الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريمحكمة الجنح

أثر الصلح على الدعوى الجنائية في بعض الجرائم

أثر الصلح على الدعوى الجنائية في بعض الجرائم

فهم آليات الصلح وتطبيقاته في النظام القانوني المصري

يُعد الصلح في الدعوى الجنائية آلية قانونية هامة تهدف إلى تحقيق العدالة التصالحية وإنهاء النزاعات الجنائية بطريقة ودية، مما يسهم في تخفيف الأعباء عن الجهاز القضائي ويحقق مصالح الأطراف. تتناول هذه المقالة تفصيلاً أثر الصلح في الجرائم التي يجيزها القانون المصري، موضحين كيفية عمله والإجراءات المتبعة للحصول على أفضل النتائج.

ماهية الصلح في القانون الجنائي المصري وأنواعه

تعريف الصلح الجنائي ومبادئه

أثر الصلح على الدعوى الجنائية في بعض الجرائمالصلح الجنائي هو اتفاق يتم بين المجني عليه والمتهم، أو ورثتهما، بموجب شروط محددة ينص عليها القانون، ويكون الهدف الأساسي منه إنهاء الدعوى الجنائية أو وقف تنفيذ العقوبة في بعض الجرائم. يرتكز هذا المفهوم على مبدأ أن بعض الجرائم، خاصة ذات الطبيعة البسيطة أو التي لا تمس النظام العام بشكل مباشر، يمكن تسويتها خارج نطاق المحاكمة التقليدية. يهدف الصلح إلى تعويض المجني عليه عن الأضرار التي لحقت به، مع إتاحة الفرصة للمتهم لتصحيح خطئه وإعادة الاندماج في المجتمع دون وصمة حكم قضائي قد يؤثر على مستقبله.

مبادئ الصلح الجنائي تتضمن الرضا التام للأطراف، وأن يتم في إطار القانون، ولا يجوز أن يتعارض مع النظام العام أو الآداب. يتطلب الصلح أن يكون المجني عليه أو ورثته على دراية تامة بحقوقهم والآثار المترتبة على الصلح. كما يجب أن يتم الصلح قبل صدور حكم بات في الدعوى، وفي بعض الحالات حتى بعد صدور الحكم وقبل تنفيذه، وفقاً لنصوص المواد القانونية المنظمة لذلك. هذه الآلية تعزز فكرة العدالة الإصلاحية وتخفف من تداعيات الجريمة على المجتمع والأفراد.

أنواع الصلح المتاحة في الجرائم المختلفة

يُقسم الصلح في القانون المصري إلى أنواع متعددة بناءً على طبيعة الجريمة والوقت الذي يتم فيه. النوع الأكثر شيوعاً هو الصلح الذي يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية، والذي ينظم في جرائم محددة مثل جنح الضرب البسيط أو خيانة الأمانة أو إتلاف المنقولات. ينص القانون، كالمادة 18 مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية، على الجرائم التي يمكن فيها إتمام الصلح كشرط أساسي لعدم تحريك الدعوى الجنائية أو انقضائها.

بالإضافة إلى ذلك، توجد أنواع أخرى من الصلح في قوانين خاصة، مثل الصلح في جرائم التهرب الضريبي أو الجمارك، والذي عادة ما يتم مع الجهات الإدارية المختصة مقابل سداد المستحقات والغرامات. هناك أيضاً الصلح في جرائم الشيك بدون رصيد، حيث يمكن للشاكي التصالح مع المتهم بسداد قيمة الشيك قبل صدور حكم نهائي، مما يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية. كل نوع من هذه الأنواع له شروطه وإجراءاته الخاصة التي يجب الالتزام بها لضمان صحة الصلح وتحقيق أثره القانوني المرجو.

الجرائم التي يجوز فيها الصلح وإجراءاته

الجرائم التي ينقضي فيها الصلح الدعوى الجنائية

يحدد القانون المصري بوضوح قائمة الجرائم التي يجوز فيها الصلح والتي يترتب عليها انقضاء الدعوى الجنائية. تشمل هذه الجرائم عادةً الجنح والمخالفات التي لا تمثل خطورة كبيرة على المجتمع ولا تتعلق بالحق العام بشكل جوهري. من أبرز هذه الجرائم ما ورد في المادة 18 مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تشمل جرائم مثل السرقة التافهة، النصب البسيط، خيانة الأمانة، بعض جرائم الضرب التي لا تُحدث عاهة مستديمة، إتلاف المنقولات، السب والقذف (بشرط ألا يكون موظفاً عاماً). هذه الجرائم غالباً ما يكون محورها الضرر الفردي الذي يمكن تعويضه. كما تشمل بعض جرائم الشيك بدون رصيد بعد سداد قيمته.

الهدف من السماح بالصلح في هذه الجرائم هو تشجيع الأطراف على التوصل إلى حلول ودية، مما يخفف العبء عن المحاكم ويساهم في سرعة إنهاء النزاعات. يشترط لصحة الصلح في هذه الجرائم أن يكون رضا المجني عليه صريحاً وغير مشروط. يجب على المتهم أيضاً أن يفي بكافة شروط الصلح المتفق عليها، سواء كانت تعويضاً مادياً أو أداء عمل معين أو رد الحقوق إلى أصحابها. إذا تم الصلح بالشكل الصحيح وقبوله من قبل الجهات المختصة، فإن الدعوى الجنائية تنقضي ولا يمكن استئنافها.

كيفية تقديم طلب الصلح والجهات المختصة

تقديم طلب الصلح يتطلب اتباع خطوات محددة لضمان قبوله من الجهات القضائية. أولاً، يجب أن يتم الاتفاق بين المجني عليه أو ورثته والمتهم على بنود الصلح، والتي تتضمن عادةً تعويض المجني عليه عن الأضرار أو رد الحقوق. يمكن أن يتم هذا الاتفاق بشكل مباشر بين الأطراف أو بوساطة محامين. ثانياً، يتم تحرير محضر صلح يوضح كافة التفاصيل والشروط المتفق عليها، ويُفضل أن يكون ذلك بحضور شهود أو موثق قانوني.

بعد ذلك، يتم تقديم طلب الصلح إلى الجهة القضائية المختصة بالدعوى. إذا كانت الدعوى لا تزال قيد التحقيق في النيابة العامة، يُقدم الطلب إلى وكيل النيابة المختص. وفي حال كانت الدعوى قد أحيلت إلى المحكمة (سواء محكمة الجنح أو الجنايات)، يُقدم الطلب إلى هيئة المحكمة التي تنظر الدعوى. تتولى النيابة أو المحكمة التأكد من استيفاء الصلح لكافة الشروط القانونية وتأثيره على الدعوى قبل إقراره. يجب التأكد من أن الصلح لا يتعارض مع النظام العام أو أي حقوق أخرى للمجتمع.

دور النيابة العامة والمحكمة في إقرار الصلح

تلعب النيابة العامة والمحكمة دوراً محورياً في إقرار الصلح والتأكد من صحته وآثاره القانونية. عند تقديم طلب الصلح للنيابة العامة، تقوم الأخيرة بالتحقق من هوية الأطراف وصحة توقيعاتهم، ومن أن الجريمة من الجرائم التي يجوز فيها الصلح قانوناً. تتأكد النيابة أيضاً من أن الصلح تم بإرادة حرة وغير مشروطة من المجني عليه، وأنه يفي بالحد الأدنى من التعويض أو رد الحقوق. إذا رأت النيابة أن الصلح مستوفٍ لشروطه، تصدر قراراً بحفظ الأوراق أو عدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، مما يؤدي إلى انقضائها.

أما إذا كانت الدعوى قد أُحيلت إلى المحكمة، فإن دور المحكمة يتمثل في مراجعة اتفاق الصلح المقدم إليها. تقوم المحكمة بفحص الشروط المتفق عليها والتأكد من توافقها مع القوانين النافذة. للمحكمة سلطة قبول الصلح أو رفضه، خاصة إذا رأت أنه يمس حقاً عاماً أو لا يحقق العدالة. في حال قبول الصلح، تصدر المحكمة قراراً بإثبات الصلح وانقضاء الدعوى الجنائية. هذا القرار يكون له قوة الحكم القضائي ويمنع إعادة رفع الدعوى الجنائية عن نفس الواقعة. إن دور النيابة والمحكمة ضروري لضمان أن الصلح ليس مجرد أداة للتخلص من المساءلة، بل وسيلة فعالة لتحقيق العدالة التصالحية.

الآثار القانونية المترتبة على الصلح

انقضاء الدعوى الجنائية بصفة نهائية

أحد أهم وأبرز الآثار القانونية المترتبة على الصلح في الجرائم التي يجيزها القانون هو انقضاء الدعوى الجنائية بصفة نهائية. يعني هذا أن النيابة العامة تفقد حقها في تحريك الدعوى أو استمرارها، وتُوقف المحكمة نظرها في القضية وتصدر قراراً بإنهاء النزاع الجنائي. هذا الأثر حاسم لأنه يمنع إعادة محاكمة المتهم عن نفس الواقعة في المستقبل، ويضفي استقراراً قانونياً على الوضع. إن انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح لا يعني تبرئة المتهم من الجريمة في بعض الحالات، بل هو وسيلة لإنهاء الإجراءات القضائية بناءً على اتفاق بين الأطراف وبموافقة السلطة القضائية. يسهم هذا في تخفيف الأعباء على النظام القضائي ويمنح المتهم فرصة للبدء من جديد.

تكمن أهمية هذا الأثر في أنه يوفر حلاً عملياً وسريعاً للنزاعات التي لا تتسم بخطورة بالغة على المجتمع. عندما يتم الصلح بشكل صحيح وقانوني، فإن قرار النيابة أو المحكمة بانقضاء الدعوى يصبح نهائياً وواجب النفاذ. يجب على الأطراف التأكد من أن جميع الشروط المتفق عليها قد تم تنفيذها بشكل كامل قبل إتمام إجراءات الصلح. هذا يضمن عدم وجود أي ثغرات قانونية قد تسمح لاحقاً بإعادة فتح القضية. إن هذا الحل البديل للمحاكمة يمثل نقطة تحول في مسار القضية، ويحولها من نزاع قضائي معقد إلى تسوية ودية تحقق العدالة لكل من المجني عليه والمتهم.

وقف تنفيذ العقوبة أو تخفيفها

بالإضافة إلى انقضاء الدعوى الجنائية، يمكن أن يكون للصلح في بعض الحالات أثر على تنفيذ العقوبة أو تخفيفها، خاصة في الجرائم التي لا ينقضي فيها الصلح الدعوى كلياً. في بعض القوانين الخاصة، قد يؤدي الصلح بعد صدور حكم نهائي إلى وقف تنفيذ العقوبة أو تقليل مدتها. على سبيل المثال، في جرائم الشيك بدون رصيد، إذا قام المتهم بسداد قيمة الشيك والمصاريف القضائية بعد صدور الحكم، قد يؤدي ذلك إلى وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها. هذا الأثر يهدف إلى تشجيع المدانين على الوفاء بالتزاماتهم وإصلاح الضرر الناتج عن فعلهم الإجرامي.

تختلف شروط وقف التنفيذ أو تخفيف العقوبة بناءً على نوع الجريمة والنصوص القانونية المنظمة لها. يجب أن يكون هناك نص صريح في القانون يجيز هذا الأثر للصلح. هذه الآلية توفر فرصة ثانية للمحكوم عليهم لتصحيح أوضاعهم وتجنب العقوبات السالبة للحرية أو تقليل مدتها. إنها تعكس جانباً من جوانب العدالة الإصلاحية التي تركز على إعادة تأهيل الجاني وإصلاح الضرر بدلاً من التركيز فقط على العقاب. يجب على المحامين توضيح هذه الآثار لعملائهم عند التفاوض على الصلح، لضمان فهم كامل للمنافع المترتبة عليه.

الشروط الشكلية والموضوعية لصحة الصلح

لتحقيق الصلح أثره القانوني، يجب أن يستوفي مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية بدقة. أولاً، الشروط الموضوعية: يجب أن يتم الصلح في جريمة يجيز القانون الصلح فيها صراحةً. لا يجوز الصلح في الجرائم التي تتعلق بالحق العام أو الجرائم الخطيرة مثل القتل أو الجرائم ضد أمن الدولة. كما يجب أن يكون الصلح صادراً عن إرادة حرة وواعية من الأطراف، وأن يشمل تعويضاً كافياً للمجني عليه عن الأضرار التي لحقت به، أو رد الحقوق إلى أصحابها. يجب أن يكون الصلح جدياً وحقيقياً وليس مجرد وسيلة للتهرب من المساءلة القانونية.

ثانياً، الشروط الشكلية: يجب أن يتم الصلح كتابةً، وفي بعض الحالات يفضل أن يكون موثقاً رسمياً أو أمام الجهة القضائية المختصة (النيابة العامة أو المحكمة). يجب أن يتضمن محضر الصلح كافة البيانات الأساسية للأطراف، ووصفاً دقيقاً للواقعة محل الصلح، والشروط المتفق عليها بوضوح لا يقبل اللبس. كما يجب أن يُقدم الصلح في الميعاد القانوني المحدد له، فبعض القوانين تحدد أجلاً معيناً لتقديم الصلح قبل صدور حكم نهائي. عدم استيفاء أي من هذه الشروط قد يؤدي إلى بطلان الصلح وعدم الاعتداد به قانوناً، وبالتالي تستمر الدعوى الجنائية في مسارها الطبيعي. يجب على الأطراف استشارة محامٍ متخصص لضمان صحة إجراءات الصلح.

تحديات ومعوقات الصلح في الدعوى الجنائية

حالات رفض الصلح وأسبابها

على الرغم من الفوائد العديدة للصلح، إلا أنه قد يواجه الرفض في بعض الحالات من قبل الجهات القضائية. من أبرز أسباب رفض الصلح هو عدم استيفائه للشروط القانونية المحددة، مثل أن تكون الجريمة لا يجوز فيها الصلح من الأساس وفقاً للقانون المصري، أو أن يكون الصلح قد تم بعد فوات الميعاد القانوني المحدد. كذلك، إذا تبين أن الصلح لم يتم بإرادة حرة من المجني عليه، أو أنه كان نتيجة إكراه أو تدليس، فإن الجهات القضائية ستقوم برفضه فوراً حمايةً لحقوق المجني عليه. قد يحدث الرفض أيضاً إذا كان الصلح لا يقدم تعويضاً كافياً للضحية ولا يتناسب مع حجم الضرر الذي لحق به، مما يجعل المحكمة ترى أنه غير عادل.

سبب آخر لرفض الصلح هو تعارضه مع النظام العام أو الآداب العامة. فإذا كان الصلح يمس مصلحة المجتمع بشكل عام، أو يمهد الطريق لجرائم أخرى، فلن يتم إقراره. على سبيل المثال، في بعض الجرائم المتعلقة بسلامة المجتمع، قد ترفض النيابة أو المحكمة الصلح حتى لو وافق المجني عليه. أيضاً، إذا كانت هناك شبهة تواطؤ أو محاولة لإخفاء حقائق جنائية جوهرية من خلال الصلح، فسيتم رفضه. يجب على الأطراف التأكد من أن اتفاق الصلح شفاف وعادل ويتوافق مع المبادئ القانونية والأخلاقية لتجنب رفضه من قبل السلطات القضائية.

أهمية التوعية القانونية بآليات الصلح

تُعد التوعية القانونية بآليات الصلح ودوره في الدعوى الجنائية أمراً بالغ الأهمية لجميع أفراد المجتمع، سواء كانوا متهمين أو مجني عليهم أو حتى شهود. يسهم الفهم الصحيح لأسس الصلح وشروطه وإجراءاته في تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة وحماية حقوقهم. كثير من الناس لا يدركون أن بعض الجرائم يمكن تسويتها بالصلح دون الحاجة إلى اللجوء لمراحل التقاضي الطويلة والمكلفة، مما يؤدي إلى استنزاف الوقت والجهد والموارد. توفير معلومات دقيقة ومبسطة عن الجرائم التي يجوز فيها الصلح وعن الطرق الصحيحة لإجرائه يمكن أن يقلل من عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم.

يجب أن تشمل حملات التوعية القانونية شرحاً وافياً للمنافع التي يحققها الصلح لكل من المتهم والمجني عليه. فالمجني عليه يحصل على تعويض سريع وفعال، بينما يتجنب المتهم وصمة الحكم الجنائي وما يترتب عليها من آثار سلبية على حياته ومستقبله. يمكن للمؤسسات القانونية، ومنظمات المجتمع المدني، والجامعات، وحتى وسائل الإعلام أن تلعب دوراً حيوياً في نشر هذه الثقافة القانونية. تعزيز الوعي القانوني بآليات الصلح يساهم في بناء نظام عدالة أكثر كفاءة وإنسانية، ويعزز مبادئ العدالة التصالحية في المجتمع.

مقارنة الصلح بالوسائل البديلة لفض المنازعات

الصلح هو إحدى أهم الوسائل البديلة لفض المنازعات (ADR) في القانون الجنائي، ولكنه يختلف عن بعض الوسائل الأخرى مثل الوساطة والتحكيم في سياق الدعاوى المدنية. في الصلح الجنائي، يكون التركيز على إنهاء الدعوى الجنائية أو تخفيف آثارها، وغالباً ما يتطلب موافقة السلطات القضائية. أما في الوساطة المدنية، فالوسيط يساعد الأطراف على التوصل إلى حل ودي دون أن يكون له سلطة فرض القرار، والقرار النهائي يعود للأطراف. التحكيم، من جانبه، يتضمن طرفاً ثالثاً (المحكم) يصدر قراراً ملزماً للأطراف، وهو أكثر شيوعاً في المنازعات التجارية أو المدنية.

ما يميز الصلح الجنائي هو ارتباطه الوثيق بالنص القانوني الذي يحدد الجرائم التي يجوز فيها. كما أن موافقة النيابة العامة أو المحكمة تعتبر شرطاً أساسياً لترتيب آثاره القانونية، وهذا يمنحه طابعاً رسمياً وقانونياً قوياً. بينما الوساطة والتحكيم في المسائل المدنية قد تتم بشكل غير رسمي وتعتمد على موافقة الأطراف دون تدخل مباشر من السلطة القضائية لإقرارها. إن فهم هذه الفروقات يساعد في اختيار الأداة الأنسب لتسوية النزاعات، سواء كانت جنائية أو مدنية. الصلح يظل الأداة الأكثر فعالية لإنهاء الجوانب الجنائية لبعض الجرائم، مما يوفر العدالة التصالحية التي يحتاجها كلا الطرفين.

حلول عملية وتوصيات لتعزيز دور الصلح

خطوات لتبسيط إجراءات الصلح

لتعزيز دور الصلح كآلية فعالة، يجب تبسيط إجراءاته لجعله أكثر يسراً وسهولة على الأطراف. أولاً، يجب تطوير نماذج موحدة لاتفاقيات الصلح تتاح بسهولة للمواطنين والمحامين، بحيث تتضمن جميع البيانات والشروط الأساسية المطلوبة قانوناً. هذا سيقلل من الأخطاء الشكلية التي قد تؤدي إلى رفض الصلح. ثانياً، يمكن إنشاء وحدات متخصصة داخل النيابات والمحاكم لتقديم الإرشاد القانوني حول الصلح وتسهيل إجراءاته، وتكون مهمتها مراجعة اتفاقيات الصلح الأولية وتقديم التوجيهات اللازمة للأطراف لضمان صحتها. هذا يقلل من تعقيدات الإجراءات ويقدم خدمة مباشرة للأفراد.

ثالثاً، ينبغي الاستفادة من التكنولوجيا في تبسيط عملية تقديم ومتابعة طلبات الصلح، من خلال إنشاء منصات إلكترونية تتيح للأطراف تقديم الطلبات والمستندات المطلوبة ومتابعة حالتها عبر الإنترنت. هذا يقلل من الحاجة للحضور الشخصي المتكرر ويوفر الوقت والجهد. رابعاً، يجب تدريب القضاة وأعضاء النيابة العامة والمحامين بشكل مستمر على أفضل الممارسات في تطبيق آليات الصلح، لضمان فهم موحد وتطبيق فعال للقوانين المتعلقة به. هذه الخطوات مجتمعة من شأنها أن تجعل الصلح أكثر جاذبية وكفاءة كأداة لتحقيق العدالة.

دور المحامين في توجيه الأطراف للصلح

يلعب المحامون دوراً حاسماً في توجيه الأطراف نحو الصلح وتحقيق أفضل النتائج الممكنة. أولاً، يقوم المحامي بتقديم المشورة القانونية الشاملة للعميل، سواء كان متهماً أو مجني عليه، حول مدى إمكانية الصلح في قضيته والآثار المترتبة عليه. هذا يشمل شرح الجرائم التي يجوز فيها الصلح، الشروط القانونية، والمواعيد المحددة. ثانياً، يتولى المحامي دور الوسيط في التفاوض بين الأطراف، محاولاً التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ويحقق مصلحة موكله. خبرة المحامي في التفاوض ضرورية للوصول إلى تسوية عادلة ومرضية.

ثالثاً، يقوم المحامي بصياغة اتفاقية الصلح بشكل قانوني سليم، مع التأكد من تضمين كافة الشروط اللازمة لحماية حقوق موكله وضمان صحة الاتفاق. رابعاً، يتولى المحامي تمثيل موكله أمام النيابة العامة أو المحكمة لتقديم طلب الصلح ومتابعة الإجراءات حتى يتم إقراره بشكل نهائي. إن المعرفة القانونية العميقة للمحامي وقدرته على التعامل مع الإجراءات القضائية تضمن أن تتم عملية الصلح بسلاسة وفعالية، وأن يتم تحقيق الأثر القانوني المرجو منه دون أي عوائق. المحامي هو حجر الزاوية في تحقيق العدالة التصالحية من خلال الصلح.

التوسع في الجرائم التي يجوز فيها الصلح

لتعزيز دور الصلح وتقليل الأعباء على النظام القضائي، يمكن النظر في التوسع في قائمة الجرائم التي يجوز فيها الصلح، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة الجريمة وحجم الضرر الذي تحدثه والمصلحة العامة. يجب أن يتم هذا التوسع بحذر شديد وبعد دراسات مستفيضة لتقييم الآثار المترتبة عليه. يمكن البدء بالجرائم التي لا تمثل خطورة عالية على المجتمع والتي يمكن تعويض ضررها بشكل كامل للمجني عليه، مع وضع شروط وضمانات صارمة لضمان عدم استغلال هذه الآلية. على سبيل المثال، قد يُنظر في بعض جرائم الجنح ذات الطبيعة المالية أو الجرائم التي لا تتضمن عنفاً جسدياً.

التوسع يجب أن يصاحبه إصلاحات تشريعية تضع إطاراً قانونياً واضحاً للجرائم الجديدة التي سيشملها الصلح، مع تحديد الشروط والإجراءات بدقة. كما يجب توفير التدريب الكافي للقضاة والنيابات والمحامين للتعامل مع هذه التعديلات الجديدة. إن التوسع المدروس في نطاق الصلح يمكن أن يساهم في تحقيق عدالة أسرع وأكثر فعالية، ويقلل من عدد المحكوم عليهم في جرائم بسيطة، مما يتيح لهم فرصاً أفضل لإعادة الاندماج في المجتمع. هذا التوجه يعكس تطوراً في الفلسفة الجنائية نحو العدالة التصالحية والإصلاحية.

يمثل الصلح في الدعوى الجنائية أداة قانونية حيوية تساهم في تحقيق العدالة التصالحية وتخفيف الأعباء عن النظام القضائي المصري. من خلال فهم آلياته، الجرائم التي يشملها، وإجراءاته، يمكن للأفراد تحقيق حلول ودية وفعالة للنزاعات الجنائية. إن تعزيز دور الصلح يتطلب تبسيط الإجراءات، وتكثيف التوعية القانونية، والنظر في التوسع المدروس في نطاق الجرائم التي يجوز فيها، مع الحفاظ على التوازن بين حق المجتمع في العقاب ومصلحة الأفراد في إنهاء النزاعات سلمياً وبناءً.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock