الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون الجنائيالقانون المصريجرائم الانترنت

التحقيق في اختراق أجهزة تحقيق رسمية

التحقيق في اختراق أجهزة تحقيق رسمية

حماية سيادة القانون في العصر الرقمي

تُعد أجهزة التحقيق الرسمية في أي دولة، ركيزة أساسية لتحقيق العدالة وتطبيق القانون. تتضمن هذه الأجهزة أجهزة النيابة العامة، المحاكم، والأجهزة الأمنية، التي تتعامل مع بيانات حساسة للغاية ومعلومات بالغة الأهمية. في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، أصبحت هذه الأجهزة هدفًا محتملاً للاختراقات السيبرانية، ما يهدد بحدوث تسرب للمعلومات، أو تعطيل للعمليات، أو حتى التلاعب بالأدلة. لذا، يصبح التحقيق الفعال والممنهج في أي اختراق أمرًا حيويًا لضمان استمرارية العمل العدلي، والحفاظ على سرية وسلامة البيانات، ومحاسبة الجناة. هذه المقالة تستعرض الخطوات والإجراءات المتبعة للتعامل مع مثل هذه الحوادث.

الإجراءات الأولية عند اكتشاف الاختراق

عزل الأجهزة المخترقة

التحقيق في اختراق أجهزة تحقيق رسميةبمجرد الاشتباه في حدوث اختراق أو اكتشافه، يجب أن تكون الأولوية القصوى هي عزل الأجهزة المتأثرة فورًا. يتضمن هذا الفصل المادي للجهاز عن أي شبكة متصلة به، سواء كانت داخلية أو خارجية. يهدف هذا الإجراء إلى منع انتشار الهجوم إلى أنظمة أخرى، أو فقدان المزيد من البيانات الحيوية، أو إتلاف الأدلة الرقمية المتبقية. يجب توثيق حالة الجهاز بدقة، وتسجيل وقت العزل، وأي ملاحظات أولية على الشاشة، أو سلوك غير طبيعي ظهر على الجهاز.

إبلاغ الجهات المختصة

بعد عزل الجهاز، الخطوة التالية هي الإبلاغ الفوري للجهات القضائية والأمنية المختصة. في مصر، يشمل ذلك النيابة العامة التي تتولى مهمة التحقيق في الجرائم، ووزارة الداخلية ممثلة في قطاع تكنولوجيا المعلومات المتخصص في مكافحة الجرائم الإلكترونية. يجب تقديم بلاغ شامل يحتوي على كافة التفاصيل الأولية المعروفة حول الاختراق، بما في ذلك تاريخ ووقت الاكتشاف، الأجهزة المتأثرة، وأي معلومات أولية عن طبيعة الاختراق. السرعة في الإبلاغ تضمن بدء الإجراءات القانونية والفنية اللازمة في الوقت المناسب.

خطوات التحقيق الفني في اختراق الأجهزة

جمع الأدلة الرقمية وتحليلها

تُعد عملية جمع الأدلة الرقمية هي جوهر أي تحقيق في اختراق سيبراني. يجب أن تتم هذه العملية بواسطة متخصصين في الطب الشرعي الرقمي، لضمان عدم إتلاف الأدلة أو التلاعب بها. يتم أولاً إنشاء صورة طبق الأصل (Forensic Image) لجميع الأقراص الصلبة، والذاكرة العشوائية (RAM)، وأي وسائط تخزين أخرى متصلة بالجهاز المخترق. تستخدم أدوات متخصصة لجمع هذه البيانات بطريقة لا تُغير من محتواها الأصلي. بعد ذلك، يتم تحليل هذه الصور لتحديد أثر المتسللين.

يشمل التحليل الفني فحص سجلات النظام (System Logs)، وسجلات الأحداث (Event Logs)، وسجلات الشبكة (Network Logs) للبحث عن أي نشاط غير طبيعي أو محاولات وصول غير مصرح بها. كما يتم البحث عن ملفات مشبوهة، وبرمجيات خبيثة (Malware)، وأي تغييرات غير مصرح بها في إعدادات النظام أو الملفات. يُعد تحليل بيانات حركة المرور (Network Traffic Analysis) أمرًا بالغ الأهمية لتحديد مصادر الهجوم، وعناوين IP المشبوهة، وطرق الاتصال التي استخدمها المخترقون.

تتبع المصدر وتحديد الثغرة

يهدف التحقيق الفني إلى تتبع مصدر الاختراق وتحديد الثغرة الأمنية التي تم استغلالها. يتم ذلك من خلال تحليل دقيق لتدفق البيانات، وأنماط الاتصال، ومصادر الدخول غير المصرح به. يمكن تحديد عناوين IP الخارجية التي استخدمت في الهجوم، ومن ثم محاولة تتبعها بالتعاون مع جهات إنفاذ القانون الدولية إذا لزم الأمر. كما يتم فحص جميع نقاط الدخول المحتملة، مثل منافذ الشبكة المفتوحة، أو خدمات الويب المكشوفة، أو حسابات المستخدمين المخترقة. تحديد الثغرة الأمنية يسمح بإغلاقها ومنع تكرار الهجوم.

استعادة البيانات وتأمين الأنظمة

بعد جمع الأدلة وتحديد طبيعة الاختراق، يجب اتخاذ خطوات لاستعادة البيانات المفقودة أو التالفة إن أمكن، مع الحرص على عدم التأثير على الأدلة الجنائية. تتمثل الأولوية القصوى في تأمين الأنظمة لمنع أي هجمات مستقبلية. يتضمن ذلك تطبيق جميع التحديثات الأمنية المتاحة، وسد الثغرات المكتشفة، وتغيير كلمات المرور لجميع الحسابات المتأثرة، وتنفيذ سياسات أمان أكثر صرامة. يمكن أيضًا إعادة بناء الأنظمة المتأثرة من الصفر إذا كان الضرر واسع النطاق لضمان نظافة الأنظمة تمامًا من أي برمجيات خبيثة كامنة.

الجوانب القانونية للتحقيق والملاحقة

الإطار القانوني لجرائم الاختراق

في مصر، تُنظم جرائم تقنية المعلومات بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. يحدد هذا القانون الأفعال التي تُعد جريمة إلكترونية، بما في ذلك الدخول غير المصرح به إلى الأنظمة المعلوماتية، والاعتداء على سلامة البيانات، وتزويرها، وتسريبها. ينص القانون على عقوبات صارمة للمخالفين، تتراوح بين السجن والغرامة، حسب جسامة الجريمة والأضرار المترتبة عليها. يجب أن يكون المحققون على دراية تامة بهذه القوانين لضمان صحة الإجراءات القانونية، وقبول الأدلة في المحكمة.

يجب على المحققين الالتزام بالإجراءات القانونية المعمول بها لجمع الأدلة، بما يضمن عدم إبطالها لاحقاً. يشمل ذلك الحصول على الأوامر القضائية اللازمة لتفتيش الأجهزة أو الحصول على البيانات من مزودي الخدمات. كما يجب الحفاظ على سلسلة حفظ الأدلة (Chain of Custody) بدقة، وتوثيق كل خطوة من خطوات التعامل مع الدليل الرقمي، بدءًا من جمعه وحتى تقديمه للمحكمة. هذا يضمن سلامة الدليل وموثوقيته أمام القضاء.

إعداد تقارير التحقيق وتقديمها للعدالة

تُعد عملية إعداد تقارير التحقيق الفنية والقانونية خطوة حاسمة. يجب أن يكون التقرير شاملاً وواضحًا، ويحتوي على كافة التفاصيل المتعلقة بالاختراق، بما في ذلك الأساليب المستخدمة، الأدلة المجمعة، والنتائج المستخلصة. يُصاغ التقرير بطريقة يسهل فهمها من قبل الجهات القضائية غير المتخصصة في الجانب الفني. يتم تضمين الاستنتاجات الفنية، والأدلة التي تدعم هذه الاستنتاجات، وتحديد الأضرار التي لحقت بالأنظمة والبيانات.

يُقدم هذا التقرير إلى النيابة العامة، التي تستخدمه كأساس لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، مثل إصدار أوامر الضبط والإحضار، أو تقديم المتهمين للمحاكمة. يتطلب الأمر تعاونًا وثيقًا بين الخبراء الفنيين ورجال القانون لضمان تقديم قضية قوية ومحكمة. قد يُطلب من الخبراء الفنيين الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة لشرح الجوانب الفنية للتحقيق وتوضيح الأدلة المقدمة.

حلول إضافية وتعزيزات مستقبلية

التوعية والتدريب المستمر

يُعد العنصر البشري من أهم نقاط الضعف في الأمن السيبراني. لذا، يجب على المؤسسات الرسمية الاستثمار في برامج التوعية والتدريب المستمر لموظفيها. يشمل هذا التدريب رفع الوعي بمخاطر التصيد الاحتيالي (Phishing)، والهندسة الاجتماعية، وكيفية التعرف على رسائل البريد الإلكتروني المشبوهة والتعامل معها. كما يجب تدريب الموظفين على أفضل الممارسات الأمنية، مثل استخدام كلمات مرور قوية ومعقدة، وتفعيل المصادقة متعددة العوامل، واتباع سياسات استخدام آمنة لأجهزة الحاسوب والشبكات.

الاستعانة بالخبراء والمتخصصين

في كثير من الحالات، قد لا تمتلك المؤسسات الرسمية الخبرات الداخلية الكافية للتعامل مع الاختراقات المعقدة. لذا، يُنصح بالاستعانة بخبراء الأمن السيبراني المتخصصين من خارج المؤسسة. يمكن لهؤلاء الخبراء تقديم المساعدة في التحقيق الفني، وتحليل الثغرات، وتقديم حلول أمنية متقدمة. كما يمكن للمؤسسات بناء قدراتها الداخلية من خلال توظيف متخصصين في الأمن السيبراني والطب الشرعي الرقمي، وتوفير التدريب اللازم لهم لمواكبة أحدث التهديدات والتقنيات.

وضع خطة استجابة للحوادث

يجب على كل مؤسسة رسمية وضع خطة استجابة للحوادث السيبرانية بشكل مسبق. هذه الخطة تحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات لكل فرد في فريق الاستجابة، وتفصل الخطوات التي يجب اتخاذها في حالة وقوع أي حادث أمني. تشمل الخطة إجراءات الإبلاغ، العزل، جمع الأدلة، التحليل، الاستعادة، والتواصل مع الجهات المعنية. وجود خطة معدة مسبقًا يضمن استجابة سريعة وفعالة لأي اختراق، ويقلل من الأضرار المحتملة، ويسرع من عملية استعادة الخدمات والتحقيق في الحادث.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock