الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصري

المحاولة العقيمة في الجرائم

المحاولة العقيمة في الجرائم

فهم الأبعاد القانونية للمحاولة العقيمة وأثرها على العقوبة في القانون المصري

في عالم القانون الجنائي، لا تقتصر المسؤولية على الجريمة التامة المكتملة الأركان، بل تمتد لتشمل مراحل سابقة قد لا تؤدي إلى النتيجة الإجرامية المنشودة. من أبرز هذه الصور “الشروع في الجريمة”. لكن هناك حالة خاصة تعرف بالمحاولة العقيمة أو الجريمة المستحيلة، وهي الحالة التي يبذل فيها الجاني نشاطًا إجراميًا بهدف تحقيق نتيجة معينة، إلا أن هذه النتيجة يستحيل تحققها واقعيًا وقانونيًا. هذا المقال يقدم دليلاً عملياً لفهم هذه الحالة، أبعادها القانونية، وكيفية التعامل معها.

ما هي المحاولة العقيمة في الجريمة؟

المحاولة العقيمة في الجرائم
المحاولة العقيمة، أو كما تعرف قانونًا بـ “الجريمة المستحيلة”، هي الحالة التي يقوم فيها شخص بجميع الأفعال اللازمة لارتكاب جريمة ما، بنية إجرامية واضحة، لكن جريمته لا يمكن أن تكتمل أو تحقق نتيجتها لسبب يجعلها مستحيلة الحدوث. هذه الاستحالة لا ترجع إلى عدول الجاني عن إتمام فعله، بل إلى سبب خارج عن إرادته يجعل النتيجة الإجرامية غير قابلة للتحقق منذ البداية.

تنشأ هذه الاستحالة إما من طبيعة الوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة، كاستخدام مسدس فارغ من الطلقات بنية القتل، أو من طبيعة الهدف أو الموضوع الذي يقع عليه الفعل، مثل محاولة إجهاض امرأة وهي ليست حاملًا في الأساس، أو محاولة سرقة أموال من جيب شخص وهو فارغ تمامًا. الفارق الجوهري هنا هو أن الفشل لم يكن محتملًا، بل كان حتميًا منذ البداية.

أركان وشروط قيام المحاولة في الجريمة

لكي نتحدث عن محاولة عقيمة، يجب أولاً أن تتوافر الأركان العامة للشروع في الجريمة كما حددها القانون. فالشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه. وبناءً على ذلك، لا بد من توافر ركنين أساسيين حتى يمكن وصف الفعل بأنه شروع، سواء كان قابلاً للتحقق أو مستحيلاً.

الركن المادي: البدء في التنفيذ

يتمثل هذا الركن في قيام الجاني بأفعال لا لبس فيها تؤدي حالاً ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة المقصودة. لا يكفي مجرد التفكير في الجريمة أو التحضير لها، بل يجب أن يتجاوز الجاني مرحلة الأعمال التحضيرية ويدخل في حلقة التنفيذ. على سبيل المثال، تصويب السلاح نحو الضحية يعد بدءًا في التنفيذ، أما مجرد شرائه فلا يعد كذلك.

الركن المعنوي: القصد الجنائي

يجب أن يكون لدى الجاني نية واضحة وصريحة لارتكاب الجريمة بكامل أركانها وتحقيق نتيجتها الإجرامية. يجب أن يكون قصده جادًا وموجهًا نحو إتمام الجريمة. فإذا انتفى القصد الجنائي، كمن يطلق النار على شخص معتقدًا أنه مجرد دمية للتدريب، فلا يمكن الحديث عن شروع في القتل حتى لو كانت الدمية شخصًا حقيقيًا.

أنواع المحاولة العقيمة والفرق بينها

يميز الفقه القانوني بين نوعين رئيسيين من الاستحالة، وهذا التمييز له أثر بالغ على تحديد المسؤولية الجنائية والعقاب. فليست كل محاولة عقيمة تعامل بنفس الطريقة أمام القضاء، ويعتمد الأمر على طبيعة الاستحالة ذاتها، سواء كانت مطلقة أم نسبية.

الاستحالة المطلقة (الموضوعية)

تحدث الاستحالة المطلقة عندما يكون تحقيق النتيجة الإجرامية مستحيلاً بشكل كامل ونهائي، بغض النظر عن الظروف. هنا، يكون موضوع الجريمة أو وسيلتها غير صالحين إطلاقًا لإحداث النتيجة. مثال ذلك محاولة قتل شخص متوفى بالفعل، أو محاولة سرقة شيء غير موجود أصلاً. في هذه الحالة، الفعل المرتكب لا يشكل أي خطر حقيقي على الحق الذي يحميه القانون، وبالتالي فإن غالبية التشريعات، ومنها المصري، لا تعاقب على هذه الحالة.

الاستحالة النسبية (الشخصية)

تكون الاستحالة نسبية عندما تكون الوسيلة المستخدمة أو الموضوع صالحين نظريًا لإحداث الجريمة، لكن ظروفًا عارضة وقت ارتكاب الفعل حالت دون تحققها. مثالها محاولة سرقة جيب شخص ولكنه كان فارغًا في تلك اللحظة، أو استخدام سم لقتل شخص ولكن الجرعة كانت غير كافية. هنا، الخطر كان قائمًا، والجريمة كانت ممكنة التحقق لو اختلفت الظروف قليلاً. لذلك، يعتبر القانون هذا النوع من الاستحالة شروعًا معاقبًا عليه.

الموقف القانوني للمحاولة العقيمة في التشريع المصري

حدد المشرع المصري موقفه بوضوح من الجريمة المستحيلة في قانون العقوبات. تنص المادة 47 من القانون على أنه “لا عقاب على الشروع في جناية أو جنحة إذا استحال ارتكاب الجريمة استحالة مطلقة لسبب يتعلق بموضوع الجريمة أو بالوسيلة المستعملة في ارتكابها”. هذا النص يعني أن القانون المصري يتبنى التفرقة بين نوعي الاستحالة.

بموجب هذه المادة، فإن الاستحالة المطلقة تمنع العقاب تمامًا. فمن يحاول قتل ميت لا يعاقب، لأن الفعل في حد ذاته لم يهدد حياة أي شخص. أما الاستحالة النسبية، فلم يتناولها النص بالإعفاء، وبالتالي فإنها تقع تحت طائلة العقاب باعتبارها شروعًا عاديًا وفقًا للمادة 45 من قانون العقوبات، والتي تعاقب على الشروع بشكل عام. وعليه، فإن من يحاول سرقة جيب فارغ يعاقب على الشروع في السرقة.

خطوات عملية للتعامل مع اتهام بالمحاولة العقيمة

إذا وجد شخص نفسه متهمًا في قضية تنطوي على محاولة عقيمة، فإن فهم الأبعاد القانونية وتطبيقها بشكل سليم هو مفتاح الدفاع. إليك مجموعة من الخطوات العملية التي يجب اتباعها لتوضيح الموقف القانوني بشكل دقيق أمام جهات التحقيق والمحكمة.

1. التماس المشورة القانونية الفورية

الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي التواصل مع محامٍ متخصص في القانون الجنائي. المحامي هو القادر على تحليل وقائع القضية وتكييفها قانونيًا بشكل صحيح، وتحديد ما إذا كانت الاستحالة التي يواجهها المتهم مطلقة أم نسبية، وبناء خطة الدفاع على هذا الأساس.

2. فهم طبيعة الاتهام بدقة

يجب على المتهم ودفاعه فهم تفاصيل الاتهام الموجه إليه. هل الاتهام هو الشروع في القتل، أم السرقة، أم غيرها؟ إن فهم طبيعة الجريمة المستهدفة يساعد في تحديد ما إذا كان موضوعها أو وسيلتها يجعلانها مستحيلة الحدوث بشكل مطلق.

3. جمع الأدلة التي تثبت الاستحالة

الدفاع القوي يعتمد على الأدلة. يجب العمل على جمع كافة الأدلة التي تثبت أن ارتكاب الجريمة كان مستحيلاً. على سبيل المثال، في حالة محاولة القتل بسم غير فعال، يمكن تقديم تقرير معملي يثبت عدم سمية المادة. وفي حالة محاولة سرقة خزينة فارغة، يمكن إثبات أنها كانت خالية وقت وقوع الفعل.

4. التمييز بين أنواع الاستحالة في الدفاع

يجب أن يركز الدفاع على إثبات أن الحالة المعروضة هي “استحالة مطلقة” وليست “نسبية”. هذا هو المحور الذي قد يؤدي إلى البراءة الكاملة استنادًا إلى المادة 47 من قانون العقوبات. يتطلب ذلك شرحًا قانونيًا وفنيًا دقيقًا للمحكمة يوضح لماذا كان الفعل عقيماً بطبيعته وغير قادر على تهديد أي حق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock