الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصري

الاعتياد كعنصر في بعض الجرائم

الاعتياد كعنصر في بعض الجرائم

فهم الأبعاد القانونية لتكرار الفعل الإجرامي في القانون المصري

في عالم القانون الجنائي، لا تتساوى جميع الأفعال المتكررة. فبينما يُعد تكرار الجريمة ظرفًا مشددًا للعقوبة في معظم الأحيان تحت مسمى “العود”، فإن هناك طائفة من الجرائم لا تقوم أصلًا إلا بتكرار الفعل، وهو ما يُعرف قانونًا بـ “الاعتياد”. هذا العنصر يحول الفعل من مجرد سلوك عابر إلى نمط إجرامي مقصود من المشرع. في هذا المقال، سنقدم حلاً لفهم هذا المفهوم الدقيق، ونوضح خطوات عملية للتعامل معه من الناحية القانونية، سواء للإثبات أو للدفاع.

ما هو الاعتياد في القانون الجنائي؟

الاعتياد كعنصر في بعض الجرائمالاعتياد ليس مجرد تكرار عشوائي، بل هو ركن جوهري في بنية بعض الجرائم المحددة قانونًا. بدونه، لا يكتمل النموذج القانوني للجريمة ولا يمكن توجيه الاتهام. فهم هذا المفهوم هو الخطوة الأولى لتقديم حلول قانونية فعالة في القضايا التي تتضمنه. يتطلب الاعتياد إتيان سلوك معين بصورة متكررة ومنتظمة، بحيث يكشف هذا التكرار عن وجود اتجاه نفسي لدى الفاعل نحو ارتكاب هذا السلوك واعتباره مصدرًا للرزق أو نمطًا للحياة. هذا هو جوهر الفارق الذي يميزه عن مفاهيم قانونية أخرى مشابهة.

تعريف الاعتياد قانونًا

يمكن تعريف الاعتياد بأنه تكرار شخص لفعل معين أكثر من مرة على نحو يجعله بمثابة عادة لديه، بحيث يكون هذا التكرار هو العنصر اللازم لقيام الركن المادي للجريمة. المشرع في هذه الحالة لا يعاقب على الفعل المنفرد، بل يعاقب على الحالة التي تنشأ من تتابع هذه الأفعال. فالفعل الواحد في حد ذاته قد لا يكون مؤثمًا أو قد يشكل مخالفة بسيطة، ولكن تكراره على نحو اعتيادي هو ما يجعله جريمة معاقبًا عليها. وتقدير ما إذا كان التكرار قد وصل إلى حد الاعتياد أم لا هو مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.

الفرق بين الاعتياد والعود في الجريمة

كثيرًا ما يقع الخلط بين مفهومي الاعتياد والعود، ولكن الفارق بينهما جوهري. العود هو حالة المتهم الذي يرتكب جريمة بعد أن صدر ضده حكم نهائي بات في جريمة سابقة. هنا، تكرار الإجرام بشكل عام هو ظرف مشدد للعقوبة. أما الاعتياد، فهو عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة نفسها، بمعنى أن الجريمة لا تقوم قانونًا إلا بتكرار الفعل المحدد. على سبيل المثال، في جريمة اعتياد ممارسة الدعارة، لا بد من إثبات تكرار الفعل لقيام الجريمة، بغض النظر عما إذا كان المتهم قد حُكم عليه سابقًا أم لا. العود ظرف لاحق للجريمة، أما الاعتياد فركن أصيل فيها.

جرائم يشترط فيها الاعتياد لقيامها

حدد المشرع المصري على سبيل الحصر جرائم معينة لا يمكن أن تقوم إلا بتوافر ركن الاعتياد. الهدف من ذلك هو التمييز بين السلوك العارض والسلوك الذي يشكل امتهانًا أو نمطًا حياتيًا يرى المشرع ضرورة لمكافحته. هذه الجرائم غالبًا ما تمس النظام العام والآداب، ويتطلب إثباتها مجهودًا خاصًا من سلطات التحقيق لإظهار نمط التكرار الذي يصل إلى حد الاعتياد. سنستعرض هنا أبرز الأمثلة العملية لهذه الجرائم وكيفية تعامل القانون معها، مما يقدم تصورًا واضحًا لكيفية بناء الاتهام أو الدفاع فيها.

جريمة الاعتياد على ممارسة الفجور أو الدعارة

تعد هذه الجريمة من أبرز الأمثلة التي يشترط فيها القانون ركن الاعتياد. فوفقًا للقانون رقم 10 لسنة 1961 بشأن مكافحة الدعارة، لا يعاقب على الممارسة العارضة، بل على من “اعتاد على ممارسة الفجور أو الدعارة”. ولكي يتم تقديم حل لإثبات هذه الجريمة، يجب على النيابة العامة تقديم أدلة تثبت تكرار الفعل خلال فترة زمنية معقولة، مثل محاضر ضبط متعددة، أو شهادة شهود رأوا المتهم في أوضاع مشابهة في أوقات مختلفة، أو تحريات المباحث التي ترصد سلوك المتهم على مدار فترة زمنية، لتوضح أن الأمر تحول إلى عادة ومصدر للكسب.

جريمة التسول

التسول في حد ذاته ليس مجرمًا دائمًا، لكن القانون يعاقب على حالات معينة منه، خاصة تلك التي تقترن بالاعتياد. فإذا كان الشخص يتخذ من التسول حرفة له ومصدرًا رئيسيًا للرزق، أو يستخدم وسائل تنطوي على الغش والخداع بشكل متكرر، فإن فعله يرقى إلى جريمة التسول التي تتطلب الاعتياد. لإثبات ذلك، يتم جمع الأدلة عبر التحريات التي تثبت تواجد الشخص في أماكن وأوقات مختلفة يمارس ذات الفعل، وشهادة الشهود الذين تعرضوا له بشكل متكرر، وذلك للتمييز بين من يطلب المساعدة لظرف طارئ ومن يمتهن التسول.

كيفية إثبات عنصر الاعتياد أمام المحكمة

إثبات ركن الاعتياد يمثل تحديًا لسلطة الاتهام، لأنه لا يكفي إثبات وقوع الفعل مرة واحدة، بل يجب تقديم أدلة قاطعة على تكراره بشكل ممنهج. هذا الجزء من المقال يقدم حلولاً عملية وخطوات دقيقة لفهم كيفية بناء الأدلة اللازمة لإثبات هذا الركن، أو على الجانب الآخر، كيفية تفنيدها من قبل الدفاع. تعتمد العملية برمتها على جمع سلسلة من الأدلة التي، عند تجميعها معًا، ترسم صورة واضحة للمحكمة بأن سلوك المتهم لم يكن حادثًا عرضيًا، بل نمطًا متكررًا ومستمرًا.

دور النيابة العامة في جمع الأدلة

يقع على عاتق النيابة العامة عبء إثبات ركن الاعتياد. ولتحقيق ذلك، تتبع خطوات عملية تبدأ بجمع التحريات الأمنية الدقيقة التي ترصد نشاط المتهم على مدى فترة زمنية. كما تعتمد على استجواب الشهود الذين يمكنهم تأكيد رؤية المتهم يرتكب الفعل ذاته في مناسبات متعددة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشمل الأدلة محاضر الضبط السابقة حتى لو لم تسفر عن إدانة، والتقارير الفنية مثل تحليل المكالمات أو الرسائل التي تظهر اتفاقات متكررة، وكل ما من شأنه أن يثبت للمحكمة أن الفعل لم يكن وليد الصدفة.

أهمية الفاصل الزمني بين الأفعال

لكي يتحقق الاعتياد، يجب أن تكون الأفعال المتكررة متقاربة زمنيًا بما يكفي للدلالة على وجود عادة. الفاصل الزمني الطويل جدًا بين فعل وآخر قد ينفي صفة الاعتياد، حيث يمكن الدفاع بالقول إن كل فعل كان حادثًا منفصلاً لا يرتبط بالآخر. لا يوجد في القانون معيار زمني محدد، وتخضع المسألة لتقدير القاضي. الحل العملي الذي تلجأ إليه المحاكم هو النظر في طبيعة الجريمة وظروف المتهم. فإذا كانت الأدلة تشير إلى فعلين أو ثلاثة خلال أسابيع قليلة، فإن ذلك قد يكفي لتكوين عقيدة المحكمة بوجود الاعتياد.

الحلول والإجراءات القانونية المتعلقة بجرائم الاعتياد

بعد فهم طبيعة جرائم الاعتياد وكيفية إثباتها، ننتقل إلى الجانب العملي المتمثل في الحلول والإجراءات القانونية المتاحة للأطراف المعنية. سواء كنت ممثلاً للاتهام تسعى لإثبات الجريمة، أو محاميًا تدافع عن متهم، فإن معرفة الخطوات العملية والاستراتيجيات الفعالة أمر حاسم. هذا القسم يقدم خارطة طريق واضحة للتعامل مع هذه النوعية من القضايا، مع التركيز على الحلول المنطقية والبسيطة التي يمكن تطبيقها للوصول إلى أفضل نتيجة قانونية ممكنة، وتغطية كافة الجوانب المتعلقة بالدفاع والهجوم في هذه القضايا.

خطوات عملية للدفاع في قضايا الاعتياد

لتقديم حل فعال للدفاع، يجب التركيز على تفكيك ركن الاعتياد. الخطوة الأولى هي الطعن في الأدلة المقدمة على التكرار، كالتشكيك في مصداقية الشهود أو في دقة التحريات. الخطوة الثانية هي إبراز الفواصل الزمنية الطويلة بين الأفعال المزعومة، والدفع بأنها حوادث فردية لا تشكل نمطًا. الخطوة الثالثة تتمثل في تقديم أدلة مضادة، كإثبات أن للمتهم مصدر رزق آخر مشروع، مما ينفي اتخاذه للفعل الإجرامي كحرفة. وأخيرًا، يمكن الدفع بانتفاء القصد الجنائي الخاص بالاعتياد، أي نية جعل الفعل عادة متكررة.

دور المحامي في تفنيد ركن الاعتياد

يلعب المحامي دورًا محوريًا في تقديم حل قانوني للمتهم في جرائم الاعتياد. مهمته الأساسية هي دراسة ملف القضية بعمق للبحث عن أي ثغرات في أدلة الإثبات التي قدمتها النيابة العامة. يقوم المحامي بمناقشة شهود الإثبات بشكل دقيق لإظهار التناقض في أقوالهم أو عدم قدرتهم على تحديد تواريخ وأماكن الوقائع بشكل قاطع. كما يقدم دفوعًا قانونية قوية ترتكز على أن الأدلة المقدمة لا ترقى إلى مستوى اليقين المطلوب لإثبات ركن الاعتياد، وأن الشك يجب أن يفسر دائمًا لصالح المتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock