الإجراءات القانونيةالإستشارات القانونيةالقانون الجنائيالقانون المصريقانون الأحوال الشخصية

التحقيق مع القُصّر وضماناتهم القانونية

التحقيق مع القُصّر وضماناتهم القانونية

دليل شامل لحقوق القاصر أثناء التحقيق في القانون المصري

يُعد التحقيق مع الأشخاص القُصّر من أكثر الإجراءات القانونية حساسية، نظرًا لطبيعتهم النفسية والعمرية التي تتطلب معاملة خاصة. وقد أولى المشرع المصري اهتمامًا كبيرًا بهذه الفئة، حيث وضع مجموعة من الضمانات والحقوق التي تهدف إلى حمايتهم وتوفير محاكمة عادلة لهم منذ اللحظة الأولى للمساءلة القانونية. هذا المقال يقدم دليلاً عمليًا ومفصلاً حول كيفية سير التحقيق مع القاصر، والضمانات التي كفلها له القانون، والخطوات التي يجب على ولي الأمر اتباعها لضمان حماية حقوق ابنه أو ابنته.

الإطار القانوني للتحقيق مع القاصر

من هو القاصر في نظر القانون المصري؟

التحقيق مع القُصّر وضماناتهم القانونيةيعرّف قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، الطفل أو القاصر بأنه كل من لم يتجاوز عمره ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الواقعة محل المساءلة. هذا التعريف هو حجر الزاوية الذي تُبنى عليه كافة الإجراءات القانونية الخاصة، حيث يتمتع كل من يندرج تحت هذا العمر بحماية ومعاملة خاصة تختلف جذريًا عن الإجراءات المتبعة مع البالغين. ويتم تحديد السن بموجب وثيقة رسمية كشهادة الميلاد، وفي حال عدم وجودها، يتم تقدير السن بواسطة خبير طبي.

الجهات المختصة بالتحقيق مع القُصّر

لا يتم التحقيق مع القاصر في أقسام الشرطة العادية أو أمام النيابة العامة كغيره من البالغين. القانون المصري أنشأ جهات قضائية متخصصة للتعامل مع قضايا الأطفال، وهي نيابة الطفل ومحكمة الطفل. تتولى نيابة الطفل مسؤولية التحقيق في الجرائم التي يرتكبها القُصّر أو التي يكونون ضحايا فيها. يتميز أعضاء نيابة الطفل بتأهيل خاص يمكنهم من فهم الأبعاد النفسية والاجتماعية للطفل، مما يضمن أن يتم التحقيق في بيئة مناسبة لا تسبب له ضررًا نفسيًا، وبعيدًا عن الأجواء المعتادة للتحقيقات الجنائية مع البالغين.

ضمانات القاصر أثناء مرحلة التحقيق

الحق في حضور ولي الأمر أو محامٍ

من أهم الضمانات التي نص عليها القانون هو عدم جواز التحقيق مع القاصر إلا في حضور أحد والديه أو من له الولاية عليه أو وصيّه. وفي حال تعذر حضورهم، يجب أن يحضر محامٍ معه جلسة التحقيق. هذا الإجراء ليس شكليًا، بل هو ضمانة أساسية تهدف إلى توفير الدعم النفسي والمعنوي للقاصر، والتأكد من عدم تعرضه لأي ضغط قد يؤثر على أقواله. يضمن حضور المحامي أيضًا سلامة الإجراءات القانونية، والدفاع عن حقوق القاصر، وتقديم المشورة القانونية اللازمة له ولولي أمره.

حظر استخدام الإكراه وحق المعاملة الخاصة

يُحظر منعًا باتًا استخدام أي شكل من أشكال الإكراه المادي أو المعنوي أو التهديد أو الترهيب ضد القاصر لحمله على الاعتراف. يجب أن تتم عملية استجوابه بأسلوب يتناسب مع عمره ومستوى إدراكه، وغالبًا ما يتم ذلك بحضور أخصائي اجتماعي أو نفسي. الهدف هو الوصول إلى الحقيقة دون إلحاق أي أذى نفسي بالطفل. أي اعتراف يتم الحصول عليه تحت تأثير الإكراه يُعتبر باطلاً ولا يُعتد به قانونًا، ويُعرض من قام به للمساءلة القانونية.

سرية التحقيقات وأماكن الاحتجاز المناسبة

نص القانون على ضرورة سرية التحقيقات التي تجري مع القُصّر، وذلك لحماية سمعتهم ومستقبلهم. فلا يجوز نشر أسمائهم أو صورهم أو تفاصيل القضايا المتعلقة بهم في وسائل الإعلام. وإذا اقتضت ضرورة التحقيق حجز القاصر، فلا يتم احتجازه في الأماكن المخصصة للبالغين. بل يجب إيداعه في دور الملاحظة الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وهي أماكن مجهزة لتوفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية المناسبة للأطفال، لضمان عدم اختلاطه بالمجرمين البالغين.

خطوات عملية عند استدعاء قاصر للتحقيق

الخطوة الأولى: فهم الموقف والتواصل مع محامٍ

عندما تتلقى استدعاءً بحضور ابنك القاصر للتحقيق، فإن الخطوة الأولى هي التزام الهدوء وعدم إظهار الخوف أمامه. حاول فهم سبب الاستدعاء وطبيعة الواقعة المنسوبة إليه بهدوء. الخطوة التالية والمباشرة هي التواصل الفوري مع محامٍ متخصص في قضايا الأحداث أو القانون الجنائي. المحامي سيقدم لك المشورة الصحيحة، وسيوضح لك حقوقك وحقوق ابنك، وسيتولى متابعة الإجراءات منذ البداية، مما يمنع وقوع أي أخطاء قد تضر بموقف القاصر القانوني.

الخطوة الثانية: تجهيز القاصر وتوضيح حقوقه

قبل الذهاب إلى جلسة التحقيق، من الضروري تهيئة القاصر نفسيًا. تحدث معه بأسلوب بسيط ومطمئن، وأخبره بأنه ليس وحده وأنك والمحامي ستكونان بجانبه. اشرح له بلغة يفهمها أن من حقه عدم الإجابة على أي سؤال يوجه إليه إلا في حضور المحامي، وأن عليه قول الحقيقة بهدوء ودون خوف. هذا الدعم النفسي يقلل من توتر القاصر ويساعده على التماسك أثناء التحقيق، ويضمن أن تكون أقواله صادقة ومعبرة عن الواقع.

الخطوة الثالثة: الإجراءات أثناء جلسة التحقيق

أثناء جلسة التحقيق، تأكد من وجود المحامي قبل بدء الاستجواب. دورك كولي أمر هو تقديم الدعم النفسي لابنك، بينما يتولى المحامي الجانب القانوني. سيحرص المحامي على أن تتم جميع الإجراءات وفقًا للقانون، وسيعترض على أي سؤال قد يكون إيحائيًا أو ضاغطًا على القاصر. يجب عليك الالتزام بتعليمات المحامي وعدم التحدث إلا إذا طُلب منك ذلك، لضمان سير التحقيق بسلاسة ودون أي تعقيدات قد تؤثر سلبًا على القضية.

بدائل العقوبات والتدابير التربوية

التدابير التربوية كحل أساسي

فلسفة قانون الطفل لا تقوم على العقاب بقدر ما تقوم على الإصلاح والتقويم. لذلك، فإن المحكمة لديها مجموعة واسعة من التدابير التي يمكنها أن تحكم بها بدلاً من العقوبات السالبة للحرية. من هذه التدابير: التوبيخ، تسليم القاصر لأحد والديه أو لولي أمره مع أخذ تعهد بحسن رعايته، أو إلحاقه ببرامج تدريب مهني أو تأهيل. كما يمكن فرض الاختبار القضائي، حيث يوضع القاصر تحت إشراف مراقب اجتماعي لفترة معينة للتأكد من سلوكه. الهدف هو إعادة دمج الطفل في المجتمع كفرد صالح.

دور الأخصائي الاجتماعي والتصالح

يلعب الأخصائي الاجتماعي دورًا محوريًا في قضايا القُصّر. فالمحكمة تستعين بتقرير الأخصائي الاجتماعي لدراسة حالة الطفل من كافة الجوانب الأسرية والاجتماعية والتعليمية. هذا التقرير يساعد القاضي على فهم الدوافع التي أدت لارتكاب الفعل واختيار التدبير الأنسب لحالة القاصر. وفي بعض الجنح والمخالفات البسيطة، يتيح القانون إمكانية التصالح بين المجني عليه وأهل القاصر، وإذا تم التصالح، تنقضي الدعوى الجنائية، وهو حل يهدف إلى رأب الصدع الاجتماعي وتجنب الإجراءات القضائية الطويلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock