الإجراءات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريالنيابة العامة

الدفع ببطلان التحريات لاعتمادها على أقوال مرسلة

الدفع ببطلان التحريات لاعتمادها على أقوال مرسلة

دليلك الشامل لتقديم الدفوع القانونية الصحيحة وإثبات بطلان التحريات القضائية

تُعد التحريات جزءاً أساسياً ومحورياً في أي إجراءات جنائية، فهي تمثل حجر الزاوية الذي تبنى عليه الاتهامات في كثير من الأحيان. لكن هذه التحريات يجب أن تكون مبنية على أسس قوية وجادة لضمان صحة الإجراءات وعدالة الأحكام. عندما تعتمد التحريات على مجرد أقوال مرسلة أو معلومات غير مؤكدة، فإنها تفقد قيمتها القانونية وقد تكون سبباً لبطلانها التام. هذا المقال يقدم لك شرحاً مفصلاً لكيفية الدفع ببطلان التحريات التي ترتكز على مثل هذه الأقوال، مع تقديم حلول عملية وخطوات دقيقة لإثبات ذلك أمام المحكمة، وذلك لضمان سير العدالة وسلامة موقفك القانوني.

مفهوم الأقوال المرسلة وأثرها على التحريات

الدفع ببطلان التحريات لاعتمادها على أقوال مرسلةالأقوال المرسلة، أو ما يُعرف اصطلاحاً بـ “hearsay” في الأنظمة القانونية الأخرى، هي المعلومات التي ينقلها شاهد عن شخص آخر لم يسمعها أو يشاهدها بنفسه بشكل مباشر. هذه الأصوات لا تُعد دليلاً مباشراً لأنها تفتقر إلى عنصر المصدر الأصلي الذي يمكن التحقق من صدقه أو كذبه، ولا يمكن توجيه اليمين إليه أو مناقشته. بالتالي، تفتقر هذه الأقوال إلى الجدية والموثوقية اللازمتين لبناء قناعة قضائية.

تؤثر الأقوال المرسلة بشكل سلبي وجوهري على جدية التحريات. عندما تستند التحريات إلى معلومات منقولة عن الغير دون التحقق من مصدرها الأصلي أو مدى صحتها، فإنها تصبح تحريات غير جدية. هذا النقص في الجدية يجعلها عرضة للطعن والبطلان، لأن القانون يشترط في التحريات أن تكون دقيقة وموضوعية ومرتكزة على مصادر موثوقة ومباشرة، لا على مجرد إشاعات أو أقاويل لا أساس لها.

أسس الدفع ببطلان التحريات

تستند صحة التحريات إلى مجموعة من المبادئ القانونية الراسخة التي تضمن نزاهة الإجراءات الجنائية. أولاً، يجب أن تكون التحريات جدية وتهدف إلى كشف الحقيقة بموضوعية، وليس مجرد تأكيد اتهام مسبق. ثانياً، يجب أن تكون دقيقة ومفصلة بحيث لا تترك مجالاً للشك حول الوقائع المستدل عليها أو المصادر التي اعتمدت عليها. هذه الشروط أساسية لكي تُعتبر التحريات دليلاً يمكن الاعتماد عليه.

من أهم شروط صحة التحريات أيضاً استقلالية المصدر. يجب أن تكون المعلومات المستقاة من مصادر موثوقة وقادرة على تقديم معلومات مباشرة وذات صلة. لا يجوز الاعتماد على مصادر مجهولة أو معلومات “قيل إنها” دون التحقق من صحتها وجديتها. للقاضي دور حاسم في تقدير جدية هذه التحريات ومصداقيتها، وله السلطة الكاملة لرفض التحريات إذا ما تبين له أنها غير جادة أو مبنية على أقوال مرسلة لا قيمة لها.

كيفية إثبات بطلان التحريات المعتمدة على أقوال مرسلة

الطريقة الأولى: تحليل تقارير التحريات

تبدأ هذه الطريقة بفحص دقيق لصياغة تقارير التحريات المقدمة. ابحث عن أي عبارات تشير إلى مصادر معلومات غير مباشرة أو غير مؤكدة. على سبيل المثال، وجود عبارات مثل “تردد أن”، “قيل إن”، “شاع خبر”، “علم من مصدر غير معلوم”، “ذكر لي أحد المخبرين دون الإفصاح عن هويته”، أو ما شابه ذلك، يعد مؤشراً قوياً على أن التحريات اعتمدت على أقوال مرسلة.

يجب أن يبرز الدفع القانوني غياب المعلومات الموثقة والمصادر المباشرة في التقرير. قارن بين ما هو مذكور في التحريات وبين الشروط القانونية للتحريات الجادة. وضح كيف أن الاعتماد على هذه العبارات يجعل التحريات مجرد ترديد لإشاعات أو تكهنات، ولا ترقى إلى مستوى الدليل القانوني الذي يمكن أن تبنى عليه اتهامات خطيرة.

الطريقة الثانية: استدعاء مجري التحريات للمناقشة

تعتبر هذه الطريقة فعالة جداً في إثبات بطلان التحريات. اطلب من المحكمة استدعاء الضابط أو المحقق الذي أجرى التحريات لمناقشته بشأن ما ورد في تقريره. خلال المناقشة، وجه له أسئلة دقيقة ومحددة حول مصادر معلوماته. اسأله عن طبيعة هذه المصادر، هل هي مباشرة أم غير مباشرة؟ هل شاهد الوقائع بنفسه أم سمع عنها؟

ركز على مدى قدرة مجري التحريات على تحديد مصدر مباشر وموثوق للمعلومات. إذا لم يتمكن من تحديد مصدر معين، أو إذا اعترف بأن معلوماته مستقاة من أقوال مرسلة، فإن هذا يؤكد بطلان التحريات. إبراز هذا التضارب أو عدم القدرة على تحديد المصادر الموثوقة أمام المحكمة يعزز موقفك بشكل كبير.

الطريقة الثالثة: تقديم أدلة مضادة

يمكنك إثبات بطلان التحريات من خلال تقديم أدلة مضادة تدحض الوقائع المذكورة فيها. إذا كانت التحريات تدعي وجود وقائع معينة، قدم ما يثبت عدم صحة هذه الوقائع. يمكن أن يكون ذلك من خلال شهود نفي يؤكدون عدم حدوث الواقعة، أو تقديم مستندات رسمية، أو تقارير تثبت عكس ما ورد في التحريات. على سبيل المثال، إذا ادعت التحريات وجودك في مكان معين وقت حدوث الواقعة، بينما كنت في مكان آخر، قدم ما يثبت ذلك.

من المهم أيضاً محاولة إثبات وجود مصلحة لمصدر الأقوال المرسلة في تلفيق الاتهام. إذا كان هناك عداوة سابقة أو خلافات بين المتهم ومصدر المعلومة (حتى لو كان مجهولاً)، فإن الكشف عن هذه المصلحة قد يضعف مصداقية الأقوال المرسلة ويجعلها مجرد كيد أو انتقام، وبالتالي يؤثر على مصداقية التحريات المبنية عليها.

الطريقة الرابعة: الاستناد إلى السوابق القضائية والمبادئ الفقهية

يعد البحث عن أحكام سابقة لمحكمة النقض أو المحاكم العليا التي أكدت بطلان التحريات المرتكنة على أقوال مرسلة أو مصادر غير جدية، خطوة قوية في دفاعك. هذه السوابق القضائية تمثل مبادئ قانونية ملزمة أو مرشدة للمحاكم الأدنى درجة. قم بتقديم هذه الأحكام للمحكمة، مع إبراز نقاط التشابه بين القضية الحالية وتلك السوابق.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستعانة بآراء كبار فقهاء القانون الجنائي الذين تناولوا مسألة جدية التحريات وشروطها. آراء الفقهاء تضيء الجوانب النظرية والقانونية وتدعم الدفع ببطلان التحريات. الاستشهاد بهذه الآراء يضيف ثقلاً علمياً وقانونياً لدفعك، ويساعد المحكمة على تكوين قناعة راسخة ببطلان التحريات محل النزاع.

الآثار المترتبة على بطلان التحريات

يترتب على الدفع ببطلان التحريات، ومتى ثبت هذا البطلان، آثار قانونية هامة وجوهرية على سير القضية. أول هذه الآثار هو سقوط الدليل المستمد من هذه التحريات. يعني ذلك أن المحكمة لا يجوز لها أن تعتمد على أي معلومة أو واقعة وردت في التحريات الباطلة في بناء حكمها. تصبح هذه التحريات كأن لم تكن، ولا يمكن أن تكون سبباً لإدانة المتهم أو حتى لفتح تحقيق جدي.

يؤثر بطلان التحريات بشكل مباشر على قرارات النيابة العامة والمحكمة. في كثير من الأحيان، قد يؤدي إلى البراءة التامة للمتهم إذا كانت التحريات الباطلة هي الدليل الوحيد أو الأساسي في القضية. كما يمكن أن يؤدي إلى تغيير وصف التهمة، أو الإفراج عن المتهم، أو حتى إلى إلغاء قرار الإحالة للمحاكمة. في بعض الحالات، يمكن أن يتم إرجاع الأوراق للنيابة العامة لاستكمال التحقيقات بشكل جاد وموضوعي بناءً على أدلة صحيحة وموثوقة.

عناصر إضافية لدعم موقفك القانوني

أمثلة عملية لدفوع ناجحة

من الأمثلة على دفوع ناجحة: إذا تضمنت التحريات أن “المتهم معروف بسوء السلوك دون تحديد وقائع أو مصدر”، هنا يمكن الدفع بأنها أقوال مرسلة. مثال آخر: إذا ذكرت التحريات أن “أحد المخبرين أكد وجود المخدرات” ولكن دون ذكر اسم المخبر أو كيفية علمه، فهذا يعتبر أساساً لبطلانها. الصياغة تكون بالتركيز على غياب الدليل المباشر وتعارضه مع المبادئ القانونية للتحريات الجادة.

نصائح للمحامين عند تقديم الدفع

يتطلب تقديم الدفع ببطلان التحريات إعداداً جيداً ودقيقاً. يجب على المحامي دراسة ملف القضية بعمق، وتحليل كل كلمة في تقارير التحريات. صياغة الدفع يجب أن تكون واضحة ومحددة، مع التركيز على النقاط القانونية الجوهرية التي تبين عوار التحريات. لا تكتفِ بالادعاء، بل قدم البراهين والأسانيد القانونية والسوابق القضائية التي تدعم موقفك، وكن مستعداً لمناقشة مجري التحريات بأسئلة محددة وموجهة.

الفروق بين الأقوال المرسلة والشهادة السمعية

من المهم التمييز بين الأقوال المرسلة والشهادة السمعية. الأقوال المرسلة هي مجرد إشاعات أو معلومات منقولة لا تستند إلى مصدر مباشر يمكن مساءلته. أما الشهادة السمعية، فهي شهادة شخص سمع بنفسه أمراً من شخص آخر، وقد يكون هذا الأمر مقبولاً كدليل في بعض الحالات الاستثنائية ووفقاً لضوابط معينة، إذا كان الشخص الذي نقل المعلومة (المصدر الأصلي) يمكن استدعاؤه والتحقق من أقواله. لذا يجب الانتباه لهذه الفروق الدقيقة لتحديد طبيعة الدليل بدقة.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock