الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالدعاوى القضائيةالقانون المدنيالقانون المصري

الحيازة في مواجهة الدولة والجهات العامة

الحيازة في مواجهة الدولة والجهات العامة

استعراض شامل للحقوق والسبل القانونية للدفاع عنها

تُعد الحيازة من أهم الحقوق المتفرعة عن الملكية، إذ تمنح الشخص سيطرة فعلية على شيء معين، وقد تكون هذه السيطرة بذات نية التملك أو لسبب آخر. غير أن الحيازة تواجه تحديات جمة عند الاحتكاك بالدولة أو الجهات العامة، التي قد تتصرف بصفة السيادة أو باسم المصلحة العامة، مما يثير تساؤلات حول آليات الدفاع عن هذا الحق. يستعرض هذا المقال الطرق والحلول العملية لحماية الحيازة في مواجهة تصرفات الدولة والجهات الحكومية، موضحاً الإجراءات القانونية المتاحة للحائز.

مفهوم الحيازة وأنواعها في مواجهة الدولة

تعريف الحيازة وأركانها

الحيازة في مواجهة الدولة والجهات العامةالحيازة هي سيطرة فعلية ومادية لشخص على شيء، سواء كان عقاراً أو منقولاً، بنية تملكه أو الاستفادة منه. تتكون الحيازة من ركنين أساسيين: الأول مادي وهو السيطرة الفعلية على الشيء، والثاني معنوي وهو نية الحائز في الظهور بمظهر المالك أو صاحب الحق العيني. تُعتبر الحيازة قرينة على الملكية، ويحميها القانون حتى لو لم تكن متطابقة مع الحق الأصلي.

تكتسب الحيازة أهميتها من كونها الأساس الذي ينشأ عليه حق الملكية بالتقادم المكسب، فضلاً عن كونها مظهراً خارجياً للحق يسهل التعاملات. في مواجهة الدولة، يمكن أن تنشأ الحيازة عن عقود بيع، أو تخصيص، أو حتى عن وضع اليد المديد. فهم طبيعة هذه الحيازة أمر جوهري قبل الشروع في أي إجراء قانوني.

أشكال اعتداء الدولة على الحيازة

تتعدد صور اعتداء الدولة والجهات العامة على حيازة الأفراد للعقارات. قد يتمثل ذلك في الاستيلاء الإداري غير المشروع، والذي يحدث دون اتباع الإجراءات القانونية لنزع الملكية للمنفعة العامة أو تخصيص الأرض لمشروع حكومي. كما يمكن أن تتداخل مشاريع البنية التحتية، مثل شق الطرق أو مد المرافق، مع حيازة الأفراد دون تعويض مناسب أو سند قانوني.

من بين أشكال الاعتداء أيضاً، قيام الجهات العامة بوضع يدها على أراضٍ بحجة أنها أملاك دولة أو أملاك عامة، في حين أن الأفراد يمتلكون مستندات حيازة أو ملكية تثبت حقهم. قد يشمل ذلك أيضاً قرارات إدارية خاطئة بسحب تخصيص أراضٍ سبق للدولة أن خصصتها للأفراد، أو منع الأفراد من استغلال حيازتهم لأسباب غير قانونية.

السبل القانونية للدفاع عن الحيازة ضد الدولة

دعاوى الحيازة القضائية

للدفاع عن الحيازة ضد أي اعتداء، حتى من الدولة، تتوفر ثلاث دعاوى رئيسية هي: دعوى استرداد الحيازة، دعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة. هذه الدعاوى تحمي الحيازة ذاتها بغض النظر عن أساس الحق، وتهدف إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الاعتداء. تُرفع هذه الدعاوى أمام المحكمة المدنية المختصة، وتتطلب إثبات الحيازة الهادئة والظاهرة وغير المنقطعة.

أولاً: دعوى استرداد الحيازة

تُرفع هذه الدعوى عندما تُسلب الحيازة فعلياً من الحائز بالقوة أو خفية. تهدف إلى إعادة الحائز إلى حيازته فوراً. يشترط لرفعها أن تكون الحيازة سابقة على السلب، وأن يكون السلب قد حدث خلال سنة من تاريخه. يجب على المدعي إثبات أنه كان حائزاً للعقار قبل وقوع سلب الحيازة، وأن هذا السلب قد تم دون رضاه وبشكل غير مشروع. لا يلتفت القاضي في هذه الدعوى إلى أصل الحق أو الملكية.

لتقديم الدعوى، يجب إعداد صحيفة دعوى مفصلة تتضمن بيانات الأطراف ووصف العقار وكيفية سلب الحيازة، مع إرفاق المستندات التي تثبت الحيازة السابقة، مثل عقود الإيجار، إيصالات المرافق، أو شهادات الشهود. تُقدم الصحيفة إلى قلم كتاب المحكمة المختصة، مع سداد الرسوم القضائية. يجب أن تتم الإجراءات بسرعة نظراً لطبيعة الدعوى المرتبطة بمهلة السنة.

ثانياً: دعوى منع التعرض

تُستخدم هذه الدعوى عندما يتعرض الحائز لعمل يعكر صفو حيازته دون أن يسلبها منه كلياً، مثل مرور أشخاص أو آليات عبر أرضه دون وجه حق، أو قيام الجهة العامة بأعمال تهدد استغلاله للعقار. يشترط فيها أن يكون الحائز قد تعرض لعمل مادي يعكر حيازته الهادئة، وأن يكون هذا العمل قد تم خلال سنة من تاريخ العلم بالتعرض. تُركز الدعوى على إزالة أسباب التعرض.

يجب على المدعي في هذه الدعوى أن يثبت أن حيازته هادئة وظاهرة ومستقرة، وأن المدعى عليه (الجهة الحكومية أو أتباعها) قد قام بعمل مادي يعكر هذه الحيازة. تتطلب الدعوى إرفاق الأدلة التي تثبت التعرض، مثل صور فوتوغرافية أو تقارير فنية أو شهادات شهود. يتم رفعها بنفس طريقة دعوى استرداد الحيازة أمام المحكمة المدنية، مع تحديد نوع التعرض المطلوب وقفه.

ثالثاً: دعوى وقف الأعمال الجديدة

تُرفع هذه الدعوى عندما تبدأ الجهة العامة في أعمال جديدة على العقار المملوك للحائز، أو الذي يحوزه، وتهدد هذه الأعمال بإلحاق ضرر بحيازته. يجب أن تكون الأعمال قد بدأت ولم تتم بعد، وأن يكون الحائز قد علم بها خلال سنة من بدء العمل، وأن يترتب عليها ضرر محتمل لحيازته. تهدف الدعوى إلى إصدار أمر بوقف هذه الأعمال مؤقتاً أو دائماً.

يتطلب رفع الدعوى تقديم صحيفة دعوى توضح طبيعة الأعمال الجديدة، وموقعها، والضرر المحتمل الذي قد يلحق بالحيازة. يجب تقديم ما يثبت بدء هذه الأعمال، مثل صور أو تقارير معاينة أو شهادات الشهود. تُقدم الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة، وقد يطلب الحائز إصدار قرار مستعجل بوقف الأعمال فوراً لحين الفصل في أصل الدعوى لمنع تفاقم الضرر.

دور القضاء الإداري في حماية الحيازة

إذا كان الاعتداء على الحيازة ناجماً عن قرار إداري صادر عن الدولة أو إحدى جهاتها، مثل قرار تخصيص أو نزع ملكية غير قانوني، فإن السبيل هو اللجوء إلى القضاء الإداري. يمكن للحائز رفع دعوى إلغاء للقرار الإداري المخالف للقانون، بالإضافة إلى دعوى تعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة هذا القرار. يتطلب ذلك دراسة دقيقة للقرار الإداري ومخالفته للقانون.

تشمل الدعاوى الإدارية أيضاً دعاوى التعويض عن الاستيلاء الإداري غير المشروع، حيث تضع الجهة الإدارية يدها على عقار دون استكمال إجراءات نزع الملكية أو إصدار قرار صحيح بذلك. في هذه الحالة، يحق للمالك أو الحائز المطالبة بتعويض عن فترة الحيازة غير المشروعة، بالإضافة إلى المطالبة بإلزام الجهة بإعادة العقار أو استكمال إجراءات نزع الملكية وفقاً للقانون.

الإجراءات الوقائية والتصالح

قبل اللجوء إلى القضاء، يمكن للحائز اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية مثل توجيه إنذارات رسمية للجهة العامة المخالفة عبر محضر رسمي أو خطاب مسجل بعلم الوصول، يوضح فيها حيازته للعقار ويطالبها بوقف الاعتداء. يمكن أيضاً تقديم شكاوى إدارية للجهات العليا المسؤولة عن الجهة المعتدية. في بعض الحالات، يمكن محاولة التفاوض والتصالح مع الجهة الحكومية للوصول إلى حل ودي يضمن حقوق الحائز.

تساهم هذه الإجراءات في توثيق الواقعة وإثبات محاولة الحائز للدفاع عن حقه بشكل سلمي وقانوني قبل اللجوء إلى التقاضي، مما قد يعزز موقفه أمام المحكمة. يجب الاحتفاظ بجميع المراسلات والردود كأدلة مستقبلية. في بعض الأحيان، قد يؤدي الضغط الإداري والإنذارات إلى تراجع الجهة عن تصرفاتها غير القانونية دون الحاجة إلى دعوى قضائية.

نصائح عملية لتعزيز موقف الحائز

جمع المستندات والأدلة

تُعد المستندات هي أساس أي دفاع قانوني قوي. يجب على الحائز جمع كافة الوثائق التي تثبت حيازته للعقار، مثل عقود البيع، عقود الإيجار، إيصالات فواتير الخدمات (كهرباء، مياه)، خرائط مساحية، تراخيص بناء أو هدم، وأي مستند رسمي آخر يثبت وجوده أو تصرفه في العقار. كما يجب توثيق أي اعتداءات بالصور الفوتوغرافية أو مقاطع الفيديو، وتحديد تاريخ ووقت الاعتداء.

لا يقتصر جمع الأدلة على المستندات الرسمية، بل يشمل أيضاً شهادات الشهود الذين يمكنهم الإدلاء ببيانات حول حيازة المدعي للعقار ومدى استقرارها ووضوحها. يمكن أن تكون هذه الشهادات من الجيران، أو الأشخاص الذين تعاملوا مع الحائز بصفته صاحب العقار. يجب أن تكون الشهادات مكتوبة وموقعة، وقد يتطلب الأمر حضور الشهود أمام المحكمة للإدلاء بشهادتهم.

التواصل القانوني والتمثيل

يُنصح بشدة بالاستعانة بمحامٍ متخصص في القضايا العقارية والإدارية فور اكتشاف أي اعتداء على الحيازة من قبل الدولة أو الجهات العامة. يمتلك المحامي الخبرة اللازمة في فهم الإجراءات القانونية المعقدة، وصياغة الدفوع القانونية المناسبة، وتقديم الدعاوى بالطرق الصحيحة. كما يمكنه تمثيل الحائز أمام المحاكم والجهات الإدارية، مما يوفر الجهد والوقت على الحائز ويضمن سير الإجراءات بكفاءة.

يساعد التواصل الفعال مع المحامي في تزويده بكافة التفاصيل والمعلومات الضرورية للقضية، مما يمكنه من بناء استراتيجية دفاع قوية. يجب الاستماع جيداً لنصائح المحامي والالتزام بالإجراءات التي يطلبها، مثل توفير المستندات المطلوبة في أسرع وقت. إن وجود تمثيل قانوني قوي يعزز بشكل كبير فرص الحائز في حماية حيازته واستردادها.

حلول بديلة ومعالجة التحديات المعقدة

التقادم المكسب للحيازة في مواجهة الدولة

في حالات معينة، يمكن أن تكتسب الحيازة صفة الملكية بالتقادم المكسب حتى في مواجهة الدولة، خاصة إذا كانت الأرض ضمن الأملاك الخاصة للدولة وليست أملاكاً عامة. يشترط أن تكون الحيازة حيازة صحيحة مستوفية لشروطها القانونية، وأن تستمر لمدة خمس عشرة سنة متتالية دون انقطاع، وأن تكون الحيازة بهدوء وعلانية وبصفة مستمرة. يجب التأكد من طبيعة ملكية الأرض التي تحوزها الدولة قبل الشروع في هذا الدفع.

إذا كانت الأرض أملاكاً عامة للدولة، فلا تسقط ملكيتها بالتقادم، وهي أموال لا يجوز التصرف فيها. أما إذا كانت ضمن الأملاك الخاصة للدولة، فيمكن للحائز أن يتمسك بالتقادم المكسب إذا استوفى الشروط القانونية. تتطلب هذه المسألة دقة بالغة في الإثبات القانوني والتأكد من الطبيعة القانونية للأرض. يُعد هذا الدفع حلاً قوياً في بعض المنازعات المعقدة التي طال أمدها.

التعويض عن الأضرار

في حال تعذر استرداد الحيازة أو إزالة التعرض، أو إذا كانت الجهة الحكومية قد تسببت في أضرار مادية للحائز نتيجة لاعتدائها، يحق للحائز المطالبة بالتعويض عن كافة الأضرار التي لحقت به. يشمل ذلك قيمة ما فقده من منفعة العقار، وتكاليف الإصلاحات، وأي خسائر أخرى مباشرة ناتجة عن الاعتداء. تُرفع دعوى التعويض أمام المحكمة المختصة، مع ضرورة إثبات الضرر والعلاقة السببية بينه وبين تصرف الجهة الحكومية.

يجب تقدير التعويض بشكل دقيق وموضوعي، وقد يتطلب ذلك الاستعانة بخبراء لتقييم الأضرار، مثل خبراء التثمين العقاري أو المهندسين. يهدف التعويض إلى جبر الضرر الذي لحق بالحائز وإعادته إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الاعتداء، قدر الإمكان. يُعد هذا الحل بديلاً قانونياً مهماً عندما يصبح استرداد الحيازة أمراً غير ممكن أو غير مجدٍ.

Dr. Mena Fayq

د. دكتوراة في القانون الجنائي الدولي، المحامي بالجنايات والجنايات المستأنفة، مستشار ومدرب دولي معتمد في القانون الجنائي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock