التصرف في القضايا الجنائية قبل الإحالة
محتوى المقال
التصرف في القضايا الجنائية قبل الإحالة
دليلك العملي للتعامل مع مرحلة ما قبل المحاكمة وفقًا للقانون المصري
تعتبر مرحلة ما قبل إحالة القضية الجنائية إلى المحكمة من أهم المراحل التي تمر بها الدعوى، حيث يتحدد مصيرها بشكل كبير خلال هذه الفترة. إن الفهم العميق للإجراءات المتاحة والتعامل معها بحكمة واحترافية يمكن أن يؤدي إلى حفظ القضية أو إنهائها بالتصالح دون الوصول إلى ساحات القضاء. هذا المقال يقدم لك خريطة طريق واضحة وخطوات عملية دقيقة للتصرف في القضايا الجنائية خلال مرحلة التحقيق الابتدائي، مما يمنحك أفضل فرصة ممكنة لتجاوز هذه المرحلة بأمان وحماية حقوقك القانونية بالكامل.
فهم مرحلة جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي
دور مأمور الضبط القضائي
تبدأ القضية الجنائية عادة بمحضر يتم تحريره لدى قسم الشرطة بواسطة مأمور الضبط القضائي. تتمثل مهمته الرئيسية في جمع الاستدلالات والمعلومات الأولية حول الواقعة، مثل سماع أقوال الشهود والمبلغين، وإجراء المعاينات اللازمة، وتحريز أي أدوات أو مواد متعلقة بالجريمة. هذه المرحلة ليست تحقيقًا بالمعنى الدقيق، بل هي مرحلة تمهيدية تهدف إلى تكوين صورة أولية عن الجريمة ومرتكبها. كل ما يتم تدوينه في هذا المحضر يكون له تأثير كبير على مسار القضية لاحقًا أمام النيابة العامة.
أهمية الاستعانة بمحام في المراحل الأولى
منذ اللحظة الأولى التي يتم فيها استدعاؤك أو اتهامك في قضية جنائية، يصبح وجود محام متخصص بجانبك أمرًا لا غنى عنه. المحامي لا يقتصر دوره على الدفاع أمام المحكمة، بل يبدأ من مرحلة جمع الاستدلالات. فهو يضمن أن جميع الإجراءات تتم وفقًا لصحيح القانون، ويحضر معك التحقيقات الأولية أمام الشرطة والنيابة العامة، ويقدم لك النصح حول كيفية الإدلاء بأقوالك بما يحفظ حقوقك، ويمنع أي ضغط قد تتعرض له. الاستعانة المبكرة بمحام تزيد من فرص إنهاء القضية في مهدها.
حقوق المتهم أثناء التحقيق
يمنح القانون المصري المتهم مجموعة من الحقوق الأساسية خلال مرحلة التحقيق لضمان عدم إدانة بريء. من أبرز هذه الحقوق هو الحق في الصمت، فلا يجوز إجبارك على الإجابة على الأسئلة الموجهة إليك. كما لك الحق في الاستعانة بمحام وحضوره جميع جلسات التحقيق. ويجب إعلامك بالتهمة المنسوبة إليك بشكل واضح ومفصل، ولك الحق في الاطلاع على أوراق التحقيق وطلب نسخة منها. معرفتك بهذه الحقوق وممارستها تعتبر خط الدفاع الأول لك.
طرق التصرف في القضايا قبل الإحالة للمحكمة
الأمر بالحفظ: الأسباب والإجراءات
بعد انتهاء مرحلة جمع الاستدلالات، تنتقل أوراق القضية إلى النيابة العامة. إذا رأت النيابة أن الأدلة غير كافية لتوجيه الاتهام، أو أن الواقعة لا تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، أو لعدم معرفة الفاعل، فإنها تصدر قرارًا إداريًا يسمى “الأمر بحفظ الأوراق”. هذا الأمر يوقف السير في الدعوى مؤقتًا. ويمكن للنيابة العامة العدول عن أمر الحفظ في أي وقت إذا ظهرت أدلة جديدة تعزز الاتهام، ما لم تكن الدعوى قد انقضت بالتقادم.
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
يعد هذا الأمر قرارًا قضائيًا تصدره سلطة التحقيق (النيابة العامة أو قاضي التحقيق) بعد إجراء تحقيق ابتدائي. وهو أقوى من أمر الحفظ وله حجية تمنع العودة إلى التحقيق في ذات الواقعة إلا في حالات استثنائية نص عليها القانون. يصدر هذا الأمر إذا تبين أن الأدلة ضد المتهم ضعيفة ولا ترقى لمستوى الإحالة للمحاكمة، أو لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الوفاة أو العفو الشامل أو التقادم. يمكن للمجني عليه أو المدعي بالحق المدني الطعن على هذا الأمر أمام المحكمة المختصة.
التصالح في الجرائم الجنائية
أتاح القانون في أنواع معينة من الجرائم، غالبًا الجنح والمخالفات، إمكانية إنهاء الدعوى الجنائية عن طريق التصالح. يتم التصالح عادة بين المتهم والمجني عليه أو وكيله، ويكون بمثابة تنازل عن الشكوى مقابل مبلغ مالي أو بدونه. بمجرد إتمام التصالح وإثباته رسميًا، تنقضي الدعوى الجنائية ولا يمكن نظرها أمام المحكمة. يشمل ذلك جرائم مثل الضرب البسيط، والسب والقذف، وإصدار شيك بدون رصيد في بعض الحالات. التصالح هو حل فعال وسريع لتجنب إجراءات المحاكمة الطويلة.
خطوات عملية للتعامل مع الاتهام قبل الإحالة
تقديم الأدلة والبراهين لدعم موقفك
لا تكتفِ بالدفاع السلبي. يمكنك من خلال محاميك اتخاذ موقف إيجابي وتقديم ما يدعم براءتك إلى النيابة العامة مباشرة. يمكن أن يشمل ذلك تقديم مستندات رسمية، أو فواتير، أو صور، أو تسجيلات تثبت عدم وجودك في مكان الجريمة وقت وقوعها (الدفع بالانتفاء). كما يمكنك طلب سماع شهود نفي لمصلحتك لم يكونوا قد أدلوا بأقوالهم في محضر الشرطة. كلما كانت أدلتك قوية ومقنعة، زادت فرصة اقتناع النيابة العامة وإصدارها قرارًا بالحفظ أو بألا وجه لإقامة الدعوى.
تقديم الشكاوى والتظلمات من إجراءات التحقيق
إذا شعرت بوجود أي مخالفات أو تعسف في الإجراءات التي تمت خلال مرحلة جمع الاستدلالات أو التحقيق، فمن حقك تقديم تظلم أو شكوى رسمية. على سبيل المثال، إذا تم تفتيشك أو تفتيش مسكنك دون إذن قضائي، أو إذا تعرضت للإكراه للإدلاء باعترافات معينة. هذه الشكاوى يتم تقديمها إلى المحامي العام أو الجهات الرقابية الأعلى. إذا ثبتت صحة الشكوى، فقد يؤدي ذلك إلى استبعاد الدليل الناتج عن الإجراء الباطل، مما يضعف موقف الاتهام بشكل كبير وقد ينتهي بحفظ القضية.
التفاوض من أجل التصالح أو التنازل
في الجرائم التي يجوز فيها التصالح، يمكن لمحاميك أن يبدأ في التواصل مع الطرف الآخر (المجني عليه) أو محاميه للتفاوض حول إمكانية التنازل عن الشكوى. يجب أن تتم هذه الخطوة بحكمة ودون أن تبدو كإقرار بالذنب. الهدف هو توضيح أن استمرار القضية سيضر بالجميع وأن الحل الودي هو الأفضل. يمكن التفاوض على تعويض مالي مناسب للمجني عليه مقابل تنازله الرسمي. هذا الإجراء يضمن إنهاء القضية بشكل فوري ونهائي ويجنبك تمامًا مخاطر الإحالة للمحاكمة.
عناصر إضافية وحلول بديلة
دور تقارير الخبراء الفنيين
في بعض القضايا، يكون الدليل الفني هو الفيصل. على سبيل المثال، في قضايا التزوير، يكون تقرير أبحاث التزييف والتزوير حاسمًا. وفي قضايا جرائم الإنترنت، يكون تقرير فحص الأجهزة الإلكترونية هو الأساس. يمكنك من خلال محاميك أن تطلب من النيابة العامة ندب خبير فني متخصص لفحص الأدلة المقدمة ضدك أو لتقديم دليل فني يدعم موقفك. تقرير الخبير إذا جاء في صالحك، فإنه غالبًا ما يكون سببًا كافيًا لإصدار قرار بألا وجه لإقامة الدعوى.
الاستفادة من الثغرات القانونية والإجرائية
القانون الجنائي مليء بالقواعد الإجرائية الدقيقة التي يجب على سلطات التحقيق الالتزام بها. أي خرق لهذه القواعد يمكن أن يؤدي إلى بطلان الإجراء وما يترتب عليه من أدلة. المحامي المتمرس لديه القدرة على فحص ملف القضية بدقة لاكتشاف هذه الثغرات، مثل بطلان القبض أو التفتيش، أو عدم صحة إجراءات الاستجواب، أو انقضاء الدعوى بالتقادم. التمسك بهذه الدفوع الإجرائية أمام النيابة العامة قد يدفعها إلى إعادة تقييم الموقف القانوني للقضية بأكملها.