الاستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

متى يكون تصوير الأشخاص جريمة؟

متى يكون تصوير الأشخاص جريمة؟

حدود الخصوصية في العصر الرقمي والقانون المصري

مع التطور الهائل في وسائل الاتصال والتصوير الرقمي، أصبح توثيق اللحظات أمراً يسيراً للغاية. ولكن، مع هذه السهولة، تتزايد التساؤلات حول حدود الخصوصية الفردية ومتى يمكن أن يتحول التصوير من مجرد هواية أو توثيق إلى جريمة يعاقب عليها القانون. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه الجوانب الهامة وفقاً للقانون المصري، وتقديم حلول وإرشادات عملية لحماية الأفراد وتوعيتهم بحقوقهم.

الإطار القانوني لحماية الخصوصية في مصر

حماية الدستور للحق في الخصوصية

متى يكون تصوير الأشخاص جريمة؟يعد الحق في الخصوصية من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور المصري، وذلك وفقاً للمادة 57 التي تنص على أن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وتؤكد هذه المادة على أن المراسلات والمحادثات والتصويرات والاتصالات لا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولفترة محددة، ويحدد القانون الأوضاع والشروط اللازمة لذلك. هذا الأساس الدستوري يشكل حجر الزاوية في تجريم أي انتهاك لهذه الخصوصية.

القوانين المنظمة لجرائم التصوير

تتعدد القوانين التي تتناول تجريم التصوير غير المشروع في مصر. يأتي في مقدمتها قانون العقوبات المصري الذي يجرم الأفعال التي تمس الحياة الخاصة، مثل التسجيل الصوتي أو المرئي دون إذن. كما أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (القانون رقم 175 لسنة 2018) يلعب دوراً محورياً في هذا السياق، خاصة فيما يتعلق بالتصوير والنشر على الإنترنت. يجرم هذا القانون نشر الصور أو التسجيلات التي تنتهك خصوصية الأفراد دون رضاهم أو التي تسيء إليهم، حتى لو كان التصوير قد تم في مكان عام.

حالات التصوير التي تعد جريمة في القانون المصري

التصوير في الأماكن الخاصة دون إذن

يعد تصوير الأشخاص في الأماكن الخاصة، كالمنازل أو المكاتب أو أي مكان له حرمة خاصة، دون الحصول على موافقة صريحة منهم، جريمة يعاقب عليها القانون. لا يقتصر الأمر على التصوير الفوتوغرافي بل يشمل أيضاً التسجيلات المرئية والصوتية. الهدف من هذا التجريم هو حماية حرمة المسكن والحياة الخاصة للأفراد من أي تدخل غير مشروع. وحتى لو تم الحصول على الصورة بطريقة ما، فإن نشرها أو استخدامها دون إذن يقع تحت طائلة القانون.

التصوير في الأماكن العامة بنية الإساءة أو التشهير

على الرغم من أن التصوير في الأماكن العامة مباح بشكل عام، إلا أنه يتحول إلى جريمة إذا كانت نية المصور هي الإساءة إلى الأشخاص الظاهرين في الصورة أو التشهير بهم أو استغلال صورهم لأغراض غير مشروعة. على سبيل المثال، تصوير شخص في موقف محرج ونشر صورته بقصد الإضرار بسمعته، أو استخدام صور أفراد لأغراض تجارية دون موافقة منهم. يركز القانون هنا على النية والقصد الجنائي من وراء عملية التصوير والنشر.

تسجيل أو نشر محادثات أو صور ذات طابع خاص

يتضمن ذلك تسجيل المكالمات الهاتفية أو المحادثات الشخصية دون علم أو موافقة الأطراف، أو نشر صور أو مقاطع فيديو ذات طبيعة خاصة جداً تتعلق بالحياة الحميمة للأشخاص. هذه الأفعال تعد انتهاكاً صارخاً للخصوصية وتؤدي إلى عواقب وخيمة على المجني عليه. القانون يشدد على حماية هذا النوع من البيانات الحساسة، ويعتبر تداولها أو نشرها جريمة بغض النظر عن طريقة الحصول عليها.

التصوير بقصد الابتزاز أو التهديد

يعد استخدام الصور أو التسجيلات الفوتوغرافية أو الفيديوية كوسيلة لابتزاز الأشخاص أو تهديدهم جريمة أشد خطورة. سواء تم التقاط الصور بموافقة مسبقة ثم استغلت لاحقاً بشكل مسيء، أو تم الحصول عليها خلسة، فإن استغلالها للضغط على الضحية أو إجباره على القيام بأفعال معينة يضع الفاعل تحت طائلة أشد العقوبات. تتفاقم العقوبة في مثل هذه الحالات نظراً لخطورة الأضرار النفسية والمادية التي تلحق بالضحايا.

الآثار القانونية المترتبة على جريمة التصوير

العقوبات الجنائية

تتراوح العقوبات المقررة لجرائم التصوير غير المشروع بين الحبس والغرامة، وتختلف شدتها باختلاف جسامة الجريمة والقصد الجنائي منها. على سبيل المثال، قد تصل عقوبة التصوير دون إذن في الأماكن الخاصة أو نشر الصور التي تمس الخصوصية إلى الحبس لمدة معينة وغرامة مالية كبيرة، وقد تزيد العقوبة إذا اقترنت الجريمة بابتزاز أو تشهير أو استغلال جنسي للأطفال. يهدف القانون إلى تحقيق الردع العام والخاص من خلال هذه العقوبات.

التعويض المدني

بالإضافة إلى العقوبات الجنائية، يحق للمجني عليه في جريمة التصوير غير المشروع أن يطالب بتعويض مدني عن الأضرار التي لحقت به، سواء كانت أضراراً مادية أو معنوية. يشمل ذلك الأضرار النفسية الناتجة عن التشهير أو انتهاك الخصوصية، وكذلك الأضرار المادية إذا ترتب عليها خسائر مادية مباشرة. يتم تقدير التعويض من قبل المحكمة المختصة بناءً على حجم الضرر الواقع على الضحية.

كيفية حماية نفسك من التصوير غير المشروع

التوعية واليقظة

أفضل طريقة لحماية نفسك هي أن تكون على دراية بحقوقك وواجباتك. تجنب مشاركة تفاصيل حياتك الخاصة أو صورك الشخصية مع أشخاص لا تثق بهم. كن حذراً عند التعامل مع الغرباء عبر الإنترنت، وتجنب فتح الروابط المشبوهة أو تحميل التطبيقات غير الموثوقة. قم بمراجعة إعدادات الخصوصية على حساباتك في وسائل التواصل الاجتماعي بانتظام لضمان أعلى مستوى من الحماية لبياناتك وصورك الشخصية.

إدارة إعدادات الخصوصية الرقمية

قم بضبط إعدادات الخصوصية في هاتفك الذكي وتطبيقاتك بحيث لا يتمكن أحد من الوصول إلى الكاميرا أو الميكروفون دون علمك. استخدم كلمات مرور قوية ومعقدة لحساباتك المختلفة. فعل خاصية التحقق بخطوتين كلما أمكن ذلك لزيادة مستوى الأمان. احذر من التفاعل مع أي طلبات غريبة أو غير متوقعة للوصول إلى بياناتك أو صورك، وتذكر أن الشركات الموثوقة لا تطلب معلومات حساسة بهذه الطريقة.

طلب المساعدة القانونية عند الشك

إذا شعرت بأن خصوصيتك تتعرض للانتهاك أو أن هناك صوراً أو تسجيلات لك يتم تداولها دون إذنك، لا تتردد في طلب المشورة القانونية. يمكن للمحامي المختص إرشادك إلى الخطوات الصحيحة لتقديم الشكوى وجمع الأدلة اللازمة. التبليغ السريع عن أي انتهاك يمكن أن يحد من انتشار الضرر ويساعد في سرعة ضبط الجاني وتقديمه للعدالة. لا تنتظر حتى تتفاقم المشكلة.

إجراءات تقديم الشكوى القانونية

جمع الأدلة والبراهين

قبل التوجه للسلطات، من المهم جداً جمع كافة الأدلة التي تثبت وقوع الجريمة. يشمل ذلك لقطات شاشة (Screenshots) للصفحات أو المنشورات التي تحتوي على الصور أو التسجيلات المسيئة، وحفظ الروابط الإلكترونية، ورسائل التهديد أو الابتزاز إن وجدت. أي دليل مادي أو رقمي يمكن أن يعزز موقفك أمام جهات التحقيق والمحكمة، ويسهل مهمة إثبات الجريمة وتحديد مرتكبها.

التبليغ عن الجريمة للجهات المختصة

يمكن التبليغ عن جريمة التصوير غير المشروع لدى عدة جهات في مصر. يمكنك التوجه إلى أقرب قسم شرطة أو مباحث الإنترنت (الإدارة العامة لمكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات بوزارة الداخلية). كما يمكنك تقديم بلاغ للنيابة العامة مباشرة. تأكد من تقديم جميع الأدلة التي جمعتها وشرح الواقعة بشكل واضح ومفصل. هذه الخطوة حاسمة لبدء الإجراءات الجنائية ضد مرتكب الجريمة.

متابعة الإجراءات القانونية والاستعانة بمحامٍ

بعد تقديم البلاغ، من الضروري متابعة سير الإجراءات مع الجهات المختصة. قد تطلب منك النيابة أو الشرطة معلومات إضافية أو الحضور للإدلاء بشهادتك. يفضل بشدة الاستعانة بمحامٍ متخصص في قضايا الجرائم الإلكترونية وانتهاك الخصوصية. سيقوم المحامي بتمثيلك والدفاع عن حقوقك، وضمان سير الإجراءات القانونية بشكل سليم، والمطالبة بالتعويضات المناسبة لك عن الأضرار التي لحقت بك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock