مسؤولية حارس الأشياء في القانون المدني
محتوى المقال
مسؤولية حارس الأشياء في القانون المدني
أسسها، أركانها، وكيفية التعامل مع دعواها في القانون المصري
تُعد مسؤولية حارس الأشياء من أهم صور المسؤولية التقصيرية في القانون المدني، وتنشأ هذه المسؤولية دون حاجة لإثبات خطأ الحارس الشخصي، بل تقوم على فكرة الخطأ المفترض بحكم القانون. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل لهذه المسؤولية، بدءًا من تعريفها وأركانها، مرورًا بكيفية إثباتها والتحرر منها، وصولًا إلى الإجراءات القانونية اللازمة لرفع دعاوى التعويض عنها، مع التركيز على تقديم حلول عملية وإرشادات للمتضررين.
ماهية مسؤولية حارس الأشياء وأساسها القانوني
مفهوم الحراسة في القانون المدني
تعني الحراسة في سياق المسؤولية المدنية السيطرة الفعلية والمادية على الشيء، سواء كان هذا الشيء آلة أو بناء أو أي جسم آخر يتطلب عناية خاصة. لا يشترط أن يكون الحارس هو المالك، فقد يكون مستأجرًا أو حائزًا أو حتى مجرد مستخدم. العبرة هنا بالسيطرة الفعلية التي تمكن الشخص من توجيه الشيء والتحكم فيه ومراقبته، مما يجعله مسؤولًا عن الأضرار التي قد يسببها هذا الشيء للغير.
الأساس القانوني للمسؤولية
تستند مسؤولية حارس الأشياء في القانون المدني المصري، على سبيل المثال، إلى المادة 178 من القانون المدني. تنص هذه المادة على أن “كل من كان حائزًا لشيء يقتضي حراسته عناية خاصة أو حراسة الآلات الميكانيكية، يكون مسئولًا عما يحدثه هذا الشيء من ضرر، ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان لسبب أجنبي لا يد له فيه”. هذا النص يوضح أن المسؤولية تقوم على فكرة الخطأ المفترض، أي أن القانون يفترض خطأ الحارس بمجرد وقوع الضرر بفعل الشيء.
أركان مسؤولية حارس الأشياء
لتحقق مسؤولية حارس الأشياء، يجب توفر ثلاثة أركان أساسية وهي: وجود شيء تتطلب حراسته عناية خاصة أو كونه آلة ميكانيكية، ووقوع ضرر للغير بفعل هذا الشيء، ووجود علاقة سببية مباشرة بين فعل الشيء والضرر الذي وقع. يجب أن يكون الشيء هو السبب المباشر والوحيد أو الرئيسي في إحداث الضرر، بحيث لا تتداخل عوامل أخرى تنفي علاقة السببية أو تقلل منها.
الركن الأول يتعلق بالشيء نفسه؛ يجب أن يكون له دور إيجابي في إحداث الضرر، بمعنى أن يتدخل في وقوعه بحركته أو سكونه. أما الركن الثاني فهو الضرر، ويجب أن يكون محققًا، سواء كان ماديًا أو معنويًا، وأن يكون قد أصاب المضرور في ماله أو جسده أو شعوره. الركن الثالث، وهو علاقة السببية، يعني أن الضرر الناتج يجب أن يكون نتيجة مباشرة لفعل الشيء الخاضع للحراسة.
طرق إثبات مسؤولية حارس الأشياء وإجراءات التحرر منها
عبء الإثبات على المضرور
يقع عبء إثبات الضرر وعلاقة السببية بينه وبين فعل الشيء على عاتق المضرور. بمعنى آخر، يجب على المتضرر أن يقدم الدليل على أن ضررًا قد لحق به، وأن هذا الضرر قد نجم مباشرة عن الشيء الذي كان في حراسة المدعى عليه. لا يطلب من المضرور إثبات خطأ الحارس، فالقانون يفترض هذا الخطأ، مما يسهل عليه مهمة الإثبات ويجعلها تركز على جانب الضرر والعلاقة السببية.
يمكن للمضرور الاستعانة بالتقارير الفنية المتخصصة، مثل تقارير المعاينة الهندسية أو الطبية، لإثبات طبيعة الضرر وحجمه. كما يمكن الاستشهاد بشهادات الشهود الذين كانوا حاضرين وقت وقوع الحادث، أو تقديم أي مستندات أو صور أو مقاطع فيديو تدعم ادعائه بوقوع الضرر وعلاقته بالشيء. كل هذه الأدلة تعزز موقف المضرور أمام القضاء وتقدم أساسًا قويًا لدعواه.
حالات نفي المسؤولية عن الحارس
يمكن للحارس أن ينفي مسؤوليته إذا أثبت أن وقوع الضرر كان لسبب أجنبي لا يد له فيه. تشمل الأسباب الأجنبية القوة القاهرة، أو الخطأ المفاجئ من جانب المضرور، أو فعل الغير. يجب أن يكون السبب الأجنبي الذي يدفع به الحارس كافيًا لقطع علاقة السببية بين فعل الشيء والضرر، بحيث يثبت أن الضرر لم ينجم عن الشيء ذاته بل عن عامل خارجي لا يمكن للحارس توقعه أو دفعه.
لإثبات القوة القاهرة، يجب أن تكون الحادثة غير متوقعة ولا يمكن دفعها. أما خطأ المضرور، فيجب أن يكون خطأً جسيمًا وكافيًا لإحداث الضرر، ويقطع تمامًا علاقة السببية بفعل الشيء. إذا كان خطأ المضرور مشتركًا مع فعل الشيء، فقد يتم تخفيف المسؤولية. كذلك، إذا كان فعل الغير هو السبب الوحيد للضرر، فإن مسؤولية الحارس تنتفي. هذه الحالات توفر للحارس سبلًا قانونية للدفاع عن نفسه ونفي المسؤولية المفترضة عنه.
أهمية التقارير الفنية والشهادات
تُعد التقارير الفنية المتخصصة والشهادات من الأدلة المحورية في دعاوى مسؤولية حارس الأشياء. على سبيل المثال، في حال وقوع ضرر بفعل آلة ميكانيكية، فإن تقرير الخبير الهندسي يمكن أن يوضح العيب في الآلة أو طريقة عملها التي أدت إلى الضرر. وفي حوادث البناء، يمكن لتقرير هندسي متخصص أن يثبت تقصير الحارس في الصيانة أو البناء.
كذلك، تلعب شهادات الشهود دورًا حاسمًا في رسم الصورة الكاملة للحادث. شهادات العيان الذين شاهدوا الواقعة بشكل مباشر يمكن أن تدعم ادعاءات المضرور حول كيفية وقوع الضرر وعلاقته بالشيء. هذه الأدلة الموضوعية والفنية تساعد القاضي على تكوين قناعة راسخة حول مسؤولية الحارس أو نفيها، وبالتالي الوصول إلى حكم عادل وموضوعي في الدعوى.
الإجراءات القانونية وسبل الحصول على التعويض
خطوات رفع دعوى المسؤولية المدنية
لرفع دعوى مسؤولية حارس الأشياء، يبدأ المتضرر بجمع الأدلة اللازمة التي تثبت الضرر وعلاقته بالشيء الخاضع للحراسة. بعد ذلك، يتوجه إلى محامٍ متخصص في القانون المدني لتقديم الاستشارة القانونية وإعداد صحيفة الدعوى. يجب أن تتضمن صحيفة الدعوى تفاصيل الحادث، نوع الضرر، قيمة التعويض المطالب به، والأسانيد القانونية التي تدعم الدعوى.
تُقدم صحيفة الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة. بعد قيد الدعوى، يتم تحديد جلسة لنظرها، ويتم إعلان المدعى عليه بها. خلال سير الدعوى، يمكن للمحكمة أن تنتدب خبراء فنيين لمعاينة موقع الحادث أو فحص الشيء الذي سبب الضرر لتقديم تقرير فني. هذه الخطوات تضمن سير الدعوى وفق الأصول القانونية وتوفير كافة الأدلة اللازمة لإصدار حكم عادل.
تقدير التعويض المستحق
يتم تقدير التعويض المستحق عن الأضرار التي لحقت بالمضرور بناءً على حجم الضرر ونوعه. يشمل التعويض الأضرار المادية، مثل تكاليف العلاج أو إصلاح الممتلكات أو فقدان الدخل بسبب الإصابة. كما يمكن أن يشمل التعويض الأضرار المعنوية، وهي الأضرار التي تصيب الشعور أو السمعة، ويتم تقديرها بناءً على ما تراه المحكمة مناسبًا لتعويض المضرور عن معاناته النفسية أو الأدبية.
يتطلب تقدير التعويض تقديم فواتير ومستندات رسمية تثبت الخسائر المادية، بالإضافة إلى تقارير طبية توضح طبيعة الإصابة ومدى تأثيرها على حياة المضرور. الهدف من التعويض هو جبر الضرر وإعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر قدر الإمكان، أو تعويضه عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة.
دور المحكمة المدنية في هذه الدعاوى
تضطلع المحكمة المدنية بدور محوري في الفصل في دعاوى مسؤولية حارس الأشياء. تقوم المحكمة بالتحقق من استيفاء أركان المسؤولية، وهي وجود الشيء والضرر وعلاقة السببية. كما تستمع المحكمة إلى أقوال الأطراف وشهودهم، وتفحص الأدلة المقدمة، بما في ذلك التقارير الفنية والطبية، وتوجه الأسئلة للخبراء المنتدبين لضمان وضوح الحقائق.
بناءً على ما تقدم من أدلة ومرافعات، تصدر المحكمة حكمها إما بإلزام الحارس بالتعويض أو برفض الدعوى في حال انتفاء أحد الأركان أو إثبات الحارس لسبب أجنبي ينفي عنه المسؤولية. تتميز المحكمة المدنية بقدرتها على تقدير التعويض المناسب بناءً على السلطة التقديرية للقاضي ووفقًا لمبادئ العدالة والإنصاف، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية.
نصائح قانونية للمتضررين والحراس
للمتضررين، من الضروري الإسراع في توثيق الحادثة بكافة التفاصيل، وجمع الأدلة الفوتوغرافية أو الفيديو، وطلب تقارير طبية فورًا في حال وجود إصابات. ينصح كذلك بعدم التنازل عن الحقوق والتواصل مع محامٍ متخصص في أقرب وقت ممكن لضمان سير الإجراءات القانونية بشكل سليم والحفاظ على الحق في التعويض. لا تتهاون في المطالبة بحقك.
أما بالنسبة للحراس، فيجب عليهم اتخاذ كافة التدابير الوقائية اللازمة لضمان سلامة الأشياء التي في حراستهم وصيانتها بانتظام لتجنب وقوع أي أضرار. في حال وقوع حادث، يجب عليهم التعاون مع السلطات وتقديم كل المعلومات والوثائق التي قد تساعد في إثبات عدم مسؤوليتهم أو وجود سبب أجنبي. الالتزام بالمعايير الأمنية والصيانة الدورية يقلل من احتمالية تحمل المسؤولية.