الإجراءات القانونيةالجرائم الالكترونيةالقانون المصريالنيابة العامةجرائم الانترنت

التحقيق في نشر فيديوهات مفبركة تخص مؤسسات أمنية

التحقيق في نشر فيديوهات مفبركة تخص مؤسسات أمنية

التصدي لخطر التضليل الرقمي وتشويه السمعة

في عصر تتزايد فيه تحديات الأمن السيبراني، يبرز خطر الفيديوهات المفبركة كتهديد جدي للمؤسسات، خاصة الأمنية منها. هذه الفيديوهات، التي يتم إنشاؤها وتعديلها رقميًا لإيهام المشاهدين بصحتها، يمكن أن تستهدف التشويه أو التضليل أو حتى التحريض. إن التعامل مع هذه الجرائم يتطلب فهمًا عميقًا للطرق التقنية والقانونية اللازمة لكشفها والتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها.

فهم طبيعة الفيديوهات المفبركة وأهدافها

تعريف الفيديوهات المفبركة (Deepfake)

التحقيق في نشر فيديوهات مفبركة تخص مؤسسات أمنيةالفيديوهات المفبركة هي محتوى مرئي وصوتي تم التلاعب به أو إنشاؤه بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق ليبدو أصيلًا. غالبًا ما تتضمن هذه التقنيات تغيير الوجوه أو الأصوات أو إضافة أحداث لم تحدث. تهدف هذه الفيديوهات إلى تضليل الرأي العام وتشويه الحقائق أو الإساءة لسمعة الأفراد والمؤسسات.

تعتمد عملية الفبركة على خوارزميات معقدة لتحليل كميات هائلة من البيانات البصرية والصوتية، ثم إعادة تركيبها لإنشاء محتوى جديد ومقنع. هذا يجعل من الصعب التمييز بين الفيديو الحقيقي والمفبرك بالعين المجردة، مما يستدعي استخدام أدوات وخبرات متخصصة في التحقيق الرقمي.

الأهداف المحتملة وراء نشرها

تتعدد الأهداف وراء نشر الفيديوهات المفبركة، خاصة عندما تستهدف مؤسسات أمنية. قد يكون الهدف منها زعزعة الثقة في هذه المؤسسات أو التحريض ضدها أو إثارة البلبلة في المجتمع. يمكن أن تُستخدم أيضًا لابتزاز أو تشويه سمعة شخصيات معينة داخل هذه المؤسسات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون هذه الفيديوهات جزءًا من حملات أوسع للتأثير على الرأي العام أو شن حروب معلوماتية ضد الدولة. فهم هذه الأهداف يساعد في تحديد دوافع الجناة وتوجيه مسار التحقيق بكفاءة أكبر.

الخطوات الأولية للتحقيق في الفيديوهات المفبركة

الإبلاغ الفوري وجمع المعلومات

بمجرد اكتشاف فيديو مفبرك يستهدف مؤسسة أمنية، يجب الإبلاغ عنه فورًا إلى الجهات المختصة مثل النيابة العامة أو قطاع الجرائم الإلكترونية. يجب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الفيديو، مثل مصدر النشر (المنصة، الحساب)، تاريخ ووقت النشر، عدد المشاهدات، والتعليقات المصاحبة.

ينبغي توثيق كل هذه البيانات بشكل دقيق، مع أخذ لقطات شاشة (Screenshots) أو تسجيلات للشاشة (Screen recordings) للمحتوى قبل حذفه أو التلاعب به. هذه المعلومات الأولية حاسمة لتحديد نطاق الجريمة وبدء التحقيقات الرسمية. يجب أيضًا محاولة حفظ نسخة من الفيديو إذا أمكن ذلك.

توثيق الأدلة الرقمية

تعتبر الأدلة الرقمية أساس التحقيق في جرائم الإنترنت. يجب توثيق رابط الفيديو الأصلي وأي روابط لإعادة النشر. استخدام أدوات متخصصة لجمع البيانات الوصفية (Metadata) للفيديو، مثل تاريخ الإنشاء، برنامج التعديل المستخدم، ومعلومات عن الجهاز الذي قام برفعه. هذه البيانات قد تكشف عن خيوط مهمة للمحققين.

يجب التعامل مع الأدلة الرقمية بحذر شديد لضمان عدم تلفها أو العبث بها، وذلك باتباع سلاسل حفظ الأدلة المعيارية. يمكن أن يشمل ذلك أخذ بصمات رقمية (Hash values) للملفات لضمان سلامتها وعدم التلاعب بها طوال عملية التحقيق. خبراء الأدلة الجنائية الرقمية يلعبون دورًا محوريًا هنا.

التحليل الفني والتقني للفيديوهات المفبركة

تقنيات الكشف عن التزوير (Forensic Analysis)

يعتمد الكشف عن الفيديوهات المفبركة على تحليل تقنيات التزوير المستخدمة. يمكن للمختصين استخدام برامج تحليل الصور والفيديو للكشف عن التناقضات البصرية مثل عدم التجانس في الإضاءة أو الظلال، أو وجود حواف غير طبيعية حول الوجوه أو الأجسام المضافة. كما يتم البحث عن علامات تكرار في الأنماط أو تشوهات بصرية دقيقة.

تقنيات تحليل الصوت تُستخدم أيضًا للكشف عن التعديلات في النبرة أو السرعة أو وجود ضوضاء غير متناسقة. أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة يمكنها تحليل الفروق الدقيقة جدًا التي لا يمكن للعين البشرية ملاحظتها، لتحديد ما إذا كان الفيديو قد تم التلاعب به أم لا.

الاستعانة بالخبراء والمتخصصين

نظرًا لتعقيد تقنيات الفبركة، يصبح الاستعانة بخبراء في الأمن السيبراني والأدلة الجنائية الرقمية أمرًا ضروريًا. هؤلاء الخبراء يمتلكون المعرفة والأدوات اللازمة لتحليل الفيديو بعمق، وتحديد الأساليب المستخدمة في التزوير، وتقديم تقارير فنية يمكن الاستناد إليها في التحقيقات القضائية.

يمكن لهؤلاء الخبراء أيضًا تتبع المصدر الأصلي للفيديو، وتحديد الشبكات التي تم استخدامه عبرها، وحتى الوصول إلى معلومات عن الجناة المحتملين. التعاون بين الجهات الأمنية والخبراء التقنيين يسرع من عملية الكشف والتحقيق ويضمن دقة النتائج.

الإجراءات القانونية والملاحقة القضائية

القوانين المصرية المتعلقة بجرائم النشر الإلكتروني

يتعامل القانون المصري بحزم مع جرائم النشر الإلكتروني وتشويه السمعة وتداول المحتوى المفبرك. يضع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 عقوبات رادعة على نشر الأخبار الكاذبة أو المحتوى الذي يضر بالمصلحة العامة أو يمس الأمن القومي. كما يتضمن قانون العقوبات مواد تجرم التشهير والسب والقذف.

تتراوح العقوبات بين الحبس والغرامات المالية الكبيرة، وقد تتضاعف في حال استهداف المؤسسات الحكومية أو الأمنية. من المهم الاستناد إلى هذه القوانين لتحديد التكييف القانوني الصحيح للجريمة وتطبيق العقوبات المناسبة على الجناة.

دور النيابة العامة والمحاكم المختصة

تضطلع النيابة العامة بدور محوري في التحقيق في مثل هذه الجرائم. تبدأ النيابة بالتحقيق في البلاغات المقدمة، وتأمر بجمع الأدلة واستدعاء الشهود والخبراء. بعد الانتهاء من التحقيق، تحيل القضية إلى المحاكم المختصة، مثل المحاكم الاقتصادية في بعض الحالات، أو محكمة الجنايات حسب جسامة الجريمة.

تتمثل مهمة المحكمة في مراجعة الأدلة المقدمة والاستماع إلى الحجج من الطرفين، ثم إصدار الحكم النهائي. التعاون الوثيق بين الجهات الأمنية والنيابة العامة والقضاء يضمن تطبيق العدالة ومكافحة هذه الظواهر الإجرامية بفاعلية. يجب أن تكون جميع الإجراءات متبعة بدقة قانونية لضمان سلامة سير الدعوى.

حلول إضافية ووقائية

التوعية الرقمية وبناء القدرات

لمواجهة خطر الفيديوهات المفبركة، من الضروري تعزيز التوعية الرقمية لدى الجمهور والمؤسسات على حد سواء. يجب تثقيف الأفراد حول كيفية التعرف على المحتوى المفبرك وخطورته، وتشجيعهم على التحقق من المصادر قبل تصديق أي معلومات أو إعادة نشرها. يمكن تحقيق ذلك عبر حملات توعية مكثفة في وسائل الإعلام والمدارس.

بالنسبة للمؤسسات الأمنية، يجب بناء قدرات داخلية للرصد والتحليل السريع للمحتوى المشبوه. تدريب الأفراد على استخدام أدوات الكشف عن التزوير وإعداد فرق متخصصة في الاستجابة للحوادث السيبرانية. الاستثمار في التقنيات الحديثة ضروري لحماية الصورة والمصداقية.

التعاون الدولي وتبادل الخبرات

نظرًا للطبيعة العابرة للحدود لجرائم الإنترنت، يصبح التعاون الدولي أمرًا حيويًا. يجب على مصر تعزيز تعاونها مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المتخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية. يشمل ذلك تبادل المعلومات والخبرات التقنية والقانونية حول طرق الكشف والتحقيق والملاحقة.

المشاركة في المؤتمرات والورش الدولية وتبني أفضل الممارسات العالمية يسهم في تطوير القدرات الوطنية. توقيع الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف لتبادل المساعدة القضائية في قضايا الجرائم الإلكترونية يسهل ملاحقة الجناة الذين قد يعملون من خارج الحدود الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock