنها خطوة وقائية مهمة يمكن أن تكشف عن مؤشرات غير مباشرة لمشكلات محتملة في الأرض أو ملكيتها. يمكن من خلال الإدارات المختصة في الأحياء أو المجالس المحلية، الاستعلام عن الوضع التخطيطي للأرض وما إذا كانت مخصصة لغرض معين (مثل مناطق سكنية، صناعية، زراعية، أو خدمات). قد يكشف هذا الاستعلام أن الأرض لا يسمح بالبناء عليها، أو أنها جزء من مشروع عام، أو أنها تخضع لقيود معينة. في حال عدم وجود تراخيص بناء سابقة أو عدم توافق البائع مع الاشتراطات التخطيطية، قد يثير ذلك الشكوك حول مدى قانونية الأرض وقدرة البائع على التصرف فيها بحرية تامة.

الاستعانة بمحامٍ متخصص

يُعد الاستعانة بمحامٍ متخصص في القضايا العقارية خطوة حاسمة وضرورية قبل إتمام أي عملية شراء عقارية. يتمتع المحامي بالخبرة القانونية اللازمة لفحص جميع المستندات المتعلقة بالأرض، بما في ذلك عقد البيع، مستندات الملكية، شهادات الشهر العقاري، وأي مستندات أخرى ذات صلة. يقوم المحامي بإجراء الفحص القانوني النافي للجهالة، وهو ما يعرف بـ “Due Diligence” القانوني، والذي يشمل التحقق من سلسلة الملكية، التأكد من عدم وجود نزاعات قضائية أو رهون على العقار، والتحقق من صلاحية البائع للتصرف في الأرض. كما يمكن للمحامي صياغة العقد الابتدائي بما يضمن حقوق المشتري ويحتوي على شروط تحميه من أي محاولات احتيالية. تُعد تكلفة الاستعانة بمحامٍ استثمارًا صغيرًا مقارلاً بالخسائر الفادحة التي يمكن تجنبها.

لا يقتصر دور المحامي على فحص المستندات فقط، بل يشمل أيضًا تقديم المشورة القانونية بشأن أفضل الطرق لتأمين الصفقة، مثل تحديد طريقة دفع الثمن التي تربط الدفع بالتسجيل الرسمي للملكية، أو وضع شروط جزائية واضحة في حالة إخلال البائع بالتزاماته. كما يمكن للمحامي أن يقوم بالاستعلامات اللازمة لدى الجهات الحكومية المختلفة للتأكد من عدم وجود أي موانع إدارية أو تخطيطية تحول دون إتمام البيع. يساعد المحامي في فهم البنود القانونية المعقدة وحماية المشتري من أي ثغرات قد يستغلها المحتالون.

زيارة الموقع ومعاينة الأرض

تُعد زيارة الموقع الفعلي للأرض ومعاينتها خطوة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. يجب على المشتري التأكد بنفسه من وجود الأرض في الموقع الموصوف، ومطابقة حدودها ومساحتها لما هو مذكور في المستندات. يجب أيضًا التحقق من طبيعة الأرض (زراعية، صحراوية، مبنية)، ومدى سهولة الوصول إليها، والبنية التحتية المحيطة بها. قد تكشف المعاينة عن وجود تعديات على الأرض، أو وجود نزاعات فعلية مع الجيران، أو أن الأرض ليست في الموقع الذي ادعاه البائع. في بعض الحالات، قد يتم الاحتيال ببيع أرض غير موجودة من الأساس، أو بيع أرض في موقع مختلف تمامًا عن الموصوف في العقد.

يجب على المشتري أيضًا محاولة التحدث مع الجيران أو أصحاب الأراضي المجاورة، إذا أمكن، للاستفسار عن مالك الأرض الحقيقي أو ما إذا كانت هناك أي مشكلات معروفة تتعلق بها. هذه الخطوة قد توفر معلومات قيمة وغير متوفرة في الأوراق الرسمية. قد يكتشف المشتري أن هناك نزاعات ملكية قائمة لم يتم تسجيلها بعد، أو أن الأرض محل حيازة غير قانونية. التأكد من جميع هذه الجوانب يقلل بشكل كبير من مخاطر الوقوع في فخ الاحتيال ويضمن أن ما يتم شراؤه يتوافق مع الواقع الفعلي.

الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها عند اكتشاف الجريمة

تحرير محضر شرطة وبلاغ للنيابة العامة

في حال اكتشاف جريمة بيع أرض بدون ملكية، فإن أول وأهم خطوة يجب اتخاذها هي التوجه فورًا إلى أقرب قسم شرطة أو النيابة العامة لتحرير محضر بالواقعة. يجب أن يتضمن المحضر كافة التفاصيل المتعلقة بالجريمة، مثل اسم البائع، تاريخ عملية البيع، المبلغ المدفوع، وصف دقيق للأرض، وتقديم جميع المستندات المتعلقة بالواقعة (عقود، إيصالات دفع، مستندات ملكية مزورة إن وجدت). سيتم إحالة المحضر إلى النيابة العامة للتحقيق في الواقعة. النيابة العامة ستقوم باستدعاء البائع والشهود، وقد تطلب تحريات الشرطة، وتفحص المستندات، وتستعين بالخبراء (مثل خبراء التزييف والتزوير) للتأكد من صحة البلاغ. يُعتبر هذا الإجراء أساسيًا لتحريك الدعوى الجنائية ضد المحتال بتهمة النصب أو التزوير أو كليهما، وذلك للحفاظ على حقوق المشتري.

يجب على المشتري المتابعة المستمرة مع النيابة العامة لمسار التحقيق وتقديم أي مستندات أو معلومات إضافية قد تطلبها النيابة. كما يمكن للمشتري تقديم طلب للنيابة بوقف التصرف في أموال البائع (في حال معرفة أملاكه) كإجراء تحفظي لضمان استرداد أمواله. تهدف هذه الخطوة إلى معاقبة الجاني جنائيًا، وهو ما يُعد رادعًا للآخرين، ويُمكن أن يُسهم في استعادة الحقوق المدنية لاحقًا. يجب الانتباه إلى أن تحديد الجريمة جنائيًا قد يستغرق وقتًا طويلاً، لذا يجب الاستعداد لذلك ومتابعة القضية بجدية واهتمام.

إقامة دعوى صحة ونفاذ أو فسخ عقد

بالتوازي مع الإجراءات الجنائية، يجب على المشتري المتضرر إقامة دعوى مدنية أمام المحكمة المختصة لاسترداد حقوقه. إذا كان هناك عقد بيع ابتدائي وتم اكتشاف أن البائع لا يملك الأرض، يمكن للمشتري إقامة دعوى “فسخ عقد” للمطالبة بفسخ العقد واسترداد الثمن المدفوع، بالإضافة إلى المطالبة بالتعويض عن الأضرار. في بعض الحالات، إذا كانت هناك نية حسنة من المشتري واعتقد أنه يشتري من المالك الحقيقي، قد يتم إقامة دعوى “صحة ونفاذ” على البائع (في حال حصوله على الملكية لاحقًا أو إذا كانت هناك إشكالية في التسجيل فقط)، ولكن هذا السيناريو أقل شيوعًا في حالات الاحتيال الصريح ببيع ما لا يملك. الهدف الرئيسي من الدعوى المدنية هو استعادة المبلغ المدفوع كاملاً، بالإضافة إلى أي مصاريف تكبدها المشتري.

تتضمن دعوى الفسخ أو الإبطال المطالبة بإلغاء الآثار القانونية للعقد الباطل أو القابل للإبطال، وعودة الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد. أي يتم إلزام البائع برد الثمن الذي تسلمه من المشتري. يجب توكيل محامٍ متخصص لرفع هذه الدعاوى وتقديم جميع المستندات القانونية اللازمة، مثل عقد البيع، إيصالات الدفع، وشهادات الشهر العقاري التي تُثبت عدم ملكية البائع. كما يمكن للمحامي أن يطالب بفوائد تأخير على المبلغ المستحق للمشتري. هذه الدعاوى تضمن حماية الحقوق المالية للمشتري وتعويض الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت به نتيجة عملية الاحتيال.

طلب تعويض عن الأضرار

بالإضافة إلى استرداد الثمن المدفوع، يحق للمشتري المتضرر المطالبة بتعويض عن جميع الأضرار التي لحقت به نتيجة جريمة النصب والاحتيال. تشمل هذه الأضرار الأضرار المادية، مثل المصاريف القضائية، أتعاب المحاماة، الرسوم الحكومية، وفقدان الفرصة لاستثمار الأموال في مكان آخر (الربح الفائت). كما يمكن المطالبة بتعويض عن الأضرار المعنوية، مثل الضغط النفسي، التوتر، والإضرار بالسمعة في حال كان المشتري مستثمرًا عقاريًا. يتم تحديد قيمة التعويض بناءً على تقدير المحكمة بعد دراسة جميع جوانب القضية وتقديم البراهين اللازمة لإثبات الأضرار.

يجب على المحامي الخاص بالمشتري أن يُقدم للمحكمة تفصيلاً دقيقًا للأضرار المطالب بها، معززًا ذلك بالمستندات والإيصالات التي تُثبت هذه الأضرار. على سبيل المثال، إيصالات دفع أتعاب المحاماة، فواتير المصاريف الإدارية، وإثبات فرص استثمارية ضاعت بسبب تجميد الأموال. تهدف المطالبة بالتعويض إلى جبر الضرر الذي لحق بالمشتري بشكل كامل، وليس مجرد استعادة رأس المال المدفوع. يُعد التعويض عن الأضرار جزءًا أساسيًا من العدالة القضائية للمتضررين من عمليات الاحتيال العقاري، ويسهم في ردع المحتالين المستقبليين.

الحجز التحفظي على أموال البائع

لضمان استرداد الأموال والتعويضات المستحقة، يمكن للمشتري المتضرر التقدم بطلب للمحكمة بفرض “حجز تحفظي” على أموال البائع ومنقولاته وعقاراته (إن وجدت). هذا الإجراء القانوني يهدف إلى منع البائع من التصرف في أمواله أو تهريبها، وبالتالي ضمان وجود مصدر لسداد المبالغ المحكوم بها لصالح المشتري. يمكن أن يشمل الحجز التحفظي حسابات البنوك، السيارات، الأراضي الأخرى التي يمتلكها البائع، أو أي أصول أخرى ذات قيمة. يتطلب الحصول على أمر بالحجز التحفظي تقديم طلب للمحكمة وشرح أسباب الخوف من تهريب الأموال أو إخفائها، مع تقديم المستندات التي تُثبت حق المشتري.

يُعد الحجز التحفظي إجراءً سريعًا ومؤقتًا تتخذه المحكمة لحماية حقوق الدائن قبل صدور الحكم النهائي في الدعوى الأصلية. هو خطوة استباقية مهمة لضمان تنفيذ الحكم القضائي بعد صدوره. بمجرد صدور أمر الحجز، يتم تنفيذه فورًا من قبل الجهات المختصة، ولا يمكن للبائع التصرف في الأموال المحجوز عليها. هذه الخطوة تُعطي المشتري ميزة قانونية قوية وتُزيد من فرص استرداده لأمواله بالكامل، خاصة في القضايا التي يخشى فيها من إعسار البائع أو محاولته إخفاء أصوله لتجنب السداد.

نصائح إضافية للوقاية وتجنب الوقوع ضحية للنصب العقاري

عدم دفع الثمن كاملاً قبل التسجيل

من أهم النصائح الوقائية هي تجنب دفع كامل ثمن الأرض قبل إتمام إجراءات التسجيل الرسمي للملكية في الشهر العقاري. يُنصح بتقسيم عملية الدفع إلى مراحل، بحيث يتم دفع جزء كدفعة مقدمة (مقدم حجز)، ثم دفع جزء آخر عند توقيع العقد الابتدائي، ويتم ربط الدفعة الأكبر (أو الأخيرة) بإتمام إجراءات التسجيل ونقل الملكية بشكل رسمي للمشتري. يمكن وضع شرط في العقد الابتدائي ينص صراحة على أن الدفعة النهائية تستحق فقط بعد تسجيل الأرض باسم المشتري في السجلات الرسمية. هذه الطريقة تُشجع البائع على إتمام إجراءات التسجيل بسرعة وتُقلل من مخاطر فقدان المشتري لكامل أمواله في حال اكتشاف احتيال. في حالة عدم قدرة البائع على التسجيل لأي سبب، يمكن للمشتري التراجع عن الصفقة واسترداد المبالغ المدفوعة.

التأكد من شخصية البائع وصلاحيته للبيع

يجب على المشتري التحقق من شخصية البائع بشكل دقيق والتأكد من هويته الحقيقية عن طريق طلب بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر. كما يجب التأكد من صلاحية البائع للبيع، فإذا كان البائع يتصرف بموجب توكيل، يجب فحص هذا التوكيل في الشهر العقاري للتأكد من صحته وشموله لصلاحية البيع والتصرف في العقار. يجب الانتباه إلى التوكيلات الملغاة أو المحددة الصلاحية. في حال كان البائع وريثًا، يجب التأكد من إعلام الوراثة وموافقة جميع الورثة على البيع، أو حصول البائع على توكيل رسمي من باقي الورثة. هذه الإجراءات البسيطة تمنع التعامل مع أشخاص ينتحلون صفة البائع أو ليس لهم الحق القانوني في التصرف في العقار.

توثيق جميع المعاملات كتابيًا

يجب توثيق جميع المعاملات المتعلقة ببيع وشراء الأرض كتابيًا. لا يكفي الاتفاق الشفهي أبدًا في المعاملات العقارية. يجب إبرام عقد بيع ابتدائي موثق ومفصل يوضح جميع شروط البيع، وصف الأرض بدقة، ثمن البيع، طريقة الدفع، والمسؤوليات المترتبة على كل طرف. يجب التأكد من وجود شهود على توقيع العقد، أو توثيقه في مكتب محاماة. كما يجب الاحتفاظ بجميع إيصالات الدفع التي تُثبت سداد المبالغ للبائع. هذه المستندات الكتابية تُعد دليلاً قانونيًا قويًا في حال نشوب أي نزاع وتُسهل إثبات الحقوق أمام المحاكم. عدم وجود مستندات كتابية يُضعف موقف المشتري بشكل كبير.

البحث عن سمعة البائع والوسيط العقاري

قبل الدخول في أي عملية شراء عقاري، يُنصح بالبحث عن سمعة البائع والوسيط العقاري (إن وجد) من خلال الاستفسار في السوق العقاري، وعبر المعارف، أو حتى البحث عبر الإنترنت. قد تكشف هذه الخطوة عن وجود شكاوى سابقة ضد البائع أو الوسيط، أو تورطهما في قضايا احتيال. يُعتبر التعامل مع شركات وساطة عقارية معروفة ومرخصة وذات سمعة طيبة أكثر أمانًا من التعامل مع أفراد غير معروفين أو وسطاء غير مرخصين. السمعة الجيدة مؤشر على المصداقية والالتزام بالمعايير القانونية والأخلاقية. هذه الخطوة الوقائية البسيطة يمكن أن توفر الكثير من المعب والمخاطر في المستقبل.

الخاتمة: حماية حقوقك العقارية مسؤولية مشتركة

الاستنتاج والتأكيد على أهمية اليقظة القانونية

تُشكل جريمة بيع أرض بدون ملكية تهديدًا حقيقيًا للأفراد والمستثمرين في السوق العقاري. ومع ذلك، فإن اليقظة القانونية، والتدقيق المستمر، واتباع الإجراءات الوقائية السليمة، يمكن أن تُقلل بشكل كبير من مخاطر الوقوع ضحية لهذه الجرائم. إن حماية الحقوق العقارية ليست مسؤولية الجهات القانونية فقط، بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب من المشتري أن يكون على دراية تامة بالخطوات الواجب اتخاذها قبل وأثناء وبعد عملية الشراء. التأكد من المستندات، والاستعلام لدى الجهات الرسمية، والاستعانة بالمتخصصين، هي كلها ركائز أساسية لضمان سلامة أي صفقة عقارية.

إن تطبيق الحلول القانونية والخطوات العملية التي تم عرضها في هذه المقالة يوفر خريطة طريق واضحة للمشترين لحماية استثماراتهم الثمينة. في حالة الوقوع في فخ الاحتيال، فإن معرفة الإجراءات القانونية الصحيحة، بدءًا من تحرير المحاضر وصولًا إلى رفع الدعاوى المدنية والجنائية، تُعد عاملًا حاسمًا في استرداد الحقوق وتحقيق العدالة. تظل التوعية القانونية هي السلاح الأقوى في مواجهة عمليات النصب العقاري المتزايدة، وتبقى النصيحة الأهم هي “اسأل وتأكد قبل أن تدفع”.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock